إلى السيّد ماكرون 2 + 3

إلى السيّد ماكرون (2):

بمناسبة إعادة فرنسا "أم الديمقراطية" لجماجم الثوار الجزائريين إلى بلادهم:

المحتلون الفرنسيون يقطعون رؤوس الجزائريين ويحتفظون بها في المتحف الفرنسي؟ -يحتفظ متحف الإنسان الفرنسي بـ 18 ألف جمجمة من الشعوب المحتلة قطعوا رؤوس أصحابها؟- تم التعرّف على 32 منها لقادة جزائريين قُطعت رؤوسهم!

  • جماجم" الجزائريين في فرنسا.. نسخة "داعشية" من القرن التاسع عشر
  • "جنرالات فرنسا هم المعلمون الكبار في القتل والجرائم ضد الإنسانية وسبقوا "داعش" في قطع الرؤوس وحرق الأجساد"

هذه أوصافٌ ساقها مؤرخون وباحثون جزائريون عقب الكشف عن آلاف الجماجم المحفوظة في أحد متاحف باريس لمقاومين جزائريين قُطعت رؤوسهم، بأوامر جنرالات فرنسيين، في مشهد يحاكي من وجهة نظرهم ما يفعله التنظيم الإرهابي "داعش" في عصرنا الحالي؛ بل "فاقَهُ"، ليعكس إرهاباً يعود عمره إلى القرن التاسع عشر.

تلك الجماجم أحيت "جرائم" لم تُدفن ارتكبها الاستعمار الفرنسي، وطالت مناطق بالجزائر هُجّر بعضها وأُبيد سكانها لتنقطع سلالة المقاومين؛ فلم يعد لهم أحفاد يتوارثون تاريخهم سوى باحثين من منطقة "ليشانة"، التي يقول مؤرخون إنها كانت مهد "ثورة الزعاطشة" الشعبية عام 1849.

قناة "فرنسا 24" بثّت، قبل أيام من الآن، تقريراً كشفت فيه عن 18 ألف جمجمة محفوظة بمتحف "الإنسان" في باريس؛ منها 500 فقط جرى التعرف على هويات أصحابها، من ضمنهم 36 قائداً من المقاومة الجزائرية قُتلوا ثم قُطعت رؤوسهم من قبل قوات الاستعمار الفرنسي أواسط القرن التاسع عشر.

jam9004.jpg

  • "لم يُقرأ في التاريخ أن قوماً قطعوا رؤوس آلاف البشر وخبّأوها في متحف طيلة ما يزيد عن قرن ونصف إلا في فرنسا"

ولم يُكشف بداية سر هذه الجماجم سوى في مارس 2011، على يد علي فريد بالقاضي، الباحث الجزائري المقيم في فرنسا. وفي العام نفسه، صدرت عريضة تطالب باسترجاعها؛ غير أنها لم تلق رواجاً كبيراً. وفي أيار الماضي، تمكّن إبراهيم سنوسي، الأستاذ الجزائري في جامعة "سيرجي بونتواز" الفرنسية، من جمع قرابة 30 ألف توقيع لاسترجاع بلاده لهذه الجماجم.

سعيد عبادو، رئيس "منظمة المجاهدين" الجزائرية (شبه حكومية تضم المقاومين الذين حاربوا فرنسا)، قال للأناضول إنه "لم يقرأ في التاريخ أن قوماً قطعوا رؤوس آلاف البشر وخبأوها في متحف طيلة ما يزيد عن قرن ونصف إلا في فرنسا".

  • اخفاء الجماجم جريمة لا تُغتفر وظلم لا مثيل له- هذا ردّ جميل 137 ألف جزائري شاركوا في تحرير فرنسا من الغزو الألماني

سعيد عبادو وصف إخفاء فرنسا لهذه الجماجم بأنه "جريمة لا تُغتفر وظلم لا مثيل له"، مطالباً السلطات الفرنسية بإعادتها إلى الجزائر من أجل دفنها في أرضهم طبقاً لاتفاقية إيفيان (بين الجزائر وفرنسا والتي انتهت بالاستفتاء على تقرير المصير واستقلال الجزائر في 5 يوليوز 1962.

