أزمات بمساعدة الحاسوب(1)

أزمات بمساعدة الحاسوب(1)

ريك كروفورد

ترجمة: نعيم الغول

[email protected] 

تعمل التطورات في أجهزة الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات على إعادة تشكيل المجتمع الأمريكي بعمق. ولكن إذا كانت التكنولوجيا هي "عربة المستقبل فمن يجلس في مقعد القيادة؟" كان معظم الناس سيرغبون في مستقبل حافل بالحرية الفردية والاستقلال الذاتي ، بالمواطنة المسؤولة والتي تزدهر الديمقراطية بواسطتها وتسود درجة معقولة من العدالة الاجتماعية والإنصاف الاقتصادي. ومع هذا فإن جميع هذه السلع الاجتماعية الأساسية مهددة بتركز متزايد لنفوذ تكنولوجيا المعلومات وقوتها في أيدي مؤسسات غير مسؤولة من الطرفين: المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة والتي هي حاليا خارج إطار السيطرة الديمقراطية. وجد استفتاء " هاريس"عام 1990 أن 45% من الجمهور الأمريكي وافقوا على أن:"التكنولوجيا قد أفلت زمامها." لكن الاستفتاء أهمل الحفر إلى ما هو أعمق من ذلك ولم يسال:" أفلتت من بين زمام (من)؟" وإذا كان لنا أن نستعيد بعض السيطرة على مستقبلنا، فإننا بحاجة لأن نبدأ بتوجيه الأسئلة حول أي القوى توجه دفة تكنولوجيا المعلومات وبأي اتجاه ولأغراض من.

يترتب على كل تكنولوجيا نفقات ومنافع . ولأن معظم أنواع التكنولوجيا يعلن عنها وتباع كمنتجات سلعية فإن منافعها تحتاج لأن تكون واضحة للعيان بشكل لا لبس فيه  ومركزة أمام المشتري. ولكن من الجانب السلبي تميل لأن تكون ذات تكاليف غير منظورة نسبيا وتشتت أو"يتم إلقاء تبعاتها" على الناس الآخرين. قد تكون كلف ونفقات تكنولوجيا المعلومات عالية ، ولكن في كثير من الأحيان يتم إخفاؤها في تغيرات بنيوية وتأخذ شكل رقابة واعتما دية تكنولوجية دون سيطرة مع تغيير طرق الحياة. فعلى سبيل المثال أنماط الحياة القائمة على السرعة في كل شيء أو الوجود ذو الجذور السطحية بصورة متزايدة.  

 ينبغي على مقالة صحفية متوازنة تصور التكنولوجيا الجديدة أن تسأل ما إذا كان أولئك الذين يتمتعون بمزاياها سيتحملون نصيبهم العادل من تكاليفها. لكن كتابة التقارير المتوازنة حول التكنولوجيا أمر نادر الحدوث. ولأن الصحافة التي تلقى رواجا قد أشبعت بوجهات النظر أو المناظير البوليانية  Pollyannaish التي تنادي "بالتقدم" التكنولوجي ؛فإنني أحاول في هذا الفصل علاج هذا الاختلال في التوازن. ومن خلال حالات دراسة لاستخدام الحاسوب، أختبر عواقب السيطرة على"تطور وتقدم" التكنولوجيا التي لا جدال حول حماقتها وعدم ديمقراطيتها بالتأكيد.

إن الرؤى الدسطوباوية Dystopian  المعروضة هنا ينبغي ألا تعتبر نتائج حقيقية. فضلا عن ذلك، فإن الصراع بين قوى متنافسة متنوعة سيحدد أين سيقبع مستقبلنا.

تغطي حالات الدراسة جوانب رئيسية خمسة من تكنولوجيا المعلومات: حوسبة الشركات، المراقبة والنفوذ(السلطة)، ألعاب الفيديو والوعي، الاقتصاد السياسي للتشفير( الترميز) ، والطريق السريع لانتقال المعلومات ( INFORMATION SUPERHIGHWAY). ولكن قبل التركيز على مجالات الاستخدام المحددة قد تكون خلفية ما مُعِينة على توفير منظور ما وتؤسس لإطار عمل تحليلي.

المجتمع باعتباره مُنشأ تكنولوجي

تقوم تكنولوجيا المعلومات   الحاسوب و الاتصالات عن بعد -  بهز وإعادة تركيب أسس المجتمعات في جميع أنحاء العالم. هل التكنولوجيا سيدنا المستقل بذاته أم هل هي خادمنا المطيع؟

إن الحاسوب ما هو إلا أخر المظاهر في سلسلة التطور التكنولوجي الطويلة والتي أصبحت فيها الحقائق المصنوعة والأساليب التكنولوجية تُكيف لتلبية بيئاتها الاجتماعية الاقتصادية. إن التكيف البيولوجي عملية ذات وجهين من التطور المشترك: تشكل البيئة الكائنات،وبدورها تغير البيئة الكائنات. وبالمثل تنتج أجيال من التطور التكنولوجي سلسلة من البيئات المنشأة التي بدورها تؤثر في الثقافات الإنسانية المحاطة داخلها.

لكن المجتمعات ليست سواء، وإن التطور المشترك للتكنولوجيا مع المجتمع يتأثر بقوة بعلاقات السلطة والنفوذ الاجتماعية الاقتصادية. تفرض مؤسسات متنوعة "ضغوط اختيار" استراتيجية هامة تؤثر في عملية تمويل البحوث والبيئات التنظيمية للتطور التكنولوجي. ويمارس مقاولو الدفاع الكبار مثل هذا التأثير الهائل على تطور البنية التحتية العسكرية إلى حد انهم استحقوا لقب " المجمع العسكري- الصناعي ". لكن شركات الاتصالات متعددة الجنسيات تمارس نفوذا هائلا أيضا. لقد حققت صناعات الاتصالات- محطات التلفاز الكيبلية والإذاعات، وشركات الترفيه والتسلية، وصانعو أجهزة الحاسوب وشركات الهاتف، والصحف والناشرون الإلكترونين ما يزيد على 50 مليون دولار في مساهمات حملة الانتخابات الاتحادية الأمريكية خلال العقد الذي انتهى في كانون الأول 1993 . وتولد هذه المبالغ المستهدفة رافعة مالية هامة ولكنها تبدو صغيرة جدا أمام موازنات الإعلان عن صناعة الاتصالات.

