كيف يتخلص الإعلام العربي من جاهليته

كيف يتخلص الإعلام العربي من جاهليته*

زياد علي خليل الطويسي **

[email protected]

إن للبحث عن طرق ووسائل نستطيع من خلاها إنقاذ إعلامنا العربي من الجاهلية التي يعيشها أمر لا بدّ منه ، خاصة أن الإعلام العربي هو الشيء الذي يؤثر فينا أكثر من غيره ، ولأن واجب المثقفين والمفكرين لا يختصر على قضاياهم الشخصية وقضايا مجتمعهم فقد ، لا بدّ وأن أحدثكم عن أهم الخطوات والوسائل الذي تُبعد إعلامنا المعاصر وتنقذه من جاهليته .  

أولاً : لا بدّ من وجود قانون عربي موحد يحكم الإعلام ويحدد أولوياته ، ولا بدّ على واضعي هذه الأنظمة والقوانين أن يكونوا ممن خاضوا التجربة الإعلامية ، ومن الإعلاميين المشهود لهم بالقدرة على خدمة الإعلام .

يقول سامي دسوقي في كتابه (( قضايا الإعلام الدولي )) : " لا يوجد في مصر قانون لاستقاء المعلومات ، مثل القانون الذي يجعل من حق الصحفي الحصول على معلومات من أية مصادر ما دامت تلك المعلومات لم يصدر بحظرها قانون لمسائل الأمن القومي ".

كما يقول : " والقانون صدر في المملكة المتحدة وله مثيل في الولايات المتحدة ولولا تلك القوانين لما تمكنت الصحافة القومية الأمريكية من كشف صفقة الأسلحة الأمريكية لإيران .."

ويضيف أيضاً : " إن صدور مثيل لهذه القوانين في مصر / العالم العربي لهو بداية لنشر الحقائق في مصر / العالم العربي ولا طريق لصحافة مستنيرة بغير معلومات تسقى بحكم القوانين ". 

يوضع القانون الإعلامي العربي وفق ما هو آت .

1.دراسة مظاهر جاهلية الإعلام العربي المذكورة سابقاً ووضع الحلول الجذرية لكل منها .

2. تحديد أولويات الإعلام العربي وأعماله المختلفة وأهدافه .

3.        تفعيل الأنظمة التي من شأنها أن تعزز عمل البرامج والمنجزات الإعلامية التي تعود على الأفراد والمجتمعات بالنفع .

4.        وضع الأنظمة المختصة بأنواع الإعلام التي تشهد الجاهلية بشكل ينظم عملها ويساهم في إبعادها عن الجاهلية الإعلامية تدريجياً .

5.        الضغط على البرامج والأعمال الإعلامية التي تحوي جاهلية يصعب اجتيازها ، وذلك بالتقليل من شأنها ، وقلة الاهتمام بها من قبل القانون ، ومنع بعضها .

6.                        وضع غرامات مالية هائلة على كل عمل إعلامي يستمر في جاهليته . 

7.                        منع أي عمل إعلامي يولد جاهلية جديدة .

8.        الخروج بالإعلام العربي من إطاره المحلي إلى الإطار العالمي ، وذلك بالدعوة إلى تأسيس الصحف والإذاعات والمحطات الإعلامية العربية الناطقة بلغات أجنبية .

 وبهذه الخطوات نكون قد وضعنا الجوهر الأساسي لوضع قانون إعلامي عربي موحد ، ومن أهم المنجزات التي نحققها للإعلام العربي من خلال وضع قانون عربي موحد ما يلي :-

1.                        تنظيم عمل الإعلام العربي بمؤسساته المتعددة وأهدافـه المختلفة .

2.                        التقليل من الجاهلية الإعلامية العربية ، والقضاء عليها تدريجياً .

3.                        تقديم الفائدة والنفع بشكل كبير للمواطن العربي .

4.                        محاولة القضاء على الغزو الثقافي والفكري الخارجي .

5.        تحسين صورة الإعلام العربي ، وإظهاره بمظهر القادر على مواجهة التحديات التي تواجه الأمة ومسايرة روح العصر. 

