الوثن الجديد

الوثن الجديد

عمر حيمري

انشغلت حركات النسوة الجديدة ، بتذويب الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الذكور والإناث ، وأهملت دورها الطبيعي الذي يمكنها من صناعة مستقبلها ومستقبل  مجتمعاتها إن هي استغلته في تنمية قدراتها التي خصها الله بها . فكانت النتيجة تشبه بالجنس الآخر وتقليده وانسلاخ عن الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان وطغيان النساء وفسق الرجال وشذوذ جنسي وزواج مثلي ودعوات لحرية الجسد وحرية الجنس وتحرير الإجهاض ... وهذه وثنية جديدة تستهدف الإسلام وهوية معتنقيه ، وتعمل على هدمه وتدميره من الداخل . يقول صلى الله عليه وسلم : { ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه بالنساء من الرجال } ( صحيح الجامع 5433 ) .

إن حركات النسوة الجديدة ، لم تعد تتورع عن الدعوة وبأعلى صوتها إلى الفاحشة بحجة الحرية والديمقراطية والمساواة  والانفتاح . تقول الكاتبة الوجودية سيمون دي بوفوار : ( ... من حق الزوجة أن تزني ، وإذا كان زوجها يضيق بوليد من أب آخر ، فإن التقدم العلمي حل هذه المشكلة .) ( نقلا عن ركائز الإيمان بين القلب والقلب لمحمد الغزالي ص 302 ) وتضيف قائلة : ( ..ز بأن من م{ثر العلم الحديث ، أنه هدم الحجة العتيقة بما ابتدعه  من وسائل  منع الحمل ، وبذلك تمكن المعاشرة الجنسية بلا قيد ولا شرط ، وبدون نتائج يتضرر منها الزوج ، ويتذرع بها  القانون لشديد النكير على الزوجة ، التي تثبت عليها الخيانة الزوجية ( المرجع السابق  302 ) وتتجاوز سيمون كل الأديان والأعراف والأخلاق لإنسانية حين ترى ممارسة الحب خارج ليت الزوجية ، أفضل من الزواج ، لأن الحب إرادي ومجاني ، وغير مكلف اقتصاديا ، ولا اجتماعيا . تقول سيمون : (  إن مبدأ الزواج ، مبدأ فاضح ناب ، ولأنه يحول إلى حق ، وواجب ما هو بحكم الطبيعة تبادل حر ، ينبغي أن يقوم على الباعث التلقائي...)

كما تدعو سيمون إلى الاعتراف بالأم العازبة وحقها في الإنجاب من دون أن ترغب في الارتباط بزوج ، تلحق بعالمه ، وتكون له خادمة ، ينال منها لذته ومتعته ، مقابل تعويض مادي هو ضمان الاستقرار . كما أن ابنة نائب الرئيس الأمريكي بوش ديك تشيني تعلن في كتابها : " الآن حان دوري : يوميات في الحياة السياسية " عن كونها مثلية الجنس وعن علاقتها الحميمية بشريكتها هيذر بر وعن تأييدها لزواج المثليين وقانونيته ( مجلة بيبو في عدد الجمعة 5\5\2006 ) .

