البحث عن الطاقة ح1 + ح2

خلق الانسان من جزئين , جسد وروح , الجسد يدفعه الى عالم المادة , والروح يدفعه الى عالم الروحانيات , فهو بين رغبات هذا ومتطلبات ذاك يعيش التناقضات , الا من حكّم عقله , وتمكن من مجاراتهما , فيكون مرتاح البال.

الجسد والروح , كالمطية وراكبها , الجسد مطية , والروح راكبها , فينبغي للمطية ان تسير وفقا الى اوامر الراكب , في نفس الوقت , يجب على الراكب ان لا يغفل متطلبات ورغبات المطية , فيوفر لها الماء والكلأ , وان لا ينسى حظها في طلب الراحة , وان يجد في بحث الدواء لها في حالة اعتلالها.

للروح ثلاثة حالات حولها تتمحور فعالياتها :

1-    ان ترتقي وتتسامى وتتعالى في طلب الروحانيات , عالمها واسراره , تعمل على ذلك وتجد في عملها , مترفعة عن رغبات الجسد المادية , مقاطعة بذلك إلحاح الجسد (مطيتها) في التسافل والركون الى المادة , فتكون بذلك كراكب المطية , يوجهها في جهة ما , الا ان المطية تريد السير في جهة اخرى , الامر الذي يدعوه الى زجرها وربما ضربها كي تسير في الاتجاه الذي يريده هو .

مثل هذا الحال , يكون ذلك المرء في حالة قلق وعدم استقرار , طاقاته متذبذبة بين الايجاب والسلب , فروحه تطلب عالم الطاقة الايجابية , وجسده يطلب مكامن الطاقة السلبية , فيقوم بزجر وكبت رغبات الجسد , والجسد يعلن تمرده بين الفينة والاخرى , نتائج هذا الصراع تكون متفاوتة , فتارة تكتب للجسد وتحسم للروح تارة اخرة .  

2-    اتفاق الروح مع الجسد في الانطلاق الى عالم الروحانيات العليا : تتمكن الروح من السيطرة على الجسد بطرق ودية , لا زجرية , تحسن اليه وتتفق معه , فتراعي حقوقه ويراعي حقوقها , لكن يجب يسلمها زمام السيطرة .

تكون كالقائد الذي يحبه ويعشقه الجنود , فهم في أتم الاستعداد لتنفيذ اوامره , حتى وان أدى ذلك الى التضحية بحياتهم , او كالمطية الطيعة لراكبها , تسير في الجهة التي يرغب دونما اثارة أي مشاكل بكل ود وترحاب .

في مثل هذا الحال , تكون الطاقة الايجابية على أوجها , انبعاثا من هذا الاتحاد بين الروح والجسد , واكتسابا من مصادرها في الطبيعة والكون.

3-    ركون الروح الى رغبات الجسد: في هذا الحالة , يفرض الجسد سيطرته على الروح , بل وتساعده في تقصّي الملذات المادية , وتكون له خير معلم ومرشد اليها , فينغمس كلاهما في المادة من الاخمص الى الرأس , تاركان خلفهما العالم المثالي الاسمى .

في هذه الحال , يترك الراكب لمطيته حرية اختيار الطريق , يوافقها في أي اتجاه تختاره دونما اعتراض , فهو يبحث عن تلبية الرغبات , وهي تشاركه فيها بكل سرور وحبور.

ذلك الحين , وعند الركون الى الماديات , تكون الطاقة السلبية في أوجها , انبعاثا من هذا الاتحاد البيني , واكتسابا من مصادرها في الطبيعة.

اما حالات الجسد فلا تختلف عن حالات الروح , لكنه مجبول على حب المادة , طلبا للذة والمتعة , فيندفع لها , مجدا في طلبها , محاولا اكتساب واستحصال ما أمكنه منها , لكنه ونظرا لانغماسه في ملذاته وطلب مواردها , أكتشف أمرين :

1-    ان هناك متعة لا تضاهيها متعة , متعة خفيت عنه , لا يمكنه استحصالها بالوسائل التقليدية , أكتشف انها كامنة في المادة ذاتها , حيث الطاقة المخفية في الموجودات , فأخذ يتقصى اخبارها في كل ما حوله , بحث فيها وجرّب , درسها وتعمق بدراستها , وهضم محتوياتها بأروع صورة , فتوصل الى انها قد تكمن في :

1-1-        الاتحاد مع الطبيعة : المادة تحن الى المادة , كل شيء ينجذب الى مثيله , لذا ركن الجسد الى الطبيعة التي جاء منها , فمنها ولد , وبها يقوّم بنيته اكلا وشربا , فعشق المياه والخضرة , والفضاء الفسيح , وتلك النجوم التي تتلألأ في الليالي , الشمس والقمر , تعلق بتلك الطبيعة الخلابة واستأنس بها كاستئناس  الطفل بمحالب امه .

عكف على دراسة خواص المواد والاشياء , مستهلا دراسته بما هو اقرب اليه واكثر تماسا به , فشرع بدراسة :

1-1-1-             الاطعمة والاشربة : لا خلاف ولا شبه فيما يوفره الطعام والشراب من متعة حقيقية , بدءا من رفع وازالة ألم الجوع البغيض وحتى ما يؤكل من أجل التسلية كالمكسرات مثلا , لكنه أكتشف خفايا ليست واضحة تكمن خلف اطعمته وأشربته , طاقات كامنة , ايجابية وسلبية , فبعضها :

1-1-1-1-    منها ما يساعد في اكتساب الشحنات الموجبة : كالملح والخل , لذا عمدت بعض الاقوام على ان يستهلوا تناول الطعام بتناول الملح وان يختموا الطعام بتناول الخل , غير انهم أغفلوا ان من خواص الخل انه لا يدفع الطاقة السلبية , بل يجمعها مثل المغناطيس لكنه لا يحررها الا عندما يتم تحليله بالماء , بذا يقوم الملح بدفع الطاقة السلبية قبل تناول الطعام , لكن الخل الذي يكون قد جمع الطاقة السلبية سوف يحررها بعد تحلله في عملية الهضم , لذا كان الافضل الابتداء بالملح والختام به ايضا , كما جاء عن النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله وسلم" في جملة من وصاياه لعلي "عليه السلام" نكتفي بذكر وصيتين منهما الاولى (يا علي افتتح بالملح في طعامك واختم بالملح فإنه من افتتح طعامه بالملح وختمه بالملح دفع الله عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء أيسرها الجذام) "1" , (وَإِذَا أَكَلْتَ فَابْدَأْ بِالْمِلْحِ , وَاخْتِمْ بِالْمِلْحِ ، فَإِنَّ بِالْمِلْحَ شِفَاءٌ مِنْ سَبْعِينَ دَاءً أَوَّلُهَا الْجُذَامُ ، وَالْجُنُونُ ، وَالْبَرَصُ ، وَوَجَعُ الأَضْرَاسِ ، وَوَجَعُ الْحَلْقِ ، وَوَجَعُ الْبَصَرِ) "2" , فأن الملح يدفع الطاقة السلبية قبل الطعام , كما ويدفعها بعده ايضا , ما يجنب المرء مخاطر الطاقات السلبية التي قد تكون متواجدة في المكان , او تلك الصادرة ممن هم بجواره او ممن ينظر اليه , وايضا تلك التي قد تكون صادرة من حيوانات ذات نفس (شحنة سالبة) كالقطط والكلاب , من جراء نظرها اليه وهو يأكل .    

1-1-1-2-    ومنها ما يساعد على اكتساب الشحنات السالبة:  كالخمر.

1-1-1-3-    ومنه ما يساعد في توليد الشحنات الموجبة : كالحلويات والمعجنات , شريطة ان تكون خالية من المواد الحامضية , وكذلك يفعل الفلفل الحار.

1-1-1-4-    ومنها ما يساعد في توليد الشحنات السالبة : كالصبار.

1-1-1-5-    وبعضها يقوم بعمل اضطراب في الشحنات : كالثوم والبصل , ما لم يكن لديه عزيمة قوية وتدريب عال من اجل التحكم والسيطرة .

1-1-2-            الماء : أكتشف بطريقة او بأخرى ان للماء خاصية غريبة في جلب الطاقة الايجابية ودفع الطاقة السلبية , شربا وغسلا , فالبلل والرطوبة يجلبان الطاقة الايجابية , كما ان الجفاف واليباس يجلبان الطاقة السلبية , وهذا مما اشار اليه القرآن الكريم (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ{41} ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ{42}) "3" , فالنصب والعذاب من جراء الطاقات السلبية , وعلاجها بدفعها بالماء في مثل هذا الحال , وقوله عز من قائل (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) يشير الى العجلة بالاغتسال .       

