بالمختصر المفيد، لماذا خسرت هيلاري ولماذا ربح ترامب

خبر خسارة (هيلاري كلينتون) بانتخابات الرئاسة لعام 2016 في الأمس وفوز (دونالد ترامب) وقع كالصاعقة، ليس فقط على المراقبين هنا في أمريكا ولكن على المراقبين للشأن الأمريكي حول العالم. وسأحاول في هذا المقال وباختصار تحديد الأسباب المباشرة التي أدت لذلك.

خسرت (هيلاري) الانتخابات للأسباب التالية:

1- برهن الشعب الأمريكي أنه مازال شعباً (ذكورياً)، بمعنى أنه غير جاهز بعد لوضع إمرأة في سدة الرئاسة، علماً أن أوربا وآسيا وإفريقية وحتى كندا وأمريكا اللاتينية قد سبقته إلى ذلك وحيث أثبتت المرأة في العديد من الحالات أنها حتى أقدر من الرجل على إدارة دفة الحكم. ولقد رأينا محاولات خجولة لايصال إمرأة إلى البيت الأبيض سابقاً حين اختار المرشح الجمهوري (جون ماكين) حاكمة آلاسكا (سارة بيلين) عام 2008 لتكون نائبته في السباق الرئاسي، حيث اعتبر المراقبون حينها أن ذلك الاختيار كان أحد أهم الأسباب التي جعلته يخسر الانتخابات لصالح (باراك أوباما). سبق وفعل ذلك أيضاً المرشح الديمقراطي للرئاسة عام 1984 (والتر مونديل) حين اختار (جيرالدين فيرارو) كنائبته وكانت النتيجة خسارته أمام الجمهوري (رونالد ريغان). هذا وقد خيبت الناخبات الأمريكيات أمل (هيلاري) حيث صوت نصفهن لصالح منافسها الجمهوري (ترامب).

2- تدخل رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) الجمهوري (جيمس كومي) قبل اسبوعين من الانتخابات وإعلانه عن إعادة فتح التحقيق بموضوع رسائل (هيلاري) الإلكترونية بعد أن تم العثور على الكثير منها على الكومبيوتر الخاص بعضو الكونغرس الديمقراطي السابق (أنتوني وينر) وهو الزوج السابق لمساعدة (هيلاري) الشخصية (هوما عابدين)، والذي كان قد استقال من منصبه قبل عدة سنوات على خلفية تورطة بفضائح جنسية وحيث لاتزال قضيته قيد التحقيق من قبل الإف بي آي. وبالرغم من أن (كومي)، وتحت ضغط  شديد وانتقادات كبيرة من رؤساءه ومن الصحافة، عاد وبرأ (هيلاري) من أي مسؤولية عن تلك الرسائل قبل الانتخابات بيومين، ولكن يبدو أن ذلك الإجراء قد أتى متأخراً وتسبب بخسارتها العديد من الأصوات من جمهور التصويت المبكر.

3- اختراق صفحة الحزب الديمقراطي قبل عدة أشهر وبعد ذلك إختراق البريد الإلكتروني لمرشحته وثم لمدير حملتها (جون بوديستا) من قبل موقع (ويكي ليكس) المدعوم من روسيا، ونشره رسائلها على الملأ بما فيها من أسرار تتعلق بالحزب والحملة. وقد أدى ذلك إلى إحراج (هيلاري) وحملتها بدرجة كبيرة وخاصة أمام مؤيدي منافسها الديمقراطي السابق (بيرني ساندرز) حيث كشفت بعض الرسائل أنها تآمرت عليه. كما كشفت عن أن (مؤسسة كلينتون) الانسانية، التي سبق وشكلتها في الماضي، قد قبلت دفعات بملايين الدولارات من دول عربية وأجنبية بشكل تبرعات حين كانت (هيلاري) وزيرة للخارجية، في حين اتهمها (ترامب) بأنها كانت رشاوى لتقديم خدمات سياسية بالمقابل لتلك الدول.

