يا أيها الأغنياء

الشيخ: علي الطنطاوي

يا أيها الأغنياء

الشيخ: علي الطنطاوي

إن أكثر المجرمين الذين يسكنون السجون كانوا صبية أذكياء، ولكن المجتمع قال لهم: حرام عليكم الدرس والتحصيل لتكونوا من أفذاذ المثقفين، فكونوا – إذن – من أذكياء المجرمين!

إن الذي ينفقه الأغنياء على الترف والسرف يكفي لتعليم كل ولد في البلدة وإطعام كل جائع وإسعاف كل فقير، إن عرساً واحداً من أعراس الموسرين الكبار تكفي لإطعام عشر عائلات شهراً كاملاً، وما ينفق على أكاليل الزهر في الجنائز وطاقات الورد في الأفراح يفتح كل سنة مستشفى مجانية للفقراء، وأثمان علب الملبس في الموالد تنشئ كل سنة مدرسة تتسع لخمسمئة تلميذ، وما تُشترى به هذه الثريات الفخمة وهذه التماثيل وما ينفق في الولائم والحفلات وما يصرف في الملاهي والموبقات يكفي لسد حاجة كل محتاج.

وأنا لا أقول: دعوا هذا كله، فإنكم لن تفعلوا، ولكن اجعلوا من أموالكم نصيباً لهؤلاء المعذبين في الأرض.. زكوا عن أموالكم فإنكم لا تدرون هل تدوم لكم أو تذهب عنكم.

وهل أخذ أحد على الدهر عهداَ أن لا تحول عنه الحال، وأن لا يذهب من يده المال؟ ومن الذي جعل لولد الغني الحق في أن يبقى أبداً سيداً، يُعطى ما يطلب وينال ما يريد، وكتب على ولد الفقير الفقر والشقاء أبداً؟ ومن يثق بأن ولده لن يحتاج غداً إلى ولد الفقير، يسأله ويرجو رفده؟

وإذا وثقتم ببقاء المال، فهل تثقون ببقاء الصحة؟ أتأمنون الأمراض والنوازل والنكبات؟

فاستنزلوا رحمة الله بالبذل، وادفعوا عنكم المصائب بالصدقات.