وأشار رئيس "منظمة المجاهدين" إلى أن "السلطات الجزائرية أرسلت وفدا إلى فرنسا في يناير 2016، ترأّسه وزير المجاهدين الطيب زيتوني الذي قال إن هناك أملاً لاسترجاع الجماجم".

وتابع: "الفرنسيون يحملون فكراً استعمارياً، ولا نأمن جانبهم ونستعد لهم"، مستدركاً بالقول: "نعمل للتعامل مع فرنسا على أساس الند للند والمعاملة بالمثل، خاصة أن 138 ألف جزائري شاركوا في تحرير فرنسا (من الغزو الألماني) خلال الحربين العالميتين الأولى (1914/ 1918) والثانية (1939/ 1945)

ولفت إلى "اعتراف فرنسا بذلك من خلال دعوتها الجزائر للمشاركة في الاحتفال بانتصار فرنسا على النازية (في 14 يوليوز 2014)؛ لأنّ الجزائريين شاركوا بدمائهم في الدفاع عن استقلال فرنسا".

clip_image005.png

(مدير المتحف ميشال غيرو وسط الجماجم ويقول إن الاحتفاظ بها كان لأسباب علمية)

  • "بلد كفرنسا تدّعي الديمقراطية وحقوق الإنسان تضع رؤوسا قطعها المستعمر ببشاعة ووحشية وِفعْل لا يقترفه إلا الإرهاب في متاحف لتُعرض على الزوّار"

وجنّدت الجزائر، خلال الحربين العالمية الأولى والثانية، عشرات الآلاف من الجزائريين ودفعت بهم في الصفوف الأمامية لجبهات القتال، حيث قُتل منهم الآلاف في المعارك ضد الألمان.

وخلال الأسبوع الماضي، قالت الخارجية الفرنسية إن باريس والجزائر تجريان "حوارا وثيقًا"، وتعملان في إطار "مناخ من الثقة بشأن جميع القضايا ذات الصلة بالذاكرة؛ بينها إعادة نحو 50 جمجمة تحتفظ بها باريس في خزانات معدنية بالمتحف، بعيداً عن الزوار"، وهو ما كان قد صرح به الوزير زيتوني في تموز الماضي بأنه جرى تشكيل لجان مشتركة بين الطرفين بهدف "الإسراع في استرجاع جماجم هؤلاء المقاومين".

وأبدى الوزير استغرابه من "أن بلداً كفرنسا التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان تضع رؤوسا قطعها المستعمر ببشاعة ووحشية وفِعْل لا يقترفه إلا الإرهاب في متاحف لتُعرض على الزوار"، واصفاً ما اقترفته فرنسا "بعمل يُبرز أقبح صورة عرفها تاريخ البشرية".

من جهته، رأى عمار سعداني، الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم في الجزائر، أن إخراج فرنسا قضية جماجم المقاومين الجزائريين إلى العلن يعد بمثابة "إهانة" للجزائريين.

وتساءل، في تصريح صحفي، "لماذا نلاقي إهانات جديدة من دولة (فرنسا) تقول إنها صديقة؟". وواصل تساؤلاته: "لماذا أخرجوا قضية جماجم مقاومين جزائريين موجودة في متحف بباريس إلى العلن؟". وتابع: "لقد أسموه متحف الإنسان، مع أنه كان يجب أن يسمى متحف الحيوان؛ لأن فيه إهانة لأشرف رجال الجزائر".

jam9008.jpg

(لم يتم الكشف عن وجود تلك الجماجم حتى شهر آذار 2011)

  • جرائم فرنسا في الجزائر تفوق جرائم النازيين

من جانبه، قال الطيب الهواري، رئيس منظمة أبناء الشهداء (يتامى المقاومين الذين قتلتهم فرنسا)، إنّ "العالم سيكتشف مرة أخرى أن فرنسا التي خرجت بعد الحرب العالمية الثانية في 1945 لتندّد بالجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها النازية هي ذاتها التي نفّذت نفس الجرائم ضد الجزائريين وما زالت تنفذ مزيداً من الجرائم إلى يومنا هذا عبر عدم الكشف عن الحقيقة".

ووصف "الهواري"، في تصريح للأناضول، إخفاء الجماجم بأنه "جريمة دنيئة وغير أخلاقية"، مشدّداً على ضرورة استرجاعها مع الأرشيف الجزائري الذي استولت عليه فرنسا خلال الفترة الاستعمارية.

