غربة

شعر: عصام العطّار

تطاولَ لَيـلي والسُّهادُ مُرافقـي    وما أطولَ الليلَ البهيـمَ لآرقِ

غريبٌ يُقلّبُهُ الحنينُ على الغَضـَى    ويُرمضهُ شوقاً إلى كلِّ شـائقِ

تـناءتْ به دارٌ وأوحشَ منـزلٌ     وظلّله همٌّ مديـدُ السـُّرادقِ

وألقتهُ أحداثٌ على غاربِ النَّوى     فيا ليتَ شِعري هلْ معادٌ لتائقِ؟!

تمرُّ به الأيامُ جُـرحاً و أسهُـماً      وصبراً تحدَّى كِبرهُ كلَّ راشـقِ

وشـُعلةَ إيمانٍ يـزيدُ اتّـقادها      على عَصَفاتِ الدَّهرِ عندَ المآزقِ

*  *  *

أحبّايَ يا مَهوى الفؤادِ تـحيّةً       تجوزُ إليكم كلَّ سـدٍ وعـائقِ

لقد هدّني شوقٌ إليكم مـبرّحٌ       وقرَّحَ جفني دافـقٌ بعدَ دافـقِ

وأرَّقني في المظلماتِ عليكـمُ        تكالبُ أعـداءٍ سَعَوا بالبوائـقِ

فمنهم عدوٌ كاشرٌ عن عدائـهِ      ومنهم عدوٌ في ثيابِ الأصـادقِ

ومنهم قريبٌ أعظمُ الخطبِ قربهُ     لـهُ فيكمُ فعـلُ العدوّ  المُفارقِ

أردتمْ رضا الرحمنِ قلباً و قالـباً      ولم يَطلبـوا إلا حقـيرَ الدّوانقِ

فسدّدَ في دربِ الجهادِ خُطاكمُ       وجنّبـكمْ فـيه خَفيَّ المزالـقِ

*  *  *

بروحي شبابٌ منكمُ غيّبَ الثَّـرى    تهاوَوْا كِراماً صادقاً إثرَ صادقِ

بروحي الدَّمُ المُهراقُ في ساحةِ التُّقى    يُلوّنُ دربَ الحق لونَ الشّقائقِ

بروحيَ ذاكَ الطُّهرُ والعلمُ والنُّـهى   بروحيَ ذاكَ العزمُ في كلِّ سابقِ

بروحيَ أسدٌ كبَّلَ البغـيُ خَطوهـا   وأوسعَها عَسفاً بكلِّ  المرافـقِ

فلمْ يرَ فيها غـيرَ أصيـدَ صابـرٍ    ولم يرَ فيها غيرَ أرعنَ شاهـقِ

وغـيرَ أبيٍّ بـاعَ في الله نفسـَـهُ    وأرخصَها في المأزِقِ المتضايـقِ

وقفتُ شَجيّاً لا أرى ليَ مَخلـصاً     إليكمْ وقد سُدَّتْ عليَّ طرائقي

تمنـيتُ أنّي أفتديـكمْ بمُهـجتي     وأحملُ ما حُمّلتم فوقَ عاتقـي

على "منقذٍ" منّي السلامُ وصحبهِ      و علَّ فِراقاً لا يطـولُ لوامِقِ

شبابٌ كما الإسلامُ يرضى خلائقاً    وديناً ووعياً في اسودادِ المفارقِ

قلوبهمُ طُهرٌ يفيضُ على الـوَرَى     وأيديهمُ تأسو جراحَ الخـوافقِ

همُ السلسلُ الصافي على كلِّ مؤمنٍ     وفي حومةِ الهيجاءِ نارُ الصواعقِ

أطلّوا على الدنيا كواكبَ تهـتدي     بنورهمُ عندَ اشـتباهِ المفـارقِ

وسـادُوا عليها مخـلَصينَ لربّهـمْ    فلمْ يحملوا أغلالَها في العـواتقِ

سبيلُهـمُ ما أوضـحَ اللهُ نهـجـَهُ    إذا حادَ عنهُ كلُّ وانٍ وفاسـقِ

فلمْ يَرهـبوا في اللهِ لومـةَ لائـمٍ     ولمْ يَحذروا في اللهِ غضبةَ مـارقِ

ولمْ يُطْبِهـمْ يومـاً ثوابُ مُسـاومٍ    ولمْ يُصْبـهمْ يوماً ثنـاءُ مُنافـقِ

هُمُ الذّهبُ الإبريزُ سِـراً ومَظـهراً   جباهُهُمُ بيضٌ بياضَ الحـقـائقِ

هُمُ الحُلمُ الرّيَّانُ في وَقدةِ الظَّـمـا   وليـسَ على الآفاقِ طَيفٌ لبارقِ

هُمُ الأملُ المرجوُّ  إنْ خابَ مـأملٌ    وأوهَنَ بُعْدُ الشَّوطِ صبرَ السّوابقِ

كأني أراهمْ والدُّنا ليسـتِ الدُّنـا   صَلاحاً و نورُ اللهِ ملءُ المـشارقِ

أقاموا عَمودَ الدّينِ من بعدِ صَدعهِ   وأعلَوا لواءَ الحـقِّ فوقَ الخلائـقِ

*  *  *

على البُعدِ يا أحبابُ أهفو إليكـمُ    خَيالُـكمُ أنَّى سَـريتُ مُعانِـقي

أقاموا سُدودَ الظلمِ بيني وبينكـمْ      وما نقـموا إلا يقـيني بخالقـي

فبـتُّ على "لبنانَ" قلبـاً مُعذَّبـاً     أُكابدُ في الأضلاعِ جمرَ الحرائـقِ

فلا راحـةٌ حتى ولو لانَ مضجـعٌ     ولا رَوحَ حتى في ظلالِ البَواسـقِ

أُلامحُ من خلفِ الحُـدودِ مَنـازلاً    تلوحُ كما لاحَ الشّـِراعُ لغـارقِ

تمنيتُ حتى ضجعةَ السجنِ بينكـمْ    على الصَّخرِ في جوٍّ من الجَوْرِ خانقِ

صَلابةُ أرضِ السجنِ إنْ كانَ قُربَكمْ   أحبُّ وأشهى من  طَـريِّ النَّمارقِ

ولم ترَ وجهي عندَ نعشكَ (مُصطفى)   وذلكَ جـرحٌ لا يغورُ بخافقــي

مكانـكَ في قلـبي الوَفيّ  مُوطَّـدٌ    فأنتَ على طولِ الزَّمانِ  مُرافقـي

أحبّايَ صَـبراً للفِراقِ وما رمـتْ     به غاليَ الأكبادِ  أيدي  الطَّـوارقِ

أحبَّـايَ إنْ النَّصـرَ لابدّ َ قـادمٌ     وإنـي بنصـرِ اللهِ  أولُ واثــقِ

سنصدعُ هذا الليلَ يوماً ونلتقـي     مع الفجر يمحو كلَّ داجٍ وغاسـقِ

ونَمضي على الأيامِ عَزماً مُسـدَّداً    ونبلغُ ما نـرجـوهُ رغمَ العوائـقِ

فيعلو بنا حقٌّ – عَلونا بفضـلهِ -    على باطلٍ – رغمَ الظواهرِ – زاهقِ

ونصنعُ بالإسـلامِ دُنيـا كريمـةً     وننشـرُ نـورَ اللهِ في كلِّ شـارقِ