امنحوا سوريا سلاما لا عملية سلام

ريمة علاف

الجارديان، 27 تشرين الأول 2013

بدلاً من الضغط لأجل إنهاء الأزمة السورية، يبدو مؤتمر جنيف خدعة أمريكية لمحادثات لا نهاية لها

أعلنت مجموعة من وزراء الخارجية الأسبوع الماضي أن بشار الأسد "لن يحظى بدورٍ في سوريا" عندما تتشكل هيئة حكومية انتقالية لقيادة البلاد إلى الأمام. ولجذب انتباه وسائل الإعلام نحو الإعلان، وضع أصدقاء سوريا مشاركة الائتلاف الوطني السوري شرطا أساسيا لقيام المؤتمر، باعتباره مجموعة المعارضة السياسية الرئيسية المعترف به من قبل أكثر من 100 دولة، والمعروف بأنه "الممثل الشرعي للشعب السوري".

كان تهميش المجموعة للأسد مجرد إجراء شكلي في الوقت الذي تواصل فيه جهودها لإقناع المعارضة ليس فقط بالبقاء موحدة وإنما بالمشاركة في المؤتمر الدولي في جنيف. ومع تكرار الوعود التي قدمت للشعب السوري ولم تتحقق حتى الآن، اعتاد معارضو الأسد على خفض توقعاتهم من المجتمع الدولي.

وبدلاً من المطالبة بوقف إطلاق النار غير المشروط ورفع الحصار الذي فرضه الأسد على المناطق المدنية والسماح بدخول منظمات الإغاثة الإنسانية، اكتفى أصدقاء سوريا بمطالبة النظام باتخاذ "تدابير لبناء الثقة" قبل المحادثات. وفي الوقت نفسه، ودون أية ضغوط دولية، يعتبر نظام الأسد - المدعوم بالكامل من روسيا - مؤتمر جنيف لقاءا للعلاقات العامة يعقد فيه صفقات مع ما يسميه "المعارضة الوطنية" (وهي مجموعات صغيرة خارج التيار الرئيسي للمعارضة)، التي تمت رعايتها بحيث تدعي في الوقت المناسب قيامه بالإصلاح.

ولكن إذا لم تكن هناك دوافع حقيقية من أجل انتقال سياسي - وأهم من ذلك وقف الأعمال العدائية - فليس هناك حقيقة ما يشجع لعقد الاجتماع، خاصة وأن القرارات التي اتخذت في المؤتمر الأول منذ أكثر من عام (جنيف الأول) لم تُطبَق بعد. فلماذا تمارس الكثير من القوى الدولية ضغوطا لعقد المؤتمر؟

من الواضح أن الولايات المتحدة تتطلع إلى نقل الملف السوري إلى مكان آخر بشكل نهائي، على أن لا يكون لهيئة محددة وإنما إلى عملية جديدة. وبعد المجزرة التي ارتكبها نظام الأسد بالأسلحة الكيميائية، وتراجع الرئيس أوباما عن خطوطه الحمراء المعلنة، تحرص واشنطن على تجنب المواقف المستقبلية التي قد تؤدي إلى دعوات للتدخل المباشر من قبلها. فهي تأمل الآن بتدويل الجهود الدبلوماسية وحبس الجميع في جولات غير محدودة من المحادثات، في الوقت الذي تُكررُ فيه مرارا كلامها الفارغ عن الحاجة للانتقال. ولكن موقف أوباما "لا مزيد من الحروب" لن يؤدي إلا إلى السماح للآخرين بتأجيج الصراع وتعريض العالم لمزيد من الخطر.

لنكن واضحين، لا يزال معظم السوريين متخوفين حيال تدخل الولايات المتحدة العسكري، فهم يتوقعون تدخلاً دبلوماسياً فقط وتطبيقا لمبادرة الأمم المتحدة "مسؤولية الحماية". وحتى الآن ودون دعم ملموس للسوريين المسحوقين وللمعارضة، تمكن الأسد دون أي عوائق من الاستمرار باستراتيجيته البسيطة التي تقضي باستخدام القوة الوحشية حتى النصر الكامل، بدعم عسكري من روسيا وإيران والميليشيات الإيرانية.

الوضع في سوريا بأسوأ حالاته، حيث تتنافس الجماعات الجهادية مع النظام في الوحشية على حد سواء في الهجوم على الثوار والخصوم. الناس يلتمسون حلا، ولكن الإدارة الأمريكية تبدو وكأنها تسعى في جنيف لعملية تفاوض من أجل التفاوض، على نحو قريب من عملية أوسلو سيئة السمعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث جلس طرفان غير متكافئان للتفاوض دون التوصل إلى أي اتفاق حقيقي.

من شأن عملية على غرار أوسلو أن تناسب الأسد تماما، ولكن طموحاته قد ارتفعت إلى ما هو أعلى: ينتظر نظام الأسد اتفاقية طائف جديدة (الاتفاقية التي أنهت الحرب الأهلية اللبنانية لمصلحة نظام الأسد)، تطلق له عنان السيطرة على المنطقة، مع إجراء إصلاحات تجميلية عن طريق وضع شخصيات رمزية من "المعارضة الوطنية" في مناصب حكومية غير مهمة.

ويبدو أي من هذه الخيارات كارثياً بالنسبة لكثير من السوريين بعد عامين ونصف من البؤس المطلق؛ ولإغلاق هذه الصفحة المؤلمة في تاريخهم، وإعادة البناء والمضي قدماً من دون هذا النظام الوحشي، كثيرون منهم يطمحون الآن لرؤية نسختهم الخاصة من اتفاق دايتون، الذي جلب السلام إلى البوسنة.

ولكن مع تفكير الأسد وحلفائه باتفاقية طائف، واتجاه أوباما وحلفائه نحو أوسلو، لن تكون هناك فرصة لاتفاقية دايتون. ودون ضغط دولي حقيقي على روسيا لوقف ضغطها من أجل بقاء الأسد القاتل، ربما تكون هناك "عملية جنيف" ولكن لن تكون هناك "اتفاقية جنيف".

أما حول حديث أوباما عن المسؤوليات المترتبة على العالم، فإنها مسؤولية الولايات المتحدة في المقام الأول وقبل كل شيء، فهي لديها القدرة والمصلحة وعليها الواجب للمساعدة في تحقيق العدالة والسلام في سورية وإنهاء الصراع. أصدقاء سوريا الحقيقيون كانوا ليكسروا حصار الأسد المفروض على المدن السورية، ويحيدوا قوته الجوية، ثم يقنعوا الناس والثوار على حد سواء بأن هناك أملاً في جنيف، بأن الانتقال بات وشيكاً، وأن الكابوس سينتهي.

وإن أي شيءٍ أقل من ذلك لن يدفع السوريين إلا إلى المزيد من اليأس، والمنطقة إلى مزيد من عدم الاستقرار.