بعد 6 سنوات على ثورة سوريا.. لمن التفوق وهل من نهاية؟

بعد انقضاء ست سنوات على بداية الاحتجاجات، التي تحولت إلى حرب أهلية في سوريا، أصبحت للرئيس بشار الأسد اليد العليا في ساحة القتال، غير أن الصراع أبعد ما يكون عن النهاية بعد أن انقسمت سوريا إلى مجموعة من الجيوب يحكمها أمراء حرب وقيادات معارضة.

وفي حين لا يعتقد سوى قلة قليلة من المراقبين المحايدين بإمكانية انتهاء الصراع قريبا، فإنه لا أحد تقريبا يعتقد أن بوسع الأسد استعادة السيطرة على البلاد بأكملها.

غير أنه لا أحد يتوقع التوصل لاتفاق سلام؛ إذ يبدو أن كل الأطراف الخارجية تأقلمت مع بقاء الرئيس السوري.

ويتوقع كثيرون -على أحسن الفرضيات- هدنة تخضع للمراقبة لفترة طويلة من الوقت في مساحة كبيرة من الأراضي السورية، التي ستقسم فعليا بين القوى المتناحرة.

وخلال مفاوضات متقطعة دارت على مدى خمس سنوات بين الحكومة والمعارضة تحت رعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا، والآن برعاية روسيا وتركيا، كان رحيل الأسد هو النقطة الشائكة.

أما الآن، فقد أصبحت نقطة البداية هي بقاء الأسد.

ويقول روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق لدى دمشق، الذي استقال احتجاجا على تردد الرئيس السابق باراك أوباما في الشأن السوري، ولا يزال على اتصال بكثير من أطراف الصراع: "علينا أن نكون واقعيين. فهو لن يرحل".

ويضيف: "بعد حلب لا توجد أي فرصة؛ فهذه هي نتيجة الانتصار العسكري الذي حققه".

أمس الأربعاء، مرت ست سنوات على بداية الأحداث، التي كانت شرارتها احتجاجات في أنحاء مختلفة من سوريا، تحركها الأغلبية السنية في البلاد على الأسد وحكم عائلته، الذي يرجع إلى 40 عاما مضت، تركزت فيها السلطة بأيدي الأقلية العلوية الشيعية.

في مارس آذار 2011، كانت انتفاضات الربيع العربي أطاحت بالفعل بالرئيسين التونسي والمصري واستمرت بعد ذلك لتطيح بنظامي الحكم في ليبيا واليمن.

أما في سوريا، فقد تحول الأمر إلى حرب لا هوادة فيها عندما رد الأسد باستخدام القوة دون قيود، حسبما أوضح تقرير للجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة ضمن مصادر أخرى عديدة.

وتنبأ زعماء غربيون -من بينهم أوباما- بأن الأسد سيسقط بسرعة.

غير أن الأسد استمر في موقعه بفضل استخدام موارد الدولة والدعم الذي تلقاه من إيران وحزب الله اللبناني، وقاتل المعارضة التي مولتها دول عربية، ليصل الوضع إلى طريق مسدود.

وقبل عام ونصف العام، شاركت روسيا في الحرب إلى جانبه؛ لتتحول كفة الميزان إلى صالحه.

وسقط في الحرب نحو نصف مليون قتيل، وأدت إلى نزوح نصف السكان عن ديارهم، فيما أصبح أسوأ أزمة لاجئين في العالم، بلغت مستويات جديدة في الوحشية.

وساندت معظم القوى الكبرى في العالم والدول الإقليمية قوات تعمل لحسابها في صراع معقد متعدد الأطراف انقسمت فيه المعارضة بين معارضة وطنية ومعارضة دينية تتمثل في التيار السلفي، ثم انقسم كل معسكر إلى جماعات أخرى.

وفي الوقت نفسه، أعلن المتشددون الإسلاميون في تنظيم الدولة الإسلامية، المفترض أنهم العدو المشترك للأطراف الأخرى، قيام دولة الخلافة الإسلامية في الأراضي التي يسيطرون عليها في سوريا والعراق.

وازدحمت ساحة المعركة بالأطراف الدولية، متمثلة بروسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا.

وظل الأسد في موقعه يردد أنه سيستعيد كل شبر في بلاده التي حل بها دمار واسع.

أوجه شبه مع لبنان والعراق

منذ دخلت روسيا طرفا في المشهد السوري قبل 18 شهرا، صعد الأسد من وضع كانت فيه قواته المرهقة على حافة الانهيار، وذلك بدعم من إيران ومقاتلين شيعة من جماعات مثل حزب الله، ليصبح في وضع قوي عسكريا.

وكان في استعادته السيطرة في ديسمبر/ كانون الأول على جيب المعارضة في مدينة حلب، أكبر المعاقل الحضرية للمعارضة، نقطة تحول كبرى في الحرب، وحصرت المعارضة في إدلب، تقاتل جماعاتها بعضها بعضا.

وأصبحت سوريا تواجه الآن وضعا قد يشبه وضع لبنان في مراحل عديدة من حربها الأهلية من 1975 إلى 1990، عندما انقسمت إلى جيوب للمليشيات المتصارعة، شهدت خلالها البلاد فترات طويلة من الهدوء على صعيد العمليات الحربية تخللتها أحداث مروعة.

وربما تشبه سوريا في جوانب أخرى العراق بعد حرب الخليج الأولى، التي أبقت على صدام حسين في السلطة، وأثارت شكوكا في مدى شرعيته، مع تقييد اقتصاد بلاده بالعقوبات.

ولا يتوقع آندرو تيبلر، المتخصص في الشأن السوري بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن يضغط أحد على الأسد، لا سيما حلفاؤه في روسيا وإيران، لترك الرئاسة، لكنه يتصور ما قد يكون بديلا لتغيير النظام.

يقول آندرو: "لا أتوقع أن تطلب منه روسيا أو إيران أن يتنحى، لكن علينا أن نتأهب لاحتمال أن يتعرض الأسد في هذا المناخ المتقلب للاغتيال؛ بسبب كونه هو شخصيا حائلا أمام التسوية".

وقد سئل الأسد نفسه في مقابلة عما إذا كان يفكر في الرحيل عن سوريا، فرد بالنفي، قائلا إنه بعد ست سنوات مرت أصعب الأوقات، وكانت في 2012-2013، وإنه لم يفكر في الرحيل في تلك الفترة، فكيف يفكر فيه الآن.

ويرى السفير السابق فورد، الذي كان يتوقع حتمية انتهاء حكم الأسد، أن نقطة الضعف في وضعه الحالي -الذي يبدو حصينا- تتمثل في أن خصومه لن يقبلوا أبدا استمرار حكمه.

ومن بين ملايين السوريين النازحين داخل البلاد واللاجئين خارجها، لا يمكن لكثيرين العودة لما يرون أنه حكم استبدادي لدولة بوليسية يقولون إنها مسