إقالة عبداللهيان ......وكم نحن ساذجون

لله درك يا عبداللهيان كم نحن ساذجون ......

أصدر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ، قرارًا بإقالة حسين أمير عبد اللهيان، كمساعد له في الشئون العربية والإفريقية، وتعيين حسين جابري أنصاري خلفًا له.

اللافت للنظر سذاجة  وسائل الإعلام العربية  تسابق في تحليل أسباب    إقالة  أمير عبد اللهيان و أبعادها على اعتبار أنه  من  أبرز الوجوه المتطرفة في الحكومة الإيرانية ، والمسئولة عن سياسات طهران التصعيدية  في الإقليم ،ولم يقف الأمر عند هذا الحد ؛ بل بدأت في الحديث على  أن اقالة عبداللهيان – والذي بالمناسبة سينتقل لموقع مهم في مكتب المرشد -  يعكس الخلافات الداخلية  العميقة بين الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف من جانب، وبين المرشد والحرس الثوري من جانب آخر، حول بقاء عبد اللهيان في الخارجية الإيرانية ودخول الحرس الثوري وقوات البسيج والمليشيات الثورية على خط الأزمة ؛ وكأن قضية إقالة عبداللهيان باتت أمناً قومياً إيرانياً.

ولم يقف الأمر عند ذلك بل أسهب الإعلام العربي وجهابذة المتخصصين والخبراء بالشأن الإيراني تحميل-  العبد الفقير  لله - عبد اللهيان المسئولية الكاملة عن  تدهور العلاقات مع السعودية كونه من أكثر النخب التي تكن عداء لعادل الجبير  وللرياض ولسياستها في المنطقة، والدليل أنه  كان يهاجمها بصورة مستمرة بمؤتمراته الصحفية وفي الإعلام الإيراني.

النتيجة التي خلص لها الإعلام العربي وخبراء السياسة الإيرانية أن  إقالة  عبد اللهيان جاءت في إطار التهدئة وإعادة العلاقات  مع السعودية ، وأن قطار عودة الحوار الإيراني – السعودي حول الأزمات والحروب التي تشهدها المنطقة ستنطلق صفارته عما قريب وبشكل عاجل .

كذلك فإن  السعي لإنجاح الاتفاق النووي بعد تحذيرات من التدخل السعودي في إجهاض الاتفاق النووي؛ بسبب الاختلاف الحاصل بين البلدين في المنطقة، سيزول على الفور بعد إقالة عبداللهيان  .

كذلك أشاع الإعلام العربي – على نطاق واسع -  عن أن  إقالة مساعد وزير الخارجية في الشؤون الأفريقية والعربية السابق أمير عبد اللهيان، يرتبط بشكل مباشر باستعداد إيران لتقديم تنازلات لحل الأزمة السورية والاستعداد للتخلي بسهولة عن رئيس النظام السوري بشار الأسد ، واعتبار أن  تغيير عبد اللهيان يهدف إلى   توسيع  هامش الحلول  والمناورة لدى حكومة روحاني في الأزمة السورية، وأن بشار الأسد لم يعد من الخطوط الحمر لإيران،  كل تلك التحليلات تتم  بمعزل عن تناول وتحليل الموقف الروسي الحاضر بقوة في أي حل أو تسوية ، ونسوا أن بيدها مفاتيح الحل والعقد وإدارة الأزمة السورية برمتها ، اللهم .... إلا إذا كان لدى الجانب الإيراني معلومات استخباراتية موثقة أن الروس قد عقدوا صفقة مع الجانب الأميركي بخصوص الأسد  ، وأن عليهم تغيير استراتيجياتهم  على وفق ما خططوا له سابقاً .

لله درك يا عبداللهيان كم كنت خطيراً ومهماً ،،،،،،،،

إن محاولة تشبيه   الملف السوري بالملف النووي، من حيث طبيعة انتقال هذا الملف من المجلس الأعلى للأمن القومي، إلى الخارجية الإيرانية بعد تعيين شمخاني أمين عام مجلس الأمن القومي منسقا أعلى للازمة السورية مع روسيا والنظام السوري ، وأن ملف الأزمة السورية كما الملف النووي الآن انتقل إلى يد الخارجية الإيرانية؛ و هو أمر مثير للسخرية ؛ لأن إيران التي خسرت أكثر من 20 مليار منذ اندلاع الأزمة السورية ،  عدا  تكبدها ألاف القتلى والجرحى ، لا يعقل أن يتنازل المرشد والحرس لينقل الملف لجواد طريف ليتفاوض ويصل لحلول بالنيابة عنهم .

الملم بالشأن الإيراني يعلم تماماً بأن الرئيس الإيراني وفريقه الوزاري ، لا سيما الخارجية والمخابرات يعتبرون بمثابة الأدوات التنفيذية للسياسة الخارجية الإيرانية تجاه الأزمات الإقليمية  ، وهي بمثابة الأجهزة التي تنظم عملية التنسيق بين  مؤسسات الحكم ، ولا يمكن لها أن تأخذ  أية  مساحة كبيرة من الخيارات التي تسمح له باتخاذ  أي من القرارات المتعلقة بالملفات المهمة وبالذات الأزمة السورية، دون ضوء أخضر من المرشد بعد التنسيق مع الحرس الثوري وجهاز مخابرات المرشد " اطلاعات رهبرى " الذي ينسق بين مختلف أجهزة استخبارات الدولة ، ويضع البدائل والخيارات أمام المرشد ،  ومن هنا فإن اعتبار إقالة عبد اللهيان  بأنها بمثابة  إجراء لتوسيع خيارات الحكومة الإيرانية لإدارة الأزمة السورية بعيدا عن مؤسسات  الدولة والثورة التي كانت تمسك بالملف السوري سابقا يفتقد الدقة والموضوعية ، لأن عبداللهيان بالنهاية موظف من الدرجة الثانية ، و هو سيغير نبرة تصريحاته في حال اتصل به سكرتير من مكتب المرشد بأمر من خامنئي .

