الباطنيّة الجديدة وعالم الجريمة

محمد علي شاهين

[email protected]

لا أظنّ أنّ أحداً من المتابعين للقضايا العامّة، لم يسمع بجريمة (ليزي بوردين) الأكثر شهرة في أمريكا، وملهمة الكثير من كتاب ومخرجي أفلام الرعب، التي هشّمت رأس أبيها، ثم رأس زوجته بالفأس، في ذلك اليوم المشؤوم من عام 1892، ثم نالت البراءة في المحكمة بسبب نقص الأدلّة.

ولا بالقاتل المحترف الطبيب (هارولد شيبمان) أشهر سفّاح في بريطانيا، الذي قتل بدم بارد 345 من مرضاه على مدى أربعة وعشرين عاماً بمنطقة هايد بالقرب من مانشستر، قضاها في مهنته كطبيب معالج.

ولا بالقاتل الروسي المحترف (أندريه شيكاتيلو) الذي قتل 56 شخصاً أكثرهم من الأطفال والنساء.

ولا بالقس المهووس (جيم جونز) رئيس الطائفة الدينيّة الذي انتحر مع 918 من أتباعه في مدينة غوانا بولاية سان فرانسيسكو في عام 1978.

ولا أظن أنّ قاتلاً محترفاً جاء من عالم الجريمة والمافيا يقوى على ارتكاب جرائم بحجم المجازر المروّعة التي ترتكب في البلاد السوريّة، على مرآى ومسمع من شعوب العالم وحكوماته، ثم يعطى الهدنة تلو الهدنة، والمبادرة تلو الأخرى، ليقتل ويشرّد المزيد من المواطنين، ويهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، دون حياء أو خوف من الله والناس.

لأنّه فاق المسكينة (ليزي بوردين) التي استخدمت كسلاح لجريمتها الفأس، واستخدم بشّار وعصابته المدفعيّة والصواريخ والطائرات والبراميل المتفجّرة والقنابل العنقودية.

وقتل طبيب العيون بمسدس النظام عشرات الألوف من الرجال والنساء والأطفال، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، وسوّى أحياءً وقرى وبلدات بالأرض، ففاق بجرائمه طبيب الموت (هارولد شيبمان) صاحب الجرعة الزائدة من المورفين المخدّر.

وتفوّق على القاتل السادي المحترف (شيكاتيلو) الذي يحصل على لذته الجنسية من مشاهدة ضحاياه وهم يتعذبون حتى الموت، عندما قتل بشّار وعصابته في يوم واحد أكثر مما قتله (شيكاتيلو) طوال حياته الإجراميّة.

وها هوذا بشار ينتحر وعصابته مثل القس (جيم جونز) الذي عمل بمبدأ: "إنّ أي مجموعة من الأشخاص يمكن اكتساب ولائهم وتوحيد صفوفهم، إذا تمّ إقناعهم بوجود عدو مشترك يهدّد حياتهم".

وانتحرت مع بشار شبيحته وعصاباته من قتلة الأطفال ومغتصبي النساء وسارقي قوت الشعب، وطائفة ارتقت مرتقى صعباً حتى ظنت بأنّها أفضل البشر على هذا الكوكب، وأنّه لا يستحق الحياة غيرها، فانتحرت معه، ومعها كلّ العاكفين على أصنامه المحطّمة، والساجدين على صوره البائسة.

ولست أدري بأي حق يضطهدون شعبنا الذي صبر على ظلمهم وفسادهم أربعة عقود، ومن أعطاهم هذا الحق وسوّغ لهم جريمة قتل الإنسان السوري، وترويع أبنائه وتهجيرهم، وبرّر لهم استخدام الآلة العسكريّة السوريّة للإغارة على المدن، وقصف الأحياء السكنيّة براجمات الصواريخ والمدفعيّة الثقيلة.؟

وبأي وجه يريد هذا القاتل الأنيق الملطخة يداه بدم الشعب السوري وقد سقط القناع عن وجهه أن يواصل حكم شعب في كل بيت من بيوته المهدّمة نائحة وثأر، ودم ينذف، وجرح عميق في وجدانه وذكرياته.

