المشهد السوري 4-7

المشهد السوري (4 – 10)

روسية وإيران وبشار :

تصنيع الخصوم المعارضين بعد تصنيع الأعداء المقاتلين

( لأمر ما جدع قصير أنفه )

زهير سالم

ما تزال الأحجية المخابراتية ( الروسية – الإيرانية – الأسدية ) في فتح الأبواب أمام تنظيمات المتطرفين ودعمهم وتمكينهم والمراهنة عليهم مستعصية على فهم الكثيرين . وما زالوا يتسآلون مستنكرين : كيف يمكن للمرء أن يصنع أو يصطنع أعداءه ؟ وكيف يمكن أن يدعمهم وأن يقويهم ويمكنهم ، هم في حقيقة الأمر أعداء له على المستويات العقائدية والواقعية لا يشك في عداوتهم للروس والإيرانيين والأسديين إلا من يطلب دليلا على ضوء النهار ؟!

وفي العادة كثيرا ما يتم تصنيع الأعداء أو اصطنعاهم وتمكينهم وإشهارهم في مكر أهل المكر لأسباب كثيرة منها تمييز النفس عن هؤلاء الأعداء ، على قاعدة وبضدها تتميز الأشياء . أو كأن السيء يريد أن يقول : أنا أقل سوأً من الأسوأ . أو لنسبة الجرائم إلى هؤلاء الأعداء المفترضين أو المصطنعين وحسابنها عليهم ، وتحميلهم وزرها وإثمها وكبرها . أو تسويغ ارتكابات الماكرين بالأعداء المصنعين .أو لتخويف من يخاف هؤلاء المتطرفين منهم . أو لاختباء وراءهم والتترس في فعل الشر والسوء بهم . أو كسب التحالفات والصداقات على أكتافهم . أو توظيف بعض العداوات التاريخية في قلوب بعض الأعداء المرغوبين المرهوبين ، أو استغلال هوس نفسي في الارتياب والشك لدى بعض الشكاك والمرتابين . ..

 إن العمل على كل هذا أسلوب معروف غير منكر في عالم السياسة ، أو في التاريخ الدبلوماسي من علاقات الصراع بين الخير والشر والحق والباطل . وقد عرفت العرب في سجل تاريخها وديوان حكمتها : ( لأمر ما جدع قصير أنفه ) . وفحوى القصة أن جذيمة الأبرش اللخمي ( المناذرة ) بعد أن عدا على والد الزباء ( زنوبيا ) فقتله . واستعادت الزباء ملك أبيها في تدمر ، عادت للمكر بجذيمة فعرضت عليه الزواج منها وصدقها فلما تمكنت منه ليلة العرس الموعود عدت عليه فقتلته ثأرا لأبيها . وآل ملكه إلى ابن أخته عمرو بن عدي اللخمي وصعب عليه النيل منها للثأر لخاله . وكان قصير بن سعد اللخمي وزيرا لجذيمة ومخلصا له ، فقال لعمرو : أظهر غضبك عليّ ، وعزمك على الفتك بي ثم مر بقطع أذني وجدع أنفي مبالغة بالنكاية فيّ حتى يظهر عند الزباء برهان صدقي ، وحقيق نقمتي عليك فأجد مدخلا عليها ، وهكذا كان حتى اخترق قصير أمن الزباء فقتلها ..

هكذا يمكر الروس والإيرانيون والأسديون بالعالم اليوم فيتركون لمجموعات التطرف أن تجدع أنوفهم وتصطلم آذانهم ليكون لهم خلاص فيما أيقنوا أنه الخلاص المحقق على يد ثوار الشعب السوري المخلصين .

 إلا أن عملية جدع الأنوف واصطلام الآذان قد اكتسبت في الحالة السورية مع غرابتها وفظاعتها بعدا مستداما ، وممارسة يومية يغرق من خلالها فريق المكر في توظيف هؤلاء ( العملاء – الأعداء ) بتسليطهم على بعض أنفسهم ، والمراهنة بدعمهم حتى ببتر بعض أطرافهم ، والنيل من دمائهم وأموالهم .