بصورة لا تتغير تعلن العلاقات العامة على شكل " صليات" من الترويج لآلاف أنواع التكنولوجيا  سيناريوهات أفضل الحالات. في العام 1988 أنفقت صناعة الحواسب الميكروية وحدها ما يزيد على بليون دولار على الإعلان. وإن أي شكوك حول "مسيرة التقدم" تهاجم بعنف بوصفها عودة الى تحطيم  ماكينات جديدة.Neo-luddite. وإحدى الدعايات المضادة لمحطمي الماكينات قامت بها IBM   أختتمت بالشعار"تحطيم الساعات يمكن أن يدمر آلية التقدم ولكنها لن تؤخر قدوم الغد أبدا". وكانت هذه مكيدة بلاغية صممت لكي تكسب الأولوية في أي نقاش. إن المسألة لا تتعلق بما إذا كان الغد سيعاق أم لا، بل تتعلق بنوع العالم الذي نرغب في أن نعيش فيه. من يقرر كيف ستبني التكنولوجيا مكان وزمان حياتنا اليومية؟

وحتى في سوق حرة ظاهريا تؤثر المجموعات الاجتماعية االمهيمنة والمؤسسات الاقتصادية على الجيل التالي من التطور التكنولوجي بجعل انحيازها الخاص(وغالبا غير الواعي) وأحكام قيمتها، وقواعدها الاجتماعية جزءا من التصميمات التكنولوجية الجديدة. ثم تتكيف الطبقات الاجتماعية الأخرى  أنماط حيواتها  للخيارات التكنولوجية المقيدة والمتاحة في بيئتها الثقافية الجديدة. وبهذا الأسلوب تميل علاقات السلطة الاقتصادية ـ الاجتماعية لان تنتج من جديد ـ وتضخم ـ ضمن الأسوار التكنولوجية التي ترتفع لتحيط بالطبقات الاجتماعية الأدنى". وتصبح علاقات النفوذ والقوة المصنفة في العمل التكنولوجي  تلقائية وغير مرئية. وعليه تكون التكنولوجيا موقعا استراتيجيا هاما في الصراع حول منطقة اجتماعية وسياسية متنازع عليها.

إن ما يسمى بعصر المعلومات والطريق السريع لانتقال المعلومات هي بنى فكرية (أيديولوجية). إنها ثمرات الأيديولوجية الأمريكية المسيطرة السائدة التي تدعي أن الولايات المتحدة سمت بالأيديولوجية إلى ذرى جديدة؛ وأنها تجاوزت المثل الزائفة وأنه الآن لا إله إلا السوق. إن إيديولوجيا عصر المعلومات تتضافر مع الأسطورة القائلة بخيرية تكنولوجيا الشركات أو على الأقل حتمية شيء ما اسمه "التقدم". ولكن تقدم أي قطاع من المجتمع؟ وبأي ثمن؟

إن الأيديولوجيا التكنولوجية للداروينية الاجتماعية التي تعمل على تبرير وضع غير متكافئ وغير عادل بحد  ذاته تخدم  في كل جزء من أجزائها  ذاتها بذاتها كما كان الحق الإلهي للملوك في عصر مضى . ومع ذلك ، فإن مثل هذه الافتراضات الأيديولوجية تجعل الناس يقبلون حتمية أي شئ يسميه أولئك الأشخاص القابعون في السلطة باعتباره" تقدما تكنولوجيا ". يفترض نيل بوستمان أن هذه النزعة أتاحت لفكرة التقدم الإنساني لان يحل محلها فكرة التقدم التكنولوجي . وكثير من الناس مستعدون لان يضحوا بالقيم الثقافية المشتركة إذا استفادوا من شكل ما من أشكال التقدم . ومثل هذه المنافع يمكن أن تشتمل على المال وحصة في السوق والسيطرة الثقافية والنفوذ السياسي . وفي هذا السياق من المهم أن نتذكر دينامية اقتصادية جوهرية لنظم المشروع الخاص : يمكن أن تزدهر المؤسسات الخاصة  من خلال إدخال المنافع واعتبار الثمن مظاهر خارجية . والمثال الكلاسيكي هو التلوث : يتحمل المجتمع المحلي الموجود حول مصنع  التكاليف الخارجية للتلوث الناتج، وصاحب المصنع وزبائن المؤسسة يحصدون المنافع . وتعطي خصخصة الأمن العام مثالا آخر ذا بعد إضافي حيث يتم إدخال المنافع وتعتبرالأثمان مظاهر خارجية . في الولايات المتحدة تدهورت البيئة الاجتماعية مع هبوط معدل الأموال المنفقة على الأمن العام مقابل الأمن الخاص . بحلول 1989 بلغت إيرادات صناعة الأمن الخاص في الولايات المتحدة 50% اكبر مما كانت عليه قوات الأمن العام مجتمعة .

وفي حالة التكنولوجيا الحديثة ازدهر وترعرع الذين نجحوا في إدخال المنافع ضمن الآلات. ولكن الاثمان المستبعدة الناتجة - التغيرات الهيكلية و العامة  وغالبا العميقة- تسجل بصورة نموذجية على حساب نسيجنا الاجتماعي المشترك و بيئتنا الثقافية . لقد تطورت الشركة الحديثة إلى كينونة تعمل لإدخال الحقوق واستبعاد المسؤوليات .  

مباني الأسر: البانوبتيكون

بسبب الطبيعة الأيدلوجية للمصطلحات التكنولوجية ، فإنها تتطلب فك رموز مثل " التضليل الإعلامي MISINFORMATION" أو "عصر المعلومات الأسطورة MYTH INFORMATION AGE" أو " طريق المعلومات المجنح SUPER-HYPED WAY" أو " الطريق الخارجي المتطفلSNOOPER HIGHWAY " أو " التقشيط الكبير SUPERHIGHWAY ROBERY" . وإحدى الأساطير على وجه الخصوص التي قد يثبت أنها من قبل الخبل المميت هي الفكرة بأن الخطر الوحيد الهام على المجتمع هو نشوء حكومة استبدادية مركزية . لكن نشوء مجتمع مدني قد يكون مهددا بصورة اقل من القبضة الحديدية لقطاع عام يقوده الأخ الأكبر اكثر من اللمسة المخملية لايدي القطاع الخاص التي تعمل على شق قنوات الحياة العصرية نحو محمية رقمية بانوبتيكية .

إن مفهوم السجن البانوبتيكي نشأ أصلا عند جيرمي بينتام عام 1791. وكان المبنى الدائري للبانوبتيكون الذي أراده سيتألف من برج مراقبة منفرد محاط بسلسلة من الزنازين الانفرادية . وكان من المفروض أن تضاء كل زنزانة من المحيط الخارجي وبهذا يمكن إضاءة السجناء من الخلف . لكن البرج المركزي كان سيظل مظلما وذلك لكي يستطيع مأمورو السجن داخله من مراقبة السجناء بصورة مستمرة دون أن يراهم أحد .

