و سألت نفسي و أنا أطوف بالكعبة

د. مصطفى محمود رحمه الله

و سألت نفسي و أنا أطوف بالكعبة .. ما بال المسلمين يطوفون الآن في خشوع و تبتل فإذا خرجوا تفرقوا و انقسموا و أصبح كل منهم يطوف حول نفسه أو حول اسمه أو حول شيطانه

أهي أدوار يمثلونها لبضع دقائق ثم يذهب كل منهم بعد ذلك إلى حال سبيله ؟

أيكون طوى طوافا ..

هل هو طوافاً و نسكاً دينياً حقاً أم تمثيلاً ؟

هل أراد الله بالطواف أن يكون مجرد حركة معزولة عن السلوك و الحياة أم أراد به أن يكون شعيرة دينية .. هي تكثيف و تلخيص للحياة كلها

بل أراد الله أن تكون حياتنا كلها طوافاً حول مشيئته في كل صغيرة و كبيرة

و لو أن العرب طافوا في سياستهم حول نقطة واحدة كما يطوفون الآن ، و لو أنهم اجتمعوا أبيضهم و أحمرهم و أسودهم في رحاب رأي واحد كما يجتمعون في الكعبة لما ذلوا و لما هانوا و لما أصبحوا عالماً ثالثاً أو عالماً رابعاً .. كما نراهم الآن

و سألت نفسي في دهشة

و كيف بالطوافين حول الكعبة يحارب بعضهم بعضاً و يقتل بعضهم بعضاً .. و على أي معنى إذا كانوا يطوفون .. و على أي شيء كانوا يجتمعون

و هل صدقوا حينما طافوا

و هل صدقوا حينما اجتمعوا

و هل صدقوا حينما قالوا .. الله أكبر

بل كانت الدنيا عند كل منهم أكبر

و كان كل منهم طوافاً حول نفسه .. مسبحاً برأيه .. مهللاً لأفكاره

صدق رسول الله عليه الصلاة و السلام حينما رد على الأعرابي الذي قال له .. أصلي الفروض الخمسة و لا أزيد .. فقال .. أفلح إن صدق

فالقول ما زال سارياً على العرب جميعاً إلى اليوم

أفلحوا إن صدقوا

و يبدو أنهم إلى الآن ما صدقوا !

من كتــاب / الســؤال الحـائـر

د. مصطفى محمود رحمه الله

وسوم: العدد 832