وعلى التوازي مع لعبة صناعة الأعداء أو اصطناعهم من ، التي كانت منذ اليوم الأول مكشوفة لكل المراقبين ، الذين حاولوا وما زالوا أن يتجاهلوا اللعبة ، بل أن يتماهوا معها ليعلن الكثير منهم أن هذا العدو التبعي المصطنع ( المتطرف ) هو أخطر وأشر من العدو الأول الصانع. وأنه مقدم عليه في الحرب ، وأنه أولى منه بها ؛ ينتقل بنا فريق المكر الروسي - الإيراني -الأسدي إلى لعبة قديمة مكرورة مرة أخرى يصطنعون من خلالها خصومهم كما اصطنعوا أعداءهم . يعودون بنا إلى لعبة حافظ الأسد في اصطناع ما سماه المعارضة الوطنية ، والتعددية السياسية من خلال ما سماه من قبل ( الجبهة الوطنية التقدمية ) ..

اليوم وقد احتل الروس سورية سماء وأرضا ، وصبوا فوق رؤوس أبنائها نار حممهم في محاولة مكشوفة لكسر إرادة هذا الشعب الحر الأبي يُبدون حرصا غير محدود على استخلاص بعض العملاء بوصف المعارضين ، وبعضا آخر بوصف الثوار الممثلين لما يسمونه بالجيش الحر .

سورية الجديدة التي يعمل على صناعتها فريق المكر الروسي – الإيراني – الأسدي هي سورية بمعارضة مصنعة أو مصطنعة على المقاس الأسدي ، مشبعة لرغباته ، ملبية لتطلعاته ، خادمة لحاجاته . وهم إذ يظنون أنهم قد نجحوا في لعبة اصطناع العدو سينجحون في لعبة اصطناع الخصوم أو المعارضين ...

إن كل هذا يؤكد على الثوار ، وعلى المعارضين حماة المصالح الحقيقية للثورة ، أن يتوقفوا عن الاسترسال في الأحاديث الرمادية عن الروس ، وعن الدور الروسي ، والمهمة الروسية ، وأن يلتزموا بكل حديثهم بما تقتضيه الثورة من صدق وجد .

التعبير عن الثورة يكون بلغة ثورية ، ولا يمكن أن يكون بلغة رمادية . وعلى الرماديين اليوم ، في إطار تحديد الموقف من الروس أو التعامل معهم، أو رسم محددات العلاقة مع محتل لا بد أن يسمى عدوا ، أن يتواروا عن الأعين إن كانوا في ولائهم للثورة صادقين ..

( وما كنا غائبين )


المشهد السوري (5- 10)

المجتمعون في فيينا والتبشير بسورية علمانية!!

العلمانية الأرثوذكسية الروسية والعلمانية الثيوقراطية الشيعية

ما زلنا نخوض بحار الجد في أمر اختلاط الأوراق الدولية والإقليمية فيما صدر عن فيينا والمجتمعين فيها بشأن ما يسمونه ( الحل في سورية ) التي تعيش طوفان الدم بشكل مستدام تحت سمع العالم وبصره على مدى خمس سنوات .

يجب ألا ننسى أنه على مناضد الحوار في فيينا يلتقي فرقاء منهم القتلة والمجرمون الوالغون مباشرة في سفك الدم السوري من روس وإيرانيين ، ومنهم المتواطئون على الجريمة اشتراكا فيها أو صمتا عنها ...

إن من أدق ما كتب في المقارنة بين جريمة حرب الإبادة التي جرت في رواندا 1995 بين (الهوتو والتوتسي) والتي راح ضحيتها ثماني مائة ألف إنسان ، وبين ما يجري في سورية أن جريمة رواندا وقعت في زمن قصير نسبيا بالنسبة لما يجري في سورية . في مائة يوم فقط تمت الجريمة في رواندا ، مقابل خمس سنوات من القتل في سورية ولا يريد أن يعمل على وقف الجريمة أحد !!