وحول محاولة الفرنسيين، خاصة من اليمين المتطرف، إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين؛ اعتبر أن "الفرنسيين يكشفون أمام التاريخ أن الاستعمار سبق "داعش" في قطع الرؤوس وحرق الأجساد"، مضيفاً: "الإنسانية والتاريخ يكشفان أن جرائم قطع الرؤوس ليست من تصرفات المسلمين، ولكنها منهم (الفرنسيين)، وتم إلصاقها بنا".

وفي هذا الصدد، أشار إلى أن "1600 عائلة جزائرية من قبيلة أولاد رياح، أبادها الفرنسيون بالدخان في القرن التاسع عشر، في جبال الظهرة، بولاية مستغانم.

ووقعت ما يُسميه الجزائريون "محرقة أولاد رياح" على يد العقيد الفرنسي "إيمابل بيليسيي"، في 19 و20 حزيران 1845، الذي حاصر نساءً وأطفالاً ومدنيين في مغارة فرّوا إليها في جبال الظهرة، فأشعل العساكر الفرنسيون النار في مدخلها حتى لقي جميع من فيها حتفهم اختناقا بالدخان، وأبيدت حينها قبيلة أولاد رياح بأكملها، حسب مؤرخين.

على الخط نفسه، سار المؤرخ الجزائري مصطفى نويصر، في وصفه للاستعمار الفرنسي لبلاده، قائلاً للأناضول: "لو نفتح سجل فرنسا في الجزائر لن نُصاب بالدهشة ولكن بالصدمة"، لافتاً إلى أن "فرنسا لم تقم بقطع الرؤوس فقط بل حرقت الإنسان وقتلت الجزائريين بالدخان".

jam90010.jpg

(الجماجم التي تمّ التعرّف على أصحابها)

  • جنرالات فرنسا هم المعلمون الكبار في القتل والجرائم ضد الإنسانية

ونوّه نويصر بأن "بعض المؤرخين قارنوا ما قامت به فرنسا في الجزائر بجرائم أدولف هتلر (زعيم النازية في ألمانيا)، فوجدوا أن جرائم فرنسا تفوق جرائم النازية".

ومضى في قوله: "جنرالات فرنسا هم المعلمون الكبار في القتل والجرائم ضد الإنسانية"، داعياً إلى "إبراز مثل هذا النوع الوحشي من الجرائم للرأي العام العالمي (..) هذا سلاح في أيدينا لكي نقول للغرب أن جرائمه تفوق جرائم داعش، وبعض الأطراف في العالم الإسلامي".

ولفت إلى انتشار صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك"، تنشر صوراً لجرائم فرنسا في الجزائر مقابل صور لجرائم "داعش" في سوريا والعراق، معتبراً أن "هناك صحوة تجاه هذه الجرائم تقول للفرنسيين أنتم الذين صنعتم الإرهاب بوحشيتكم، هو ردة فعل على الممارسات الوحشية للاحتلال".

jam90012.jpg

(جمجمة حمّادي)

  • في مذبحة الزعاطشة أبادوا واحة كاملة (800 شهيداً) بسكانها وقطعوا 10 آلاف نخلة!

وتُعد مجزرة واحة الزعاطشة (بلدة ليشانة حاليا في ولاية بسكرة) أبرز الجرائم التي اُرتُكبت إبّان الاستعمار الفرنسي وتعود وقائعها إلى 26 نوفمبر 1849، عندما هاجم الجنرال "هيربيون" الواحة التي كانت معقل الشيخ "بوزيان" قائد ثورة الزعاطشة، بقوات بلغ إجمالها 8 آلاف عسكري. وبعد يومين من الحصار والقصف بالمدافع، تمكنت القوات الفرنسية من تدمير الواحة بالكامل، وقطع 10 آلاف نخلة، وإحصاء 800 جثة لشهداء جزائريين وعدد آخر غير معروف تحت الأنقاض. ومن بين الشهداء كان الشيخ "بوزيان".

