إلى أهلنا في سورية

حازم ناظم فاضل

[email protected]

خطب « محمد إقبال ».. شاعر الحضارة الإسلامية العظيمة مخاطباً مسلمي الهند قبل أن تظهر دولة باكستان إلى الوجود بأعوام ، وذلك في حفل سنوي للرابطة الإسلامية في مدينة " الله آباد" عام 1920م . فمما قال " وهنا بيت القصيد لأهل سورية اليوم ليكون لهم عبرة وخارطة إن شــاء الله تعالى" :

أيها المسلمون ، قد يوجد خلاف فرعي بين المذاهب الاسمية ، ولكن هذا الخلاف لا يمتد بفرد أو طائفة إلى الخروج على الحدود التي رسمها الدين في أصوله وقواعده . وإذا أجزنا مثل هذا الخلاف المذهبي، فإنني أحذّركم أن تستبيحوا وجود خلاف سياسي بين مجتمعكم الإسلامي، فإن هذا الخلاف ليس له سوى معنى واحد وهو :" فناء المسلمين عن بكرة أبيهم واستئصال عنصرهم من تاريخ الوجود.ومعاذ الله أن يقع ذلك ، حتى يرث الله الأرض ومَنْ عليه.

أيها المسلمون ، إنكم اليوم تجتازون أدق مرحلة وتمرون بأصعب دور في حياتكم السياسية، فعليكم أن تحتفظوا بالارتباط الشامل والاتحاد القويم في العزائم والجهود وفي الوسائل والغايات . وعليكم أن تؤمنوا بأن وجودكم كأمة إسلامية هو عين الفائدة للجميع ، وعليكم أن تحرروا أنفسكم والبلاد معكم من كل عبودية سياسية تسبب مصائب وويلات غير متناهية .

 فأنتم ترون بأعينكم تشتت أمرنا، وان انتشار الفوضى والبؤس بين صفوفنا في ازدياد واضطراب أمام مطامع السياسة الغاشمة . ولا سبيل إلى محاولة أخيرة لكسب الحرية ( والعدالة والسلام ) إلاّ حيث تكون العزائم عزماً واحداً والقلوب المتباعدة قلباً واحداً وأن تتركز مشاعركم حول مطلب لا تختلفون فيه . إنكم تستطيعون ذلك وبالقوة إن شاء الله ، يوم تتحررون من القيود النفسية والمطامع الطائفية ، وحين تضعون أعمالكم الفردية والاجتماعية في ميزان ما تنشدونه من الأهداف العالية والمُثل الرفيعة.

 فلتكن قوة المادة إلى جانب قوة الروح متساندتين على تحقيق ما نصْبوا إليه من القيم العليا بل عليكم أن تجعلوا المادة خادمة للروح ، لأن المادة ظلمة وكثرة وفناء والروح نور ووحدة وبقاء .

 درسٌ تعلمتهُ من تاريخ الإسلام، إي والله درسٌ واحدٌ ولكنه كل شيء فيما يتعلمه الإنسان هو أنه في أحرج الأوقات، وأعقد المصائب والمشكلات ، كان الإسلام هو الذي يحفظ على المسلمين حياتهم ولم يكن المسلمون هم الذين حفظوا الإسلام.

 فلو أنكم أيها المسلمون ركّزتم جهودكم وأنظاركم وولّيتم وجوهكم شطر كعبة الإسلام وجعلتموه قائدكم ورائدكم واقتبستم مشاعركم واتجاهاتكم من عناصره التي تهب القوة والحياة لتجمعتْ قواكم المتبعثرة ، وتوحدتْ مواهبكم المنتشرة من جديد ولوضعتم لوجودكم التأمين والضمان الوثيق ضد عوامل الدمار والهلاك .

 ألاَ يمكننا معشر المسلمين أن ندّعي ونحن صادقون ، أننا بحق قبل الجميع في أمم العالم قد عملنا على وضع أسمى المبادئ لجمع كلمة الإنسانية على خير ما كانت تنشده ونصْبوا إليه . وإذا كنا كذلك في أمسنا ألاَ نستطيع أن نعيش في يومنا كنفس واحدة

 إني لا أريد أن ألقي بكم في حيرة عندما أقول لكم إن الأحوال قد تغيرتْ في بلادنا وإني أنظر إليها بغير ما تنظرون ، فإنكم موشكون أن تتبينوا ذلك حقاً عندما ترون المسلم لا يقول : أنا ، حين يكون فرداً واحداً ، ولكنه يقول : أنا ،عندما يكون أمة كاملة.