1-1-3-            الحيوانات اللصيقة به (الاليفة) : من خلال تجاربه وخبراته المكتسبة أكتشف وجود الطاقة في بعض الحيوانات , وهي على نوعين:

1-1-3-1-    حيوانات ذات طاقة سلبية : كالقطط والكلاب , لكنها ضرورية في حياته , فالقطط تساعده على التخلص من القوارض وبعض الزواحف الخطرة , والكلاب تخدمه في الحراسة والرعي والصيد وكذلك التسلية في حالة الوحدة وغير ذلك .

لكنه يدرك مدى عمق وخطورة طاقتها السلبية , فسعى الى التخلص من تلك الطاقة بطريقين :

أ‌)       الاحسان اليها: الذي قد يصل حد السماح لها بمشاركته في طعامه.

ب‌)  عبادتها : ظنا منه ان عبادتها هي الطريق الامثل للخلاص من طاقاتها السلبية , فظهرت عبادة القطط في مصر القديمة وفي مناطق اخرى من العالم.

لا يقتصر الامر على القطط والكلاب فقط , بل يتعدى الى كثير من الحيوانات ذوات الطاقة السلبية الاخرى كالقوارض وغيرها , فلا عجب ان يظهر لها عباد وكهنة. 

1-1-3-2-    حيوانات ذوات طاقة ايجابية: وكان مما اكتشفه ان لبعض الحيوانات طاقات ايجابية , كالمواشي والدواجن , فعكف على تربيتها والاستفادة منها . 

كما وحثت الديانات السماوية اتباعها الى تدجين وتربية الدواجن والمواشي ذوات الطاقة الايجابية أخذةً بنظر الاعتبار فوائدها المادية والروحية "اللامادية"

كما واستخلص من تجاربه ان الكائنات الحية على ثلاثة اقسام :

أ‌)       ايجابية: كالمواشي والدواجن , فسارع الى تدجينها وتربيتها وتكاثرها والاستفادة من كل ما تقدمه له .

ب‌)  سلبية : كالحشرات والقوارض وغيرها الكثير , فسعى للتخلص منها وابعادها عن اماكن سكنه ومقار عمله , خصوصا , تلك الاقرب منه والاكثر التصاقا به كالعناكب مثلا , حيث اعتادت العناكب ان تنسج بيوتها في نقاط الطاقة السلبية في البيوت والغرف , لذا ادرك ضرورة رفع بيوتها "اعشاشها" وطرد تلك العناكب .

ت‌)  سلبية وايجابية : في نفس الوقت , كالقطط والكلاب , حيث تشترك بين السلب والايجاب , فهو بحاجة ماسة الى ايجابيتها , رغم خطر سلبياتها , لذا أوجد سبلا كثيرة للتخلص من طاقتها السلبية .  

كلما تعمق اكثر في انسجامه واندماجه واتحاده مع الطبيعة , أكتشف وجود مشاكل اكثر , والغازا لم يستطع حلها او تفسيرها , بحثا عن الحلول والتفاسير عاد الى نفسه .. خلقته.

1-2-         النرجسية الخلقية : ليست هي النرجسية الفردية المعروفة , بل تشابهها , لكنها اعم واشمل , نرجسية امتدت لتشمل كافة الجنس البشري , دونما استثناء لعرق او لون او طائفة , تحت عنوان "الانسانية" .

أعجب كثيرا بخلقته الادمية , وتكامل صورته , الامر الذي انعدم في الطبيعة ووجد  فيه وحده , ولا تشاركه الطبيعة به .

لكنه أكتشف ان هناك حدودا لكل شيء , ومشاكلا والغازا تعترض طريقه كلما تعمق اكثر في نرجسيته الخلقية , فأيقن بالفناء , واستسلم له صاغرا , طالما لا توجد بالجوار وسائل او بدائل .    

*************************

البحث عن الطاقة ح2

1-3-       الفناء : كلما تعمق اكثر , وتوسعت تجاربه , اصطدم بحاجز الموت من أي جهة سار فيها , وأعتقد جزئيا ان فيه الفناء , ونهاية الطريق , او الطريق المسدود , الطريق الذي تتساقط وتتوقف عنده كل الآمال والاطماع الطموحة. 

لذا اعتبر ان عودة الجسد الى الارض بعد الموت هو شكل من اشكال الاتحاد مع الطبيعة , حيث عودة الجزء الى الكل , هكذا تتكامل دورة الحياة , فيتحول الجسد الى مادة تؤكل من قبل الحشرات والبكتريا الى ان يتلاشى بالكامل , ويختفي عن الوجود  , فاسحاً المجال الى مخلوق بشري اخر يحل محله .