6. تعريف العالم بالقضية العربية ، وتثقيف العالم بشكل أوسع عن العالم العربي ، ونقل قضاياه من إطارها المحلي إلى الإطار العالمي ليتسنى للمواطن الغربي رؤية الحقيقة ، وتعريف العالم بالحضارة والتراث الذي نمتلكه ، وقد تجعلنا هذه النقطة نساهم في إنشاء غزو ثقافي إعلامي عربي موجه للعالم الغربي الذي يعمل على تهميش الكثير من القضايا العربية حيث جاء بهذا الخصوص في كتاب الصحافة الأمريكية والشرق الأوسط تحت عنوان غزو إسرائيل للبنان : " جاء في تقرير مراسلة النيويورك تايمز جوديت كوبون " فإن القصف الإسرائيلي قد أصبح روتينيا ، بحيث أنه لم تتم تغطيته في الصحافة الأمريكية...رغم أن الهجمات الفلسطينية كانت دائماً تشكل أخبار الصفحة الأولى ، وتثير ادانة واسعة ".  

وبعد أن تعرفنا على الفائدة التي نجنيها من إيجاد ما يسمى بالقانون العربي الموحد للإعلام العربي ، لا بدّ أن تُباشر الجهات المعنية العمل بالفور لإيجاد مثل هذا القانون الذي لربما ينقذ إعلامنا من جاهليته ، ومن التحدي الغير قادر على مواجهته ، وتبين لنا من خلال جاهلية الإعلام العربي المعاصر أنه يعاني من استعمار خارجي وقد وضع فيه هذا الاستعمار ما وضعه بعالمنا العربي من تجزئة وتبعية وتخلف .

وتظهر التجزئة باختلاف الأهداف التي تسعى لها المؤسسات الإعلامية المختلفة حتى وإن كانت أحياناً تمارس العمل نفسه ، أما التبعية فتظهر بالتبعية إعلامنا العربي المباشرة للإعلام الغربي من خلال سيطرته على إعلامنا واشتراكهما في غزو المواطن العربي ثقافياً وفكرياً ، أما التخلف فيظهر في عدم قدرة الإعلام العربي عن اداء واجبه بالشكل المراد ، وكذلك عدم قدرته على مواجهة هذه السيطرة ووضع حد لها ، وهذا أساس الجاهلية التي يعاني منها إعلامنا العربي ، فضرورة وجود قانون عربي موحد للعمل الإعلامي العربي هو السبيل الوحيد القادر على إخراجنا مما نحن عليه من استعمار وتجزئة وتبعية وتخلف إعلامي ، كما أن إيجاد قوانين جديدة لعمل الإعلام العربي أمر ملح لا بدّ منه حيث أننا لا نستطيع أن نصل إلى مرادنا ، ولا نستطيع أن نحقق ما نريد من الرقي لعالمنا العربي ، إلا إذا قدرنا على إصلاح المواطن العربي ، وتوحيد الفكر الصحيح لدى الشعوب كافة ، وهذا لا نستطيع القيام به إلا عن طريق إعلامنا العربي بصفته الجليس الذي يعيش في بيت كل منا ، ولتوضيح مقصدي من هذا سأطرح عدد من الاقتراحات المهمة التي تستطيع خدمة الوطن والمواطن ، وتجمع الفكر العربي وتوحده .  

ثانياً : من خلال ما ذكرته في سابقاً نستطيع هنا أن نطرح عدداً من المقترحات التي لربما نتخلص خلالها من الجاهلية في الإعلام العربي المعاصر .

1.        إعادة النظر في البرامج الإعلامية التي لا تخدم المجتمع العربي كبرامج الغناء والموسيقى وما يندرج تحتها ، والتقليل منها ومن الأهمية الإعلامية تجاهها ، واستحداث أفكار جديدة من فكرتها الأساسية أقل جاهلية مما هي عليه الآن ،كأن يستحدث الإعلام الفني والغنائي من فكرته الأساسية المتمثلة بنشر الغناء وإظهار الفنانين الجدد ، أشكال أخرى للتعبير عن أهدافها ، ولعل المثال التالي يوضح الصورة .

 مثال

غالباً ما تتحدث الأغاني عن الحب وما يندرج تحته من وفاء أو خيانة أو غير ذلك ، ويبدو التعري واضحاً في الكثير منها ، فما المانع مثلاً أن تقوم هذا النوع من الإعلام بإنتاج أغاني تتحدث عن الظلم والقمع والاحتلال وتوضح صورته ، وأخرى تتحدث عن الجيش وأهميته ، وأخرى تتغنى بالعروبة ، وأخرى تتحدث عن المعلم والطالب وتبيّن أهمية التعليم . 

2.        الإكثار من البرامج التي تخدم المواطنين ومجتمعاتهم ، ولا أنكر أن إعلامنا يحتوي على هذا النوع من البرامج لكنها قليلة جداً مقارنة ببرامج الفن والغناء ، ولماذا لا تخصص لهذه البرامج محطات وصحف وإذاعات خاصة ، ولعي أضرب لكم عدداً من الأمثلة على ذلك .