وتتيح أساليب المراقبة البانوبتيكية المجال أمام بناء رقابة اجتماعية معممة خارج نطاق ما يعتبر اسميا سجون . في عصرنا الحاضر ، تشبه التكنولوجيا البانوبتيكية كوكب يمثل سجنا محوسبا فعليا جاري بناؤه على أساس الطريق السريع لانتقال المعلومات وبثمن اجتماعي باهظ. وقد صورت الأساليب الرقمية الجديدة للمراقبة والسيطرة عن بعد الحظائر المسيجة المادية ومخيمات التجميع  وعصابات السلاسل انها طراز قديم.إن حظائر المعلومات البانوبتيكية عبارة عن شبكة متشابكة من الشبكات الرقمية صممت لتسيير التدفقات المعلوماتية والنفوذ الاقتصادي والاجتماعي في قنوات وهو جهد عابر للحدود ليغلف الكوكب بشبكة مراقبة محوسبة .

ليس المشروع البانوبتيكي نتيجة لمؤامرة واحدة واسعة النطاق  . ولكنه فضلا عن ذلك ،  مدفوع بعقود من الديناميات القديمة للتطور التكنولوجي في سوق المستهلك وقطاعات الأمن القومي . إن مأموري السجن المزمعين للبانوبتيكيون الجديد ينسلون من رتب مصالح الشركات ووكالات الاستخبارات والنخبة العسكرية .

وتشتق قوة المباني البانوبتيكية ليس فقط من مراقبة البيانات ولكن أيضا من الأساليب التي تصنف السكان وتقسمهم إلى فئات وتعزلهم  . في بانوبتيكون بينثام سيخفض وضع السجناء المعزولون عن الاتصال مع بعضهم البعض إلى " أفراد مفصولون بحبس انفرادي الفرد منغمس في الحرية الكاملة ضمن الحيز المخصص له فبأي طريقة أسوأ يمكن له أن ينفس عن غضبه غير ضرب رأسه بالجدران ؟"

ببرود شديد تنذر هذه المقاطع بالاختيار المتبجح جدا "لاختيار المستهلك" للحداثة . ومع تآكل المحيط العام يتشظى الحيز المتاح للمجتمع المحلي تاركا الأفراد معزولين داخل مساحات خاصة أخذة في الانكماش حظائر تكنولوجية صممتها الشركات مثل السيارات ومركز التسلية المنزلي .

وفي الوقت الذي يكون الأفراد محتجزين داخل هذه الزنزانات  يكونون" منغمسين في حرية كاملة" ليختاروا من بين المواد المعلن عنها باعتبارها "حلولا" أمام الأفراد للمشكلات الاجتماعية الجماعية. وبتشظيهم من خلال فئة الرسم البياني النفسي psychographic إلى مخيمات احتجاز بانوتبكية فعلية، فإن المواطنين والمستهلكين يقصفون بصور مستهدفة باعتبارها بدائل رمزية للحرية والمجتمع المحلي ويتولى سد نيران المدفعية بهذا إضعاف ما هو متوفر من قوى بقيت لإحداث تغيير اجتماعي أصيل.

وفيما سماه مايكل فوكولث"مايكروفيزياء النفوذ" تمثل السيطرة على الوقت  نفس أهمية السيطرة على المكان. تكمن قوة البنى البانوبتيكية في قدراتها على استمالة ضبط النفس من قبل أولئك الخاضعين للمراقبة. ويصبح السجين"مفترضا المسؤولية عن قيود القوة وكوابحها. يصبح أداة إخضاع ذاته". وعندما يعتبر غالبية المواطنين أن من الطبيعي أن يعودوا إلى منازلهم(مراكز الترفيه المنزلي) بعد كل يوم إجازة عمل   فإن من الواضح أن الحظائر المادية وعصابات  السلسلة قد أبطلتها أدوات سيطرة أكثر كفاءة. وعلى هذا، يصبح" وقت الفراغ" بالنسبة للمواطنين تابعا بصورة متزايدة "لعمل" الاستهلاك. ويقضي الناس حرفيا أوقاتهم محاولين شراء حرياتهم وسعادتهم. وما هو مصور كحرية فردية تحت شعار"اختيار المستهلك" يتم حصره بصورة متزايدة إلى مجموعة ضيقة من النتائج لا تشكل تهديدا على النظام القائم. إن فكرة الاقتصاد السياسي للنفوذ الثقافي هذه ضرورية لفهم النماذج الجديدة لنفوذ الاتصالات في عصر المعلومات.

المجمع الصناعي الإعلامي

في حقبة ما بعد الحرب الباردة وما رافقها من انخفاض حدة الصراع، تجاوزت السلطة التكنولوجية المجمع الصناعي العسكري. ونشهد الآن بروز مجمع صناعي إعلامي جديد يستخدم السيطرة الإعلامية والتضليل الإعلامي باعتباره وسيلة ذات جدوى لإحداث سيطرة اجتماعية " حتى على اصغر ذرة". ومع تحرك تكتيكات "قصف الإشباع " للتسويق الجماهيري من عالم الشركات إلى عالم السياسة فإن بعد مدى توغل الشركات الحديثة تطور لاقتطاع بيانات استخباراتية دقيقة بواسطة مراقبة المستهلك على الطريقة البانوبتيكية ومن ثم استجابت "بقنابل ذكية " تجارية موجهة بدقة مبضع الجراح. 

ويتزايد شعور الجمهور الأمريكي بالقلق حول التهديدات التكنولوجية للخصوصية الشخصية (أو العزلة)PRIVACY. وأكثر مظاهر هذه المسألة تساعد على التأكد بأن التحريك المرحلي للقوى للدفاع ضد غزو فاضح بوجه خاص للخصوصية ( مثلا حادث سوق اللوتس). ولكن تقريرا صدر عن نادي روما افترض أن التهديدات الرئيسية لعصر المعلومات ليست موجهة للخصوصية الشخصية كما هي مفهومة بصورة تقليدية."إن الموضوع الحقيقي هو أن مكاسب قوة ونفوذ البيروقراطيين في القطاعين العام والخاص كانت على حساب الأفراد والقطاعات غير المنظمة للمجتمع من حلال جمع المعلومات بالملاحظة المباشرة وبواسطة الاحتفاظ المكثف بالقيود والسجلات". وعلى عكس الاعتقاد الشائع، إن الانفصال من عملية الحساب المركزية إلى الحساب الموزع( والوحيد الوجود) يستتبع زيادة إضافية في تركز السلطة ضمن العالم التجاري. وهذه الأطراف الموزعة للمراقبة المحوسبة والسيطرة ما هي إلا قنوات لما يسميه فوكولت " الوظيفة الشعرية" للقوة والنفوذ. ومن المحتمل أن يظل هذا التحول الجوهري في ميزان  القوى بين الأفراد والمؤسسات أزمة لا مرئية.

الحاسوب والتأثيرات من الشركات التجارية

لعب الحاسوب دورا رئيسيا في تيسير عبور العمليات التجارية للشركات الحدود ونمو الأنظمة ذات السيطرة المركزية. وطبقا للطاولة المستديرة للأعمال التجارية فإن مؤسسة ما تتألف من رؤساء تنفيذيين من الشركات الخمسمائة الناجحة"الاتصالات عن بعد جوهرية بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات ولعملياتها،وهي جوهرية بالنسبة لعمليات جميع النشاطات التجارية للشركات متعددة الجنسيات ويتزايد اعتماد الشركات المتعددة الجنسيات سواء تقوم بوظائف ضمن الشركات أو تقدم خدمات أو كلاهما على تحويل المعلومات الدولية يتزايد باطراد.

العمليات المصرفية الإلكترونية

تعتمد الأعمال التجارية العابرة للحدود على شبكات الحاسوب الدولية لأكثر من مجرد تدفق بيانات مجردة . بعض البيانات تمثل وعودا ملموسة تماما بدفع دولارات إلكترونية . في كل يوم، يتدفق ما يزيد على(1) تربليون من خلال آلة سوق المال سرمدية الحركة والمعروفة باسم تشيبس(مكتب مقاصة نظام تبادل الدفع بين البنوك) ويملكه اتحاد مالي من بنوك نيويورك . وهذا يعني تسريع بليون عملية من خلال المكان تلقائي التحكم (cyberspace) كل دقيقة. ويتجاوز حجم الدولار في هذه الشبكة التجارية الخاصة حتى ذلك الحجم المتدفق من خلال شبكة فروع البنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي.

رغم أن عدد العمليات الاقتصادية التي تتم إلكترونيا يشكل 2%من الإجمالي بالمقارنة مع 85%الذي يشغله النقد الفعلي إلا أن العلاقة تصبح معكوسة عندما يتم فحص إجمالي مباع الدولارات. يغطي النقد الفعلي اقل من 1%من قيمة الدولار المتبادلة؛ وتصل نسبة الحوالات الإلكترونية بين الحواسيب اكثر من 83%(والباقي يكون غالبا على شكل شيكات وأوامر دفع).

وتستمر سرعة التدفق الرأسمالي عبر المكان تلقائي التحكم في التسارع. في عام 1980 كان تدفق الدولار الإلكتروني لكل يوم اثني عشر ضعف مجموع الأرصدة المحتفظ بها في حسابات لدى بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي . وفي نهاية عام 1991 نما هذا التدفق الديناميكي إلى خمسة وخمسين ضعف القاعدة الثابتة لاحتياطات البنوك. إن درجة الرفع المالي الإلكترونية هذه لهي أزمة على وشك الانفجار وقد يطلق شرارتها خراب إلكتروني ، أخطاء برمجية ، خطأ أنساني ، جراثيم الحاسوب (من قبل أفراد من الداخل مطلعين جيدا) أو مزاوجة دينامية غير خطية بين أسواق مالية إلكترونية.

والموقف المتعلق بعمليات القطع الأجنبي شبيهة بهذا : اقل من 10% من الحجم الإجمالي للقطع الأجنبي يشكل دفعات مقابل بضائع وخدمات. إن توازن الشبكة بين البنوك المركزية وتجار العملة التجارية ضاع قبل موجات البيع من قبل المضاربين بوقت طويل وهذه الموجات أجبرت بريطانيا وإيطاليا على الانسحاب من آلية معدل صرف المجموعة الأوروبية عام 1920.

ومع تحضير سحرة وول ستريت لأدوات مالية مشتقة جديدة ، تزايدت المخاطرة بان استراتيجيات الموازنة ( آربتراج) عبرالأسواق المحوسبة ستعمل على فقد استقرار سوق تبادل الإلكترونيات العالمي. وتحاول وول ستريت تهدئة الوضع ولكن القليل يدرك العواقب المتطايرة لهذا الطلب على دولار البيانات .

ولأن شكل الشركة للمؤسسة شديد الاعتماد على الحاسوب فإن حجم ومقدار قوة حساب الشركة يقزم القوة الحسابية التي يسيطر عليها المجتمع . وكمثال واحد فقط لمقياس حساب الشركة هناك 300000 أجهزة طرفية حاسوبية و 250000 هاتف وحامل لما يزيد على بليون عملية في السنة لدى شبكة الاتصالات عن بعد الخاصة التي تديرها جنرال موتورز . وعلى وجه التقريب، فإن نصف حجم جميع تدفقات البيانات العابرة للحدود هي اتصالات تجارية داخلية محمولة على شبكات خاصة. " مع تقدم التكنولوجيا، سوف تتناقص أهمية الحدود القومية وسيكون لشبكة اتصالات الشركات متعددة الجنسيات المتطورة في الشكل من قبل البنوك ،سيكون لها الإمكانية لان تصبح القوة القائدة لتطور السياسات العالمية الاقتصادية والسياسية" إن مثل هذه التفاوت في القوة يدفع إلى تغير اجتماعي جوهري.  

تجفيف قوة العمل  من المهارات 

إن الظاهرة المعروفة بتجفيف المهارة لهي عملية تراكمية يتم بموجبها "تهميش ونزع  المهارات عن البشر بواسطة "هندسة المعرفة " ومن ثم مضاعفتها لدى الآلات المحوسبة . إن تجفيف المهارة ليس مجرد نسخ للمهارات ولكنه يؤدي إلى موت هذه المهارات في قوة العمل البشرية. إن جعل مهارة قوة العمل تضمر هو نتاج المنافسة بين الشركات مضافا إليها الحوسبة . وفي سياق مؤسسي مختلف ، قد تكون الحركية التنافسية بدلا من ذلك قد عززت أشكالا مختلفة من الحوسبة جلبت الزيادات في مهارات العمال across the board

إن تجفيف الكتبة والموظفين الإداريين من المهارة ليس شيئا جديدا ، ولكن هناك حوافز اقتصادية للحط من لقيمة الإنسانية للعمل الإنساني من خلال نسق ذوي الياقات البيضاء كذلك . في عام 1980، أنفق حوالي 75% تقريبا من ما مجموعه 600 بليون دولار  على نفقات موظفي المكاتب ذهبت إلى المد راء والمحترفين مع ميل الميزان نحو العمال الكتابين في الوظائف العليا والسكرتارية".

وسوف تستمر تدفقات العمل والوصف الوظيفي في أن يعاد تنظيمها من اجل مهمات اندماج يمكن إنجازها بواسطة رأس المال التكنولوجي بصورة أسرع منه بواسطة العمل الإنساني . ولهذه المهمات ، ستكون التكنولوجيا ارخص وأذكى من العمل. وأي من هذه المهمات تلبي هذا المعيار فسوق تصبح نقاط عقدية ثابتة في تدفق العمل حيث يمكن تحديد  وظيفتها بدقة. ، سوف تنسجم مقدمات موجات إعادة تنظيم المهمات المستقبلية مع هذه النقاط التكنولوجية الثابتة والمحددة لكونها مدفوعة بأمر إلزامي بترشيد تدفق العمل ، وبدلا من ذلك سوف تعمل على تآكل ما تبقى من رأس مال  بشري. إن جوهر المشكلة يكمن في أن ثقافة العمل التجاري الأمريكي تصمم رأس المال التكنولوجي كبديل لرأس المال الإنساني بدلا من أن تكون مكملا له.

إن تجفيف المهارة مثال آخر على إدخال الفوائد (الأرباح للشركة) في الآلات طرح دور الأثمان المترتبة (البطالة ،االخلخة) على المجتمع برمته. لا يحتاج الحاسوب إلى اجر ولا يتعب ولا يأخذ إجازة للعناية بأولاده المرضى ولا يشارك في إضراب . ولهذا ستعمل ديناميكية تجفيف المهارة على انكماش طبقة المجتمع الوسطى ذات المعلومات  محدثة هوة معرفية بين الأغنياء بالمعلومات والفقراء بالمعلومات لزيادة الشقة .

وحتى نتائج الاقتصاد الجزئي الضيقة للتجفيف بالمهارة فهي مؤذية : يمكن إنتاج المنتجات بصورة ارخص-ولكن عددا اكبر من المستهلكين- كونهم عاطلين عن العمل لا يستطيعون شرائها . ويصف بعض النقاد هذه النزعة بالأزمة البنيوية العميقة للرأسمالية الصناعية ويدافعون عن التغيرات الراديكالية مثل أسبوع عمل قصير أو دخل وطني مضمون .

كيف يمكن أن تظل هذه الأزمة مخفية ايضا؟ لقد تبين أن هذه الأزمة ليست جماعية للرأسمالية الشركاتية ولكنها فقط أزمة 80 مليون إنسان !

ويعظ الاقتصاديون الجدد -المؤمنون حقا بنظرية جوزيف شومبيتر "الموجة الطويلة" للانحدار الاقتصادي والابتكار التكنولوجي يعظون انه كما حفزت الثورة الصناعية فترة من النمو السريع فإنه وبالمثل سيعمل عصر المعلومات على منح الإمكانية لقدوم ثان لنمو l i  t e  لكن النمو الأبدي على كوكب متناه لا يمكن أن يدوم .

محاكاة الحاسوب

 إن تجفيف المهارة ، وهو نقل المهارة من العمال إلى الحاسوب يمكن أن يصور على أنه زيادة " الهوة المعرفية " بين العامل والحاسوب . وضمن هذا المفهوم ، قد يكون من المفهوم بالنسبة لعامل جفت مهارته أن يتصور أن الحاسوب عليم بكل شيء . بعد أن انشأ جوزيف وينزنبارم برنامجه "إليزا " في السبعينيات  لمحاكاة طبيب نفسي على الطريقة الروجرية، وقد أصابه الذعر حين تبين له انه خدع الكثير من الناس العاديين و دفعهم إلى التفكير أن هذا البرنامج الحاسوبي التافه البسيط" فهمهم " حقا اكثر من أي طبيب نفسي من بني البشر. ولكن حتى علماء النفس وقعوا في مصيدة العلاج بمساعدة الحاسوب . وقد عبر معالج نفسي بارز أيامها عن رغبته في تأسيس عيادات نفسية محوسبة عديدة لجعل العلاج متاحا للجماهير:

"يمكن التعامل مع عدة مئات من المرضى خلال ساعة واحدة من قبل نظام حاسوب واحد يصمم لذلك الغرض.ولن يتم استبدال أخصائي العلاج البشري ولكنه سيصبح رجلا يتمتع بكفاءة اكثر بكثير".

ولم يتوقف الانجذاب نحو الشرك على علماء النفس . فقد كتب عالم الفلك كارل ساغان عام 1975مقالا في مجلة " التاريخ الطبيعي " " في فترة يكون فيها المزيد فالمزيد من الناس بحاجة إلى استشارة طبيب نفسي أستطيع أن أتخيل تطور شبكة حاسوب للعلاج النفسي مربوطة بأجهزة طرفية مثل مصفوفات كابينات الهاتف الكبيرة حيث بإمكاننا مقابل بضعة دولارات للجلسة الواحدة أن تتكلم مع معالج نفسي شديد الانتباه والإصغاء ومجرب وغير موجه إلى حد بعيد ."

لماذا يبدو أن المزيد والمزيد من الناس " يحتاجون" إلى استشارة؟  ربما دعيت تكنولوجيا علم النفس المعانة بالحاسوب لإصلاح المشاكل ( أو على الأقل paper over ) التي سببتها حالات النفسية والاجتماعية من اعتبار الأشياء ظواهر خارجية و الناتجة عن الاعتماد على أشكال أخرى من التكنولوجيا . إذا كان باستطاعة الحاسوب أن يشفى العقول ، فإنه يستطيع بالتأكيد أن يؤذيها بالمثل . وبدلا من تقبل علم النفس بمساعدة الحاسوب كعلاج لما أسمته اللجنة الثلاثية :" الاختلال الديمقراطي " ، علينا اعتباره كتكنولوجيا سيطرة اجتماعية عالية الإشكالية ." إذا كنت تعاني من مشكلة ما ، يا ولدي ، أدخل إلى كابينة الاعتراف عن بعد ذات العلامة التجارية " افتح قلبك و أفصح عما يدور في فؤادك للأخ المتحكم التلقائي الأكبر ."

وقد خذع الاقتصاديون أيضا بالنماذج الحاسوبية المحاكاة بما فيها تلك التي صنعتها أيديهم . ففي الجدل الذي دار حول التجارة الحرة واتفاقية شمال أمريكا لحرية التجارة ( نافتا ) استشهد معظم الاقتصاديون الكبار بتوقعات الحاسوب التي تزعم أن ( نافتا ) ستوجد الآلاف من الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية . والمحاكاة الحاسوبية التي يعتمد عليها مؤيدو نافتا تعرف باسم نماذج " التوازن العام القابل للحساب " ولجعل تحليلاتهم قابلة للتتبع يتحتم على الاقتصاديين الكلاسيكيين الجدد أن يقدموا افتراضات تبسيطية معينة .

عند محاكاة أثر اتفاقية تجارية على العمل ، يبدو من السخي الافتراضي مبدئيا أن رأس المال لا ينتقل و أن العمالة الكاملة ستسود وأن تكاليف عمل الوحدة متطابقة في الولايات المتحدة والمكسيك وأن المستهلكين الأمريكيين سيفضلون المنتجات من الصنع الأمريكي ( حتى لو كانت أغلى ) وأن التدفقات التجارية بين الولايات المتحدة و المكسيك ستتوازن تماما . ولكن اختبارا حديثا لعشرة نماذج " توازن عام قابل للحساب " بارزة أظهر أن 9 منها اشتمل على واحد على الأقل من هذه الافتراضات غير الواقعية ونموذجان اشتملا على جميع الافتراضات. يحمل هذا الموقف تشابها مزعجا للخداع العقلاني بمساعدة الحاسوب. كان البشر دائما أساتذة في خداع النفس ، وان إخفاء الأساس الضروري لخداع المرء بإخفائه في برنامج حاسوب يساعد بالتأكيد على التقليل مما قد يصبح بغير هذا عبئا لا يحتمل من التنافر المعرفي . ربما كان علماء النفس الأوائل الذين تنبئوا بأن برامج الحاسوب ستجلب الراحة النفسية لبشر أرهقتهم الضغوط لم يكونوا مخطئين تماما . 

