عبد الحميد الكاتب

عبد الحميد الكاتب

(من رسالته إلى الكتّاب)

هو عبد الحميد بن يحيى، الكاتب.

نشأ في "الأنبار".

ثم احترف التعليم في "الكوفة".

وما لبث أن اتّصل بخلفاء بني أمية، حتى انقطع إلى آخرهم: مروان بن محمد، فعظمت منزلته عند مروان، وكان كاتباً له وصديقاً.

وارتقت على يديه صناعة الكتابة، فعدّ من أساتذة البلاغة العربية ورائد كتّاب الرسائل عامة.

قُتِلَ مع مروان بن محمد سنة 132هـ.

ولعبد الحميد عدة رسائل، ما بين مطوّلة ومختصرة، منها:

رسالته إلى أهله وهو منهزم مع مروان.

ورسالة في الشطرنج.

ورسالته إلى الكتّاب.

وفي الرسالة الأخيرة يوجه النصح إلى الكتّاب، ويرسم لهم الطريق الذي يسيرون عليه ليرتفع شأنهم، كما يتحدث عن مكانتهم من الدولة، وعن ألوان الثقافة التي يجب أن يأخذوا أنفسهم بها..

ومن هذه الرسالة اخترنا المقاطع التالية:

1 – أما بعد: حفظكم الله يا أهل صناعةِ الكتابة، وحاطَكم وأرشدكم..

ليس أحدٌ من أهل الصناعات كلِّها، أحوجَ إلى اجتماع خِلالِ الخير المحمودة، وخِصال الفضل المذكورة الممدودة، منكم أيها الكتاب.. فإن الكاتب يحتاج من نفسه، ويحتاج منه صاحبُه الذي يثقُ به في مهمات أموره:

أن يكون حليماً في موضع الحلم.

فهيماً في موضع الحُكم.

مِقداماً في موضع الإقدام.

محجاماً في موضع الإحجام.

مؤثراً للعفاف، والعدل والإنصاف.

كتوماً للأسرار، وفياً عند الشدائد..

قد نظر في كل فنٍ من فنون العلم فأحكمه، فإن لم يُحكمه أخذ منه بمقدار ما يكتفي به.

يعرف بغريزة عقله وحُسن أدبه، وفضل تجربته، ما يردُ عليه قبل وُروده، وعاقبةَ ما يصدر عنه قبل صدوره، فيُمدّ لكل أمر عدّته وعَتاده(1)، ويهيئ لكل وجهٍ هيئته(2) وعادته.

2 – فتنافسوا، يا معشر الكتّاب، في صنوف الآداب..

وارووا الأشعار، واعرفوا غريبها ومعانيها.

وأيام العرب والعجم(3)، وأحاديثها وسيرَها، فإن ذلك معينٌ لكم على ما تسمو إليه هممكم.. وارغبوا بأنفسكم عن المطامع: سنيّها ودنيّها(3) وسفاسف الأمور(4) ومحاقرها، فإنها مذلة للرقاب، مفسدة للكتاب.

ونزّهوا صناعتكم عن الدناءات.

واربؤوا(5) بأنفسكم عن السعاية(6) والنميمة، وما فيه أهلُ الجهالات.

وإياكم والكبر والصلف(7) والعظمة فإنها عداوة مجتلبة من غير إحنة(8).

وتحابوا في الله عز وجل في صناعتكم، وتواصَوا عليها بالذي هو أليقُ بأهل الفضل والعدل والنُّبل من سلفكم.

3 – وإن نبا الزمانُ برجلٍ منكم(9) فاعطفوا عليه وواسوه حتى يرجع إليه حاله، ويثوب إليه أمره، وإن أقعدَ أحدكم الكبرُ عن مكسبه ولقاء إخوانه، فزوروه وعظّموه، وشاوروه، واستظهروا(10) بفضل تجربته، وقِدَم معرفته.

       

الهوامش:

(1) العتاد: عُدّة كل شيء، ويقال: عتاد الحرب: للأسلحة والدواب وغيرها. ج أعتدة.

(2) الهيئة: الحال التي يكون عليها الشيء، محسوسة كانت أو معقولة.

(3) الأيام: الوقائع والمعارك.

(4) أي رفيعها، وضدها: الدني.

(5) السفساف: الرديء من كل شيء.

(6) ربأ: علا وارتفع. 

(7) السّعاية: الوشاية والنميمة.

(8) صلف الرجل: ادّعى فوق قدره تكبراً.

(9) الإحنة: الحقد والضغينة.

(10) جفاه وكدر عليه عيشه.

(11) تقوَّوا.