من درر الإمام الشافعي

من درر الإمام الشافعي

اختارها: د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

هذه هي الدنيا

تموت الأسد في الغابات جوعا ... ولحم الضأن تأكله الكلاب

وعبد قد ينام على حرير ... وذو نسب مفارشه التراب

دعوة إلى التنقل والترحال

ما في المقام لذي عقل وذي أدب ... من راحة فدع الأوطان واغترب

سافر تجد عوضا عمن تفارقه ... وانْصَبْ فإن لذيذ العيش في النَّصب

إني رأيت ركود الماء يفسده ... إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب

والأسد لولا فراق الغاب ما افترست ... والسهم لولا فراق القوس لم يصب

والشمس لو وقفت في الفلك دائمة ... لملَّها الناس من عجم ومن عرب

والتِّبرُ كالتُّرب مُلقى في أماكنه ... والعود في أرضه نوع من الحطب

فإن تغرّب هذا عزّ مطلبه ... وإن تغرب ذاك عزّ كالذهب

       

الضرب في الأرض

سأضرب في طول البلاد وعرضها ... أنال مرادي أو أموت غريبا

فإن تلفت نفسي فلله درُّها ... وإن سلمت كان الرجوع قريبا

       

آداب التعلم

اصبر على مر الجفا من معلم ... فإن رسوب العلم في نفراته

ومن لم يذق مر التعلم ساعة ... تجرع ذل الجهل طول حياته

ومن فاته التعليم وقت شبابه ... فكبِّر عليه أربعا لوفاته

وذات الفتى - والله- بالعلم والتقى ... إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته

       

متى يكون السكوت من ذهب

إذا نطق السفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السكوت

فإن كلمته فرّجت عنه ... وإن خليته كمدا يموت

       

لا شماتة في الموت

تمنى رجال أن أموت ، وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد

وما موت من قد مات قبلي بضائر ... ولا عيش من قد عاش بعدي بمخلد

لعل الذي يرجو فنائي ويدّعي ... به قبل موتي أن يكون هو الردى

       

لا تيأسن من لطف ربك

إن كنت تغدو في الذنوب جليدا .... وتخاف في يوم المعاد وعيدا

فلقد أتاك من المهيمن عفوه .... وأفاض من نعم عليك مزيدا

لا تيأسنْ من لطف ربك في الحشا ... في بطن أمك مضغة ووليدا

لو شاء أن تصلى جهنم خالدا ... ما كان أَلْهمَ قلبك التوحيدا

       

الصديق الصدوق

إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا ... فدعه ولا تكثر عليه التأسفا

ففي الناس أبدال وفي الترك ر احة ... وفي القلب صبر للحبيب وإن جفا

فما كل من تهواه يهواك قلبه ... ولا كل من صافيته لك قد صفا

إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة ... فلا خير في ود يجيء تكلفا

ولا خير في خل يخون خليله ... ويلقاه من بعد المودة بالجفا

وينكر عيشا قد تقادم عهده ... ويظهر سرا كان بالأمس قد خفا

سلام على الدنيا إذا لم يكن بها ... صديق صدوق صادق الوعد منصفا

       

التوكل على الله

توكلت في رزقي على الله خالقي ... وأيقنت أن الله لا شك رازقي

وما يك من رزقي فليس يفوتني ... ولو كان في قاع البحار العوامق

سيأتي به الله العظيم بفضله ... ولو لم يكن مني اللسانُ بناطق

ففي اي شيء تذهب النفس حسرة ... وقد قسم الرحمن رزق الخلائق

       

لمن نعطي رأينا

ولا تعطينّ الرأي من لا يريده ... فلا أنت محمود ولا الرأي نافعه

      كتمان الأسرار

إذا المرء أفشى سره بلسانه

ولام عليه غيره فهو أحمق

إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه

فصدر الذي يستودع السر أضيق

 

  التلطف للناس    

لما عفوت ولم أحقد على أحدٍ

أرحت نفسيَ من هم العداوات

إني أحيّي عدوي عند رؤيته

وأدفع الشر عني بالتحيات

وأظهر البشر للإنسان أبغِضه

كما أنْ قد حشى قلبي محبات

الناس داء ودواء الناس قربُهمُ

وفي اعتزالهمُ قطعُ المودات

       