المراقبة ، التفتيت ، الخصوصية ( العزلة والخلوة)و النفوذ

في حزيران عام 1991، وردا على مذكرة جلب من هيئة المحلين العليا، فتش سينسيناتي بيل سجلات الهاتف لحوالي650000 زبون مقيم لمساعدة شركة بروكتر أنج غامبل تحديد الموظفين المشكوك في تسريبهم معلومات محرجة للشركة إلى مراسل صحفي . إن توازن القوة بين الأفراد والمؤسسات ينحرف بشكل مخيف حين "ترجح " كفة السرية التجارية للشركة على حقوق السرية أو الخصوصية ( العزلة والخلوة)لما يقرب 650000عائلة.

حولت قاعدة بيانات محوسبة توازن القوى بين العامل والأعمال التجارية : بعد الفوز بحق العامل في الحصول على تعويض من التامين فإن العامل الذي يصاب في موقع العمل  ويكون من الطيش والتهور بحيث يرفع قضية فسوف يجد (أو تجد) قيودها قد دخلت في القائمة السوداء القومية المحوسبة. ويستطيع أرباب العمل مقابل رسم فحص هذه الملفات من أجل توظيف طالبي العمل لوأد أولئك الذين يشكلون خطورة عالية.

عندما يعترض الناس على المراقبة الحاسوبية، فإن هذا يحدث في العادة لشعورهم بأن هذا تعد على خصوصيتهم. لكن فكرة الخصوصية ( العزلة والخلوة)محكومة بحرمة كرامة الفرد واستقلاليته. وكلا الصفتين مرتبطتين بصورة وثيقة بعلاقات القوة. من الواضح أن الاستقلال الشخصي يعاني عندما تراكم المؤسسات المعلومات لتقيد الخيارات المستقبلية أمام الشخص. لكن صفة الكرامة الإنسانية عرضة بالمثل لممارسة  النفوذ ـ النفوذ لتحديد الفرد.

وليس البانوبتيكون العالمي الجاري إنشاؤه كطريق تطفل معلوماتي  بناءا معماريا موحدا ببرج مركزي منفرد . ولكن بدلا من ذلك هناك أبراج مركزية تماثل مؤسسات مختلفة بما فيها مكاتب الائتمان و شركات التأمين،و شركات الإعلام المختلطة، والمؤسسات الحكومية. وقد تحجب الأبراج  نظرات مأموري السجون عن السجناء ، لكن تلك المشكلة يمكن تذليلها من خلال المشاركة بالبيانات أو شراؤها.

يستغل مأمور السجن في برج البانتيكون عدد من ممارسات جمع البيانات من أجل تتبع سلوك السجين. تقوم كثير من المعاملات الاقتصادية بإنشاء سجلات إلكترونية طويلة العمر من شأنها تحديد الأطراف المشاركين في العمليات وطبيعة تلك العمليات.تحمل مثل هذه القيود والسجلات الرقمية  معلومات قد تكون لها قيمة تنبئية فيما يتعلق بالمعاملات الاقتصادية. ولهذا قام سوق كبير ثانوي للتجارة بهذه العمليات والمعلومات المستحدثة .

إن ملفات " المعلومات المستحدثة من العمليات" حول المستهلكين تسمح للمؤسسات بتحديد وتعريف فرد ما على سبيل المثال باعتباره مخاطرة ائتمانية سيئة أو أنه من النوع الذي يبتلع حيل المبيعات مثل " اشتر(2)واربح( 1) مجانا" . إن البنية البانوبتيكية المعاصرة مضاف إليها آليات التغذية الراجعة التفاعلية تعني أيضا قوة أكبر للمؤسسات لتؤثر على التعريفات الذاتية للفرد. وكما بالضبط تحمل  سيطرة وسائل الإعلام لمراقبة الأخبار وتوزيعها القوة على تحديد الأحداث حسب حدوثها وفرض تلك التعريفات على الجمهور باعتبارها"تاريخ لحظي" فإن سيطرة شبكة المراقبة البانوبتيكية كذلك تزيد من قوة المؤسسات لفرض صور ذاتية على مواضيع الحياة الخاصة وبهذا تنتهك الكرامة الشخصية و تخرق الاستقلالية الفردية أيضا.

يمكن ربط المعلومات المستحدثة بغرض ما بالبيانات التي تجمع لغرض أخر لإنتاج ظل بيانات  من شأنه الكشف  أكثر عن مجرد مجموع أجزائها. والأمثلة المألوفة تشتمل على استخدام المعلومات الطبية لمنع العمالة والمعلومات الإحصائية السكانية لمنع الائتمان. تستخدم الشركات المعلومات المستحدثة بالعمليات للتقليل من مخاطرتها وبهذا تزيد من أرباحها المحتملة. ولكن هذا يعد من وجهة نظر الفرد  تمييزا مبنيا على البيانات. قد تخضع فرص حياة المرء لوجود (نقطة سوداء) عليها  ليس لأي جريمة ارتكبها ها الشخص ولكن لأن جانبا واحدا من الشخصية الرقمية للشخص تشبه تلك التي لأناس دونت أسماؤهم في السجلات (بحق أو بغير حق) واعتبروا أطرافا ذوي خطورة عالية في العديد من عمليات الأعمال التجارية. وقد يوضع الواحد على القائمة السوداء أو يوضع تحت اسمه خطوط حمراء ليس لها أساس لانتهاكات في الماضي ولكن لتنبؤ الحاسوب بسلوكه المستقبلي.

