فايننشال تايمز تعرف بـ"حسن نصر الله، قائد حزب الله"

فايننشال تايمز تعرف

بـ"حسن نصر الله، قائد حزب الله"

"دعم رئيس ميليشيا (حزب الله) لنظام الأسد يمكن أن يشعل صراعًا أكبر في المنطقة" ديفيد غاردنر

ديفيد غاردنر - فايننشال تايمز

ترجمة وتحرير مسار للتقارير والدراسات

التوابيت الملفوفة بالرايات الصفراء الصاخبة لحزب الله وهي تخرج من الحدود السورية إلى معاقل الشيعة في لبنان، تحكي القصة. لقد أدخل زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله نفسه في دوامة الحرب الأهلية السورية والتي بدأت منذ عامين بكامل جبروته وميليشياته الإسلامية الشيعية لمساعدة بشار الأسد في محاولة لسحق الثورة التي قامت بها الغالبية السنية من سكان البلاد. قرارٌ مصيري من زعيم حزب الله قد تكون من عواقبه انتهاء أسطورة حزب الله مع قائده في أنقاض القصير.

بلدة القصير الصغيرة تأتي كمنطقة استراتيجية وسط حمص، وتربطها بالعاصمة دمشق إلى الشمال الغربي معقل الأقلية العلوية، الفئة الشيعية التي اتخذ منها الأسد عمودا فقريا لدولته الأمنية المتداعية. وتعتبر منطقة القصير أيضًا نقطة لتهريب السلاح من لبنان إلى الثوار، وكانت قوات الأسد قد فشلت عدة مرات في قطع هذا الممر.

عناصر حزب الله اتخذوا الآن دور "قوات الصدمة" لنظام يتحول من دولة إلى ميليشيا مسلحة تسليحًا جيدًا، وتدعم هذه العناصر لدى دخولها غارات جوية وقصف بلا هوادة. وعلى الرغم من صعوبة تخمين كيفية تمكن الثوار تحت الضغط الشديد من الخروج من هذا المأزق، فإن لحظات الراحة لحسن نصر الله قد انتهت.

بغض النظر عن كيفية انتهاء هذه المعركة، فقد تغير كل شيء حول السيد نصر الله. فبعد أن عرفه العالم المسلم بطلا للعرب وقف ضد إسرائيل، وعرف في بلاده بأنه رفع الشيعة من الطبقة الدنيا في لبنان، فقد صار الآن أحد قادة الطغيان السوري وعميلا لحكومة إيران الدينية.

خطابات حسن نصر الله المتصاعدة ساهمت في تعرية حزب الله داعما طائفيا سافرا للأسد – كما وصفه قادة الثوار السوريون هذا الأسبوع بالمحتل - وكأنه عقاب إلهي على أحد أعمال المقاومة.  ما يحصل الآن يبدو تمامًا وكأنه تحولٌ لرجل وحركة تم تزويرها في غزو آخر، غزو إسرائيل للبنان في أتون الحرب الأهلية الطائفية اللبنانية ما بين عامي 1975-1990.

حزب الله، الذي أنشِئ في السفارة الإيرانية في دمشق عام 1982، اشتهر بالتفجيرات الانتحارية وعمليات الخطف حين طرد إسرائيل باتجاه حدودها والقوات الأمريكية والأوربية بعيدا عن بيروت. وقد تولى السيد نصر الله رئاسة الحزب بعد أن قامت إسرائيل باغتيال سلفه عباس الموسوي عام 1992، وحوله جيشًا هائلًا لحروب العصابات ودولة داخل دولة قادرة على الهيمنة على الساحة السياسية اللبنانية. على الرغم من أنه كان في ذلك الوقت في الـ 32 فقط من عمره إلا أنه كان مزيجًا نادرًا من الدهاء والذكاء والجاذبية والاشتعال. وقد ساهم في توسيع دويلة حزب الله في جنوب لبنان والضاحية، الضاحية الجنوبية لبيروت؛ وذلك بتمويل إيراني موجه للرعاية في مجالات التعليم والصحة والإسكان وتمويل المشاريع الصغيرة. وقد كانت هديته الأولى للدعاية واضحةً من خلال قناة المنار، المحطة التلفزيونية للحركة، والتي تواكب وسائل الإعلام الجديدة. وقد غرس سياسيو حزب الله صورة من الاستقامة والكفاءة.