أما الجيش الفرنسي، فقد خسر 165 جندياً وأصيب 790 آخرين، وفق الحصيلة التي أوردتها بعض المصادر.

jam90014.jpg

(جمجمة الشهيد القائد الجزائري شريف بوبغلة)

  • قطعوا رؤوس الجزائريين وعرضوها في الأسواق

مصادر جزائرية تحدثت عن "إبادة" سكان "الزعاطشة" عن بكرة أبيهم؛ لكن لا يوجد ما يؤكد أو ينفي بقاء أحفاد لسكان الواحة أو للشيخ بوزيان الذي قُتل ابنه وعمره 16 سنة، وقُطع رأسه هو الآخر.

الصحافي الجزائري حفيظ صواليلي قال، في دراسة نشرها بجريدة "الخبر" يوم 5 يوليو 2015، إنه "بعد معركة الزعاطشة التي خاضها المقاومون من 16 يوليو إلى 26 نوفمبر 1849، على بعد 30 كلم جنوب غرب مدينة بسكرة؛ قرّر العسكريون الفرنسيون قطع رؤوس القادة، منهم بوزيان والشريف موسى الدرقاوي، وعَرْضها في إحدى الثكنات ثم الأسواق ببسكرة لمدة ثلاثة أيام، لتكون عبرة لمن يتجرأ على مقاومة بلاده، حسب المحتل الفرنسي".

وتابع صواليلي: "ولأن هؤلاء المقاومين وغيرهم مثّلوا رموزا لرفض المحتل، احتفط الفرنسيون برؤوسهم المقطوعة بطريقة مُذلة".

jam90018.jpg

(جمجمة الشهيد الجزائري مختار)

  • البرلمان الفرنسي وافق عام 2010 على إعادة جماجم محاربي كايدونيا التي احتفظت بها فرنسا !!

وفي مايو الماضي، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية نداءً لمثقفين فرنسيين وقعوا عريضة للمطالبة بإعادة جماجم المقاومين الجزائريين إلى الجزائر، مشيرة في الموضوع الذي عنونته بـ "جماجم المقاومين الجزائريين لا مكان لها في متحف باريس" إلى مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون يسمح بإعادة جماجم محاربي "الماوري" في 2010 الذين جرى الاحتفاظ بهم بفرنسا إلى موطنهم كاليدونيا الجديدة.

  • الاستعمار الفرنسي انتهج منذ دخوله الجزائر سياسة تهجير واسعة النطاق وحتى إبادة قرى بأكملها استمرت إلى غاية خروجه عام 1962

من جهته، قال ميشال غيرو، مدير المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس، في يونيو: "نحن مستعدون لدراسة طلب تسليم جماجم الجزائريين المحفوظة في متحفنا"، مشيرا إلى "عدم وجود أي عائق قانوني لتسليمها"، حسبما أفادت به وكالة الأنباء الجزائرية.

بن يوسف تلمساني، رئيس المجلس العلمي للمركز الجزائري للبحث في التاريخ (حكومي)، الذي طالب باستعادة تلك الجماجم، قال للأناضول إنه "من الصعب اليوم تحديد خارطة لأحقاد هؤلاء المقاومين الجزائريين الذين توجد جماجمهم في متحف باريس لسببين رئيسيين: السبب الأول يكمن في أن "هؤلاء المقاومين لم يكونوا بالضرورة أبناء المنطقة التي وقعت فيها ثورات شعبية ضد الاستعمار؛ ولكنهم تنقلوا من مناطق أخرى لمؤازرة إخوانهم ضد بطش المحتل وظلمه، وقُتلوا في معارك ومجازر لتنقطع أخبارهم عن أهلهم في مناطق أخرى". أما السبب الثاني فهو معروف لدى كافة الباحثين في التاريخ، ويتمثل في أن "الاستعمار الفرنسي انتهج منذ دخوله الجزائر سياسة تهجير واسعة النطاق وحتى إبادة قرى بأكملها ضد السكان استمرت إلى غاية خروجه عام 1962. وكان يكسر قبائل، وبنقل أفرادها إلى مناطق أخرى وحتى خارج البلاد؛ من أجل كسر شوكة أي مقاومة لوجوده"، وفق تعبير تلمساني.

محمد بلحي، باحث في التاريخ من منطقة بسكرة التي شهدت ثورة الزعاطشة في القرن التاسع عشر، قال إن "سكان المنطقة أبادتهم فرنسا عن آخرهم. ومن الصعب الحديث الآن عن سلالتهم وأحفادهم".