خرج علينا المترفون الدوليون المجتمعون في فيينا ، والذين يتفكهون بكلمات مخضبة بدماء أطفالنا ، متقاطعة مع أشلاء رجالنا ونسائنا ، بتصور لشكل سورية الجديدة التي زعموا أنهم يدعون إليها ، ويحرصون عليها ، وسيعملون حسب أجندتهم على فرضها على أطراف الصراع ، أو إقناعهم بها . بإعلان عن تمسكهم بدولة ( علمانية ) في سورية ، علمانية في دستورها و في نهجها ..!!

ونحن هنا لسنا لمناقشة حقيقة المقابلة بين (العلمانية – والإسلامية) في بناء الدولة السورية ، فهذه القضية تبقى فرعية في سياق ما نحن فيه من المشروع الوطني السوري في ( التأسيس للمجتمع المدني ) وبناء ( الدولة الحديثة ) ، بل وصدقية المجتمعين في فيينا وجديتهم .

وحسم هذه القضية يبقى حق من الحقوق الديمقراطية السيادية للشعب السوري ، والمجتمع السوري الذي يملك وحده الحق في تقرير دستوره ونهجه وهوية دولته . يثير سخريتك ديمقراطيون مثل بوتين ولافروف وروحاني وعبد اللهيان وهم يتمسكون فيما يزعمون بحق الشعب السوري في اختيار ( شخص ) رئيسه ، وهم يصادرون عليه الحق في اختيار هوية دولته ، ونصوص دستوره ..

وتبقى المشكلة الحقيقية التي تواجهنا في سورية وفي كثير من دول العالم العربي بشكل خاص ، مع الأسف ، هو المقابلة العملية الجادة بين حكم (الدولة المؤسسة ) وبين الحكم ( الأوليغاريشي ) حكم ( الفئة ) أو (الزمرة ) أو (العصابة ) ..

ونعتقد أن العقبة الكأداء الحقيقية التي تواجه مستقبل سورية اليوم هي هل تكون في سورية دولة أو لا تكون ؟! هل ينجح السوريون في بناء دولة ( أي دولة !! ) على أساس عقد اجتماعي جديد ، وإرادة مجتمعية حرة ، أو يردهم مشروع المجتمعون في فيينا إلى سيطرة ( الزمرة ) أو (العصابة ) ،التي ما زالت تحكم سورية منذ انقلاب الثامن من آذار 1963 ..؟!

فمنذ الثامن من آذار 1963 بقي ظلُّ الدولة السورية التي بناها السوريون بعد الاستقلال ، يتقلص وظلّ نظام الزمرة ( زمرة الاستبداد والفساد ) يتمدد حتى لم يبق من حقيقة الدولة بالمعنى السياسي للكلمة في سورية أي معلم للدولة ذي دلالة .

إن ( سيادة القانون ) ومرة أخرى نؤكد ( أي قانون ) بغض النظر عن صفته ومضمونه هي حجر( سنمار ) في بناء أي دولة . وهذا الحجر قد تم سحبه من هيكل الدولة السورية منذ داسته قدم العسكري الهمجية مع انقلاب الثالثة والستين . إرادة الفرد . مصلحة الفرد . بل مزاج الفرد من القائد الفريق إلى القائد المخبر أو العريف هو تجسيد السلطة التي حكمت سورية ، والتي ثار عليها الشعب السوري ، والتي يشفعون اليوم فيها لتعود

إن السرّ المتمم لسيادة القانون في بناء الدولة هو (الإرادة الوطنية الحرة) التي تتوافق على العقد الاجتماعي المنشود ... أفلا يعتقد المجتمعون في فيينا والحاطبون في حبالهم أن اشتراط ( العلمانية ) في صيغة الدولة هو مصادرة على المطلوب الأساسي في بناء دولة ، وقطع للطريق على الإرادة الحرة للمواطنين السوريين .. أن تعبر عن نفسها بشرط الحرية الذي هو شرط وركن في بناء أيّ دولة حديثة تنتمي للعصر الذي نعيش فيه .

