دار الخيالة (السينما)(1)

دار الخيالة (السينما)(1)

شعر: محمد بهار

ترجمة: د. محمد غنيمي هلال

لا تعانِ –أيها القلبُ- همّاً، إذ تفكر ألاّ قرارَ للعالم،

وأن ما تَرَى به إنما هو مستعارٌ.

فقد أصبح عِياناً ما هو في الحقيقةِ مجازٌ،

وما هو حقيقيٌ لم يعدْ سوى ظاهرِ العِيانِ.

فها هي ذي ستارةٌ متحركةٌ بديعةٌ،

فوقها مالا عدادَ له من النقوش والصورِ.

ولا تزالُ الستارةُ في حركةٍ والصورُ في سكونٍ،

ولكن عينيكَ لا تريان منها سوى نقيضِ حالها.

فأنت لا ترى الستارة، ولكن ترى صورها،

في حركة دائبةٍ، ولا إنسانَ في حواشيها.

وتحسبُ أن هذه الصورَ ذاتُ اختيار،

في حين أنه لا اختيارَ لواحدةٍ منها.

وإذا جلا لكَ السرَّ عالمٌ بالأمرِ،

ضحكتَ وقلت: ليس لي بالأمر يقينٌ.

ومن على الستارةِ يدخلون وينصرفون،

وفي الحقيقة لا قرارَ لامرئٍ فيها.

والستارةُ سريعةُ الدورانِ، عليها تسيرُ الصور،

وليس كلُّ هذا سوى شعوذَة من مديرها.

ومالك من علمٍ بصاحبها،

إذ لا نصيبَ لك فيما وراءَ هذا الستار.

ولا تزالُ الستارةُ مكرورةَ العرض، وكذا صُورُها،

ولكنَّ مُجلّيها ليس سوى الله.

وأنا وأنت –أيها السيدُ- في داخل هذه الستارة،

إذ ليس لنا من هذه الدائرة طريقٌ للفرار.

وكلّ امرئ فيها كفاءُ قدرته،

يقوم بدورهِ كما يرادُ له،

وفيما سوى ذلك لا عملَ له.

وكل ما تشاهدُ أمامك من جبلٍ وبحرٍ وبرٍ،

ليس سوى عدةِ أشبارٍ على جدار.

وما هو ماثلٌ دونَك من جيشٍ وحَشَم

ليس سوى عدة صورٍ مُجبرة في نظرِ الحكيم.

ترى حرباً وصراعاً وغُباراً ودقّ طبول،

ولكن لا وجودَ في هذا الميدان لسوى فارسٍ واحد،

هيّا فتأمّل في الحقيقةِ،

فحِسُّكَ أسيرُ شبهةٍ، حيث لا شعارَ لحقيقة.

وحيثُ قُوَى سمعِكَ وبصرِكَ أسيرةُ شُبهةٍ،

فلا اعتبارَ لك بالقُوَى الأخرى،

فأمرُ العالمِ كله خداعٌ وشعوذةٌ،

ولا شأنَ للزمنِ كله بصدق.

وإذا كان الأمرُ كذلك

فلماذا يعاني الهمَّ حكيمٌ؟

إنما يعاني الهمَّ من لا يجدُ من عقلهِ العَون،

فكلُّ من تراه مجدوداً في خلاقه،

وكلُّ من تراه مسلوبَ الحظِّ،

كلاهما في الحقيقةِ سواءٌ،

ليس بينَ الحرمانِ والعطاءِ قِيْدُ شعرة من فرقٍ.

وإذا كان العالمُ بديعاً فإنه لا بقاءَ له،

ولا يُسيغُهُ سوى من يتقبله كما هو

فلا تتهمِ القدرَ بالظلمِ والجبرِ،

فالجبرُ والظلمُ لا يجوزانِ على الصانع.

فالعالمُ نظامٌ محكمٌ، صنعُ الله،

ولا يُنتظرُ له انتظامٌ بسوى الحتمِ.

لا تزنْ عدلَ اللهِ بميزانِكَ،

فليس في كرةِ الأرضِ هذهِ كفّةُ عدلٍ.

فإن كنتَ ذا عقل فلا تهتمَّ بأمر العَدمِ،

فليس في الموتِ من عارٍ لدى الحكيمِ.

وإلا فحسبُك عبءُ هذا الحرمانِ،

وعش طروباً فأنتَ لا تواجه ذاك الهمَّ،

عش طروباً، واضرب في فِجاج الأرض تنشد الرزقَ،

ولن يستقيمَ لامرئٍ أمرٌ على الحسدِ والضغينةِ،

ولا تُعانِ غُصّةَ عَبَث الحياةِ،

فالحياةُ لا تستقيمُ ما صحبتها الغصّةُ.

فسرْ في العالَمِ، وتأمّل فيه بعين "بهار".

يا منْ ليس لك –مثلي- خدمٌ ولا حشمٌ ولا صحبٌ،

فستظل آلامُ همومِ الدهر بك في ازديادِ،

ما لم تنشدِ السلوى في شِعرِ "بهار"(2)

      

الهامش :

(1) ليس الموضوع هنا سوى تعلة لخواطر الشاعر الفلسفية والاجتماعية.

(2) يقصد أشعار نفسه.