يوم سقوط المتأله

أبي  ... أمي ... أخي ... أختي

  أهلي ... وعشيرتي 

 أراكم تحبون وتعشقون

   أن تصنعوا دائما

  إلها صنما له تركعون 

    تنحنون له وتخضعون 

     حتى إذا سقط وتكسر  

     بحثتم عن قرد ... قزم تعبدوه

      تضعوا كل هاماتكم تحت قدمه

      تغنون له وأنتم تُسحقون

clip_image002_d2bb9.jpg

          كل الظهور منحنية ... تحمل أحجارها ... محدبة .

الرائحون والغائدون كلهم مثنيون

منهم من يحمل حجرا

منهم من لا يحمل إلا وزرا

ومنهم ... من فرض عليه أن يحمل عقلا

وأكثرهم في الواقع ... مع كل الأسف ، لا يحمل إلا دبرا وفرجا .

زحام ... زحام كثير ... من كل هؤلاء ... رجال ونساء في مساحة كبيرة جدا

أربع ساحات مجتمعة للمصارعين القدماء

ومن بعد حدود البشر  بكل الانحناء وعجب الانثناء ، لا نجد إلا الفلاة والخلاء .

الكل ينحني وينثني ... طوعا وكرها .

إلا ... اثنان .

أنا ... والمتأله .

**********

لم ولن يلاحظ أحد ... أبدا .

استقامتي وارتفاع هامتي .

لأنني ببساطة طفل أحمل خمسة أعوام من حياتي المقررة .

فأنا مختبئ رغما عني بين أجساد عبيد المتأله .

بصفاء السريرة ونقاء الفطرة .

أما المتأله فهو وحده عال ... منتصب ... شامخ .

المتأله كما سمعت وكما علمت ورأيت وتعجبت ليس إلا صنم كبير ... تمثال ضخم .

نأتي إليه في صباح كل يوم .

مع أبي وأمي وكل المنحنيين والمنثنيين ... من القرى القريبة .

نهرول إليه خاضعين ... ويحمل أحجاره كل البشر ، ليكملوا بناءه ... ويجملوا بنيانه .

أبي وأمي ...أعمامي وأخوالي ... خالاتي وعماتي وكل من له دمي .

أما أنا ...ألعب وألهو ، أجري وأقفز ... أمرح وأفرح ...

وعند نهاية اليوم انتظر أبواي عند كعب قدم المتأله .

ليسجدوا له سجدة يومهم الأخيرة .

 لنذهب لفرشنا ببركة المتأله .

ننام مبكرا خوفا من غضب المتأله .

ونحلم كرها بعظمة المتأله .

ونعاود الاستيقاظ لنذهب لساحة المتأله .

لنكمل بناء أحد أصابع المتأله .

**********

سئمت مشاهدة تكرار الانحناء .

وانكسار الانثناء

سئمت مشهد خضوع كل الأغبياء .

وكرهت وجه الصنم .

من يسمونه المتأله ... بغير سمت المتأله .

حتى وإن ... وإن فرضا ...

كان على طريق التكوين لأن ...

يكون نصف إله .

ولكن ... ماذا عساي أن أفعل .

وأنا الكينونة الصغيرة بفطرة الاستواء والاستقامة ... وحيدة .

مُلقى بين الزحام .

ورغم الانطلاق والانسجام مع الهواء الحر في هذا المكان ... يلف رقبة إله الصنم .

ويتسلل بين فخذي صنم المتأله المختال .

رغم هذا ... يغلبني ضجري ... ويشكوني سأمي .

ولا أجد ملاذا من الاستعباد الطائع .    

إلا ... عند عقب الصنم .

حتى يأتي إليّ أبواي في أخر اليوم .

وأنا ... أتفيء ظلال المتأله .

**********

  وأنا في حضن قدم المتأله .

أتشمم رائحة عقبه بصخرة الخشن

وبينما أنا أتابع نتوءات  ظل رأسي وكتفي تتقافز كطفرات جنين عاق ... يصارع ليخرج من حدود ظل كعب المتأله

أجد هذا القاطع الحديدي الصلب ... ملقى بجانبي .

منشار يقطع الحجر ... يأكل الصخر ... نساه أحدهم ممن يقطعون الأحجار الصلبة ... ليشكلها آخرون فيلصقها ثالثون ...

أبي ... أو ... أمي ....

ليكتمل ذراع المتأله

قدمه أو ساقه أو أصبع في أصابعه

رأيت كل أعضاءه تقطع وتلصق

حتى عقبه الذي أتفيأ ظله

إلا ... عقله

لم أر لإلههم عقل ... يقطع أو يلصق

لم أر أبدا ... أبدا لإلههم عقل يعقل

أمسكت بالمنشار في وضع القاطع

لألامس بشفرته الحادة كعب المتأله

فإذا هي تقطع عقبه .

