أنعي لكم يا أصدقائي

نزار قباني

1

أنعي لكم يا أصدقائي، اللغة القديمة

والكتب القديمة

أنعي لكم :

كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة

ومفردات العهر، والهجاء، والشتيمة..

أنعي لكم..

نهاية الكفر الذي قاد إلى الهزيمة.

2

مالحة في فمنا القصائد

مالحة ضفائر النساء

والليل والأستار، والمقاعد

مالحة أمامنا الأشياء..

3

يا وطني الحزين

حولتني بلحظة

من شاعر يكتب شعر الحب والحنين

لشاعر يكتب بالسكين..

4

لأن ما نحسه

أكبر من أوراقنا..

لابد أن نخجل من أشعارنا

5

إذا خسرنا الحرب ، لا غرابة

لأننا ندخلها

بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة

بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه

لأننا ندخلها

بمنطق الطلبة والربابة..

6

السر في مأساتنا

صراخنا أضخم من أصواتنا

وسيفنا..

أطول من قاماتنا..

7

خلاصة القضية

توجز في عباره

لقد لبسنا قشرة الحضارة

والروح جاهلية...

8

بالناي والمزماز

لا يحدث انتصار...

9

كلفنا ارتجالنا

خمسين ألف خيمة جديدة..

10

لا تلعنوا السماء

إذا تخلت عنكم

لا تلعنوا الظروف

فالله يؤتي النصر من يشاء

وليس حدادا لديكم..

يصنع السيوف..

11

يوجعني أن أسمع الأنباء في الصباحْ

يوجعني..

أن أسمع النباح .

12

ما دَخل اليهود من حدودنا

وإنما..

تسربوا كالنمل من عيوبنا..

13

خمسة آلاف سنة ..

ونحن في السرداب

ذقوننا طويلة

نقودنا مجهولة

عيوننا مرافئ الذباب ..

يا أصدقائي :

جربوا أن تكسروا الأبواب

أن تغسلوا أفكاركم

وتغسلوا الأثواب

يا أصدقـائي :

جرّبوا أن تقرؤوا كتابْ..

أن تكتبوا كتابْ

أن تزرعوا الحروفَ، والرُّمانَ، والأعنابْ

أن تبحروا إلى بلادِ الثلجِ والضبابْ

فالناسُ يجهلونكم.. في خارجِ السردابْ

الناسُ يحسبونكم نوعاً من الذئابْ...

14

جلودُنا ميتةُ الإحساسْ

أرواحُنا تشكو منَ الإفلاسْ

أيامنا تدورُ بين الزارِ، والشطرنجِ، والنعاسْ

هل نحنُ "خيرُ أمةٍ قد أخرجت للناسْ" ؟...

15

كانَ بوسعِ نفطنا الدافقِ بالصحاري

أن يستحيلَ خنجراً..

من لهبٍ ونارِ..

لكنهُ..

واخجلةَ الأشرافِ من قريشٍ

وخجلةَ الأحرارِ من أوسٍ ومن نزارِ

يراقُ تحتَ أرجلِ الجواري...

16

نركضُ في الشوارعِ

نحملُ تحتَ إبطنا الحبالا..

نمارسُ السَحْلَ بلا تبصُّرٍ

نحطّمُ الزجاجَ والأقفالا..

نمدحُ كالضفادعِ

نشتمُ كالضفادعِ

نجعلُ من أقزامنا أبطالا..

نجعلُ من أشرافنا أنذالا..

نرتجلُ البطولةَ ارتجالا..

نقعدُ في الجوامعِ..

تنابلاً.. كُسالى

نشطرُ الأبياتَ، أو نؤلّفُ الأمثالا..

ونشحذُ النصرَ على عدوِّنا..

من عندهِ تعالى...

17

لو أحدٌ يمنحني الأمانْ..

لو كنتُ أستطيعُ أن أقابلَ السلطانْ

قلتُ لهُ: يا سيّدي السلطانْ

كلابكَ المفترساتُ مزّقت ردائي

ومخبروكَ دائماً ورائي..

عيونهم ورائي..

أنوفهم ورائي..

أقدامهم ورائي..

كالقدرِ المحتومِ، كالقضاءِ

يستجوبونَ زوجتي

ويكتبونَ عندهم..

أسماءَ أصدقائي..

يا حضرةَ السلطانْ

لأنني اقتربتُ من أسواركَ الصمَّاءِ

لأنني..

حاولتُ أن أكشفَ عن حزني.. وعن بلائي

ضُربتُ بالحذاءِ..

أرغمني جندُكَ أن آكُلَ من حذائي

يا سيّدي..

يا سيّدي السلطانْ

لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ

لأنَّ نصفَ شعبنا.. ليسَ لهُ لسانْ

ما قيمةُ الشعبِ الذي ليسَ لهُ لسانْ؟

لأنَّ نصفَ شعبنا..

محاصرٌ كالنملِ والجرذانْ..

في داخلِ الجدرانْ..

لو أحدٌ يمنحُني الأمانْ

من عسكرِ السلطانْ..

قُلتُ لهُ: لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ..

لأنكَ انفصلتَ عن قضيةِ الإنسانْ..

18

لو أننا لم ندفنِ الوحدةَ في الترابْ

لو لم نمزّقْ جسمَها الطَّريَّ بالحرابْ

لو بقيتْ في داخلِ العيونِ والأهدابْ

لما استباحتْ لحمَنا الكلابْ..

19

نريدُ جيلاً غاضباً..

نريدُ جيلاً يفلحُ الآفاقْ

وينكشُ التاريخَ من جذورهِ..

وينكشُ الفكرَ من الأعماقْ

نريدُ جيلاً قادماً..

مختلفَ الملامحْ..

لا يغفرُ الأخطاءَ.. لا يسامحْ..

لا ينحني..

لا يعرفُ النفاقْ..

نريدُ جيلاً..

رائداً..

عملاقْ..

20

يا أيُّها الأطفالْ..

من المحيطِ للخليجِ، أنتمُ سنابلُ الآمالْ

وأنتمُ الجيلُ الذي سيكسرُ الأغلالْ

ويقتلُ الأفيونَ في رؤوسنا..

ويقتلُ الخيالْ..

يا أيُها الأطفالُ أنتمْ –بعدُ- طيّبونْ

وطاهرونَ، كالندى والثلجِ، طاهرونْ

لا تقرؤوا عن جيلنا المهزومِ يا أطفالْ

فنحنُ خائبونْ..

ونحنُ، مثلَ قشرةِ البطيخِ، تافهونْ

ونحنُ منخورونَ.. منخورونَ.. كالنعالْ

لا تقرؤوا أخبارَنا

لا تقتفوا آثارنا

لا تقبلوا أفكارنا

فنحنُ جيلُ القيءِ، والزُّهريِّ، والسعالْ

ونحنُ جيلُ الدجْلِ، والرقصِ على الحبالْ

يا أيها الأطفالْ:

يا مطرَ الربيعِ.. يا سنابلَ الآمالْ

أنتمْ بذورُ الخصبِ في حياتنا العقيمهْ

وأنتمُ الجيلُ الذي سيهزمُ الهزيمة