هذا بعض الحوار حول عملية الاستباق الاستبدادي الذي وقع فيه المجتمعون في فيينا باشتراطهم المسبق ( علمانية الدولة السورية ) التي يبشرون بها . إنها عملية إقصاء أو إعدام استباقي بقطع رؤوس عدد غير قليل من السوريين لا يؤمنون بعلمانية الدولة ، على الطريقة الداعشية نفسها ، وبأسلوب لا يقل بشاعة ولا قسوة من طريقة ( جون البريطاني ) نفسه ..

ولكننا ، كما أسلفنا ، لا نريد أن نستجر إلى صراع مبكر حول وصف الدولة قبل التمكن من بنائها. ولن نتنازع على جلد الدب قبل صيده . فالدولة العلمانية على القواعد العلمانية الحقيقية هي أيضا دولة . دولة تحترم الإنسان ، وإرادته ، وتصون حقوقه ، الدولة العلمانية تبني المؤسسة التي تخضع لها . وتقر الدستور الذي تنزل على أحكامه ، وتقر القوانين التي تحكم سلوك العسكريين والمدنيين معا .

ولنعد إلى ما نريد أن نسميه في هذا السياق ( امتحان المصداقية ) أو (امتحان الجدية ) فيما تبشر به ( فيينا ) والمجتمعون فيها ؛ فمن هم أولاء الذين يدعون إلى بناء الدولة العلمانية في سورية العزيزة الحبيبة ..؟!

هل هو الروسي بوتين الذي أصر أن ( يعمّد ) تدخله في سورية في معمودية الكنيسة الأرثوذكسية . وحرص قبل الانغماس في مشروع قتل السوريين أن يرسم على صدور طياريه كما على مجسمات طائراته وعلى كل قذيفة موت يطلقها مجسم ( صليب ) أرثوذكسي بيد ( كلير ) المقدس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية نفسه ..؟!

هل علمانية بوتين الأرثوذكسية مقترنة بعلمانية وزير خارجيته ( لافروف) الذي ما زال منذ عمر الثورة السورية الوطنية المباركة يدّعي حقوقا زائفة في حماية من يسميهم ( المسيحيين ) تارة ومن يدعوهم ( الأرثوذكس ) أخرى ، هي العلمانية التي يريدونها للشعب السوري اليوم بعد نصف مليون شهيد ؟! هل هي هذه العلمانية الأرثوذكسية الصليبية المنغلقة على ذاتها ، المعادية لمن يخالفها ، وأدواتها في التعبير عن هذا العداء هو القاذفات الحربية وحممها المدمرة ..هل هذه العلمانية التي يبشرنا بها المجتمعون في فيينا من العابثين والمتآمرين ..

أم أن علمانية المجتمعين في فيينا ، والمقترحة على الشعب السوري هي علمانية الولي الفقيه ، ونظام الولاء للمرجعيات والملالي ؟! هل هي علمانية المادة الثانية عشر من الدستور الإيراني : ( الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشري وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير ) ...

أم هي علمانية ( لجنة صيانة الدستور ) ، والتفتيش على العقائد والأفكار والأشخاص...

لقد كان لدى السوريين من هذه العلمانية التي يبشر بها المجتمعون في فيينا نسخة أسدية أكثر جلاء وروعة وبهاء مما ابتدع هؤلاء المدعون . وإنه لأمر يثير الازدراء وليس فقط الإشفاق

لقد ثار الشعب السوري لبناء دولة تخصه هو ، دولة تعبر عن إرادة أبنائه ، إرادة مجتمعية حرة تعودت على مر القرون أن تجمع ولا تفرق ، وأن تصون ولا تبدد ، وأن تجعل كرامة الإنسان في صفحة الأولويات سطرا أول ..