 

2-    لا يتوقف الامر فيما تقدم , بل استمر بالبحث عن متعة (طاقوية) ليست محدودة , لا تنتهي ولا يوقفها شيء , متعة خالية تماما من كل المنغصات مهما كانت صغيرة وتافهة .

بعد ان ادرك الجسد انه لا يمكنه من الوصول اليها , عاد الى ذاته , والطاقة الكامنة فيه , الروح , فسلمها الادارة واصدار الاوامر , وترك لها الخيار في البحث عن الغاية المنشودة :

2-1- الالهة : فطريا , أدرك وجود قوة لا متناهية في الكون , مهيمنة على كل شيء , طاقاتها لا تنفد , وعطاءها غير محدود , فلو استطاع التوصل اليها والاندماج معها لتخلص من مشكلة الفناء التي يواجه , ونال صفة الخلود  التي ينشد , فشرع بالبحث عن "الإله" في محورين :

2-1-1- الاله كما أعتقد : أختلف في اعتقاده بالإله من جيل الى جيل ومن قوم الى قوم , فرأى في ذلك عدة آراء منها :

2-1-1-1- أعتقد ان الإله طاقة ايجابية لا تشوبها شائبة , لذا توجه لها بالعبادة , مستزيدا منها بتزلفه الى الاله , وكان فيما أعتقد ان الجهة المخالفة للإله هي مصدر الطاقة السلبية المتمثلة بالشيطان.

لابد ان يكون الاله قادر ومقتدر , بقدرته خلق الطاقة الايجابية , ووزعها في الكون الفسيح .

2-1-1-2- أعتقد ان الاله لا ينبغي الا ان يكون طاقة سلبية , فالطاقة الايجابية لطيفة ونافعة في جميع الظروف , وهي مصدر الخيرات والبركات , اما الطاقة السلبية فهي ضارة وفيها المنغصات والعقوبات , فمن عصاها تنزل فيه العقاب الذي قد يكون شديدا حسب نوع الجرم , لذا أعتقد انه بعبادته للطاقة السلبية يكون قد استكفى شرها وضرها .

طالما وان الاله قد خلق الطاقة الايجابية , فلابد ان ينبثق منها او من زاوية من زوايا الكون طاقة معاكسة لها , تمثل الفيض او فرط الطاقة الايجابية , كما هو الحال في الفيض المغناطيسي المتولد نتيجة سريان التيار الكهربائي في الاسلاك الناقلة للتيار , او كما هو الحال في الفيض المغناطيسي حول حجر المغناطيس , لكي يتوازن الكون توجب توفر قطبين , طالما هناك قطبا للطاقة الايجابية , فلابد ان يكون هناك قطبا للطاقة السلبية , وبعبارة اخرى , أينما وجدت الطاقة الايجابية في مكان ما , ظهرت طاقة سلبية في مكان اخر , وهو مصداقا لقولك "لا توجد نعمة دائمة , ولا توجد نقمة دائمة" , لا الخير يدوم ولا الشر يدوم , انما هي تناوب بين الامرين.

وربما كانت الطاقة السلبية غير موجودة بالفعل , او ليس لها وجود حقيقي , لكنها تظهر كنتيجة لانعدام الطاقة الايجابية , كما النور والظلام , حيث ان النور له وجود , اما الظلام فليس له وجود , او وجوده غير حقيقي , لكنه يظهر بسبب انعدام النور , فيكون مصيره مرتبط بخفوت ضده .         

2-1-1-3- ينبغي للإله ان يجمع الطاقتين (الايجابية والسلبية) معا , فبالإيجابية يثيب ويحسن الى المحسنين , وبالسلبية يعاقب المسيئين . 

من هذه المنطلقات , شرع وجد في البحث عن الاله المفترض , معتمدا على نفسه من اجل معرفته وايجاده , دون الحاجة الى مرشد او دليل , مكتفيا بخبراته وطاقته العقلية المحدودة , فسار في عدة طرق :

أ‌)       الطريق الاول (عباد الافلاك) : أعتقد ان الاله يجب ان يكون بعيدا جدا , لا ينال بالأيدي , ولا يمكن الوصول اليه بالأقدام او على ظهور الدواب , فتوجه نحو الفضاء "الفلك" , بعضهم عبد الشمس , وبعضهم اختار القمر , وأخرون اختاروا النجوم , ولكل فلسفته الخاصة التي خطتها ايدي الكهنة , عبدوا الشمس لأنها تشرف على رعاياها في النهار , ثم تخلد للراحة في الليل , وعبدوا القمر لأنه يشرف على عباده في بعض الليالي بينما يعتكف في ليال اخرى , كما وأن الشمس تمثل حاجبه ووزيره , وعبدوا النجوم لبعدها , فكلما كان الاله ابعد كان مستحقا للعبادة دون غيره , مع لحاظ ان الههم لابد له من راحة واعتكاف , فكانت راحة النجوم في النهار كما ظنوا.

