تنين البحيرة العميقة

(19)

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

من قصص الأطفال الغربية

من كتاب :

(The Big Story Book)

أصبح الملك ويليام " William " الملك الطيب الحكيم في حزن وقلق ؛ إنه لا يعرف ماذا يفعل أمام مشكلة يبدو حلها مستحيلا ... وكانت زوجته الملكة باربارا "Barbara " تشاركه أحزانه ، وتقف مثله حائرة أمام هذه المشكلة المستعصية . وتتمثل هذه المشكلة في ذلك الوحش السفاح الذي يعيش في كهف يقع على طرف البحيرة العميقة ... إنه التنين الرهيب الذي يعيش على خطف الناس والتهامهم .

ودار بين الملكة والملك الجوار الأتي :

ـ لماذا لا ترسل بعض من أشجع فرسانك يتسللون في قارب إلى مخبأ التنين ويقضون عليه ؟ .

ـ لقد فعلت ذلك من قبل ، ولكن التنين الرهيب عرف كيف يسبح تحت الماء ، ويقلب القارب ، ويلتهم كل من فيه ، فأصبح كل الفرسان يخشون الاقتراب منه .

قالت ابنته الأمية تينا " Tina " :

ـ إن عليك يا أبي أن تقدم مكافأة لمن يخلص المملكة من هذا المخلوق الرهيب .

 كانت الأميرة تينا أجمل فتيات المملكة وكانت تتميز بالحكمة والذكاء . وواصلت كلامها قائلة :

ـ إن قتل التنين مخاطرة كبرى ؛ ويجب أن تكون الجائزة متكافئة مع الخطر العظيم الذي يتعرض له كل من يحاول قتل التنين .

 ووافق الملك والملكة على كلامها ، وبعث هذا الاقتراح الأمل في نفس الملك والملكة ، ولكن بقي هناك سؤال واحد يدور في خاطر كل منهما : ما نوع الجائزة التي يمكن تقديمها ؟ .

وبدأ الملك يُعمل عقله ، وفي النهاية أعلن بصوت مرتفع :

ـ سأمنح قاتل التنين قلعة ، وخميسن هكتارا من أجود الأراضي .

 وأضافت الملكة :

ـ وأنا سأمنح هذا الشجاع الباسل عشرة صناديق مملوءة بالذهب .

 فهزت الأمية تينا رأسها وقالت :

ــ مازالت الجائزة غير كافية ، وغير عادلة مازال ينقصها شيء يجب أن يقدم لذلك الشجاع الذي يخلصنا من التنين المرعب . فسأل الملك والملكة في لهفة وفي نفس واحد :

ــ ما الذي تريدين أن يضاف إلى الجائزة ؟ .

ــ أن أكون زوجة لقاتل التنين .

 ونظر الملك والملكة كل منهما إلى الأخر في دهشة ، ثم التفتا إلى بتهما الحبيبة ... هل هي جادة فيما تقول ؟ هل تقدم يدها لتكون زوجة لقاتل التنين ؟ وسألتها الملكة الأم :

ــ هل يمكن أن تحبي رجلا قبل أن تشاهديه ، وتتعرفي عليه ؟

ــ نعم ... فإن من يصرع التنين لابد أن يكون شجاعا وقويا وحكيما ، ورجل بهذه الصفات سيكون ــ ولا شك ــ رجلا مثاليا ويستحق أن أحبه من كل قلبي .

 فصاح الملك :

ــ هذا حق ... الصواب ما قلتي ، وستكون جائزة من يصرع التنين هي القلعة والأرض ، والذهب ، والزواج لأبنتي الأميرة .

 وانتشر رسل الملك في كل مكان من المملكة ، يعلنون عن الجائزة الضخمة التي رصدها الملك لمن يقتل التنين ، إنها جائزة مغرية للغاية ، ولكنها محفوفة بالخطر الشديد ؛ فقد تكلف الإنسان حياته .

 إن المغنين والشعراء والعمال والفلاحين وحتى أشجع الفرسان كانوا يرهبون التنين ، وليس فيهم من يخاطر بأن يكون طعاما للتنين المفترس ، ولم يتقدم واحد للحصول على الجائزة ، وظل التنين ــ كما كان ــ هو المشكلة الكبرى التي تهدد حياة الناس .

 وذات يوم تقدم شاب صغير السن إلى القلعة وطلب أن يقابل الملك ... إنه الفتى جاسن " Jason " الذي يعمل مساعدا لرسام الأسرة الملكية . وكان الفتى يعرف القلعة من قبل ؛ لأنه يساعد سيده الفنان العظيم في الرسم ، وقد انتهى سيده حديثا من رسم صورة ضخمة للأسرة المالكة ... وكانت هي المرة الأولى التي رأى فيها الأميرة ، ومن يومها انفتح قلبه لها ووقع في حبها ، وهو الأن على استعداد أن يخاطر بكل شيء في سبيل الزواج بها حتى لو كان الثمن يكلفه حياته .