لم تتهدد حياة السوريين ، ولم يتنابذوا دينيا أو طائفيا أو عرقيا إلا عندما حكمهم نظام علماني مشوه كالذي يشارك الروسي والإيراني في الدعوة إليه من فيينا اليوم ...

( وما كنا غائبين )


المشهد السورية : (6 – 10)

لا ... للمرحلة الانتقالية

من أجلها استقال كوفي عنان واستقال الإبراهيمي

كررها المقداد من طهران ..ولم يصغ أحد !!

الحقيقة والواضحة الجلية هي أن ( الحل السياسي ) الذي يدعو إليه المجتمع الدولي في سورية مرفوض عند بشار الأسد وداعميه كما حل الدولتين عند نتنياهو وداعميه .

منذ أكثر من ربع قرن والمجتمع الدولي يرفع راية ( حل الدولتين ) في فلسطين ويترك لنتنياهو أن يراوغ تحتها . يقتل ويعتقل ، بالأمس فقط تلقى نتنياهو حقنة دعم جديدة من أوباما : إقرار بحق نتنياهو بقتل الفلسطينيين على الأرصفة بذريعة مهترئة عنوانها الدفاع عن النفس .

 وعلى التوازي يرفع أوباما ومشايعوه في سورية شعار ( الحل السياسي)، ويترك لبشار الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس تحت هذا الشعار حرية القتل الجماعي بكل الوسائل والأساليب ، ويعطيهم الحقوق في تدمير سورية ، وإبادة كل ما يمت إلى الحياة أو الحضارة والعمران فيها .

يعلم أوباما وقادة ما يسمى العالم الحر ، أن قناعة بشار الأسد بالحل السياسي أقل من قناعة نتنياهو بحل الدولتين .

فلم يسبق لبشار الأسد أو لأحد من الناطقين باسمه أن أعلن قبولا في سورية بمرحلة انتقالية ولو على سبيل المناورة والمداورة . لم يعلن بشار الأسد أو أحد من الناطقين باسمه القبول بحل سياسي يفضي إلى مرحلة انتقالية تنتقل بالبلد من حال إلى حال ، أو تسمو بها من حضيض إلى أفق.

وهؤلاء جميعا يعلمون علم يقين أن بشار الأسد لو كان يريد حلا سياسيا لما دفع المشهد السوري المطالب بالإصلاح والتغيير إلى ساحة الحرب والعنف وإلى معركة كسر الإرادات ...

وهؤلاء جميعا ، قوى المجتمع الدولي نقصد ، يعلمون علم يقين أن مبعوث الأمين العام إلى سورية (كوفي عنان ) عندما استقال إنما استقال بسبب مزدوجة الموقف الأسدي – الدولي ؛ الأسدي الرافض للحل السياسي والمرحلة الانتقالية ، والدولي المتخلي عن المسئولية ، والمصمم على ترك بشار الأسد يقتل ويدمر دون أي محاولة جادة لفعل شيء يوقف جريمة حرب ، حُسب مثلها على كوفي عنان في رواند من قبل ...

وهم جميعا يعلمون علم اليقين أن المبعوث الثاني للأمين العام للأمم المتحدة السيد الأخضر الإبراهيمي إنما استقال للسبب نفسه . استقال احتجاجا على مواقف المجتمع الدولي ، مواقف أوباما ودول ما يسمى العالم الحر ، المصرة على ألا تفعل شيئا لوقف شلال الدم في سورية . والمصرة على المراوغة مع بشار الأسد تحت شعار الحل السياسي لكسر إرادة السوريين بإنهاكهم قتلا وتشريدا ..