ب‌)   الطريق الثاني (عباد الضخامة) : اعتقد اصحاب هذا الطريق ان الاله لابد ان يكون قريبا منهم , يمكنهم لمسه والوصول اليه مشيا او على ظهور الدواب , لكن ينبغي ان يكون هذا الاله كبير الحجم , كي يستوعب كثرتهم , وايضا يمكنه ان يشرف عليهم رغم بعد المسافات.

ت‌)   الطريق الثالث (عباد الاحجام الصغيرة): اصحاب هذا الطريق اختاروا لأنفسهم آلهة صغيرة الحجم , واعتقدوا ان الاله ينبغي ان يكون صغيرا , حيث ان الامور العظام تبدأ من الصغر , او ان الصغر كان هو بداية لكل شيء كبر حجمه , فالجبل تكون من صخور واحجار صغيرة , والبحر كان نهرا والنهر كان قطرة , وهكذا.

ث‌)   الطريق الثالث (عباد الجعل "التصنيع") : أصحاب هذا الطريق اختاروا لأنفسهم طريقة الصنع , أي صنع الالهة من الحجر والخشب وغيرها من المواد , فنحتوها على اشكال معينة , قد تكون بشرية او حيوانية او خرافية , واعتقدوا انها بحد ذاتها جوفاء , لكن روح الالهة سوف تحل فيها وتسكنها , الامر الذي اعتقدوا به انها مستحقه للعبادة من اجله "على حسب بعض الديانات الوثنية" .

ج‌)    الطريق الرابع (عباد الطبيعة) : اعتقد وظن هؤلاء ان الطبيعة هي الرب , او ما ينبغي التوجه اليه بالعبادة , لسببين او اكثر :

ج)1- الطبيعة اوجدت الانسان , او الانسان وجد نفسه في احضان الطبيعة , فلابد ان تكون هي امه التي ولدته.

ج)2- الطبيعة هي التي احتضنت الانسان وربته وغذته حتى ترعرع ونضج بين ثناياها.

ح‌)    الطريق الخامس (عباد الفلسفة) : عباد الفلسفة تفلسفوا وعبدوا نتاج فلسفتهم التي ظنوها هي الافضل والاجدر بالعبادة والتوجه , تفلسفوا في الافعى , وجعلوها رمزا للحكمة , فعبدوها كإله للحكمة والطب , وهكذا . 

خ‌)    الطريق السادس (عباد الرموز): هؤلاء اختاروا رموز قومهم , فأنزلوهم منزلة الالهة , وهم على صنفين :

1- صنف جمع الدين والسياسة : حيث احتفظ الملك او الشيخ بمنصب الالهة وكذلك أحتفظ بزعامة القوم , أي جمع السلطتين معا الدينية والسياسية , ذلك قد يستحيل , فأن برع في سلطة ما لابد وان يقصر في السلطة الاخرى , كفرعون مثلا , حيث جمع السلطتين معا السياسية والدينية , فبرع في الاولى , لكنه تخبط في الثانية , كما يخبرنا القرآن الكريم ساخرا من ربوبيته المزعومة {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ }"4" , أبطلت هذه الآية الكريمة ربوبية فرعون وسخرت منها في ثلاثة موارد :

أ‌)       الرب لا ينام , وان نام فقد غفل عن رعيته .

ب‌)   الرب لا يرى الرؤية , بل الحقيقة ماثلة امامه .

ت‌)   الرب لا يحتار في شيء , فكيف بك اذا احتار الرب في تعبير رؤيا ما على بساطة الامر , لجأ الى القوم لعلهم يعبرونها له , وهم الرعية المربوبين وهو الرب المفترض.

مع ذلك , لم يفكر القوم بمصداقية ربوبية فرعون , وهو من جانبه لم يفكر ببطلان دعوته بالربوبية.  