ومثل الفتى بين يدي الملك والملكة في حجرة العرش ، وبادره الملك قائلا :

ــ لقد رأيتك من قبل أيها الفتى ... وأعتقد أنك شاب شجاع ، ولكنك ــ ولاشك ــ أحمق ؛ فلست فارسا ولا حتى مساعد فارس . فماذا تفهم في السلاح ؟ وماذا تعرف عن فنون القتال ؟ إنك مجرد مساعد رسام لا تفهم إلا في رسم الصور . عد أيها الفتى إلى منزلك ، فلن تستطيع أن تصرع التنين بالزيت وفرشاة الرسم .

 فقال الفتى بأدب ، وهو يحني رأسه أمام الملك :

ــ أسف يا سيدي ... إنني لن أستطيع أن أعود إلى بيتي قبل أن أقتل هذا التنين الرهيب .

فسألته الملكة :

ــ ولكن لماذا ... لماذا تخاطر بحياتك هكذا ؟ .

وارتبك جاسن وأخذته الحيرة ؛ ماذا يقول ؟ وكيف يجيب ؟ كيف يستطيع وهو لا يزيد عن كونه مساعد رسام أن يبوح بالحقيقة وهي حبه العظيم العميق للأميرة ، وربما ضحكت الأميرة حينما تسمع أن هذا الفتى يحبها ، وربما رفضت رفضا قاطعا أن تتزوج منه .

قال الملك ويليام :

ــ تكلم أيها الفتى ... تكلم .

وأضافت الأمية تينا :

ــ تكلم ... فليس هناك ما يستدعي الخوف والتردد أيها الفنان الشاب ... تكلم ... أرجوك أن تجيب على سؤال أمي .

ونظر إليهما الفتى في تؤدة وهدوء ... وتمتم قائلا :

ــ لابد أن أقتل الوحش الرهيب لابد ؛ لأنني أحب الأميرة تينا ، إنني لا أخشى التنين ولا أخاف الموت ، فبغير الأمية لا تساوي حياتي شيئا .

ولم تضحك منه الأميرة تينا ، ولم يسخر منه الملك والملكة ، وانفتحت قلوبهم للفتى الشاب الذي يملك من الشجاعة ما يمكنه من مواجهة التنين المفترس للفوز بيدي الفتاة التي يحبها .

ويسأله الملك :

ــ ولكن كيف ستخلص المملكة من هذا المخلوق البشع ؟

ــ سأستعمل موهبتي وذكائي ، إن عندي خطة سرية للقضاء عليه .

فسألته الملكة :

ــ وما الأسلحة التي ستحتاجها لقتاله ؟

ــ لن أحتاج إلا إلى بطارية ، وقارب صغير ، وأدوات الرسكم مهنتي .

فصاحت الأمية تينا في استغراب :

ــ أهذا كل ما تحتاجه أيها الفتى الباسل ؟ كيف تستطيع أن تقتل التنين بلا سيف أو رمح ؟

فابتسم جاسن ، لقد ظهر القلق على وجه الأميرة من أجله ، ربما أحبته بعض الشيء ، حتى ذلك القدر القليل يعتبر كثيرا ... بل أكثر مما كان يطمع فيه .

ــ سأصطاد الوحش في الليل ... إن ألواني وفرشاتي هي السلاح الوحيد الذي أحتاج إليه ، وحينما أعود إليكم سيكون التنين قد انتهى إلى الأبد .

قال الملك :

ــ سأعطيك البطارية والقارب الصغير .

وأضافت الملكة وهي تبتسم :

ــ وأنا سأبارك زواجك بابنتي إذا نجحت في مهمتك .

وقالت الأميرة تينا وهي تقترب منه وتميل عليه وتطبع على خده قبلة :

ــ وأنا أهديك هذه القبلة متمنية لك حظا سعيدا .

لقد شعرت برعشة خفيفة لذيذة تسري في كل بدنها حينما لمست وجهه بشفتيها ... حينئذ عرفت انها تحب هذا الفتى الشجاع . وهمست في رقة :

ــ عد إليّ سالما ، سنكون زوجين في القريب العاجل وسنعيش معا في سعادة إلى الأبد .

وجمع جاسن الأشياء التي يحتاجها وانطلق مسرعا من القلعة متجها إلى البحيرة العميقة .