طبقا عن طبق ظلت المراهنات (الأسدية – الدولية ) المشتركة خاسرة ؛ فقد انتصر الشعب السوري الثائر على بشار الأسد ، فزجوا بحزب الله إلى جانبه في المعركة كقوة داعمة إضافية . انتصر الشعب السوري الثائر على بشار الأسد وحزب الله فزجوا بما يقرب من ستين فصيلا عراقيا شيعيا علهم يوازنون كفة الصراع .انتصر الشعب السوري الثائر على بشار الأسد وحزب الله والعصابات العراقية فزجوا بالحرس الثوري الإيراني كقوة مكشوفة دخلت هي الأخرى لتحمي المواقع المتداعية لبشار الأسد . وانتصر الشعب السوري عليهم مرة ثالثة و رابعة فزجوا أخيرا بقوة دولية عظمية لتبيد شعبا ، وتمحوه عن الخارطة أو تكسر إرادة أبنائه . كل الخطوات تلك وقعت خارج إطار القانون الدولي . محت حدودا ، وتجاوزت قوانين وأعراف ، حضت على الكراهية ، أشعلت نيران الطائفية ، استخدمت كل الأسلحة المحرمة دوليا ولم يبق إلا السلاح النووي لأنهم فيما نظن لا يملكوه ...

واكتفى كل الذين يقال لهم أو عنهم ( كبار ) بالصمت ، ولوك بعض العبارات عن (حل السياسي) كتلك التي يلوكها اليوم الجالسون على مائدة فيينا والراجين منهم على السواء

ومع كل الذي جرى ويجري على الشعب السوري والأرض السورية ، ومع فداحة الخطب ، وعمق المأساة بأبعادها الإنسانية والأخلاقية والسياسية ؛ ما زالوا يلوكون العبارات نفسها ، وبالأسلوب المجرد من المصداقية والجدية نفسه ..

ومع كل ما جرى ويجرى خرج فيصل المقداد منذ أيام من طهران وهو نائب وزير الخارجية الأسدي ليؤكد للعالم ما سبق أن أكده الأسد والمعلم لكوفي عنان ..وللأخضر الإبراهيمي : ( لا للمرحلة الانتقالية ) والتي تعني مباشرة ( لا للحل السياسي ..) الذي يلهث وراءه اللاهثون ..

والإعلان من طهران له معناه ومغذاه ودلالاته في أفق الصراع بين استدعاء بشار لموسكو وبين الاسترعاف العملي بطهران

من قبل تعامل كوفي عنان مع المعادلة بموضوعية فاستقال .. وتعامل معها الأخضر الإبراهيمي بموضوعية فاستقال ..

إلا ممثلو المعارضة السورية يرفضون أن يتعاملوا مع المعلومة بموضوعية ، يرفضون أن يؤسسوا عليها موقفا وطنيا يضع حدا لعالم اللجاجات المستهتر بالقتل المتلذذ بمشهد الدماء . يرفضون أن ينبذوا إلى المراهنين على كسر إرادة السوريين على سواء ...

الشعب السوري الثائر يؤمن أن للكون خالقا مدبرا قويا عزيزا يقصم الجبارين وينصر المستضعفين . ولعل المتسلطين على قراره بهذا الإله لا يؤمنون ...

( وما كنا غائبين )


المشهد السوري (7 – 10)

هل يشكل تنظيم الدولة كل هذا الخطر على العالم

أم أن العالم يهذي كما الدواعش يهذون ..؟!

حقيقة القول في جمهور ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية أنهم مجموعة من الأفراد المتفاوتين علما وثقافة ووعيا وتطورا نفسيا ، وهم لا يملكون رؤية واضحة تجمعهم . ومفهوم الدولة الإسلامية ، أو "الخلافة الإسلامية" عندهم مفهوم حالم عدمي وماضوي ، مفهوم مضطرب ومشوش ، في ذهن كل واحد منهم ، وهم القادمون من منابت وأصول وسويات ثقافية مختلفة ، تصور خاص . وإن كانوا يشتركون جميعا في الحلم الوردي لمشروع إسلامي ضبابي يركز على الجزئيات ولا يرقى إلى الكليات ، ويتعلق بالتفصيلي ويغفل عن المقصدي ..