أضغط أكثر ... فيقطع أكثر

أكثر وأكثر يزداد جرح عقب المتأله

صار شقا غائرا أخفى كف يدي الصغيرة داخله

**********

إذن ... المتأله يقطع ... وينكسر

المتأله ليس أسطورة مقدسة ... لا تلمس

ولا بنقائصه حُرم علينا التندر

المتأله يتشقق ... أراه في خيالي يتحطم

بيدي الصغيرة ... أنا ...  أصغرهم

أنا الطفل الصغير ... المتمرد ... الأشقر

أتذكر أحدى الأمسيات في قريتنا

بعد يوم ممطر ... وسط الصقيع ... وحواف الأشجار  بخشب الصندل المبلل

أتذكر أحد شيوخ القرية

بعد يوم شاق في ساحة المتأله الأكبر

كانوا قد الصقوا شفته السفلى

في وجه صنمه بفمه المتهدل

كان الشيخ يحكي لنا أساطير الإغريق والألهه ليعطينا المثل

لكي نعبد المتأله ... ونبني صنمه

رمز القوة والعزة لكل عابد متحضر

وحكي الشيخ وأسهب

حكى حدوتة الكعب والعقب

أخيل ... أسطورة القوة الفائقة

عندما غطسته أمه في نهر  القوة

أمسكته من كعبه فلم يبتل عقبه

وصار ... هو ... هو ... كعبه وعقبه

نقطة ضعفه ومماته وقهره .

هذا هو إلههم ... هذا هو صنمهم

في أعينهم قدوس يعبد

وفي عيني أهبل أهطل

بيدي الصغيرة ... أصرعه ... أقتله

كما حدث لأخيل بعقبه المبتور الأبتر .

سلواي الوحيدة اليومية .

ورياضتي الممتعة خارج حدود العبودية

هي ... أن أمسك المنشار الصخري

وأقطع عقب المتأله

وأستمر ... وأقطع ... وأقطع .

**********

 إلى أن جاء هذا اليوم بوعده الموعود ... وتأكدت أن هذا المتأله المنكوب ليس له من مصير إلا حتمية السقوط .

السقوط المريع ... الفظيع ... غير محمود ... ولا مردود .

عقب المتأله يكاد ينفصل عن قدم المتأله ... ساق المتأله ... كل المتأله .

بيدي الصغيرة أحدثت شقا عميقا أخفى فيه كف يدي وأصابعي ... وكل ذراعي ... بل نصف جسدي .

أكاد أجزم أن جسد المتأله صار متغضنا ... مترنحا ... سكرانا بدون نشوة .

في قمة استعداده للهاوية ... للسقوط ... لنهايته العفنة .

وعندما كنت أحفر وأقطع بمنشاري آخر قطعة صخرية تقيم أود المتأله .

سمعت طقطقات ... وطرقعات .

وأحسست باهتزازات جسده المترنحة .

فأدركت أنها ساعة السقوط

جريت بعيدا ... على يمين الصنم

لأشاهد ... لأستمتع .

ولأرى ... كيف يكون رد فعل العبيد بعد سقوط صنم المتأله

وقفت بجسدي الصغير ... مستقيما ... شامخا كعادتي وبيدي أحمل القاطع والمنشار ... أداة جريمتي .

**********

اهتز الصنم وترجرج ...

وأحدث في الهواء الحر صفيرا مزعجا معلنا بداية السقوط .

انتبه كل العبيد

      ... وبظهورهم المنحنية المثنية ... وجهوا كل أنظارهم ناحية المتأله

وبدأ إلههم في السقوط ... وهوى

أثناء سقوطه بدأت أجسادهم في الاستقامة والاستواء الرأسي ... رويدا رويدا .

         حتى سقط وتحطم ... وتكسر .

كان صوت السقوط مرعبا ... كأنه يوم النهاية ... وكذلك البداية .

وقفوا جميعا ... كلهم بلا استثناء

حتى أبي وأمي

ونظروا ....

لم يجدوا عند منصة صنم المتأله ... سوى عقبة ... كعبه

وأنا بجواره أمسك منشاري ... قاطع جسد المتأله المتحطم .

رأوني واقفا ... شامخا .

كما كنت دائما ... كما لم يلحظوا أبدا

وعلى الفور ... وجهوا كل أجسادهم نحوي

وركعوا ... بل سجدوا ... كلهم .

وصاحوا كلهم في نفس واحد وبإيقاع واحد

بوركت أيها المتأله

         ومن يومها ... صرت في نظرهم المتأله

لست صنما ... إنما أنا جسد بروح تتحرك

وتيقنت ... أنه لا فائدة من هؤلاء

إذن ...

      لأستمر كذلك في نظرهم ولأصرخ فيهم كلما رفعوا رؤوسهم

انتبهوا ....... أنا المتأله .

**********

الثلاثاء 31 مارس 2015

الساعة  12.30 ظهرا

العيادة

لواندا ــ أنجولا 

وسوم: 642