الوردةُ قبل أوانها

الوردةُ قبل أوانها

شعر: محمد بهار

 ترجمة: د. محمد غنيمي هلال

في إحدى السنين في شهر فبراير،

أشرقتِ الشمسُ على ياسمين الثلجِ الناصعِ،

ولما يكفَّ بعدُ شهرُ ديسمبر يده عن ممارسة الطغيان ببرده،

ونثرتْ الشمسُ رُحضاءَها من الحواجبِ،

وقد انسدَّ حلقوم ريحِ الشمال،

وطاب هبوبُ الهواءِ الباردِ من اضطراب،

وتألقتِ الشمسُ –كالعنقاءِ الذهبية التاج-

بآلاف الألوان من أشعتها سهاماً في عين فبراير،

فأذابتِ الثلجَ، وتألقتْ ذُكاءُ،

ونبتت الحضرةُ، وتحركَ الصفصافُ.

وقُبيلَ الربيعِ بنحوِ عشرينَ يوماً،

أخذتِ الشمسُ الفاتنةُ تمارسُ عملَها في حُميّا

وبأيادي الشمسِ واحتيالِ الفَلَك،

بدا ضربٌ من ربيعٍ جميلِ الطلعةِ،

وأطلت رؤوسُ البراعم النضرة من الغصون الجافة،

ونفحتْ بالمسكِ غدائر صفصافِ المسكِ.

ودار الفلكُ دورتَه مرتين أو ثلاثاً ما بين نهارٍ وليل،

فزينتْ الروضَ وردةٌ قبلَ أوانها،

حبيبةُ الربيعِ وعروسُ الخميلة،

وردةُ الياسمين وزينةُ المَحفلِ،

مبكرةً شهراً قبلَ ميعادها،

مطلةً من برعمتها، بارزةً من أكمامها.

تضحكُ لطلعة الشمسِ نهاراً،

وتُغفي ليلاً على ألقِ القمرِ البهيج.

وحسبتِ المسكينةُ أن الشمسَ والقمرَ،

يُضمرانِ لها الودَّ كل آنِ،

ولم تدرِ أنّ وقتها لم يَحنْ بعدُ،

وأن السمَّ في فمها بديلٌ مما تحسبه خمراً.

وفجأة صحتِ الطبيعةُ من غَفوتها،

فتوارتِ الشمسُ وبرزتِ السُّحُبُ.

وعصفتِ الريحُ من أحضانِ الجبلِ،

فسقط الصنوبرُ وانحنى الساجُ

وعاد الفصلُ إلى طبعهِ من البرد،

وأخذتِ الطبيعةُ تسيرُ على دأبها من القسوةِ،

فسقطَ الثلجُ وتجمّدَ النهرُ،

وفي الحديقةِ أخذتْ تمرحُ سودُ الغربانِ ناعبةً،

وعمَّ البردُ أرجاءَ الحديقةِ، وذبلتْ،

كذلك الوردةُ المبكرةُ الألاّقةُ اللؤلئيةُ،

ففتَرت حلاوةُ بسمتها في جوانب شفتيها،

مضمرة من الغيظ ضرباً من التجديف تحت لسانها.

هكذا جزاءُ من يأتي قبلَ الأوان،

يسقط بباطل من الأمل.

*  *  *

أنا هذه البرعمةُ المبكرةُ النضرة،

من وصلتْ إلى كل مكان شُهرتي.

أنا تلك الوردة الشذيةُ، تساقطت أوراقُ روحي،

فريسةَ العالمِ الخداعِ عن غفلةٍ.

قطعتُ سريعاً طريقاً طويلَ المراحل(1)،

وكشفتُ عن طلعتي القناعَ قبلَ الأوانِ.

تفتحتُ على دفءِ نهارٍ من يومٍ،

وأغفيتُ على نفثةِ بردٍ ليلاً.

وذبلتُ على عَوَزٍ من مساءِ العَرْفِ،

وعراني البردُ من تقاليدَ كالثلجِ.

لم أكن في يومٍ من الأيامِ مبتهجاً،

ولم أبتسمْ في الحديقةِ ذاتَ فجر.