الأكراد السوريون و المنزلق الخطير الذي ينزلقون إليه

أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى

الكلمة المنصفة

الأكراد السوريون مكوّن اجتماعي سوري،له حضوره في التاريخ السوري القديم و الحديث، كأي من المكونات الاجتماعية الأخرى. بل و يزيد عليها بتاريخ مشترك بلغ ذروته في حطين على يد السلطان الناصر(صلاح الدين). و استمر إلى العصر الحديث فكان منهم: ساطع الحصري و هو مفكر و كاتب، و من دعاة القومية العربية. و عبد الرحمن الكواكبي و هو مفكر إسلامي و داعية إلى خلافة إسلامية مركزها مكة. و قد اشتهر بكتابيه مصارع الاستبداد و أم القرى. و محمد كرد علي مؤسس المجمع العلمي العربي بدمشق، و صاحب كتاب خطط الشام، المعروف بمجلداته الثلاثة. و هو مماتزدان به المكتبة العربية. و إبراهيم هنانو قائد الثورة السورية في الشمال السوري ضد فرنسا و الذي يعد أبا الثوار السوريين زمن الاحتلال الفرنسي. و هؤلاء قليل من كثير، ممن كان لهم دور في التاريخ السوري، و قد عرفوا بعطائهم المتميز، و موقفهم الأصيل و المشرف.

 وفي مرحلة مابعد 1963 و بخاصة في عهد حزب البعث نالهم من الظلم مثلما نال مكونات الشعب السوري الأخرى، و عوملوا معاملة غير إنسانية، و كأنهم غرباء عن بلاد ولدوا فيها و بعضهم حرموا من الجنسية السورية. و عدوا من ( البدون) الذين لا جنسية لهم، و ذلك من باب المكايدة، و سيق كثير منهم إلى السجون و المعتقلات، و بعضهم اغتيل ظلما و عدوانا في أقبية السجون. و (معشوق الخزنوي) واحد منهم، أو استشهدوا في الساحات العامة، و مشعل تمو أحد أولئك. و الاثنان من بعض الرجال الكرد الذين اغتالهم النظام. و قيل ماقيل عن هذه المسألة فإنها تدل بوضوح على معاناة الأكراد، و على نظرة النظام إليهم، و قد شملهم الغبن و الإقصاء، كما شمل مكونات المجتمع السوري الأخرى، و منهم السنة بخاصة.و لا نظن أن السنة كانت- من حيث الحقوق- أفضل حالا منهم.

 أما في الجانب الآخر(غير الرسمي) فقد كانوا على حد تعريف بعضهم (الخال وابن أخته). أي تجمعهم و السنة بخاصة و شائج قربى، فهم يعيشون معا في المدينة الواحدة، و في القرية الواحدة و في الحي الواحد، و في البناية الواحدة، و حياتهم في الشمال السوري بعامة، و على طول الشريط الحدودي الممتد من جبل الأكراد في اللاذقية، إلى اليعربية و جبل سنجار في الجزيرة السورية دليل على تلك اللحمة، التي كانت تجمع الجميع في ماعون حضاري واحد و على خاصية الشعب الواحد، التي تجمع المكونات الوطنية في خانة واحدة، و قد كانوا يشاطرون بعضهم الأفراح و الأتراح في السراء و الضراء، و قد ظلوا على هذه الحالة إلى 2011م، و هو تاريخ قيام الثورة السورية.

 أما بعد قيام الثورة السورية سنة 2011م-فسبحان مغير الأحوال- فقد دلت وقائع الثورة السورية على تغيير في المواقف تجاوز حدود الأخوة المشتركة و الشعب الواحد، بعد أن برز منهم التنظيمات الإرهابية العميلة، التي تأتمر بالأوامر الأجنبية و تدور في فلكها، و التي تتخندق في خنادق اللاوطنية، و اللادينية، و اللاأخلاقية كذلك، و هو مالم يصدقه العقل و المنطق قبل هذا التاريخ. فما يسمى بقوات سورية الديمقراطية، و منها ال PYD و ال PKK انقلبت على الوطنية السورية و على علاقتها التاريخية مع شعوب المنطقة لتصبح ظهيرا لقوات النظام وللمصالح الأجنبية التي تأتمر بأمرها و قيل ماقيل عنها فهي صهيونية صليبية بإمتياز. و قد نسيت العلاقة الأسوء التي كانت بينها و بين النظام و قد سامها بخسا قبل 2011م، بل و الأغرب من ذلك أن تلك القوات أصبحت اليوم أقرب إلى القوات الغازية منها إلى القوات الوطنية الثورية، فهي تجرف القرى العربية، و ترتكب المجازر بحق السكان العرب، و تعمل جاهدة من أجل التغيير الديمغرافي في الشمال السوري بكامله من اليعربية شرقا إلى تل رفعت و منغ غربا، و كل أملها أن تشكل إقليما مضافا إلى إقليم كردستان العراق، و قد نسوا أنهم يحصرون أنفسهم بين في ( غيتو من الرعب) أو فكي كماشة و في شريط حدودي ضيق قد لايتجاوز عرضه الكيلومترات القليلة، و ذلك بين العرب و الأتراك، الذين يرون في تصرفاتهم هذه مايسيء إلى العلاقة التاريخية التي كانت بين ؛ العرب و الترك و الكرد. وذلك هو الخطر الأكبر الذي سيواجههم.

 و اليوم و هم يحتلون جهارا نهارا القرى العربية يسجلون على أنفسهم دينا سيدفعون ضريبته يوما ما طال الزمان أم قصر، و فضلا عن ذلك فإنهم- بسبب من جنوحهم و عدوانهم على إخوانهم العرب بخاصة- أمام مخاطر ثلاثة:

 الخطر الأول يتمثل بالنظام نفسه. فهو إذا مااستطاع أن يبسط سيطرته على سورية مجددا، سيدير لهم ظهر المجن و لن يترك لهم موضع قدم في المناطق التي يحتلونها اليوم. و سيعود بهم إلى ماكانوا عليه سابقا من هضم أو إقصاء أو غبن.