ندير بولقرون، مدير صحيفة "صوت الأحرار" التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم) في الجزائر وينحدر من منطقة "ليشانة" التي يقول مؤرخون إنها كانت مهد ثورة الزعاطشة الشعبية عام 1849، أكد أن "هذه المنطقة شهدت ما يمكن أن نسميه إبادة جماعية كاملة أرضاً وبشراً ونخيلاً من قبل الفرنسيين".

 

(هكذا علّقوا رؤوس السهداء بوبغلة وابنه ومساعده لثلاثة أيام- كتاب: جيش أفريقيا للكاتب الفرنسي فرانسوا كينوا)

  • علّقوا رؤوس الثوّأر المقطوعة لثلاثة أيام

وروى المتحدث للأناضول هذه المعركة والتي أنجز بشأنها بحوثاً عدة سابقاً: "كما هو معلوم تاريخياً، في 26 نوفمبر 1849 وعلى إثر الهجوم الكبير الذي قامت به قوات الاحتلال الفرنسي، حيث إن مصادر فرنسية تحدثت عن قيام 8 جنود فرنسيين بهذا الهجوم ... تم تجميع أهل القرية وقتل الشهيد بوزيان الذي استشهد على أرض المعركة شاهراً سيفه في مواجهة قوات الاحتلال وقُنل ابنه والشيخ درقاوي معه" وقُطعت رؤوسهم

وأردف: "للدلالة على جرائم الاحتلال، قامت السلطات الفرنسية بقطع رؤوس الشهداء الثلاثة وتم التنكيل بهم ونُقلت إلى بسكرة (30 كلم من منطقة الزعاطشة) وتم تعليقها على مرأى من الملأ لثلاثة أيام في محاولة لترويع وقهر الجزائريين وكرسالة أن المقاومة قد انتهت".

وأشار بولقرون إلى وجود عريضة في إطار مسعى استعادة جماجم الجزائريين كلها من باريس، وقد جرى التوقيع عليها من لدن شخصيات تاريخية وأكاديمية بالتعاون مع جمعية مشعل الشهيد (غير حكومية)، وأنهم بصدد تفعيلها. كما أنهم قرّروا بمناسبة ذكرى 26 نوفمبر المقبل والمصادفة لذكرى ثورة الزعاطشة تأسيس جمعية تهتم بجمع الوثائق حول تلك الثورة.

وتمّ التأكد من أن سبع جماجم تعود إلى مقاومين جزائريين، بينها جمجمة الشيخ بوزيان قائد تمرد الزعاطشة بشرق الجزائر عام 1849، والذي أسره الفرنسيون وأُعدم رمياً بالرصاص وقطع رأسه، وأخرى لأحد مساعديه. وقد أضيفتا إلى مجموعات المتحف في 1880. وهناك أيضاً جمجمة محمد الأمجد بن عبد المالك، الملقب بالشريف بوبغلة، الذي فجر ثورة شعبية وقُتل وقُطع رأسه أيضا عام 1854.

jam90020.jpg

(الباحث علي فريد بالقاضي الذي اكتشف المأساة الفاجعة)

  • الجماجم محفوظة في علب كرتونية تشبه علب الأحذية!

وتتواجد الجماجم في علب من الورق المقوّى، موضوعة في خزانات حديدية، معروضة في المتحف الفرنسي، حسب وسائل إعلام محلية.

وفي عمود رأي نشره على الإنترنت، عبر علي فريد بلقاضي، الذي يطالب بعودة هذه الرفات إلى الجزائر، عن أسفه لأن الجماجم ملفوفة وموضوعة في علب كرتونية عادية تذكر بعلب محلات الأحذية. ورفض برونو دافيد هذه الانتقادات، مشيراً إلى أن العلب مخصصة لهذا الغرض ومكلفة، وأوضح أن هذه الجماجم مصفوفة في خزائن مقفلة في صالات مقفلة. وتابع أنه منذ أن تولى رئاسة المتحف في نهاية 2015 قرر أنه ليس من حق أحد أن يرى هذه الجماجم احتراماً لرفات بشرية تم التعرف على أصحابها، وأضاف أنه لم يرها هو أيضاً.