 مثال1

برنامج جديد باسم (( ابحث عن صديقك )) ، وهذا البرنامج يقدم للمواطن خدمة التواصل بصديق عرفه ثمّ انقطعت العلاقة بينهما ، بحيث يتيح هذا البرنامج فرصة للتلاقي .  

 مثال2

برنامج آخر بعنوان (( تحدث معهم )) ، كنقل صورة طفل يرمي الاحتلال بحجارته ، ويفتح البرنامج للمواطن فرصة للحديث مع هذا الفتى والتعرف على حاله ورأيه في الاحتلال.... ، أو نقل صورة يتيم في دار البر وإتاحة الفرصة للمواطنين بالتحدث معه ، وتقديم المساعدة له إن أمكنهم .  

 مثال3

برنامج آخر بعنوان (( إلى المسؤول )) ، بحيث يتمكن المواطن من تقديم أي شكوه ، وتقوم الجهة الإعلامية بإيصالها إلى المسؤول ويتم معالجة القضية . 

وفي حقيقة الأمر يوجد برامج كهذه لكنها قليلة جداً ، وشبه معدومة في إعلامنا العربي ، وأبرز مثال على هذه البرامج برنامج   " البث المباشر " الذي تقدمه إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية ، حيث يبلي هذا البرنامج بلاءً حسناً في خدمة المواطنين .  

 مثال4

برنامج خير بعنوان (( الحسنة بعشرة أمثالها )) ، وفي هذا البرنامج يتم عرض يتيم أو منكوب ، لعلنا نجد من المشاهدين من يقدم  المساعدة له.  

 مثال5

برنامج بعنوان (( أسس نفسك )) ، وفي هذا البرنامج ومن خلال مختصين يتم تعريف المواطن بأشياء كثيرة تنفعهم ، ككيفية كتابة الشعر ، وكيفية ممارسة الرياضة ، وكيفية الإبداع في الأمور المختلفة .  

بالرغم مما ذكرته من أمثلة مقترحه عزيزي القارئ الكريم ، إلا أنني لا أنكر وجود مثل هذه البرامج التي تخدم المواطن في حقول مختلفة من الحياة ، ولكنها قليلة ، واسأل الله عزّ وجل أن تزداد مثل هذه البرامج والأعمال الإعلامية التي تهدف إلى خدمة المواطن العربي ، ويكون لها دور فعّال في القضاء على الجاهلية التي يعيشها الإعلام العربي المعاصر.  

 أخذ رأي المواطن العربي في الأحداث المختلفة وخاصة السياسية منها ، ووضعه في مرتبة تفوق أهمية على رأي المسؤول ، لأن المواطن هو الذي يعيش الحدث ويتأثر به أكثر من المسؤول .

4.        توظيف علم النفس وقوانينه فيما يعرضه الإعلام وخاصة في النشرات الإخبارية ، والبرامج التي تعد أكثر تأثيراً من غيرها في الشعوب العربية ، ولعل توظيف هذا في الإعلام العربي الناطق باللغات الأجنبية بصورة تخدم الإعلام العربي وتجعل تأثيره أكبر من غيره فيما يخص الشأن العربي في نفوس المواطنين الأجانب وبهذا ويقول الأستاذ يوسف العودات (( أخصائي في الدراسات العبرية )) في حلقة من حلقات العلم : " إن إسرائيل لا تتفوق  علينا بالقوة العسكرية والصواريخ التي تمتلكها فقط ، بل تؤثر علينا بشكل أكبر في الأساليب الإعلامية التي تتبعها " ويضرب لنا الأستاذ الكريم هنا مثالاً كان الأكثر شيوعاً في بلاد الشام قبل انتشار الإعلام العربي بشكله هذا ، وهو أن أجدادنا وآبائنا في النصف الثاني من القرن العشرين كانوا حينما يتابعون خبراً ما على التلفزيونات والإذاعات المحلية  يرون فيه نوعاً من الضعف والنقص ، مقارنة بمتابعة الخبر نفسه على التلفزيون الإسرائيلي ، حيث يكون أتم وأوفى وأكثر تأثيراً عليهم مما هو عليه في الإذاعات والتلفزيونات المحلية ، وكان السبب الرئيسي في ذلك هو إدخال إسرائيل لعلم النفس وتطبيق نظرياته على الخبر الإعلامي قبل بثه ، وخاصة الأخبار باللغة العربية ليكون تأثيرها أكبر على المواطن العربي .