4- إختيارها غير الموفق لنائبها (تيم كين) السيناتور من ولاية فيرجينيا صاحب الشخصية الضعيفة. وقد فعلت ذلك لأنه (كاثوليكي) ويتحدث الاسبانية بطلاقة بهدف خطب ود الجالية اللاتينية القوية (المكسيكية والكوبية والأمريكية الجنوبية) ولكن هذا لم يشفع لها حيث صوت حوالي 30% منها لصالح منافسها الجمهوري. وبالاضافة لذلك فقد حصلت على أصوات من الأمريكيين السود أقل بكثير مما كانت تتوقع.

من جهة ثانية فيمكن تلخيص فوز (ترامب) بالانتخابات بالأسباب التالية:

1- برنامجه العنصري المبني على كراهية الأقليات كالمسلمين والسود والهيسبانيك لاقى ترحيباً واسعاً من شرائح كبيرة من الأمريكيين ذوي التحصيل العلمي المنخفض أو الذين يتفقون معه بهذه النظرة. وقد خفف المراقبون من نسبة هذه الشرائح في البداية، ولكنهم فوجئوا بأنها شرائح أكبر بكثير مما توقعوا بحيث تمكنت من إيصال هذا الشخص الغير مؤهل إلى البيت الأبيض.

2- عزفه على وتر أن الشعب الأمريكي بمجمله قد تعب من فشل سياسيي الحزبين التقليديين بعد الانتخابات من تنفيذ مايعدون به خلالها، وأن واشنطن بحاجة لمن (ينظفها) من قاذورات أهل السياسة وكذبهم وخداعهم للمواطن العادي. وبالتالي فان فوز (ترامب) من هذا المنطلق تحقق لأن الناس يريدون رئيساً من خارج المنظومة السياسية المعهودة. وقد ساعده على ذلك كون منافسه (إمرأة) كما سبق وذكرت ولكن أيضاً كونها موجودة على الساحة السياسية لأكثر من ثلاثين عاماً، من سيدة أولى إلى سيناتور عن نيويورك إلى وزيرة خارجية، وبالتالي فقد مل الناس منها.

3- كونه بيليونيراً فقد تمكن من إقناع الناخبين بأنه سيدير البلد كإدارته لشركاته الخاصة وبالتالي سيعيد الاقتصاد لعافيته باعادة الشركات الأمريكية المهاجرة إلى الوطن وكذلك حماية الانتاج الوطني من المنتجات الأجنبية. المضحك هنا أن لدى (ترامب) العديد من الشركات خارج أمريكا كما وأنه يشتري منتجات أجنبية لمشاريعه بسبب رخص أسعارها مما يؤذي الصناعات المحلية. ويجب أن لاننسى هنا أنه امتنع عن نشر ملفات الضرائب الخاصة به كما جرت العادة، وهذا يضع إشارة استفهام كبيرة عن مقدار ثروته وكونه فعلاً رجل أعمال ناجح أو فاشل؟

4- بنائه على إخفاقات وفضائح (هيلاري) التي سبق وأشرت إليها من جهة، ونجاحه باختيار نائبه، حاكم ولاية إنديانا (مايك بينس) الذي ساعد كثيراً بتعديل الصورة الفظة لترامب ودفع شرائح واسعة من الناخبين المترددين لقبوله.

     في النهاية لابد من الإشارة أن هذه الانتخابات ستدخل التاريخ من حيث ضراوتها ولغة الشوارع التي تم استعمالها والاتهامات التي تم توجيهها والفضائح التي تم الكشف عنها وخاصة الجنسية المتعلقة بترامب، وكذلك إعادة نشر قصص (بيل كلينتون) الفضائحية المشابهة. يمكنني القول هنا أن فوز (ترامب) لم يأت لأنه الأفضل، ولكن لأن من نافسه من الحزبين كانوا ضعفاء. ولكن هناك أيضاً من يقول أن تدني مستوى التعليم في أمريكا خلال العقود القليلة الماضية قد أنتج جيلاً يرى في رجلٍ مثله بطلاً قومياً، تماماً كما ترى شعوب العالم الثالث المتخلفة في الديكتاتور بطلاً ملهماً مهما صدر عنه من كذب وشر وفشل.

وسوم: العدد 694