2- صنف فصل الدين عن السياسة: في هذه الصنف , أحتفظ الزعماء بمناصبهم السياسية وأوكلوا مهمة الربوبية الى شخص اخر , الذي ينبغي ان ينسجم مع السلطة السياسية ويؤيدها في كل الاحوال والظروف . 

د‌)      الطريق السابع (عباد الملائكة والجن والشياطين): أعتقد ارباب هذا الطريق على وجوب خفاء الرب عن الانظار , فهو يرى رعاياه من حيث لا يرونه , فكانوا في محورين :

1) صنف عبدوا الجن والشياطين : حيث ألتمسوا فيهم القوى والسحر والشعوذة.2) صنف عبدوا الملائكة : حيث التمسوا فيهم النورانية , واعتقدوا انهم الموصلين الى القوى السماوية الهائلة , لكنهم ألبسوا الملائكة صفتين غير لائقتين بهم ( الانوثة والضعف) . 

ذ‌)      الطريق الثامن (عباد الهوى) : اتباع هذا الطريق على شاكلتين :

1- بعضهم سار وفقا للقاعدة التي تقول (ان كنت في روما , فأفعل كما يفعل الرومين) , أن عبدوا إلها ما , أعبده انت ايضا , فأينما حللت في مدينة او قرية , فأعبد الرب الذي يعبده سكانها . 

2- والبعض الاخر سار وفقا الى اهواءه وظنونه في اختيار الاله , فتارة يعبد شيء ما , ثم يعدل عنه الى إله اخر حسب ما تمليه عليه اهواءه تارة اخرى . 

 

ر‌)     الطريق التاسع (تثنية الالهة "الثنوية") : اعتقدوا ان هناك إلهين , إله للخير وإله للشر , او إله للنور وإله للظلام .            

ز‌)     الطريق العاشر (تعدد الالهة) : اتباع هذا الطريق جمعوا الطرق السابقة جميعها , وقالوا بتعدد الالهة , فاتخذوا وجعلوا لكل شيء إله او إلهين , إله للخير وإله للشر لكل مادة في الكون , وهكذا بلغ عدد الهتهم المليارات , كديانة الشنتو .

 

مع كل ذلك , أستمر في تفكيره وتعمقه في تجريد الحقيقة , فأكتشف :

1-    ان الانسان هو الانسان , في مشارق الارض او مغاربها , فلماذا هذا الاختلاف في الالهة المختارة ؟ .

2-    جميع الالهة المجعولة تلك وان حظيت باحترام القوم , الا انها لا تحظى باحترام غيرهم , ان خشوها هم , فلا يخشاها الاخرون .

ذلك وأكثر دفعه للتفكير بطرق مختلفة , حتى رست به سفينة الافكار في ميناءين:

الاول/ الالحاد : رأى ان كثرة الالهة دليلا على عدم وجودها الا في مخيلة اتباعها , فأنكرها جميعا جملة وتفصيلا . 

الثاني/ وحدة الإله : أعتقد بضرورة ان يكون هناك إله واحدا فقط , لا غير , في هذا الكون , لا ينبغي ان يكون له ولد او شريك , وهذا ما جاءت به الديانات السماوية الحقة , وهو يمثل الطريق الحادي عشر (الديانات السماوية) , حيث ليس للمرء فيها حرية اختيار الإله او ان يبث كيفما شاء في شأنه , الإله واحد وأرسل رسله للبشر معلمين ومرشدين ومبشرين بالثواب ومنذرين بالعقاب , كثرة الرسل والانبياء "ع" دلّت على وحدة الخالق , ووحدة الكون دلّت على وحدته ايضا .  

 

2-1-2- اله المصلحة : شرع لنفسه آلهة خاصة في محورين :

2-1-2-1- إله لطلب منفعة: لجلب الخير والخصب والنماء , يستنزل به الغيث للزرع , ويسد به رمقه , ويقضي له حوائجه .

2-1-2-2- إله لدفع مضرة: خوفا من تقلبات الطبيعة , جعل لكل ظاهرة مرعبة إله , ظنا منه ان ذلك الإله سوف يكفيه شرها , كإله للرياح يتوسل به عندما تشتد وتهتاج فتصبح خطرة عليه وعلى ممتلكاته , وإله للبحر او للنهر يمنع الفيضان , وإله للمطر يتوجه اليه عندما تكون الامطار غزيرة الى درجة انها تلحق به الضرر , وهكذا , فقدم القرابين تزلفا لتلك الإلهة المجعولة .

*** يتبع ان شاء الله 

وسوم: العدد 743