محمد بهار

د. محمد غنيمي هلال

محمد بهار

د. محمد غنيمي هلال

هو محمد تقي بهار، ولد عام 1304هـ (1886م)، وتوفي عام 1370هـ (1951م) وكان يلقب بأمير الشعراء، إذ يعده الإيرانيون كبير شعرائهم في القرون الأخيرة، وقد جمع إلى فصاحة الأقدمين مرونة الإفادة من صور المحدثين وتعبيراتهم، في سبيل حيوية التصوير وغنى اللغة بما تحتاج إليه من عبارات ومفردات جديدة في الحديث وشئون الحياة. وقد جدد في الموضوعات كما جدد في الصور، فعالج تجارب فلسفية واجتماعية وسياسية، وجمع إلى سعة اطلاعه على الأدب الإيراني، تبحراً في معرفة الأدب العربي ولغته قبل الإسلام وبعده. ويدل نتاجه الأدبي وبحوثه أنه كان على علم كذلك باللغة البهلوية القديمة، إلى ما له بعد ذلك من ثقافة غربية، وكانت تجاربه الأليمة الاجتماعية والسياسية موضوع أشعاره، فقد صور في كثير من قصائده كفاحه السياسي والحزبي الذي لقي بسببه صنوف العذاب والتشريد والسجن والمنفى، وكثير من هذه القصائد السياسية قد نشر بالصحف، ومنها جريدة "نوبهار" التي أسسها في "مشهد" ثم نقلها فيما بعد إلى "طهران" ثم جريدة "إيران الجديدة" (إيران نو) وجريدة "الترقي".

وفي عام 1336هـ (1917م) أنشأ مجلة للجامعة كانت ذات أثر عميق في الأدب والنقد. ومنذ ذلك التاريخ انصرف إلى البحوث والتدريس بكلية آداب طهران، وتحقيق النصوص القديمة.

وظهر له ديوان في طهران عام 1956م (عام 1335 شمسي) –ثم ظهر الجزء الثاني من ديوانه في السنة التالية. وقد كتب مقدمة الجزء الأول منهما أخوه محمد ملك زاده، وفيها عرف بالشاعر وتاريخه.

ولمحمد بهار –إلى جانب ذلك- كتاب تاريخ تطور السر الفارسي، في مجلدات ثلاثة، كما نشر "تاريخ سيستان" و"مجمل التواريخ والقصص" –عدا مقالاته الكثيرة التي سبق أن أشرنا إليها. *

.......

إلى الشاه(1)

شعر: الشاعر محمد بهار

ترجمة: د. محمد غنيمي هلال

أيها الملكُ!! أي هدفٍ لكَ وراءَ الاستبداد،

ولن تشهدَ من ورائه سوى الإدبار؟

فكنْ جَواداً في أمر الدستور، لتصيرَ المُطاعَ.

"إنما شرف المرءِ بجودِهِ، وكرامتُه في عبادته وسجوده،

فإذا أعوزَه هذان الأَمران، فالعدمُ أولى به من الوجود"

*  *  *

أيها الملكُ لا تجعلْ الجَورَ مهنتَك، ولا تنكثْ بالعهدِ

فيأخذَ عقابُ اللهِ بتلابيبك،

وتُلقي حوادثُ دولاتِ الدهرِ بالترابِ فوقَ رأسك.

"ألا ترى أن ثَرى مصرَ السعيدِ ظل هو هو

ثرى مصرَ، ولكنه أُلقيَ على رأس فرعونَ والجنودِ""

*  *  *

أيها الملكُ! من صَلفِكَ وجَوركَ تحترقُ إيرانُ،

والوطنُ اليومَ قادرٌ على مجازاتِك،

فمشاعلُ المجازاةِ الوضاءُ ليستْ من أمرِ اليوم.