إن استخدام بيانات المعلومات المستحدثة بالعمليات للحرمان الافراد المستهدفين من الخيارات أمامهم هو أحد الجوانب المزعجة للسوق الثانوي في المعلومات المستحدثة بالعمليات وجانب أخر هو استخدامها لتوسيع الفرص أمامهم. للمعلومات المستحدثة بالعمليات التي تكون صحيحة  لها فعلا قيمة تنبئية، على الرغم من أن القليل من الأفراد يظهرون سلوكا لا يتغير إلى حد اعتباره حتميا، ويمكن للكثير من الأعمال التجارية أن تربح ربحا كبيرا من زيادة الاحتمالات بأن تخمينهم كان صحيحا. وكلما كان سلوك الفرد قابلا للتنبؤ به كلما انتقلت قوة أكبر إلى العمل التجاري بحيث نستطيع الدخول إلى سجلات الشخصية الرقمية للشخص . وفوق هذا تسمح المراقبة الدقيقة جدا  بالتلاعب الدقيق جدا بالبيانات من خلال اتصالات الشركات المستهدفة بصورة مخطط بياني نفسي . وتصبح اقتصاديات المقياس Scale ذات مغزى . وحتى لو استنتجت شركة بصورة صحيحة تفاصيل دقيقة للتكوين النفسي لفرد ما فإن من النادر أن يستحق الأمر استثمار موارد الموظفين في بناء اتصال مصمم وفق العادات والأعراف للتلاعب بذلك الفرد الواحد (إلا إذا كان العمل التجاري يتعلق بتسويق عن بعد احتيالي بصورة كبيرة الاحتمالية). ولكن ما أن يصبح بالإمكان حشد المئات بل الألوف من الأفراد في فئة بيانية نفسية واحدة معرضة لنفس الأشكال من التلاعب، حتى يكون بإمكان هذه الأساليب  أن تنشئ تيارا من الإيرادات ذات الجدوى والقابلة للتنبؤ بها . وفوق هذا ، إن مثل هذه الطرق من تفتيت السكان تتيح المجال أمام المؤسسات السياسية لإجراء تجارب متحكم بها لشحذ أساليبها الدعائية. 

مراقبة خطوط الكهرباء السكنية

يعي الكثير من الناس  مسألة مراقبة الهاتف . لكن القليل منهم يدرك الإمكانية لجمع استخبارات سرية بواسطة شكل من أشكال "التدقيق" اسميه )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( . إن أحد الأشكال البدائية لمراقبة الوقت غير الحقيقي  لخطوط الكهرباء  استعملت لسنوات من قبل عملاء مكافحة المخدرات الأمريكية. وبواسطة أخذ سجلات الفواتير من شركات  الكهرباء المحلية لأعلى مستهلكي الطاقة الكهربائية في المسكن يمكن لعملاء الحكومة أن يخرجوا باستنتاجات معقولة فيما إذا كان عدد من المساكن يستخدم صفوفا من المصابيح شديدة الإضاءة لزراعة الحشيش داخل المنازل . وفي الولايات المتحدة ، لا يطلب مذكرة تفتيش لجمع مثل تلك المعلومات من مصلحة الكهرباء . وكما ان  القوانين الأمريكية لا تعتبر سجلات طلب أرقام الهاتف المنزلي  خاصة كذلك لا تعتبر فواتير الكهرباء المنزلية "خاصة ".

إن أوجه التقدم الإبداعي في الحوسبة ( استخدام الحاسوب) ساعدت على نهوض " العدادات الذكية " التي تزيد القدرة على جمع البيانات بصورة كبيرة جدا لأولئك المنغمسين في مراقبة خطوط الكهرباء المنزلية . في الحقيقة انضمت )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( إلى المجموعة الكاملة من الأساليب التي تشكل بصورة جماعية "حجبا للبيانات ".

وفي الوقت الذي كانت فيه الأشكال البدائية من مراقبة السلطة قد أعطت عينة على مجرد بيانات واحدة لكل شهر من خلال محض  القراءة التراكمية على عداد الكهرباء المنزلي ، فإن الأشكال الحديثة من )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( تسمح بأخذ عينات رقمية مستمرة تقريبا، وهذا يسمح للمراقبين بتطوير نظره جانبية دقيقة لاستعمالات الأجهزة الكهربائية المنزلية . إن جهاز المراقبة المحوسبة للخطوط  يمكن وضعه في الموقع بمعرفة الساكن وموافقته أو يمكن إخفاؤه في الخارج ومن ثم يلحق بتغذية خطوط الكهرباء الداخلة إلى البيت . إن هذا الجهاز يسجل قائمة لكل من مستوى الكهرباء والمقاومة ومستوى الأحمال الراجعة كدالة على الزمن . ويمكن لجهات )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( أن يقتطع "تواقيع" جهاز منزلي مميز من البيانات الخام. فمثلا يمكن للأجهزة الحالية ل)مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( من خلال الكشف على دوائر الجهد لسخان الماء . تستطيع )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( الاستدلال بأن شخصين يستحمان في آن واحد  من خلال ملاحظة حمل زائد على الكهرباء بصورة غير عادية وأن استعمالين لمجفف الشعر تبعا لذلك .

قد تبدو )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( مثل ألعاب الجاسوسية التكنولوجية مرتفعة الثمن التي تستعملها فقط مثلا الشرطة الاتحادية FBI ضد عدد قليل من الإرهابيين المشبوهين . ولكننا نهمل حوافزالسوق لجمع المعلومات  على حساب أخطار ضدنا . تقوي عدة ديناميات اقتصادية الاستخدام الواسع النطاق من )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( لأغراض تجارية . في الحقيقة استخدمت المنافع العامة )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( في برامج رائدة مغطية آلاف من المنازل الأمريكية .

أحد العوامل المعززة للحوسبة لوضع عدادات كهرباء للمساكن هي رغبة شركات المنفعة الكهربائية في التقليل من التكاليف من خلال أتمتة وظيفة قراءة عدادات الكهرباء في المساكن . وعلى ذلك فإن معظم عدادات )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( في الولايات المتحدة اليوم تستعمل أساليب إشعاعية لتنقل بياناتها (أو بياناتك ) إلى دائرة فوترة المصلحة (المنفعة) (أو لأي جهة أخرى قد تكون تراقب هذه الإرساليات).

وهناك عامل أخر يقود الانتشار لمراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( ألا وهو القلق من الآثار البيئية لاستخدام الطاقة.  يقود الطلب في الطاقة الكهربائية في زمن الذروة االسعة التوليدية اللازمة للمنافع الكهربائية ـ وهي الطاقة الكهربائية القصوى المطلوبة في أي وقت واحد . وكحافز لتقليل الطلب على طاقة الذروة نشرت بعض المصالح مراقبي لمراقبة  الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( على المنازل كي يمكن تغريم الزبائن الذين يستعملون الطاقة الكهربائية خلال فترات طلب الذروة (أي عندما تكون كثير من وحدات تكييف الهواء تشغل خلال فترة بعد الظهر في الصيف) من خلال فرض أثمان أعلى عليهم. وعليه فإن الهدف الجدير بالثناء من التحصيص العادل للأثمان البيئية لاستهلاك الطاقة يعزى إلى انتشار أساليب )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( .

وما أن تمتلك شركة منفعة مظهرا جانبيا من مظاهر استخدام الأجهزة المنزلية  حتى تميل الدوافع التسويقية إلى نشر هذه المعلومات . وقد تشتري شركات الأجهزة هذه البيانات لاستخدامها في استهداف الزبائن المحتملين لمبيعاتها بدقة أكبر . فعلى سبيل المثال "الاختبارات" الميدانية لجهاز مراقبة خطوط من النموذج الأولي الصنع كشف عن وجود عيب في مضخة متعفنة تحت الأرض . ولم يكن الساكن على وعي بالحاجة إلى إصلاح  عاجل. أو قد توضح بيانات )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( أن الساكن لديه غسالة من الطراز القديم مما يوحي بإمكانية تبديلها بأخرى حديثة توفر الطاقة الكهربائية . أو ربما توضح المظهر الجانبي لأجهزة )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( المنزلية أن ساكنيها يستخدمون فرن مايكروويف في صباح كل أسبوع . وعندها يمكن إرسال نشرات بريدية مجانية بعينات من أغذية فطور على فرن مايكروويف حديث.