ويصنف أحد المفكرين اليساريين المغاربة وهو أستاذ جامعي : ( الدعارة بأنها عمل جنسي ، لافرق بينه وبين أي عمل آخر شريف ) ويدعو بدوره إلى تبني الخلاق المدنية المدافعة عن حق المتعة الجنسية الحرة التي لا تتقيد إلا بالعازل الطبي . وأنه لا يجد أي غضاضة أو حرج في مضاجعة أخته . يقول هذا المفكر الإباحي : ( ... يتم تبني الغشاء الواقي من خلال تصور أداتي وبرغماتي دون تبني الأخلاق المؤسسة له ، تلك الأخلاق المدنية عن حق المتعة الجنسية بغض النظر عن الهوية الجنسية _ رجل \ امرأة وعن الوضع الزوجي _ متزوج \ غير متزوج _ وعن الاتجاه الجنسي _ غيري \ مثلي ) كما يربط هذا المفكر بدون مراعاة ولا احترام لمشاعر مجتمعه الدينية وقيمهم الأخلاقية والعرفية ، بين التنمية والإباحية ، فيقول : ( إن دعوة الفضائيات الإسلاموية إلى الصوم الجنسي ، وإلى الفصل بين الجنسين ، وإلى ارتداء الحجاب ، والنقاب دعوة تناقض صراحة ضرورة التنمية ، وتناقض أساسا حتمية التنمية البشرية ووجوبها .) و:كأني  به قد غابت عنه المآسي الاقتصادية والاجتماعية والصحية والسياسية والأخلاقية التي تسببها الإباحية الجنسية ن وما تجره من أمراض كالسيدا ، التي أصبحت تنتشر بشكل مخيف رغم الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة ، تاركة دمارا في النفوس والاقتصاد ، ومعرقلة للتنمية ومتسببة في ضعف الإنتاج بل مهددة له بالأساس ، نذكر هنا نموذج جنوب إفريقيا وأغندا .

إن وزارة الصحة العالمية تنفق على الأمراض التي تسببها الإباحية الجنسية بلايين الدولارات ، وكان من الممكن أن تنفق جزءا يسيرا منها لبناء بيوت الزوجية وتحافظ على صحة وسلامة الإنسان .

إن  حركات التحرر الجديدة تحرض المرأة على التخلي عن وظيفتها الطبيعية كأم وبة بيت ، وكحاضنة ، وكمربية لأجيال المستقبل ... وجردتها من أنوثتها ، وأيقظت فيها الجانب الحيواني الغريزي وهيجته ، ثم سلطتها على المجتمع لتنخره كالسوس بنشرها للفتنة في كل مكان وذلك عن طريق التفنن في العري ، الذي يثير الغرائز ويلفت  النظرة الحرام والفكر الحرام ، كما دفعت بها إلى مستنقع الجريمة والرذيلة ... وحولتها من صانعة للرجال كالخنساء إلى مهندسة للجرائم . فعد أن حققت المرأة الحرية ، وشاركت الرجل في كل أعماله ومناصبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ووطدت علاقتها مع الرجال بولوجها إلى الحياة العامة_ حتى حلاقة الرجال للنساء والنساء للرجال ، في محلات عمومية _ فرطت في مسؤولياتها التربوية ، كأم لها دورها وأثرها في التنشئة الاجتماعية ، تاركة البيت للطفل المفتاح ، وساهمت في تزايد الجريمة . يقول المجدوب أحمد علي : ( إن معدل الجريمة يرتبط مباشرة بولوج النساء الحياة العامة ، وتتزايد نسبة جرائمهن ، مع تزايد مسؤوليتهن ... لأن النساء كأمهات  لهن أثر على أطفالهن ، لكونهن مسئولات وحدهن عن تنشئتهن الاجتماعية ) ( والجريمة ، القاهرة  دار النهضة العربية 1977 ص 3 ) .

إن الغرب يحاول أجندة الحركات النسوية من التغيير .... 

 

الوثن الجديد (2)

إن الغرب يحاول أجندة الحركات النسوية من أجل التغيير السياسي ، والتشريعي ، وتقويض عرى الإسلام عروة ، عروة ، ومن أجل النيل من ما يعتبر من الثوابت في العالم الإسلامي كالأسرة ، والإنجاب ، والقوامة ، والتعدد ، والطلاق ، والزواج بغير المسلم ، والمحافظة على النسل  وتحريم الإجهاض ....