jam90022.jpg

(لاحظ أن الجماجم محفوظة في علب كرتونية مثل علب الأحذية)

  • عن قناة العالم

عبدالرزاق بن عبدالله ومصطفى دالع ــ هيسبرس

الإثنين ١٠ أكتوبر ٢٠١٦ - ٠٨:٣١ بتوقيت غرينتش

  • رابط فيلم :

هذا رابط فيلم عن موضوعة الجماجم المحفوظة في المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ الطبيعي

https://www.noonpost.org/content/17165

إلى السيّد ماكرون (3):

فرنسا أجرت أوّل تجاربها النووية على المدنيين الأبرياء في الجزائر- تأثيرات مُدمّرة على السكان والبيئة حتى يومنا هذا

لم تقتصر الإبادة التي سخّرها الجيش الفرنسي على القتل الجماعي بالطرق المعهودة، بل تطور الأمر إلى حد استعمال العلم والتقدم التكنولوجي في خدمة الأغراض الدنيئة، ومن أمثلة هذه الممارسات نسجل ما اقترفته فرنسا بجميع أطيافها التي اشتركت في عملية تفجير القنبـلة النوويـة في الصحراء الجزائرية، واشترك فيها من الرئيس الفرنسي ” ديغول ” إلى أبسط جندي في الفيالق الفرنسية بالجزائر حيث تعود حيثيات هذه العملية إلى سنة 1960.
بدأت فرنسا أولى تجاربها النووية يوم 13 فبراير 1960 في حمودية بمنطقة رقان، وخطورتها تكمن في كونها سطحية، غطت سكان المنطقة والبلدان المجاورة لسحابة نووية خطيرة، لتتبعها سلسلة من التفجيرات الأخرى السطحية.

ونظرا لكون التجارب النووية حسّاسة وتتطلب وقتا، خاصة بعد العناء الذي عرفته فرنسا في بداية مشروعها النووي، حيث لم يسعفها الحظ في اكتساب التكنولوجيا النووية حتى سنة 1955، وأقامت فرنسا مراكز لها بإفريقيا أطلقت عليها اسم مناطق التنظيم الصناعي الإفريقي “I.A . ZO” ، واختارت كمقر لها كل من:

(1).منطقة كولومب بشار: قرب الحدود المغربية وقد وضع مخطط هذه القاعدة على أساس أن يشمل قسما من التراب المغربي.


(2).منطقة الكويف وجبل العنق التي نص تصميمها على إدماج قسم من التراب التونسي.

(3).المنطقة الثالثة في غينيا.

(4).في مدغشقر .

ونظرا لكون الصحراء تكتسب موقعا استراتيجيا مهما لعمليات التجارب النووية، فقد أقامت مراكز نووية بالصحراء أهمها: منطقة رقان التي وقع الاختيار عليها في جوان 1957 بعد أن جرت بها عدة استطلاعات، واستقر بها ما بين 6500 فرنسي من علماء وتقنيين وجنود و 3500 جزائري كعمال بسطاء ومعتقلين.

jam90024.jpg

  • تفجير القنبلة

في بداية شهر شباط من سنة 1960 كان كل شيء جاهزاً في رقان، وأصبح الأمر بيد الأرصاد الجوية التي ستحدّد اليوم المواتي للتفجير، ولقد تم ذلك بالفعل في 12 شباط 1960 وتقرّر التفجير في يوم التالي أي 13 من شباط، وأُعطيت التعليمات الأخيرة.
وفي فجر ذلك اليوم اتجه الجنرال ” إليري “إلى الحمودية مقر القيادة المتقدم الذي كان يبعد حوالي 15 كلم من النقطة الصفر، وجرت العمليات أوتوماتيكيا لتفادي أي خطأ.

