في معارج الأمل

عمر بهاء الدين الأميري

في معارج الأمل

عمر بهاء الدين الأميري

... وبعد؛ فكما أقول في «الهزيمة والفجر»، وهي أعمق قصائدي الفلسطينية، وقد فجّرتها «النكبة» آمالا ً وآمالا ً، فوضعتْ نقاط الصروف على الحروف... وهي طويلة لاظية، تفند السياسة اللاغية الباغية، حيال فلسطين، قدس العرب والمسلمين...

أقول فيها :

قـد كـابـروا الله واسـتعْلوْا، على iiسفهٍ
وأعـلـنـوهـا، ومـا خاضوا معامعها!
فـكـان  مـن أمـرنا ما كان من فشل iiٍ
بـهـم هُـزمـنا، وما زلنا، وما iiاتعظتْ
فـيـا  فـجـيـعـة شـعبٍ، مدَّ iiكاهله
ويـا  حـبـائـلـهـم لفي الشباكَ iiعلى
*                  *                  *
جـرحٌ،  وأعـمـقُ من صبر ٍ ومن جَلدٍ
لـقـد نُـكـبنا، وما خُضنا، ولا هُزمَ ii
بـلـى..  نُـكـبْـنا، بما قد نابَ iiأمّتنا،
لا يـأسَ؛ فـالـحـربُ أقـدارٌ ودائرة iiٌ
مُـكـبَّـلـون...  ولـكن في غدٍ iiنبأ...
لـسـنـا  نـبـالـي، وللقرآن في iiدمنا
غـدًا  سـيـشـرق بـالإسـلام iiطالعنا
والـنـصـر بـالـصبر والإيمان iiمَعقِدُه
*                  *                  *
ورُبَّ قـائـلـةٍ: أفـرطـتَ فـي أمل iiٍ
فـقـلـتُـ:  مـن  عزمِكَ  اللهم عزمتنا
وطـالـبُ الـحـقِّ لا يـخشى غوائله iiُ
هـي  الـطـريـق، طريق الله، واحدة iiٌ
يـبـلـى  الـجـديدان، والقرآن جدَّته iiُ
تـحـبـو  الـوجودَ حياة ً لا زيوفَ iiبها





















مُـنـىً كـواذب، ودعوى غير مُعتنِق iiِ!
ولا أعـدوا لـهـا إعـدادَ ذي حـذق iiِ!
هـذه جـحـافـلـهـم مهزومة المِزَق iiِ
عُـمْـيُ  الـنفوس!! ألا إن الشقيَّ iiشقي
لـيـصـعـدوا مـنه، في أبنائهِ العُقق iiِ
أعـنـاقـهم،  واخنقي الطغيان iiواختنقي
*                  *                  *
خـرقٌ،  وأكـبـر من عمر ٍ ومن رتق ِ
الأبطالُ في السجن، والأقطابُ في الشنق ِ
والـخـطـبُ من قلبنا في أعمق العُمُق iiِ
وإنـه طـبـقٌ يـأتـي عـلـى طبق iiِ
يـا نـجـمُ مـزِّقْ ظـلام الليل وائتلق iiِ
جُـذىً  مـن الـعزم تطوي شقة اللحَق iiِ
رغـم  الـصـعابِ، وتجلو غرة ُ الفلق iiِ
والـمـجـد  بـالعزم والإعداد والسَبَق iiِ
*                  *                  *
أمـا  تـرى الـسـدَّ سدّا غيرَ مُخترَق iiِ
ولـسـتُ غـيـرك في الجُلى بمُمْتشِق iiِ
فـي الله، كـم طـالـبٍ لـلحقِّ فيه لقي
وأشـقـيـاء  غـرور العقل في طرُق iiِ
تـنـمـو هـدايـتـها، كالدِّيمة الطبَق iiِ
خـيـرٌ يـعـمُ الـبـرايـا خالدَ العَبَق ِ

إن هذا الأمل الواثق الدافق من أعماق الإيمان، يتعاظم في توهج عقلي وقلبي، ويتداعم مع سنن «الجَعل الإلهي» - التي أقام الله سبحانه عليها الوجود – حتى ليبلغ الأمل مرتبة اليقين الراسخ، كما يعبر البيتان الآخران من «الفجر الولود» :

يقولون: حلمٌ!! ألا إنها           لرؤيا، ستصدقُ فيها الوعودْ

غدًا سوف يظهر دينُ الإله      ويُقهَرُ في الكون كيد اليهودْ

إن هذا الأمل المُغرق المشرق، لا يمكن أن يتحقق تلقائيًا، طفرة أو تصادفا أو عرضًا... بل لا بد له من إعدادٍ واع ٍ، وبذل ٍ سخي، وسعي ٍ دؤوب، ومنهج ٍ مُحكم حكيم، وجهادٍ أصيل طويل:

