الأصدقاء الأربعة

توثقت يوما صداقة عظيمة لا يسهل تخيلها بين فأر وغراب وسلحفاة وغزال . ونشأت هذه الصداقة أول ما نشأت في بيت لا يعلمه أي إنسان مع أنه ما من مكان مأمون من وصول الإنسان إليه أكان في  أكثف الغابات ، أو في أعماق الأنهار ، أو فوق ذرا الجبال الشامخة حيث تجثم النسور . ويوما كانت الغزال الرشيقة تسرح وتمرح ، فساء حظها بأن رأى كلب صيد ( هذا الخادم الضاري للإنسان الضاري ) آثار خطاها ، فتعقب رائحتها ، فعدت وعدت ، ولكن ... وعندما حان أوان  تناول الطعام سأل الفأر صديقيه الغراب والسلحفاة : يا إخوان ! ما بالنا اليوم ثلاثة فحسب ؟! هل الآنسة الغزال متقلبة المودة إلى درجة نسياننا ؟!

فقالت السلحفاة : لو كنت مثل الغراب لطرت في الحال وعلمت ما حل بشقيقتنا العداءة ، وأين .

وإنه لمنقصة يا عزيزي الفأر أن ترتاب في ودها لنا .

فطار الغراب من فوره ، ولمح الغزال التعسة من علو كبير  بأن تعرفها من وجهها عالقة في شرك ، تقاسي الأوجاع ، فرجع وأنبأ  صديقيه الفأر والسلحفاة . وكان من الحكمة ، فلم يشغل باله ب " لماذا ؟ !" و " لمهْ ؟! " ، و " متى ؟! " و " كيف ؟! " عن الغزال التعسة التي تقاسي الأوجاع في الشرك ، تلكم الأسئلة التي يلقيها عادة المعلم المتحذلق المتنطع ، وبعدها تتفوت إمكانية مَنقَذة الضحية . وعقب سماع النبأ المؤسي عقد الأصدقاء الثلاثة جلسة تشاور لتدبر الأمر ، واقترح اثنان منهم الإسراع إلى مكان الغزال . وقال الغراب : على صديقتنا السلحفاة أن تلبث هنا لحراسة البيت ، فمتى يمكن لهذه الزاحفة البطيئة أن تصل إلى مكان الغزال ؟! لماذا تذهب ؟! عندما تصل تكون الغزال ماتت .

وهكذا ، ودون مزيد نقاش أسرع الغراب والفأر لإنقاذ الغزال غير أن السلحفاة مضت بطيئة خلفهما تبكي حظها الذي جعل بيتها  فوق بدنها عبئا على حركتها . وقطع رونجميل ( اسم الفأر ) الشرك . أكان هذا طيب حظ يا ترى ؟! وعندئذ بالتحديد قدم الصياد ، وصرخ : من أرسل غزالي ؟!

وأسرع رونجميل إلى الاختباء في جحر ، وطار الغراب إلى شجرة ، وأسرعت الغزال تدخل الغابة ، وغضب الصياد غضبا جائحا حين لم يعد يرى أي علامة لفريسته ، ولمح السلحفاة فانفثأ غضبه ، وخاطب نفسه : لماذا أُحبط لكون شركي لم يصد هذه المرة ؟! هي ذي ما يمكنني التعشي بها !

وأودع السلحفاة مخلاته بعد قوله ما قال  . ولولا أن الغراب أنبأ الغزال بما حدث للسلحفاة البائسة للقيت حتفها ؛ إذ خرجت الغزال من مخبئها في الغابة متظاهرة بالعرج ، فتحمس الصياد لتعقبها ، وألقى مخلاته ناحية ، فسارع رونجميل بقطعها مثلما فعل بالشرك ، وحرم الصياد التعس من التعشي بصديقته .

*للكاتب الفرنسي جان دولا فونتين

*عن النسخة الإنجليزية لكتاب " أعظم قصص العالم " .

وسوم: العدد 827