ولعل الذي يجمع أفراد هذا التنظيم وسواء كان الحديث هنا عن المئات أو مئات الآلاف هو ( النقمة ) أكثر من المشروع ؛ ولم تكن النقمة لتصلح يوما أن تكون مفتاحا لخير ، أو طريقا إلى أمل ؛ وربما تشترك في معاناة هذه العاهة النفسية الكثير من الحركات السياسية

ومبعث النقمة هذه هو معاناة مبرمجة ومكرسة تعيشها شعوب هذه الأمة، بعد انكسار بيضتها في الحرب العالمية الأولى ، حيث وضعت تحت رحى سياسات الفاعلين الكبار أو المستبدين الصغار في العالم العربي والإسلامي . تتفاوت قدرات النفوس البشرية بلا شك على احتمال الألم ، أو مقاساة المعاناة ، سواء وقعت هذه المعاناة على الشخص مباشرة أو وقعت على من يحبه ويواليه ، ويعتقد أن من واجبه أن يساعده وينصره ويحميه...

إن الأسوء في مشهد هذه المجاميع البشرية هو أن أعداءها أنفسهم بما يملكون من قدرة على الإدارة والسيطرة قد استطاعوا بطرق احترافية بالغة التعقيد أن يخترقوها ، وأن يملكوا قيادها ، وأن يوظفوها بالتالي في نقض أصل مشروعها ، وتشويهه بتشويهها ، وأن يستخدموها في إشاعة الإحباط ، وزيادة المعاناة ، للاستثمار في المزيد من النقمة ، في تصور شيطاني للعملية المتوالية لرطم الرأس بالجدار ...

ومهما يكن من شأن هذه المجاميع ، وما ينسب إليها حسب تصورات البعض من إنجازات ، أو حسب منطق آخرين من جنايات ..يبقى السؤال الأساس الذي تجدر الإجابة عليه ، في سياق موقف دولي يعمل على تعميق الاستثمار في وجود هذه المجاميع أو التنظيمات ، لقطع الطريق على أي أمل لشعوب هذه الأمة بأي شكل من أشكال العيش الإنساني الكريم . السؤال الأساس هو : هل يشكل تنظيم الدولة ومشتقاته حقا كل هذا الخطر على المنطقة والعالم ؟! هل هو حقا في هذا القدر من القوة ومن القدرات الخارقة بحيث يستحق كل هذا الحشد السياسي ، والتحالف العسكري ، للتصدي له ، وكأننا أمام غزو خارجي يقوم به سكان كوكب آخر من خارج مجموعتنا الشمسية ؟!

ألا يذكرنا هذا النفخ الإعلامي بقدرة هذا التنظيم ، وبفظائع هذا التنظيم ، وبمخاطر هذا التنظيم بسياسات الرئيس بوش الأب بالحشد الثلاثيني لإخراج العراق من الكويت ، أو بفعل بوش الابن وهو يستعد إلى غزو العراق حين تحول الجيش العراقي بقدرة قادر إلى رابع جيش في العالم، كما كرروا وأكدوا ...؟!

ندرك نحن أبناء المنطقة جليا واضحا لا شك فيه أن هذا التنظيم سيزول كقوة مجسّمة أو جاثمة بمجرد انتهاء الدور المسند إليه والتي أريد توظيفه فيها . وسيعود إلى ما كان عليه قبل الثورة السورية المباركة ، صيغة جديدة من الألوية الحمراء ، تضرب ضرباتها خبط عشواء ...