الـهـول في دربي وفي iiهدفي
مـا فـي الـمـنايا ما iiأحاذِرهُ
أو  كـنتُ من ربي على iiريَبِ


ما كنتُ من نفسي على خوَر ٍ!!
وأظـل أمضي غيرَ iiمُضطربِ
الله ُ مـلء الـقـصدِ iiوالأرَبِ
وماذا يمكن أن يقف في وجه الإنسان إذا كان مُحَصّناً بالإيمان، معتمداً على الديّان، وهو الناصر القاهر فوق عباده، المدافع عن الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة؟

ما الذي يبسط الجناح: يؤجِّج الطماح، ويُسدِّد الكفاح، أكثر من عزم ٍ مشدود، ويقين مرفود بنصر من الله وفتح قريب؟

إن سير الزمان بالإنسان، في المعترك الحضاري القائم والقادم، يمضي في وجهتين:

صامدة فصاعدة.. وناشطة فهابطة..!

إنسان الحضارة المادية الصناعية المعاصرة متهاتر الذات: روحه وقلبه في ضيق عميق.. وعقلانيته وعلمانيته في تصاعد ونماء..! وهو من هذا وذاك، يكابد حياته في صراع ٍ وتفلت وتمرد سينتهي به إلى الشقاء والفناء، طال الأمد أم قصُر، إلا إذا ترك «إيديولوجيته» وسدد وجدد وأكد «إنسانيته»، وبدل بالتالي «اعتناقيته».. ولا ينجيه من سوء المصير تشبثه المغرور بالتسلط والسيطرة، واستمراره في البحث العلمي، والتفوق التقني.. – وكما تقول الحكمة:

«ماذا يستفيد الإنسان إذا ملك العالم وخسِرَ نفسه»؟!! –

أيها الصحب إنها دورة الدهر [1]ِ
نخر  «الهيروين» إنسان ii«غربِ
هـو  طورًا «تقنية» تنطحُ iiالنجمَ
والـدنى اليومَ في رحىً من iiشقاء
أيـن روح الإلـه فـيـه؟ iiأمـا
بـسـدادٍ  وحـكـمـةٍ iiوجـهادٍ
وتـعـالـى عـلـى الإله تعالى






كـفـانـا فـي تـيـهنا iiدورانا
الـعـصر»  نخرًا فلم يعد iiإنسانا
وطـورًا  يـجـاوز الـحـيَوانا
ضـل إنـسـانـهـا وشذ iiوهانا
اسـتـخلف حتى يسيِّرَ iiالأكوانا؟
ضـاع، ويـلاهُ! ضـيَّع iiالإيمانا
فـي غـرور ٍ، وكـابـرَ iiالدَّيانا

أما إنسان العالم الإسلامي، فهو بالإجمال متخلف تقنيًا، متأخرٌ علميًا، حائرٌ روحيًا، متردد منهجيًا، متباينٌ ذوقيًا... ولكنه: نقي الجوهر، جدير المسبر، رهيف الغفوة، شهم النخوة، قريب الصحوة...

والحضارة الإسلامية ربانية الجذور، إلهية الأسس... ولكنها إنسانية الطلوع... والفروع.. والنزوع.. وهي لذلك حضارة صامدة صاعدة.. تصمد عندما يتوقف مدها الحضاري بتخلف إنسانها عن مستوى الخلافة والأمانة.. والرسالة، وذلك في ترقب بزوغ جديد، تتفاعل في صنعه طبيعتها وخصائصها، مع الفعاليات الإنسانية، والملاءمات الزمانية التي تعمل على إقامتها من جديد، صاعدة إلى مراقي الريادة والسيادة...

وها هي ذي «الصحوة الإسلامية» تبدو لها إرهاصات تأخذ في تزايد منذ نصف قرن، وهي اليوم ملء الأبصار والأسماع... قد تعوق خطاها رواسب الماضي، وبلبلة الحاضر، وتوجسات الأعداء من المستقبل، تحتاج أكثر ما تحتاج إلى قيادة حرة متمكنة قديرة جديرة، تسددها وترشدها باستمرار، حتى تبلغ بها أوجَها الحضاري، الذي ستسعد في ظله الإنسانية – كل الإنسانية – لا الأمة الإسلامية وحدها، بحياة الأمن.. والسلام.. والعطاء.. والارتقاء...

وما «حماس» في الساحة الفلسطينينة، وانتفاضة أطفالها.. وانقضاضة رجالها ومشاركة نسائها.. وثبات ساحاتها.. وتعاطف الأمة طرّا معها؛ إلا إحدى الحقائق الظاهرة والآيات الباهرة، التي تبشر بغدٍ غلاب وثاب؛ وتستحث كل مؤمن واع أن يبادر الأخذ بكل الأسباب، بعقيدة هادية، ومنهجية واعية، وعزيمة بانية، لأنه الزمان والإبان لدين الحق أن يُظهره الله على الدين كله ولو كره الكافرون...