إن الحركات النسوية أو ( الدكاكين النسوية – لكثرتها وتنوعها -) في عالمنا الإسلامي تحمل في ذاتها أهدافا ومشاريع تضر بمصالحنا الاقتصادية ، والدينية ، وتخلخل عوائدنا ، وأعرافنا ، وقبل ذلك عقائدنا وقيمنا ، وتمرر قوانين جديدة  للأسرة لا تمت بصلة بشريعتنا . ولهذا نجد الأمم المتحدة ، وكافة المنظمات الدولية والمحلية ، كمنظمة أرض البشر السويسرية المنشأ – ومنظمة التضامن النسائي ، التي أنشأتها عائشة الشنة سنة 1985 . هذه المنظمات وغيرها من المنظمات ذات التوجه الإصلاحي الليبرالية  ، أو الماركسي، أو الراديكالي ، كلها  تحاول فرض أجندة الحركات النسوية على المجتمعات الإسلامية ، وتنفق على ذلك أموالا طائلة ، وتجند فكرا ضالا مضلا ، وإيديولوجية مغرضة ، غير بريئة ، محاولة منها الإيقاع بين الرجل والمرأة ، ومواجهة كل جهود المرأة وطاقتها ضد الرجل ، لتشغلها عن المواجهة الحقيقية ، التي يجب أن تكون بين المرأة ، والأنظمة الفاسدة ، والأفكار المنحلة الهدامة ، التي تحكم العلاقات التنموية في المجتمع وتوجهها نحو الإفلاس . موظفة لذلك ، ومستخدمة مصطلحات تحبذها النفس البشرية الأمارة بالسوء ويباركها الشيطان ، ويميل إليها الهو الحيواني ، الغريزي ، الباطني واللاشعوري ، الذي لا يهمه إلا إشباع حاجاته البيولوجية ، والجنسية بدون أي قيد أو شرط ، ودون مراعاة للقيم والخلاق ولا الدين  . كمصطلح حرية المرأة ، حرية الجسد ، حرية الجنس ، الجنس الآمن ، الحق في الإجهاض ، الحق في الإنجاب خارج الأسرة ، إدماج المرأة في التنمية ... بهذا الاندساس خلف هذه المصطلحات البراقة ، تحاول المنظمات الدولية والمحلية استغفال الناس واستحمارهم ، وإيهام المرأة ، وخداعها ، وبالتالي صرفها عن مسؤولياتها كزوجة ، وربة بيت ، ومربية لرجل المستقبل . وفي نفس الوقت ، تجندها ضد مصالح مجتمعها التنموية ، والاجتماعية ، والسياسية ، وضد أحكام الشريعة الإسلامية وخاصة تلك التي تمس  جوانب من الأحوال الشخصية ، تحت شعارات متعددة منها : إدماج المرأة في التنمية . يقول وزير الأوقاف السابق الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري : " أن ما كان يسمى الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية قد انتهى ، وأننا اليوم ، أمام مطالب نسائية لإصلاح مدونة الأحوال الشخصية . وأكد أن الصراع حول الخطة كان صراعا بين تيارين : تيار يتخذ المرجعية الإسلامية أساسا ، وتيار يريد أن يتخذ المرجعية الدولية " ( نقلا  عن موقع مقالات إسلام ويب : مقال لإدريس بن محمد العلمي تحت عنوان " إصلاح مدونة الأحوال الشخصية في المغرب نشر بتاريخ 6\5\2001 ) .

إن حقد الغرب على الأسرة الإسلامية ، ورغبته تقويض أركانها ، أملت عليه استعمال مصطلح اغتصاب الزوجة ، إلى جانب ما ذكر من مصطلحات آنفا ، حتى يفسد العلاقة الحميمة بين الزوج وزوجته ، فيضطر كل منهما ، تحت ضغط الغريزة إلى قبول واقع الفاحشة ويتعاملان معه كأمر طبيعي لغياب الوازع الديني والأخلاقي لديهما ولتطبيعهما مع الفاحشة ، بفعل ضغط دعوات التحرر المختلفة .  

