حكايات من الأرض المقدسة..

في عام 1907م نشر جيمس إدوارد هانفر في لندن كتابه "حكايات من الأرض المقدسة" وفيه حكايات سمعها في فلسطين، وقد ترجمت لكم حكايتين منها:

حمار يقود قطارًا من الإبل

كان في قديم الزمان في دمشق رجل غني، اسمه الحاج أحمد زريق. شمل ماله قطعانًا من الجمال التي خرجت في قوافل من المدينة. فلما شاخ واقترب أجله، لم يغادر هذه الدنيا بسهولة، إذ بقي يحتضر على فراش الموت زمنًا طويلاً حتى أن أصدقاءه ظنوا أنه قد أساء إلى أحد ولما يسامحه بعد، لذلك دعوا جميع أصحابه ومعارفه إلى القدوم ليعلنوا أنهم مسامحيه، حتى أعداؤه الذين أشفقوا عليه بسبب آلامه المتواصلة وتأوهاته الشديدة حضروا عند فراشه وطلبوا من الحاج أحمد أن يسامحهم كما سامحوه عن كل ذنب ربما كان قد ارتكبه في حقهم. ولكن كل ذلك لم يجد نفعًا، فقد بقيت أبواب الموت مغلقة أمام المحتضر.

في النهاية فكر أحدهم أنه ربما أساء إلى حيوان معين، لأن معظم أشغاله كان متصلاً بالجمال، فتقرر الطلب من جماله أن يسامحوه. والجمال ليسوا بمريحين، فرفضوا علنًا المجيء حتى يعطوا عطلة ليوم كامل للبحث في الأمر. فلما تم ذلك، اجتمع في اليوم التالي آلاف من الجمال في السهل الواقع خلف حدائق المدينة، فعلا الهدير والنخير والشخير والجعجعة والشهيق والزفير والصفير في صخب وضجيج سمع من المزاريب. طال الجدل وانطلق الغضب ولكن بعد روية وتفكير توصلوا إلى قرار يقوم شيخهم بإيصاله إلى الحاج أحمد.

كان شيخ الجمال ضخم الجثة كأنه جبل يمشي على أربع، شعره المتدلي على الجنبين بدا كأنه فوهات أكياس. عند كل خطوة أثار غبارًا غطى به الجو، وأبقت أرجله آثارًا كأنها العجين الملتوت. كل من مر به قال: ما شاء الله.! وسبحان الله!، وبين الفنية والأخرى تفلوا يمينًا وشمالاً لطرد عين الحسود. فلما وصل الجمل إلى بيت الحاج أحمد، تبين أن الجمل كبير جدًا ولا يستطيع الولوج من بوابة الدار. طلبوا منه أن يوصل الرسالة من خلال الشباك، ولكن بما أنه ممثل الحيوانات الأصيلة، أحس بالإهانة وهدد بأن يغادر المكان. أصدقاء الحاج أحمد رجوه أن يتحلى بالصبر حتى يقوموا بهدم حائط من حيطان البيت. في النهاية وصل الجمل إلى فراش صاحبه المسجى، فبرك، وقال: يا حاج أحمد. أرح بالك. الجمال تسامحك، ولكن أرسلوني لأسالك لماذا أنت محتاج إلى مسامحتهم!. طبعًا ليس بسبب الأحمال الثقيلة أو الضربات الموجعة التي تلقيناها يوميًا من خدمك فكل ذلك من الله، وهذا هو نصيبنا ومصيرنا في هذه الدنيا، ولكن بعد أن يثقلوا ظهورنا بالأحمال، يربطوننا بالعشرات كأننا مسبحة، ثم نجبر على أن نسير خلف حمار صغير وحقير فذاك ما لا نستطيع احتماله!.

الإجابة الصحيحة

يحكى أن سلطانًا رأى في المنام أن جميع أسنانه سقطت فجأة، فهب مذعورًا، ثم صاح بخدمه وأمرهم باستدعاء جميع الحكماء والعلماء على الفور.

استمع الحكماء والعلماء، الذين قدموا على عجل، للحلم، فسكتوا وبدوا كأنهم في حيرة، غير أن شابًا من أولئك الذين انهوا تعليمهم للتو، وقف دون أن يؤذن له، وخر ساجدًا بين يدي السلطان وقال: يا سلطان الزمان، يمر هذا الحلم على أعدائك، وتفسيره على رؤوس مبغضيك. تفسير الأمر هو أن جميع أقاربك سيموتون أمام ناظريك وفي نفس اليوم.

غضب السلطان وأمر بجلد المسكين، الذي هبّ لخدمته، ثم أمر بأن يزج به في السجن وأن لا يعطى سوى ما يقيم أوده من ماء وخبز لمدة سنة كاملة. عندئذ توجه السلطان إلى جماعة المستشارين الذين كانوا يرتعدون خوفًا، ضرب الأرض برجله وأعاد عليهم السؤال الذي سبق أن طرحه، فصمتوا وارتعدت فرائصهم. عندها تقدم شيخ العلماء خطوة، ثم رفع يديه وعينيه نحو السماء وقال: " الحمد لله الذي وهب جلالتكم البركة التي ستحل على جميع رعايا الدولة، وهذا هو تفسير الحلم الذي أُنزل عليك من السماء: من نصيبك أن يطول عمرك أكثر من جميع أقاربك".

أمر السلطان بملء فم العالم بالجواهر، وعلّق قلادة ذهبية في عنقه، ومنحه عباءة فاخرة.

ترجمة: د. محمد عقل 

وسوم: العدد 695