أمـضي ولا أنثني، والله iiيَحْفِزُني
الأمر أكبر من عمري وأصغر من
ومـن  توثب روحي في iiمشارفها


ولا أبـالـي بـآمـالـي iiوآلامي
طـموح  نفسي وإيماني iiوإسلامي
إلا الـجـهاد... وهذا سر iiإقدامي

نعم، ليس الأمر سهلا ً ولا قريب المنال، ولكن له موعدًا في قرار الأقدار – وهي صاحبة القرار – يدور الفلك نحوه، ويسير بنا إليه، ولا بد أن نبلغ القصد، ونحقق السعادة والمجد؛ لأنفسنا وللعالمين بعون من الله عزيز قدير...

الـنواميس في ركابكَ يا iiإسلامُ
سـترى أعين العصور iiانبلاجًا
كان دين الإسلام، مذ كان، هديًا
وسـتـبقى فينا حوافزه iiالمثلى
سـنـوالي جهادنا في iiفلسطين
مـوعـدٌ مُـبرَمٌ إذا مات iiعنه
عـلـم  الكون في غدٍ، iiونشيد
ونـجـاة الـوجـود في iiالقدر







تـمـضـي  وتستحث iiالزمانا
مـن ديـاجيرنا لنور iiهدانا...
لـلـبرايا... ورحمة... iiوأمانا
ويـبـقـى  فـي أمرنا فرقانا
نـقـيم  الصلاة في ii«أقصانا»
شـيـخنا  القرم فيه ينمو iiفتانا
الـكـون طرًا وخطنا iiوخطانا
المرصودِ...  أمرٌ يحكم iiالقرآنا

يا شبان «حماس»...

«كنتم خير أمة أخرجت للناس...»

كنتم أفضل وثبة جهادية...

انتفاضًا بالحق...

واعتراضًا على البغي...

وانقضاضًا على الظالمين...

كنتم أعقل حركة تحررية...

اعتمدتِ الإيمان أساسًا

والإسلام نبراسًا

والإنسان المُربى عليهما.. معقد أمل، ومنجز عمل

كنتم أنبل انطلاقةٍ فدائية...

تراحمًا وتلاحمًا...

وأخلاقا وإشراقا...

كنتم أمثل عصبةٍ أبية...

أعادت للقضية الفلسطينية...

هويتها الإسلامية...

انبثقتم من دين الهدى...

وتكونتمْ بصبر.. ومنهج.. وبصيرة...

وعايشتم – على مضض –

ميوعة السياسة...

وخنوع كثير من الساسة..!

حتى إذا تلاحق الضرر...

وتفاقم الخطر...

جئتم على قدر...

فكنتم ملء السمع والبصر...

يا شبان «حماس»؛

الطريق شائكٌ طويل...

والمراد مقدَّسٌ جليل...

والعدو لدودٌ وبيل...

وفي العشير والقريب:

ذليل.. وبخيلٌ.. ودخيل..!!

ولكن الله القادر القاهر

هو الناصر...

رب النواميس والأقدار...

وعده الحق...

وحكمه البرق..!

وهو بكل شيءٍ محيط...

فحذار حذار:

أن يطرأ عليكم خوّان

والبدار البدار:

قبل فوات الإبان...

وإني لأرى لكم في غيوب المستقبل،

شأنا باهرًا

وأمرًا ظاهرًا

صولة.. ودولة...

ينتهي الغشم والسفاه...

ويقوم بكم أمر الله...

فيا شبان «حماس»؛

يا معسكر الإسلام...

يا جند الإقدام:

اليقظة.. اليقظة...

والثبات.. الثبات...

أبنائيَ  الأحباب iiشدوا[1]
أحـيـا  بـكم أبدًا iiبآمالي
فـإذا  غـفـوتُ... iiمنيّة
صـقـرٌ  سـينبتُ iiريشهُ
لـيـلٌ بـهـيمٌ مدلهمّ ٌ...
الـصبح  موعدهم... iiبكم
ويـهـزكـم..  ويهز iiكلَّ






الـعـزمَ  لا تلقوا iiالسلاحْ
وأمـعِـنُ  فـي الـنجاحْ
فـأنا  بكم في الخلدِ iiصاحْ
مـن  رمسه شجرَ iiالرماحْ
بـيـدَ أن الـديك iiصاحْ:
سـتـعود  تزدهر iiالبطاحْ
الكون: «حيَّ على الفلاحْ»

              

 [1] قصيدة (الصقر والفجر) من ديوان «روح مباح»؛ ولا يزال مخطوطا.