ولو عدنا أدراجنا إلى الفظاعات التهويلية والتمثيلية التي استنفرت العالم على ثورتنا السورية بشكل خاص وعلى منطقتنا كلها بشكل عام ، نراها وقعت في مؤداها العام لمصلحة الولايات المتحدة ومصلحة روسية ومصلحة إيران ومصلحة إسرائيل وأخيرا وبكل تأكيد لمصلحة المجرم القاتل بشار الأسد. قصار النظر وحدهم هم الذين يرون تناقضا في المصالح على صعيد العلاقة مع الإسلام المسلمين بين هؤلاء الفرقاء . وقصار النظر وحدهم يظنون أن الدولة التي تقيم حفلا جنائزيا لأحد أبنائها لا تقبل ان تضحي به على مذبح تملك مفاتحه من أجل تحقيق مصلحة من مصالحها العليا ...

حين نعود إلى موجة إعدام بعض الناشطين والصحفيين الغربيين بالطريقة الهوليودية نفسها التي أودت وأدت بستيفن سوتلوف وجيمس فولي وديفيد هينز وبيتر كاسيج وإلى حرق معاذ الكساسبة ندرك اليوم وبعد ما يقرب من عام أن المسرحية قد أدت دورها وطويت أحداثها . بأمر آمر وتدبير مدبر ..

وحين نعود إلى مسرحية الفزعة لمعلولا ، ولعين العرب ، ولأهمها في سنجار وحديث اليزيدين اليزيديات والسبايا وسوق النخاسة ونداءات الاستغاثة المضخمة ... الحدث الذي استدعى امتداد القصف الجوي الأمريكي إلى سورية ، وأدى إلى تشكيل تحالف تنضم إليه حتى اليوم ستون دولة في العالم وتنافسه دولة عظمى أخرى والكل يتبارى في قتل السوريين وتدمير ديارهم ؛ نتأكد بعد مرور أكثر من عام أن الأمر لم يكن أكثر من فقاعة أدت دورها على الوجه الذي أراده الموظِفون والمستثمرون .

أليس عجيبا أن تكون نكاية تنظيم الدولة في الأب الإيطالي باولو غدرا وفي المسيحيين والأكراد واليزيدين ؛ وأن تكون هذه النكاية أكبر في المدنيين السوريين وفي القادة الميدانيين من المخالفين ؛ ولم تسجل لهذا التنظيم حتى الآن أي نكاية حقيقية في قواعد بشار الأسد وحاضنته من الموالين ؟! وهذا ليس تحريضا بل هو سؤال مشروع يطرحه أولو الألباب، وينتظرون عليه الجواب ..؟!

كل العقلاء في المنطقة والعالم يدركون أن تنظيم الدولة ليس في عشر معشار القوة ولا الخطر التي يشار إليه به ، والتي ينفخها فيه إعلام ( غلوبزي ) ما زال على مدى خمس سنوات يسوغ في سورية سفك كل هذه الدماء ، ويتستر على جرائم المجرم الأول بالتركيز على جريمة الثاني ...

رأينا وما زلنا نرى هذا التنظيم يهاجم حيث يريدونه أن يهاجم ، ويهادن حيث يريدونه أن يهادن وينتصر عندما يريدونه أن ينتصر ، وينسحب عندما يريدونه أن ينسحب وينهزم حيث يريدونه أن ينهزم .

 بالأمس فقط تم فك الحصار عن مطار كويرس في حلب في فيلم هوليودي مثلث الأبعاد . مطار كويرس المحاصر لمدة عامين وفيه ما يقرب من ألف إنسان : لم يتم اقتحامه ، يقولون ظل صامدا .. وظل على صلة بمن يموله و( المخرج عايز كده ) ...

وهذا التنظيم بما صُنع له ، ووظف فيه ، ما كان إلا ذريعة للمحاربين للإسلام الناقمين على المسلمين . علم ذلك من أفراد التنظيم من علمه وجهله من جهله (( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ )) ...

( وما كنا غائبين )

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: 641