سبقت عملية التفجير عدة صواريخ تعلن عن مدة التفجير التي ستتم بعد 50 ثانية، وانفجرت القنبلة وشكّلت كرةً نارية هائلة انبعث منها ضوء باهر وسُمع دويها من مسافات هائلة.

jam90026.jpg

(موقع Gerboise Bleue ، أول اختبار للقنبلة النووية الفرنسية ، في 20 فبراير 1960 ، بعد أسبوع من التفجير)

* ردود الأفعال الداخلية والخارجية

(1).موقف الثورة الجزائرية:

جاء في جريدة المجاهد ليوم 22 فيفري 1960 تصريح للسيد ” امحمد يزيد ” وزير الأخبار للحكومة الجزائرية المؤقتة يندد فيها بتفجير القنابل الذرية ببيان هذا مقتطف منه ”إن جريمة فرنسا هذه تحمل طابع المكر الاستعماري المستهتر بجميع القيم، إننا مع جميع شعوب الأرض نشهر بفعلة الحكومة الفرنسية التي تعرض الشعوب الإفريقية إلى أخطار التجارب النووية…، إن انفجار القنبلة الذرية برقان ينزع عن فرنسا كل ما يُحتمل أن يبقى لها من سمعة في العالم.

(2). المواقف العربية والدولية:

*المغرب:
عندما فُجّرت القنبلة ألغى المغرب الاتفاقية الدبلوماسية المبرمة مع فرنسا في 28 أيار 1956، مما يعني أن الحكومة الفرنسية لن تمثل المغرب في البلدان التي لديها بها سفارات، كما استدعي سفير المغرب بفرنسا.

*العراق:
نقل راديو بغداد عن وكالة الإعلام العراقية تصريحا للناطق الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية العراقي جاء فيه: ” إن فرنسا قد تعدّت على السيادة الجزائرية أولا، ووقفت أمام السلم الذي تنشده الشعوب ثانيا، ولذا فان العراق مستعد للوقوف مع الشعب الجزائري مساندا إياه من اجل وضع حدّ لهذه التجارب الفرنسية.

*مصـر:
ندّدت الجمهورية العربية المتحدة باعتداءات الحكومة الفرنسية، وقد صرّح بذلك وزير الثقافة والتوجيه الوطني الدكتور “عبد القادر حاتم” في تصريح له بثته وكالة الإعلام للشرق الأوسط جاء فيه :
"مادامت التجارب النووية الفرنسية تشكل عملا عدوانيا واضحا اتجاه الجنس البشري في تطلعاته ومستقبله، فإنها كذلك تعتبر خرقا صارخا لحقوق الشعب الجزائري”

*طرابلـس:
قدّمت مذكرة احتجاج شديدة اللهجة إلى السفارة الفرنسية ضد التفجير النووي في الصحراء الجزائرية من جهة، ومن جهة أخرى وجه الوزير الأول الليبي ” الدكتور محي الدين الفكيني ” برقية إلى السيد احمد بن بلة يعبر من خلالها عن تضامن حكومته مع الشعب الجزائري في موقفه الشرعي في معارضة هذه التجارب النووية على أراضيه.

*هيئة الأمم المتحــدة:

إن مندوبي الدول الغربية لدى هيئة الأمم المتحدة لم يحرّكوا ساكنا ولم يدينوا فرنسا وتجاربها بل كان هناك تأييد حكومي من طرف اعضاء الحلف الأطلسي، وهذا ما دفع بمندوب ” تشيكسلوفاكيا ، كارل كيركا ” إلى اتهام فرنسا بعرقلة مؤتمر نزع السلاح وتجاهلها لقرارات الهيئة وأكدت المعارضة من طرف كل من بلغاريا والهند وإثيوبيا وكندا والاتحاد السوفياتي. كما أدينت التفجيرات من طرف كل من مؤتمر نزع السلاح بجنيف ومؤتمر الشعوب الأفرو أسيوية.

* أثار التجربة النووية:

في الوقت الذي كان الفرنسيون يهللون فرحا ويستبشرون خيرا بالقنبلة الذرية التي سترفع مقامهم إلى مصاف الدول الكبرى، أصبح أهالي منطقة رقان حينها يستنشقون هواءً ملوثا بالإشعاعات، فلقد كان للتجارب النووية انعكاسات خطيرة على الإنسان والبيئة حتى بعد مرور سنوات طويلة على التفجـير.

(1).على السكــان:

-ظهور بعض الأمراض التي كانت نادرة الحدوث مثل : السرطان خاصة سرطان الجلد، وأمراض العيون .

-ظهور حالات العمى خاصة لدى الذين أخذهم الفضول لمشاهدة المخططات الفرنسية

-الوفيات المتكررة للاطفال عند ولادتهم – بعضهم لديه تشوهات خلقية، مثل عين واحدة على الجبين وأصابع قصيرة جدا.