كذلك فإن عبد اللهيان  بشخصه لم يكن ليشكل عقبة في تغيير موقف الحكومة الإيرانية من رئيس النظام السوري بشار الأسد، أو من العلاقات مع السعودية  لأنه كان بمثابة الناطق  الرسمي نيابة عن مؤسسات الدولة والثورة الذي يعبر عن مواقف  الدبلوماسية الإيرانية تجاه  الأزمة السورية والعلاقات مع الرياض .

التغيير  الفعلي الذي من المفترض أن يحمل رسالة إيجابية من الخارجية الإيرانية للمنطقة والعالم  ، والذي من المفترض أن يطالب به الاعلام العربي ومن يدعون أنفسهم خبراء في الشأن الإيراني هو المطالبة بقرار للإطاحة بقاسم سليماني " رامبو الثورة الإيرانية " وإقالة قادة الحرس الثوري و  في مقدمتهم اللواء محمد علي جعفري ومساعديه ، وإقالة قائد قوات البسيج " التعبئة " العميد محمد رضا نقدي  ومساعديه الذين يشرفون على تدريب  مليشيات الموت و نقلها  لسوريا والعراق ، وتحويل أمين عام حزب الله الإيراني حسين الله كرم للقضاء لارتكابه جرائم حرب ضد دول المنطقة بعد إشرافه المباشر على نشاط فرع  حزب الله في  سوريا والعراق واليمن والبحرين والسعودية التي تشرف على ذبح شعوب المنطقة وزرع الخلايا النائمة فيها ، وتحويل آيات الله العظام الذين يصدرون فتاوى الموت لذبح الشعب السوري والعراقي واليمني ...إلى محكمة رجال الدين وإنزال القصاص العادل بهم ، هذه ستكون مؤشرات على تحول السلوك الخارجي الإيراني .

 لا روحاني ولا  وزير خارجيته  ظريف  ولا  عبداللهيان لهم حول ولا قوة في سياسة إيران الخارجية  ولن يكون لهم اليد العليا فى ملفات إيران الخارجية المهمة ، ولن تمنح تفويضا  أكبر – مهما كانت - أكبر لإدارة الأزمات ، فخامنئي وحرسه ومؤسساته الثورية لن تضع  مصالح إيران القومية  تحت تصرف"مجموعة من  الصبيان " كما وصفهم أية الله جنتي في بعض المناسبات  .

كما أن تصوير ما يجري في إيران بأنه يعكس حالة من الصراع الشديد على السلطة بين الرئيس حسن روحاني، ومؤيديه من  جناح الإصلاحيين والمعتدلين، وبين تيار المتشددين بقيادة  خامنئي والحرس الثوري تجاه الأزمة السورية والعراقية ، هو أمر مبالغ فيه  ولا أساس له من الصحة ، وأن الاعلام العربي وخبراء الشأن الإيراني وقعوا في مصيدة  ، كما روج سابقاً لوفاة خامنئي ، وهدفه  جذب الانتباه عما تقوم به طهران من جرائم ممنهجة في سوريا والعراق ، وتشتيت الانتباه عن حالة التوحد العربي خلف مواقف السعودية - بقيادة الملك سلمان - التي بدأت تنظر إلى الخطر الإيراني برؤية جادة ؛ استلزمت تنسيق المواقف السياسية والعسكرية ،  ،حيث أعطى الموقف العربي بمجمله  انطباعاً بأن القيادات العربية باتت تقف في صف واحد  ، وعلى مسافة واحدة ، عندما يتعلق الأمر بالمصالح الإستراتيجية في المنطقة، وخاصة حيال الموقف الإيراني المدمر في سوريا والعراق واليمن ولبنان ...، رغم الانقسامات التي لا يستهان بها بشأن كيفية التعامل مع طهران .

لا شك بأن التحليلات التي تسابقت للإيحاء بحدوث انفراجه في العلاقات العربية الإيرانية -  لا سيما الإيرانية السعودية - نتيجة تغيير عبداللهيان ، أبعد ما تكون عن الحقيقة. وكما هو الحال بالنسبة إلى تقييم  الوضع الداخلي الإيرانية وطبيعة تركيب مؤسسات صنع القرار السياسي والأمني هناك ، وفشل خيارات حدوث صراع  بين المعتدلين والإصلاحيين في هذا التوقيت بالذات والذي يشهد ظروف سياسية حساسة متعلقة بنقل السلطة على مستوى منصب المرشد ، وما تعانيه إيران من ظروف أمنية داخلية حساسة بعد تحرك الأقليات " الشعوب القاطنة في إيران " كالعرب والبلوش والكرد ، هذا عدا عن الخسائر الاقتصادية والبشرية والإستراتيجية التي تتكبدها في سوريا والعراق .... يومياً ، وهو ما يشغل إيران حالياً .

نقول للإعلام   العربي  كفاكم استهزاء بعقولنا  ، ونقول لمن ركبوا موجة  الخبرة والدراية في   الشأن  الإيراني ، اتقوا الله فينا  .

د.نبيل العتوم                                                                                       

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية                                       

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 675