وهناك نتيجة أقل لطافة وهي شركات التأمين الصحي التي قد تجمع بيانات )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( من آلاف من حملة البوالص رابطة متطلبات التأمين الصحي بمظاهر جانبية لاستخدام الأجهزة إحصائيا. وقد تقرر بأنه لأسباب مجهولة (ربما كان منها نمط حياة ناتج عن ضغوط المزيد من الوقت) أن مستخدمي المايكروويف  صباحا يشكلون مجموعة ذات خطورة عالية ،وقد ترفع أقساط تأمينهم وفقا لهذا . وقد يجرب أولئك الذين يقضون ليال كثيرة يتقبلون في فراشهم المائي هذا النوع من الزيادة في أسعار تأمين سياراتهم.

ودون شك فإن الخطر الأعظم الناجم عن )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( الواسعة الانتشار غير ظاهر: أن شركات المنافع ستحط بالتدريج من قدر قواعد ومبادئ الخصوصية ( العزلة والخلوة) كما يفهمها الجمهور. تستطيع شركات المنافع أن تقايض أغلب الجماهير غير المطلعة من خلال عرض "إعانات مراقبة"- خصومات أو تنزيلات لأولئك الذين يسمحون ببيع البيانات الخاصة بهم. إن عقود المراقبة الشخصية يمكن أن تختفي خلف العبارة البلاغية "خدمات جديدة محسنة" و" اختيار المستهلك". ولكن حتى تستطيع المنفعة أن تحصل على الموافقة الحقيقية المبنية على اطلاع من قبل زبائنها فسوف يتطلب الآمر من المصلحة ان تقوم بحملة باهظة التكاليف لتثقيف زبائنها فيما يتعلق بالعواقب الاجتماعية طويلة الأجل لهذه المراقبة البانوبتيكية . وحيث أن هناك تضاربا في المصالح موروث في مثل هذه الخطة ، فإن من الواضح مرة أخرى أن موافقة المستهلك التكنولوجي سوف تُصنع ولا تُبلغ . قد تصبح إعانات المراقبة شائعة في عمليات كثيرة لاستمالة الأفراد للاتصال مع الشركات بواسطة التغذية الراجعة التفاعلية . ولكن كما هو الحال مع الإعلان فمن  يدفع في النهاية الثمن مقابل إعانات المعلومات هذه هو الزبون. وسيكون صافي النتيجة  زيادة تحويل الحقوق الإنسانية إلى قيمة نقدية غير قابلة للتحويل إلى حقوق ملكية تجارية قابلة للتحويل .

وهناك عامل آخر أيضا يساهم في انتشار )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( وهو حملة البيت الذكي بضغط من البناءين واتحاد صناعة الإلكترونيات . يتصور مفهوم البيت الذكي " أنظمة إلكترونية تسمح للأجهزة المنزلية مثل التلفاز وغسالة الصحون بالاتصال مع بعضها البعض " ويعجب المرء ما الذي سيدفع جهازين مختلفين للحديث الواحد مع الآخر . هل من الممكن أن تقول الغسالة للتلفاز :"ما ماركة المنظف و أدوات التنظيف التي يستعملها الساكن؟" فيعدل التلفاز قنواته الإعلانية وفقا لهذا السؤال؟

وفكرة بيع أخرى للبيت الذكي هي الميزة المحترمة من حيث الأمن المنزلي بما أن أجهزتها حساسة للحركة فمن المحتمل أنها تستطيع أن تميز بين الساكنين والضيوف المدعوين والمتطفلين غير المرحب بهم . ومن الصعب تقييم الدرجة التي سيقود الخوف من العنف إليها إلى التحصين الإلكتروني للبيوت الحالية بواسطة )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( وبموجبها سيتم حبس الساكنين داخل مراقبة أبدية بنفس فاعلية حبس للمتطفلين خارج المنزل. ولكن على ضوء السوق المزدهر بخدمات الأمن الخاص المكثف بالعمل فإن الاختلافات المتنامية بين مالكي البيوت ذوي الأحوال الحسنة و الطبقات الدنيا التعبانة و الحركة الحالية من قبل الطبقات العليا " للتحصن" في ممرات منزلية مصممة خصيصا ، فإن من المحتمل ان يوجد قبول واسع( لـمراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( لأغراض أمن البيوت.

ولنعرض لحافز أخير من الحوافز الاقتصادية  المقوية للتطور التكنولوجي لمراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( ألا وهو مصيدة أو شرك الأرباح من شبكة معلومات قومية ذات سرعة عالية . فمن الممكن أن تكلف مئات البلايين من الدولارات لتركيب أسلاك من الألياف البصرية من كل بيت إلى الطريق السريع لانتقال المعلومات . لكن يمكن لأرباح المنافع من )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( أن تولد فائضا كافيا في التدفقات النقدية لتمويل ذاك البناء . من خلال )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( تستطيع المنافع الكهربائية أن تقلل بصورة حادة التكاليف المستقبلية لصنع الطاقة في الوقت ذاته الذي تتم رسملة كلفة بناء الطريق السريع لانتقال المعلومات.  ومرة أخرى ، تحافظ الشركات على توازنها لإدخال الأرباح من خلال اعتبار التكاليف مظاهر خارجة عن الشركة وفي هذه الحالة التكاليف الاجتماعية لمراقبة المنفعة .

لكن الإشراف الدقيق على )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( لكل السكان ليست حتمية . إن كثيرا من التوتر الحاصل بين مصالح الخصوصية ( العزلة والخلوة)والحاجة إلى الحوافز لتقليل استهلاك الطاقة المنزلية القصوى يمكن حلها من خلال تقييد والحد من ذكاء عدادات )مراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( الذكية . ولكن يمكن أن يعزز المستوى  المقبول لمراقبة الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( من المستهلكين من خلال إعانات المراقبة . ومع اخذ القوى التجارية التي تتسابق للفوز بوضع على الطريق السريع لانتقال المعلومات الناشئ ، تشكل إعانة مراقبة المنفعة الكهربائية مصدر قلق من نوع خاص في الوقت الحاضر . وكان سيكون  لمراقبة  الوقت الحقيقي لخطوط الكهرباء السكنية( البانوبتيكية ما أن تجمد في تشييد الطريق الخارجي المتطفل كنزعة تكنولوجية مخفية سيكون لها آثار عامة  ولا يمكن ردها على مسار ثقافي مستقبلي من خلال عصر المعلومات .