فرحة

كانت الحادية عشرة ليلا . فجأة اقتحم ميتيا ( تدليل ديمتري ) شقة أسرته منفعل الوجه ، أشعث الشعر، وجاب غرفاتها مسرعا . وكان والداه قد أويا إلى سريرهما ، وكذلك فعلت أخته بعد أن أتمت قراءة رواية ، وكان إخوته التلاميذ نائمين .

صاح والداه مندهشين : من أين قدمت ؟! ما بك ؟!

فأجاب : آه ! لا تسألا ! ما توقعت ما حدث . لا ، ما توقعته . إنه ... إنه غريب غرابة كبيرة .

وضحك ، وغاص في مقعد ذي مسندين تتملكه السعادة تملكا أعجزه عن الوقوف ،

وكرر : غريب ! لا يمكن تصوره . انظرا !

وهبت أخته من فراشها ، ودخلت عليه متدثرة بلحافها ، وصحا إخوته التلاميذ .

سألوه : ماذا حدث ؟! أنت مختلف عن شخصك المعروف .

_ لأنني مبتهج جدا . أماه ! اعلمي أن كل روسيا تعرفني الآن . كلها . كنت الوحيدة حتى الآن التي تعلم بوجود مسجل اسمه ديمتري كولداروف ، والآن كل روسيا تعرفه . أماه ! آه ! رباه !

وهب من المقعد ، وجاب الغرفات جريا ، وعاد وجلس .

سألوه : مالك ؟! ماذا حدث ؟! تكلم بعقل !

فقال : تعيشون عيشة حيوانات البراري ، لا تقرؤون الصحف ، ولا تبالون بما ينشر فيها مع أن فيها الكثير المفيد ، ويعلم الناس أي شيء ينشر فيها فورا . لا شيء يخفى . ما أسعدني !

آه ! رباه ! تعلمون أن الصحف لا تنشر إلا أسامي المشاهير ، والآن فعلتها ونشرت اسمي !

سألوه : ماذا تقصد ؟! أين نشر ؟!

وشحب وجه الأب ، ونظرت الأم إلى صورة مريم العذراء ، ورسمت علامة الصليب على صدرها إشاريا ، وهب التلاميذ من فراشهم على حالهم بملابس النوم ، وانتحوا أخاهم الذي قال : نعم . نشر اسمي . كل روسيا تعرفني الآن . احفظي يا أمي الصحيفة تذكارا ! سنقرؤها بين حين وآخر في المستقبل ! انظري !

وأخرج الصحيفة من جيبه وناولها أباه ، وأشار بإصبعه إلى فقرة محددة بخط أزرق ، وقال : اقرأها !

ولبس الأب نظارته ، فقال ميتيا : اقرأها !

ونظرت الأم ثانية إلى صورة مريم العذراء ، ورسمت علامة الصليب على صدرها ، وسلك الأب حلقه ، وأخذ يقرأ " : عثر في تمام الحادية عشرة من ليلة التاسع والعشرين من ديسمبر على مسجل يدعى ديمتري كولداروف ... " ، وتدخل ديمتري : رأيت ؟! رأيت ؟! كمل !

" ... قادم من حانة في كوزيين في برونيا الصغيرة ؛ في حالة سكر ... " ،

فقال ديمتري : إنه أنا وسيميون بيتروفيتش . كل شيء موصوف بدقة . كمل ! اسمع !

" ... عاريا تحت حصان سائق مزلجة ، وهو فلاح من قرية دوريكينو في إقليم يونو فسكي ، اسمه إيفان دروتوف . وقد داس الحصان كولداروف ساحبا المزلجة فوقه مع تاجر من موسكو عضو في نقابة المهن الثانية اسمه ستيبان لوكوف كان في المزلجة ، واندفع الحصان في الشارع غير أن أحد حراس البيوت قبض عليه . ونقل كولداروف الذي وجد في البداية مغمى عليه إلى مركز الشرطة حيث فحصه الطبيب ، وإصابته في مؤخر رأسه "

وتدخل ديمتري موضحا : سببها عمود المزلجة يا أبي ! كمل ! اقرأ البقية !

" ... واتضح عقب الفحص أن الإصابة ليست خطرة . وكتب التقرير عن الحادث وفق المطلوب ، وقدم الإسعاف للمصاب . "

قال ديمتري : نصحوني بوضع كمادة ماء بارد على مؤخر رأسي . قرأت الخبر ؟! آه ! رأيت بنفسك . الآن الخبر في كل روسيا . هات الصحيفة !

وأخذها ولفها ووضعها في جيبه ، وقال : سأسرع إلى آل ما كاروف وأريهم إياها ، ويجب أن أريها أيضا آل إيفانتسكي ، وأنيسيم فاسلييتش . سأسرع ، مع السلامة ! "

واعتمر قبعته ذات الشريط ، وجرى في الشارع فرحا ، شاعرا بظفر كبير .

*للكاتب الروسي أنطون تشيكوف  ( 1860 1904 ) .

وسوم: العدد 708