- ظهور حالات العقم التي أصبحت شائعة وكذا التأثيرات الوراثية كطمور الأعضاء التناسلية المُسمـى Ambiguou genitalia
– بالرغم من مرور أكثر من ثلاثين سنة إلا انه أدى إلى إصابة أحد الأشخاص بعد خروجه من سجـن رقان بسنوات قليلة، بسرطان الجلد حيث أدى به الأمر إلى وفاته سنة 2007. (سُجن في حوالي 1985 وأطلق سراحه في 1996.

jam90028.jpg

(تشوّهات ولادية لدى أطفال جزائريين بسبب إشعاعات التجربة النووية الفرنسية)

(2).على البيئــة:

كانت هي أيضا وخيمة جدا حيث قضت الإشعاعات على الخيرات الطبيعية المتنوعة التي كانت تتميز بها (رقان)، ولقد تجلى الإشعاع الذري في الأضرار التي مسّت زراعة الحبوب والنخيل التي أصيب بوباء دخيل هو البيوض الذري

- آثار النفايات النووية من معدات عسكرية في مناطق التفجيرات لازالت تشكل خطرا على البيئة فلا تعد مناطق صالحة للزراعة ولا لأي نشاط آخر، وهذا مايدخل في خانة تدهور الغطاء النباتي، وانخفاض إنتاج المحاصيل الحقلية وظهور سلالات خضرية ضعيفة الإنتاج والمقاومة اتجاه الأمراض النباتية والحشرات والفطريات والكائنات الدقيقة.

-كما أن التربة نتيجة لعملية الحرق النووية تصبح غير صالحة وتولد عملية الإحراق النووي، حرارة في الجو نتيجة الإشعاع الذي لا يزال موجودا، وعواصف تترتب عن هـذه التغيرات المفاجـئة في المنـاخ والتغيرات في حركة الكثبان الرملية

-التأثيرات الإشعاعية على المياه وخاصة مياه الشرب منها، فقد تلوثت نتيجة انحلال النويات الذرية التي وصلت إلى 800 نويدة منها 200 نويدة ذات أهمية خاصة بالنسبة لمياه الشرب. وقد لوحظ تأثيرها على الأعضاء البشرية والحيوانية والنباتية واعتُبرت مواد مسرطنة.
jam90030.jpg

("إنها خريطة باردة".. هكذا تقدّم صحيفة لو باريزيان خريطة للجيش الفرنسي تصف فيها التجربة النووية الفرنسية النووية المشعة ، جيربواز الأزرق ، في الصحراء الجزائرية. أثارها وصلت إلى وسط أفريقيا جنوبا والشاطئ الشمالي للبحر الأبيض المتوسط).

  • تفجيرات نوويّة فرنسية أخرى في الجزائر

إن هذه التجربة البشعة على أبناء الجزائر الذين استُعملوا كفئران تجارب في العملية أثبتت مرة أخرى مدى تأصل الفكر الإجرامي لدى الفرنسيين الذين نادوا دوما بحرية الإنسان، ولم تكن هذه القنبلة الوحيدة، بحيث تلتها عدة عمليات منها:

1-ابريل 1960 : عملية سميت باليربوع الأبيض فجرت بطاقة حوالي 10 كيلو طن

25 ابريل 1961 : عملية اليربوع الأخضر و بطاقة حوالي 10 كيلو طن

– 22 مارس 1965 : أكثر من 13 تجربة باطنية، منها عملية واحدة فاشلة بحبل ” إن إيكر ” حيث يقع الجبل . محيطه حوالي 40 كلم ويمتاز بصلابة صخوره.

وبرغم أن اتفاقيات ايفيان تقيّد تواجد القوات العسكرية الفرنسية في الصحراء، وتحدد فترة تواجده بخمس سنوات فقط أي من 1962 إلى غاية 1967 إلا أن فرنسا ضربت عرض الحائط بكل الشروط العسكرية وبدأت تجاربها النووية بالصحراء الجزائرية واستعمال الجزائريين دروعا بشرية لهذه التجارب دون احترام أدنى الشروط الإنسانية.

وسوم: العدد 900