الإعراض عن الجاهل

أعرضْ عن الجاهل السفيهِ

فكل ما قال فهو فيه

ما ضر بحر الفرات يوماً

إن خاض بعض الكلاب فيه

       

       

السكوت سلامة

قالوا سكتّ وقد خوصمْتَ قلت لهم

إن الجواب لِباب الشر مفتاحٌ

والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفٌ

وفيه أيضاً لصون العرض إصلاحٌ

أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ؟

والكلب يخسى لَعَمري وهو نباح

       

كم هي الدنيا رخيصة .. قال الإمام الشافعي

يا من يعانق دنيا لا بقاء لها ..... يمسي ويصبح في دنياه سفارا

هلا تركت لذي الدنيا معانقة ..... حتى تعانق في الفردوس أبكارا

إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها ..... فينبغي لك أن لا تأمنَ النارا

       

وفي مخاطبة السفيه قال

يخاطبني السفيه بكل قبح ..... فأكره أن أكون له مجيبا

يَزيد سفاهة فأزيد حِلما ..... كعود زاده الإحراق طيبا

       

       

الحكمة

دع الأيام تفعلُ ما تشاء ..... وطبْ نفسا إذا حكم القضاءُ

ولا تجزع لحادثة الليالي ..... فما لحوادث الدنيا بقاء

وكن رجلا على الأهوال جلدا ..... وشيمتك السماحة والوفاء

وإن كثرت عيوبك في البرايا ..... وسرك أن يكون لها غطاء.....

تستر بالسخاء فكل عيب .... يغطيه كما قيل  السخاءُ

 

ولا تر للأعادي قط ذلا ..... فإن شماتة الأعدا بلاء

ولا ترج السماحة من بخيل ..... فما في النار للظمآن ماء

ورزقك ليس ينقصه التأني ..... وليس يزيد في الرزق العناء

ولا حزن يدوم ولا سرور ..... ولا بؤس عليك ولا رخاء

إذا ما كنت ذا قلب قنوع ..... فأنت ومالك الدنيا سواء

ومن نزلت بساحته المنايا ..... فلا أرض تقيه ولا سماء

وأرض الله واسعة ولكن ..... إذا نزل القضا ضاق الفضاء

دع الأيام تغدر كل حين ..... فما يغني عن الموت الدواء

       

إن المحب لمن يحب مطيع

تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في القياس بديع

لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع

في كل يوم يبتديك بنعمة ... منه وأنت لشكر ذلك مضِيع

       

أبواب الملوك

إن الملوك بلاء حيثما حلوا ... فلا يكن لك في أبوأبهم ظلُّ

ماذا تؤمل من قوم إذا غضبوا ... جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا

فسائل الله عن أبوأبهم كرما ... إن الوقوف على أبوابهم ذل

       

فرجت

ولرب نازلة يضيق لها الفتى ..... ذرعا وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ..... فرجت وكنت أظنها لا تفرج

       

مناجياً رب العالمين

قلبي برحمتك اللهم ذو أنس ..... في السر والجهر والإصباح والغلس

فما تقلبت من نومي وفي سِنتي ..... إلا وذكرك بين النفس والنفس

لقد مننت على قلبي بمعرفة ..... بأنك الله ذو الآلاء والقدُس

وقد أتيت ذنوبا أنت تعلمها ..... ولم تكن فاضحي فيها بفعل مُسي

فامنن علي بذكر الصالحين ولا ..... تجعل علي إذاً في الدين من لبس

وكن معي طول دنياي وآخرتي ..... ويوم حشري بما أنزلت في عبس

       

دعوة إلى التعلم

تعلم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل

وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفتْ عليه الجحافلُ

وإن صغير القوم إن كان عالما ... كبير إذا ردت إليه المحافل

       

إدراك الحكمة ونيل العلم

لا يدرك الحكمة مَن عمره ... يكدح في مصلحة الأهل

ولا ينال العلم إلا فتى ... خال من الأفكار والشغل

لو أن لقمان الحكيم الذي ... سارت به الركبان بالفضل

بُلي بفقرٍ وعيال لما ... فرق بين التبن والبقل

       

الدعاء

أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع القضاء

سهام الليل لا تخطي رماها *** لها أمد ، وللأمد ، انقضاء