وفي مقابلته مع صحيفة الفاينانشال تايمز عام 1998 يقول السيد نصر الله إن إيران بقيادة رئيسها الإصلاحي محمد خاتمي، في ذلك الوقت، ستضيء طريق الإسلام وتمحي الظلاميين مثل أسامة بن لادن الذي قام أتباعه بقصف سفارات الولايات المتحدة في شرق أفريقيا.

وبعد ذلك، ازدهرت الحركة المرخصة من قِبل سوريا خلال احتلالها للبنان لكونها حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، وتغذت في نموها على الصراع. بعد أن أجبر إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، جاء تمجيد السيد حسن نصر الله في حرب عام 2006 التي أوقع إسرائيل فيها في فخ التعادل الدموي. ويعارض كثير من اللبنانيين "النصر الإلهي" الذي أعلنه حزب الله مع الدمار الذي أوقعته إسرائيل في بلادهم بعد اختطاف الحزب 3 من جنودها، مما دفع السيد نصر الله إلى الشعور بالخطأ جزئيا. وبدأت العمامة بالانزلاق.

ولد حسن نصر الله لأسرة شيعية فقيرة عام 1960 في كرانتينا، أحد الأحياء الفقيرة في الجانب الشرقي المسيحي من بيروت. ودرس اللاهوت في مدينة النجف، مزار العراقيين الشيعة، حتى طرده صدام حسين في عام 1978. ومع اقتراب الحرب من نهايتها استأنف نصر الله دراسته في مدينة قُم في إيران وصار من رجال حزب الله في طهران قبل أن يتولى قيادة الحزب.

ويرى مراقبون لحزب الله أنه منذ ذلك الحين أصبح جنديا من جنود المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الذي وضع بندقيته في خدمة الحرس الثوري الإيراني. وطبعا، تجنب الاختيار بين أن يكون الممثل الشرعي في لبنان أو رأس حربة إيران في المشرق. وقد تم إقرار الاختيار الآن، ربما من قبل إيران له.

في بداية الصراع السوري حاول السيد نصر الله - بعد أن حثه خالد مشعل، قائد حماس التي كانت تقيم في دمشق - الحديث إلى الأسد للخروج من الحرب والقيام بإصلاحات، إلا أنه فشل. وفي حين تخلى مشعل عن سوريا، كان السيد نصر الله قد احتضن النظام باعتباره حصنًا منيعًا ضد التطرف الجهادي السني. مما يزيد من خطر امتداد الصراع وتحوله إلى حرب إقليمية. إسرائيل قامت بالفعل بقصف ما قالت إنها صواريخ إيرانية متوجهة إلى حزب الله عبر سوريا ثلاث مرات هذا العام، ويقوم قادة الحزب بشن هجمات مشابهة الآن، فيما تزداد احتمالية حدوث أعمال تمرد انتقامية في لبنان. وقد تعرضت الضاحية يوم الأحد الماضي للقصف.

بعد 21 سنة تحت قيادة نصر الله، نمى حزب الله بشكل كبير وصار عرضة للفضائح، من تورط في غسيل الأموال إلى اتهام الحزب باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005. وبدأ في الظهور كوكيل لإيران عندما أفرط في المواجهة في بيروت مع المعارضة المحلية ذات الغالبية السنية عام 2008.

وبينما يجتهد حزب الله للحفاظ على السلام في لبنان، جزئيا عبر زيادة دخوله في الجيش والأجهزة الأمنية، فإن تدخله العميق في سوريا سيحد من قدرته على التركيز على بلاده – مالم يتمكن من فرض سيطرته بشكل أكبر في البلاد. ويقول السيد نصر الله إنه لا يستطيع أي فصيل في لبنان فرض إرادته على 18 طائفة أخرى في البلاد. لكنه الآن يجازف ببقاء حزب الله في في الساحة المجاورة الملطخة بالدماء، ويخاطر كذلك في وجوده في الجانب الخاطئ من التاريخ، هناك وفي بلاده.