عبد الرحمن الداخل

شعر: محمد الخضر حسين

خَلّ نفسَ الـحُرّ تصلَى النُوَبا   لا تُبـالــي

لـيست الأخـطـارُ إلا سبباً    للمعـالــي

      

يـا مُـكبّاً بيـن ظبيٍ أدعجا   ومَهــــاةِ

إنما الهمَّةُ في حِـجر الحجى    كالنبـــاتِ

أفـلا تذبُل إذ تقـضي الدُجى    في سُبــاتِ

فإذا بـتَّ تُـجاري الـكوكبا    في مجــالِ

كنتَ كالضرغام يمشي  الهيدَبا    لـلنــزالِ

      

مـا لهـذي السّمهرياتِ فَخارْ   في الحِـرابْ

غيرُ عزمٍ هزَّه  حامي  الذَمارْ     بالتهــابْ

أتُرى الرامحَ  ذا قلب يـغارْ     فيُهـــابْ

جـرَّ في الآفاق رمحاً سَهلَبا      باختيــالِ

وهو  كالأعْزَل لا يَلقى الظِبا     والعوالــي

      

رُبّ كِـنٍّ لا نُسميه عَـرينا     في البــيانِ

والذي  يحميه لا يلوي جَبينا    عن طعــانِ

يحطم الطاغيَ لا يبقي مَهينا     في هــوانِ

وهِزَبْرُ الغـاب يعـدو خبباً    في الدِغــالِ

عضّـه الجوعُ  فمدّ المِخلَبا     لاغـتيــالِ

      

عاشِقَ العلياء خُض في لججِ    من رمــاحْ

وتَرْشفْ مـن عصير المُهجِ     لا جُنــاحْ

يضحك  المـلكُ بثغرٍ بـهجِ    كـالصبـاحْ

إن نَكى الخصمَ فماجوا هرَباً     كالثعالــي

وابتغاه السلم  من باني الزبى    كالمحــالِ

      

خاطرُ اليأس لدى باغي العُلى   غيرُ سـائغْ

إن تـوخّى عبقـريٌ أمـلاً    فهـو بالـغ

وحـياة الصقر أرقـى  مثلاً   للنـوابــغْ

إذ بدا في (دير حنّا) وشـبا   كالهـــلالِ

وليالي الشام في عهد الصِبا   كـاللآلــى

      

ذاق في الخامس من عقد سِنيهِ   مَضَضــا

والرَدى سيفٌ –كرأي ابن أبيه-  منتضــى

أرهف  الـحدّ وأودى بأبـيه   حـرَضــا

هـل ذوتْ زهرتُه  حتى هبا    في كــلالِ

إن فـي نـفسٍ تسامتْ حَسَبا   خيــرَ والِ

      

أبصر الجَـدُّ بـه روحَ الهمامِ    بـاديــا

كالشذا يُنبئ عن زهـر الكمام    هـاديــا

وتريك الشمسُ في قوس الغمامِ   مـاهيــا

حفّه عطـفاً كما تسري الصَّبا    بـاعتـدالِ

ويـدٌ ظـلّت تحـابي الأنجَبا     لـم تُغـالِ

      

ضربَ الخطبُ على المُلْكِ  الأثيلِ   مُحدِقــاً

كـم دها السفاحُ من حُـرّ نبيلِ   مُـرهقــا

وجرى المنصورُ في هذا  السبيلِ   مـوبقــا

ذهـبت عصبـته أيـدي سـبا   في نَكــال

وتَـداعى  عـرشُهُ  مُـنتحـباً    للــزوالِ

      

حـدَّق الصقر  بـرأيٍ لا عـجلْ   لا حَسـيرْ

وانبرى يطوي الفلا يطوي الأملْ   في الضميرْ

ككَميٍّ فـرّ مـن وقـع الأسَـلْ   لـيُغيــرْ

عَمـيتْ عـنه عيـونُ  الرقـبا  والمـوالـي

راح كالـشمس  تـؤمّ  المـغربا   بارتحـال

      

جمرةُ الأضغان في  ذاك الوطن   لافـحــهْ

كـم  قـلوب بتباريج الأحَـنْ   طــافحـهْ

فُرْصةٌ ظلّتْ على وجه الزمنْ    سـانحــة

إنـما الفـرصة تـدني الأربا   بارتجــال

والفـتى يـرقـبها محـتسباً    لليـالــي

      

نفضَ البرْدَين من نَـقع  السفرْ  في ( مَليله )

مالـه جندٌ سوى الرأي الأغرّ    والفضيـلهْ

بـث لُسناً نـفثتْ نفثَ السحر   في الخميـلهْ

دعـوةٌ حـلَّ لها الشعبُ الحُبا   باحـتفـالِ

يـرتجـي عزّاً وعـدلاً ذهباً   في ضـلالِ

      

أب (بـدرٌ) بفـؤادٍِ يـتألّـقْ   كالجُمــانِ

إذ رمى عن قوس داهٍ وتفوّقْ   في الرهـانِ

ورأى غصنَ الأماني كيف أورق  في تـدان

آن للصمَّـصامِ أن ينـتـصبا   للصقــال

ولغـالـي الـدم أن يـنسكبا  بـابـتـذال

      

نهض الصقرُ ولا صيدَ سوى   تـاج ملـكِ

يتهـادى بعـد  شجو  ونوى   بيـن أيـكِ

يسبك السيرة في نهج  سُوى    خير سـبك

عبر البـحر انتـوى المنكتبا   في جـلالِ

أقـبل  الأبعـدُ  يتلو  الأقربا   ويُـوالـي

      

زجَّ بالجند حـوالَي  قُرطبهْ   في اتّسـاقِ

وغدا  يوسف مما كـرَ بـه   في خنـاقِ

هو صَبٌّ كيف يلوي الرقبهْ   للفـــراق

هاله الخَطبُ  غداة  اقـترَبا   للقـتــال

لاذ بالـرأي فأكـدى وكبا   في خـيـالِ

      

خال ما نمَّـقَ كيـدا يـرشـقهْ   كســهام

لا يبيع المجدَ شـهمٌ  يـعشـقه  بالحُطــام

لا تسـليه فـتـاةٌ تـرمـقـه  بابتســـام

فـأراه الصقرُ برقـاً خُـلّبـا   فـي المقالِ

وأراه الأحــوذيَّ  الـقُـلَّبـا   بالفَعــال

      

هجم الداخلُ في وجه  الزعيمْ   كائــــدا

فطوَى ما خَلفَه طـيّ الظليمْ   شــــاردا

واقتفى آثـارَه الجيشُ  النظيم   صائـــدا

رام غرنـاطةَ يـبغي مَركبا   للنضـــال

أمـلٌ أبـرقَ حيـناً وخَـبا   كالذُبـــال

      

أغـمد السيفَ  ومـدَّ العنقا    للســـلامْ

فأراه الصقرُ  عزمـاً  ذلـقا   لا ينـــامْ

أُحرَزَ ابنيه ليأبى الـرَهـقا   فـي الذمـامْ

كان في الناس زعيماً فاحتبا   بـاعتــزالِ

لم يُطقْ كالطل صبراً إذ نبا   عـن فصـالِ

      

تَبَّ لـيلٌ شـدّ فيه  المئزَرا    لانتقـــامِ

وامتطى رأيـاً عقيماً أغبرا   كـالجهــام

ليته مـاسَلٌ ذيلاً وانـبرى   فـي احتـدامِ

فـي مغاني آل هُودٍ  وثبا   لـلصيـــالِ

هزَّ جذع الأمن ألفى الطُنبا   فـي اختـلال

      

أرهق ابنيه جَـفاءً وهـفا   للـرئـاســهْ

ما تَحامى أن يكونا هـدفاً    للسـياســهْ

ركبت من قتل  هذا  سرَفا    في الشراسـه

وطوت هذا  ليبقى  حقـبا    فـي اعتقـالِ

سلْ به إذ فرّ  ماذا  ارتكبا    مـن محـال

      

قذفت نارُ الوغى في (مـاردهْ)   بالشــرارِ

أشرع الصقرُ قـناة سـائـده   بانتصــار

أطلق الفهري  رِجلاً  جاهـده   في الفـرار

لحق  الموتُ بـه وأعـجَبـا    للنصــالِ

تنهض الحتف إذا مـا نشبـا   في عقــال

      

بلغ الصقرُ مـن  العزّ  أشدَّه    واســتوى

لبس الحزمَ لمن صاعر خدَّه    والـتــوى

هو لولا بأسُه يحرسُ  بـندَه    لانطــوى

سار بالأمة شـوطاً  عَجـباً    في اعتـدالِ

لا يُـرَى أسرى بها أو أوَّبا    فـي مَـلالِ

      

بعـث العرفانَ مـن مَـرْقَدهِ    فـي رُواءِ

وعَلتْ عنقُ الهدَى  فـي عهده   كـاللـواء

ردَّتِ الشركَ مواضي جِـدّه    في انـزواء

نفثتْ في (شرلمـانَ) الـرَّهَبا   كالسـعالي

هابها (المنصورُ) يخشى الغلبا   في السجال

      

لقي العمرانَ مقصوص  الجناحِ   خامــلا

راشه فانساب في تلك  البطاح   جـائــلا

يضبط الشكوى كخصر في وشاح عــادلا

يمتـطي المنـبرَ يلقي خـطبا   ذاتَ بـالِ

يقدمُ الناسَ إمـامـاً مجـتبى   بابتهــالِ

      

رحم الله الفتى  أنضى  العتاقْ   في العُـلى

وغدا إن عُدَّ فرسانُ السبـاقْ   أوّلــــا

شرب الحكمةَ بالكأس  الدِهاقْ   عَلـــلا

عزمه كالفجر يـفري الغيهبا   في تعالـي

فهـو جنـديٌ سيـاسيٌّ  رَبا   في كمـالِ