 الخطر الثاني يتمثل في الوباء الأصفر القادم من طهران و قم مع العلم أن الميلشيات الشيعية العاملة على الساحة السورية لن ترضى عنهم مالم يدخلوا في طاعة الولي الفقيه،سيما أن الحرب التي يخوضونها اليوم في سورية و في غيرها من بلدان الشرق الأوسط- من وجهة نظرهم- حرب دينية، و هذا ماكان على الأكراد أن يعرفوه قبل أن يتصرفوا بشوفينية مزعجة لا تتناسب و مكونهم الاجتماعي الذي يستظلون بمظلته، و فضلا عن ذلك فإن الانسلاخ الحضاري عن شعوب المنطقة و منهم المسلمون السنة، ستكون ضريبته أكبر مما سيحققونه من أرباح في هذه المرحلة، و هذه الحقيقة هي التي يجب ألّا تخفى عنهم، و أن يأخذوها بعين الاعتبار بصرف النظر عن الترات الشخصية أو النظريات الماركسية التي يتسلحون بها في مواجهتهم شعوب المنطقة.

 الخطر الثالث: يتمثل في المواجهة الشاملة مع شعوب المنطقة و هذه المسألة تعد غاية في الخطورة، و هي حين اندلاعها ستحرق الأخضر و اليابس و سيكون بالتأكيد الخاسر الكبير فيها الأكراد، لأنهم بدلا من أن يناضلوا من أجل حقوقهم المشروعة انشغلوا بسلب الآخرين حقوقهم، و بالعدوان عليهم و بالتألب ضدهم، و ذلك هو الحمق ذاته، بل الغباء الذي ليس بعده غباء.

 وبناء عليه، فلن ينتظرون منا إلا واحدة من ثلاث:

الأولى- العودة إلى خانة الأخوة المشتركة. و بها يكون طي صفحة العداء، و العمل معا و على قدم المساواة من أجل مستقبل مشترك يتساوى فيه الجميع بالحقوق، و يتاح لهم فرص الحياة الكريمة، بعيدا عن التعصب العرقي الذي يتحمل مسؤولية الخلل الاجتماعي الذي أحدثه النظام السوري أولاً و الذي انزلقت إليه المجموعات المتطرفة من الإخوة الكرد مؤخرا.

الثانية- الابتعاد عن خط التماس المباشر بينهم و بين جيرانهم من العرب و الأتراك و احترام خصائص الشعوب و حقوقها، فقد جعلنا الله شعوبا و قبائل لنتعارف و ليس لنتخاصم. و معرفة مالنا و ماعلينا أولا مقدمة للحياة المشتركة و دون ذلك خلل في العلاقة، و قد يكون الخلل في العلاقة من أمهات المشاكل التي نشأت بين شعوب المنطقة. و كذا التفكير الشوفيني الأعمى، أو الماركسي المنحرف عن أساسيات الفهم الصحيح لثقافة المنطقة و لآدابها و تقاليدها، و قد كان و لايزال الأكراد أحد مكوناتها الاجتماعية.

الثالثة- الدخول في حانة الإشكال التاريخي، الذي و إن كان يلبي الطموحات الأجنبية إلا أنه يتأذّن العرب و الكرد بالاقتتال الدامي فيما بينهم، فالحرب التي يسعرها مجنون، ألف عاقل لن يستطيعوا إطفاءها و هذا ماحذرنا منه و نحذر منه مجددا. بل و بإلحاح و ذلك قبل أن تفوت الفرصة، فتكون المنطقة بكاملها وقود حرب ضارية لايعلم إلا الله نتائجها بعد. و حينئذ يكون التحالف الإيراني الصفوي، و الصهيوني الصليبي قد حقق أهدافه بإشعال المنطقة، و يحرقها، و بجعلها تتشظى إلى كيانات شتى. و ذلك كله خدمة للدولة الصهيونية الناشئة في فلسطين، و للصليبيين الذين يخططون لهذه المعركة الطويلة الأمد، و التي بدأت بضرب أفغانستان و العراق، و لن تنتهي حتى تحقق أهدافها بتحطيم القدرات الإسلامية النامية،في العالم الإسلامي كله.

 و في الختام:

 فإن على شعوب المنطقة أن يفوتوا الفرصة على تلك القوى الغاشمة التي تستهدف بيضتهم، و ألا يكونوا أدواتا يلعبون بها كما يلعبون النرد و أن يعلموا أن عداوات الشعوب ليست سهلة، و أن حالات الضغف و القوة ليست دائمة، و أن التفريط بالأخوة التي كانت قاسما مشتركا بينهم أمر جلل، و عقباه قد تكون الخسارة الأكبر، التي تعني فيما تعنيه تعريص وحدة شعوب المنطقة كلها للخطر الأمر الذي يوجب على أصحاب الرأي منهم بخاصة، ألاّ ينزلقوا وراء المرضى النفسانيين الذين دفعتهم عقدهم النفسية التي تكونت في ظروف سابقة إلى افتراض العداء المطلق لإخوانهم و جيرانهم، و هذا مانحذر منهم، و بصورة دائمة، و هو يتطلب الكلمة المنصفة التي تجمع و لاتفرق، و التي تجنب المزالق الخطيرة في المواقف و التصرفات، و التي تأخذ بيد الجميع إلى الشواطئ الآمنة.

أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى

رئيس وحدة الدراسات السورية

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 683