5.        وهذه النقطة خاصة في سياسة الدولة في التعامل مع الإعلام ، وخاصة الخاص منه ، وهي عدم إعطاء ترخيص بإنشاء مؤسسة إعلامية ما إلا بالتأكد التام من أهداف هذه المؤسسة ، وعدم الموافقة لها إن لم تفوق قيمة الفائدة التي تقدمها هذه المؤسسة للشعوب أي هدف آخر من أهداف إنشائها .

6.        وهي الأهم ، تفعيل دور القوانين الإسلامية فيما يخص الإعلام العربي ، وإعطاء التحفيزات والتساهلات للإعلام المختص بالأمور الدينية من تخفيف الضرائب عليه إن وجدت ، وعونه على القيام بأعماله من مؤسسات الدول المتعددة وذلك بإعطائه الأولوية على غيره من الإعلام في أي عمل . 

 وبالاعتماد على هذه النقاط الرئيسية المذكورة ، وعلى النقاط المستنبطة منها نستطيع أن نبعد إعلامنا عن الجاهلية التي يعيشها شيئاً فشيء ، وخاصة إذا توحد القانون الإعلامي العربي ، وتم تفعيله بشكل أكبر ، وكذلك متابعة تطبيق التعليمات التي من شأنها أن تبعد إعلامنا عن الجاهلية ، وفرض العقوبات المختلفة والغرامات المالية على كل من يتعدى هذه التعليمات ، وأعلموا أننا متى تخلصنا من الجاهلية الإعلامية تخلصنا من الجاهلية الشخصية والاجتماعية بالتحديد ، وقللنا من حدة الجاهلية السياسية والاقتصادية ، ذلك لأن الإعلام هو أكثر شيء يستطيع التأثير بنا خاصة أننا لا نستطيع العيش دونه ، وكذلك لأنه المرشد والمخبر والمعلم والدليل الذي أصبحنا نعتمد عليه أكثر من غيره لقربه منا .   

عزيزي القارئ ، عزيزتي القارئة ، إن تطبيق هذه الخطوات التي من شأنها إبعاد إعلامنا العربي عن جاهليته التي يعيشها ، بمثابة كنز يُقدم لكل واحد منا لأن عصرنا ليس عصر معلوماتية فحسب بل عصر إعلام ، والإعلام يشمل نواحي الحياة المختلفة ، فمن الضروري أن نبدي اهتماما بهذه القضية كي نقي أنفسنا وأجيالنا من الجاهلية التي نعيشها في القرن الحادي والعشرين ، ففي إطلاعي على ما قدمه الكاتب محمد قطب في كتابه الشهير جاهلية القرن العشرين ، وبإطلاعي أيضاً على الجاهلية التي يشهدها القرن الحادي والعشرين ، وجدت أن حدة الجاهلية إعلامية ، وخاصة أن الحاجة للإعلام جعلتنا نضعه في أولوية الضروريات ، وليس الكماليات كما تقول بعض الكتب في بطونها ، ولعل هذا السبب الرئيسي الذي دعاني إلى الدعوة لمحاربة هذه الجاهلية ، وخاصة أن نظرتي الشخصية للإعلام تفوق النظرة إلى الأمور الأخرى ، خاصة أنه السلطة الرابعة كما تقول الأنظمة والتشريعات ، ولكن نظرتي إلى السلطات الثلاثة الأولى ونظرتي إلى هذه السلطة جعلتني أيقن تماماً أن الإعلام الآن هو (( السلطة الأولى )) وخاصة من ناحية التأثير الفكري في الشعوب .

وبما أن تصنيف كتابي يضع الإعلام في مقدمة السلطات ، وخاصة من ناحية التأثير الفكري على المواطن العربي ، فإني أطرح سؤالاً أوجه إلى كل من له علاقة بالإعلام وخاصة وزارات الإعلام ، والاتحادات الإعلامية العربية الموحدة ، وهو هل من الصعب وضع قانون إعلامي عربي موحد ينظم عمله بما يتناسب مع ثقافتنا العربية الإسلامية ؟

قد تكون الإجابة صعبة بعض الشيء من قبل هؤلاء لكن الأخذ بالأسباب بأكبر قدر ممكن ، ثمّ التوكل على الله عزّ وجل أسمى شيء في الدنيا .  

           

* من كتاب جاهلية الإعلام العربي المعاصر، لمؤلفه زياد الطويسي

** أخصائي في الإعلام