وبأي حجّة تنوح الباطنيّة الجديدة على شهيد كربلاء وتجلد نفسها، وهي تمدّ نظام القتلة والشبيحة بالمال والسلاح والرجال، لتقنع الناس بظلم يزيد وصدّام.

لقد كفر الشعب السوري بزعيمهم الأوحد، وشعاراتهم الجوفاء، وإصلاحاتهم الخرقاء، وحزب عصابة القتلة والانتهازيين والمخبرين.   

أمّا "المقاومة" تلك الكلمة المقدّسة التي ابتدعوها بعد تسليم الجولان، للتمويه على مشروع تحرير فلسطين، فقد ارتكبوا الموبقات السياسيّة والأخلاقيّة باسمها، ورقصوا على جثث الناس باسمها، ودمّروا الاقتصاد السوري وسرقوه باسمها، فهي كذبة كبرى لا تنطلي إلاّ على الحمقى والمغفّلين.

أيّة وقاحة هذه التي تدعوهم لأن يسوموا الشعب بالحديد والنار تحت راية المقاومة تارة، وتحت دعوى مكافحة التطرّف والإرهاب تارة أخرى.

إنّ شرف المقاومة وتحرير فلسطين والمغتصب من أرض العرب لا يعطى لأحفاد ابن العلقمي، ولا لمن كانوا يدلّون على عورات المسلمين، ويرشدون إلى مواقع القلاع والحصون، ويقومون بمهمة الأدلاّء للطرق أمام جيوش الغزاة، ولمن كان آباؤهم يشكّلون 90% من جيش الشرق الفرنسي، ولا لمن يقتلون شعبهم.

ومهما حاولت المناهج المزوّرة، والإعلام المنافق أن تغسل عقول الجيل الحاضر، وتصنع أبطالاً للاستقلال من ورق، ورموزا للتحرير من عالم الخيال، فإنّ ذاكرة الشعوب عصيّة عن النسيان.

لقد حاول العارفون بحقائق الأمور تناسي جراح الماضي، فأبى بشّار وعصابته إلاّ أن ينكأوا الجراح، ويعيدوا سيرة آبائهم، وحشدوا خلفهم طائفتهم لإدامة الظلم والطغيان والفساد.

لقد عاد هؤلاء المهووسون بالانتقام المنغمسون في عالم الجريمة إلى سيرتهم القديمة، يوم قتل القرامطة الحجاج في الحرم، ورموهم في بئر زمزم، وضرب دعيّهم الحجر الأسود بالنبوت.

يوم كان الغادرون يترصّدون أمراء المسلمين وقادتهم العائدين من معاركهم المظفّرة ضدّ الصليبيين لينقضّوا عليهم من خلف أبواب المساجد بالسكاكين في دمشق.

وهاهم اليوم يستبيحون الدماء والأعراض والأموال في بلاد الشام، ويقصفون من الجو المدن الآمنة بالبراميل المشحونة بالثأر، المملوءة بالحقد والبارود. 

يقول مؤلّف كتاب: (أثر الحركات الباطنيّة في عرقلة الجهاد ضدّ الصليبيين): "أحصيت عدد من اغتالتهم الباطنيّة فبلغ 42 ما بين عالم وأمير وقائد"، وأحصيت ما قتلته الباطنيّة الجديدة في العراق والشام ولبنان فبلغت مئات الألوف من أبناء الملّة.

ونسي الغادرون أنّ الله قد تكفل لرسوله بالشام وأهله، مهما تحالفت الباطنيّة الجديدة مع عالم الجريمة عليهم، ومهما بغى الباغون وتمادوا في كيدهم، فهو حاميهم وعاصمهم ومعيدهم إلى ديارهم سالمين غانمين منصورين بإذن الله، لا يضرّهم من خذلهم ولا من عاداهم، وسلب السعادة من قلوبهم، والفرحة من عيون أطفالهم.