"وهذه جذوةُ الشمس المشرقةِ على الكونِ هي نفسُها

التي أرسلت وَقْدَ شُعاعِها على مساكنِ عادٍ وثمود"

*  *  *

أيها الملكُ!! أقلعْ عن دأبِك في اجتثاثِ أصلك بفأسِك،

ولا تُلْقِ بنفسك وأمّتك في مَهواةِ المذلة،

ولا تقتلعْ جذورَك بهوى النفسِ والهَوَس.

"ولا تقوضْ بالملاهي والمناهي قيمتَك

لو كنتَ تؤمنُ حقاً باليومِ الموعودِ"

*  *  *

بعسفك قد صيّرت المزارعَ بواراً من الحصادِ،

وبطغيانك عادتْ إلى الوجود قصةُ جنكيز خان العهيدةُ،

لماذا تجعلُ فؤادَك رهينَ شِباكِ الحرصِ

بعد كلّ هذا القيل والقال؟

"يا من أنت في النعمة والجاهِ، لا تغترّ بالعالَم!

فمُحالٌ –في مرحلةِ عيشكِ هذا- الخلودُ".

*  *  *

ألا فلتمرَّ بإقليمِ تبريزَ ومُقامِ شهدائها،

واستمعْ إلى قصتها المحرقةِ الفؤادِ وخدّش بأظفارِ غمّك القلبَ!

وفي ذلك المكانِ بعد ذاك الكفاحِ وتلك البغضاءِ،

"خففِ الوطءَ في الطريقِ الذي تعبرُ

إذ كله عيونٌ وجفونٌ وخدودٌ وقدودٌ"

*  *  *

ليسَ الملكُ سليمَ القلبِ، وقد أضحتْ الحقوقُ هباءً مُهدرة،

ألا أيتُها الأمةُ الجريحةُ في هذه الآونة، انشُدي مَخرجاً آخرَ

لا تضعي قدمَ الأملِ على بابِ ملك صلفِ،

"وإذا مَددتِ يد الحاجةِ فمدِّيها إلى الله،

إذ هو الكريمُ والرحيمُ والغفورُ والودود".

*  *  *

كيف يكون الملكُ، على ما هو عليه من كبرٍ وأثَرَة،

إلا إذا خلصت تجاهنا نياتُه؟

إنما نحنُ عبادُ اللهِ الحقِ الخاضعون لأُلوهيته، هو

"الذي بعبوديته، من الثريَّا حتى الثَّرى،

جميعُ الخلقِ في الذكرِ والمناجاةِ والقيامِ والقعودِ"

*  *  *

كوكبُ الدستورِ يطلُّ برأسه من فلكِ الكمال،

وقد انتهى ليلُ البحرِ، وتنفّس صبحُ الوصال.

وسيصيرُ الأمرُ إلى الخيرِ بفضلِ الله المتعالي،

"فيا من أنتَ في الشدةِ والفقرِ وسوءِ الحال،

عليكَ بالصبرِ، فهذه الأيامُ القليلةُ

معدودةٌ وعلى وشْكِ الانتهاءِ،

*  *  *

لا ينبغي أن ننشدَ من هذا الملكِ أمراً سوى الخطأِ

إذ كلُّ ما نراهُ منه من أولِ أمره لآخره خطأُ،

لا تُسْدِ إليه النصحَ فلا جدوى من نصحٍ لذوي الطباع السوءِ

"فنصحُ سعدي مفتاحُ بابِ كنز السعدِ

ولا يستطيعُ أن يقومَ به سوى كل مجدودِ".

                      

* من كتابه: مختارات من الشعر الفارسي: 469.

 (1) هذه القصيدة نشرت في أوائل صيف عام 1900 وهي موجهة إلى الشاه محمد علي، وهي من المخمسات، ومبنية على التضمين لقصيدة لسعدي، ففي كل خمسة أبيات يأتي بهار بالأشطر الثلاثة الأولى من عنده ليضمن المخمسة شطرين لسعدي يأتي بهما بعد الأشطر الثلاثة، ويضع شطري سعدي دائماً بين قوسين.