 

هذه العلاقة الحميمة ، التي سعى القرآن الكريم  إلى توطيدها ، وتمتينها ، والمحافظة عليها ، لأنها أساس استقرار الحياة والمعاش ، واستمرار النسل والمحافظة عليه ، وعمارة الأرض ،  ولأنها الصلة التي تجعل النفس والعصب يسكن والشهوة تخمد ، وهي الباعث على المحبة والمودة والرحمة وراحة الجسد والقلب واطمئنان الرجل إلى زوجته والزوجة إلى زوجها . كل هذه الصفات الجميلة ، الرائعة والعجيبة التي قد لا تثير اهتمامنا لأول وهلة . نبهنا إليها القرآن الكريم في قوله تسبحانه وتعالى  [ ومن آياته خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ] ( سورة الروم آية 21 ) . ولأهمية هذه العلاقة ودورها الخطير في حياة الناس وفي حياة المجتمعات وضع لها الرسول ضوابط وآدابا فقال صلى الله عليه وسلم {  لا يقعن أحدكم على امرأته ، كما تقع البهيمة ، وليكن بينهما رسول . قيل وما الرسول يا رسول الله ؟ قال : القبلة والكلام } ( رواه أنس بن مالك ) . كما أمر صلى الله عليه وسلم ، المرأة  بالاستجابة لزوجها عند دعوتها للفراش فقال صلى الله عليه وسلم :{  إذا دعا الرجل امرأته إلى الفراش فلم تأته فبات غضبانا عليها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح ( رواه أبو هريرة – متفق عليه ) لما في ذلك من فتنة وفتح لباب الفاحشة ومن أسباب سوء العلاقة وتدهورها بين الزوجين والرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يغلق هذا الباب الذي هو المصدر الأساسي للخلافات الزوجية في وقت وحين .

نعم قد يحدث الخلاف في الأسرة الإسلامية ، وهذا أمر طبيعي ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراده أن يقبر من ليلته ، حتى لا يتطور هذا الخلاف إلى شقاق ، وافتراق وانفصال ، أو طلاق . وهذا ما لا يعجب الحركات النسوية الجديدة : مثل حركة تحرير الرجال المثليين ، حركة النسوة السحاقيات ، الاتحاد النسوي ، جمعية التضامن النسائي ، نادي مثليي المغرب ، وجمعية كيف كيف  التي تعتني بأوضاع شواذ المغرب ... هذه الجمعيات أنشأت خصيصا لهدم الأسرة وإشاعة الفاحشة ، ولضمان استمرارية الفكر الإباحي الغربي ونقله عبرها إلى المجتمعات الإسلامية علها تتطبع عليه وتألفه فيصبح عادة من عوائدها ، والعوائد إذا ترسخت بفعل التكرار والتطبيع صعب التخلص منها وتحولت إلى منهج حياة .

لقد لعبت الأمم المتحدة ، والمنظمات الدولية والمحلية ، التي تسير في ركابها دورا مهما في أجندة الحركات النسوية ، لضرب المجتمعات الإسلامية ، وهي تنفق على ذلك أموالا ، وتعقد مؤتمرات دولية ، كالمؤتمر العالمي الذي انعقد سنة 1975 ب مكسيكو سبتي ، ومؤتمر كوبنهاجن في الدانيمارك سنة 1980 ، ومؤتمر نيروبي سنة1985 ، ومؤتمر السكان والتنمية بالقاهرة سنة 1994 ، ومؤتمر بيكين سنة 1995 ... كل هذه المؤتمرات جعلت لها هدفا واحدا يمكن تلخيصه فيما يلي : 1- الدعوة الصريحة إلى الإباحية ، وعدم أهمية الزواج  -2 منع تعدد الزوجات -3 تشجيع وسائل منع الحمل -4 إباحة الإجهاض – 5 تحديد النسل – 6 الاعتراف بزواج الشاذين جنسيا وبالأطفال الطبيعيين  ( يقصدون أبناء الزنا ) – 7 رعاية الأمهات العزبات  - 8 8 حق الأطفال وحريتهم في  الجنس – 9 إلغاء دور الأسرة بمفهومه الإسلامي – 10 رفض الدين والأخلاق – 11 إلغاء التشريعات الدينية وكل ثقافات الشعوب ، في مقابل نشر الاتفاقيات الدولية والقوانين العالمية الصادرة عن الأمم المتحدة والتي تصب جميعها في قالب العولمة اللائكية  .. يتبع