وفي طرف البحيرة بعيدا عن كهف التنين بدأ يعمل ، أخذ أول الأمر يبحث عن صخرة ضخمة ثقيلة حتى عثر عليها ، وأخفى البطارية خلفها ، وأرسى قاربه بالقرب منها .

وقال في نفسه وهو يخرج أدواته :

ــ والأن حان وقت الرسم ... يجب أن أرسم أحسن لوحة في حياتي حتى نصيب التنين بالجنون في الظلام ، إن حياتي تتوقف على ذلك .

كان الفتى يختفي إذا ما ظهر التنين ، ويزاول عمله في الرسم على الصخرة إذا ابتعد التنين عن المكان ، وفي النهاية حينما حل المساء كان الفتى قد انتهى تماما من رسم لوحته .

قال جاسن وهو ينظر إلى الصخرة التي تحمل رسمه الرائع :

ــ حقا إنها متقنة ... وفي الظلام سيصاب الوحش بالهياج والجنون حينما يراها ، إن عينيه ضعيفتان فهو لا يرى جيدا .

والتقط جاسن حجرا صغيرا وألقى به في البحيرة العميقة ، وأخذ الحجر يغوص ... ويغوص ... ويغوص إلى أن نزل إلى القاع البعيد المظلم .

وهمس جاسن بينه وبين نفسه :

ــ لقد غاب الحجر تحت الماء ، وسيكون هذا هو نفس مصير التنين المفترس ... سيهوي ويغوص في القاع ويظل فيه إلى الأبد . والأن عليّ أن أإري التنين وأستدرجه إلى الفخ الذي نصبته له .

وفي هذه اللحظة صدر من كهف التنين هدير مرعب اهتزت له جوانب المكان ... لقد استيقظ الوحش الكاسر ليبدأ جولته ، وها هو ذا يغادر كهفه ، ويمشي في بطء شديد ، باحثا عن فريسته في الظلام . فصاح جاسن بأعلى صوته :

ــ تعال إليّ أيها الوحش البغيض ... هنا ... أنا هنا بين هذه الصخور ، تعال وافترسني إن كنت تستطيع .

والتفت الوحش ناحية الصوت كان الظلام دامسا أن يرى جاسن .

ثم واصل الفتى الشجاع صياحه :

ــ لا ... لا ... ليس هناك بل هنا .

واتجه التنين نحو جاسن وهو في ثورة مجنونة حتى أصبح قريبا من الصخرة التي رسم عليها الفتى لوحته ، وأوقد التى الفنان بطاريته ، ورماها ناحية الصخرة التي رسم عليها منظرا بالحجم الطبيعي لفارس يحمل درعه اللامع ، وفي هذا الضوء الخافت ظهر الرسم كأنه فارس حقيقي .

وهدر التنين وهجم على الصخرة وابتلعها في لحظة معتقدا أنها فارس حقيقي ، واستقرت الصخرة الثقيلة الضخمة المرسومة في بطن التنين .

وهنا ظهر جاسن من مخبأه واندفع هاربا أمام التنين كأرنب مذعور ، وانطلق ناحية القارب الذي واراه خلف الشجرة ، ووثب إليه وأخذ يجدف بعيدا عن الشاطئ .

وصاح بالتنين مرة أخرى :

ــ أنا هنا ... أنا هنا ... تعال وافترسني إن كنت شجاعا ، إن معدتك مزحومة بصخرة ضخمة ... والأن لا تستطيع أن تعوم ، فلتغطس في البحيرة أيها الوحش الحقير ... اقفز إلى الماء ، واسبح إليّ إن كنت جريئا .

وصرخ التنين في جنون وأخذ يزحف إلى البحيرة بطيئا بطيئا ؛ فالصخرة التي استقرت في بطنه أثقلته إلى أقصى حد ، ووثب إلى الماء ، وبدأ يغوص إلى أعماق البحيرة لقد أعجزته الصخرة الثقيلة التي يجملها في معدته ... أعجزته عن السباحة أو البقاء فوق الماء .

لذلك قضى الفتى الشاب على أخطر مشكلة شغلت الملك والمملكة .

ووقف الفتى الشجاع في قاربه يراقب التنين وهو يغوص شيئا فشيئا في قاع البحيرة إلى الأبد .

وبعدها بدأ الفتى يتجه بقاربه إلى الشاطئ .

وحينما ارتفعت الشمس في السماء كان جاسن في طريقه إلى قلعة الملك للحصول على جوائزه . وكان وجهه يفيض بالبشر والسعادة وهو ينطلق بحصانه صاعدا إلى القلعة ؛ فخلال أيام قليلة سيصير زوجا لحبيبة قلبه الأميرة الساحرة تينا .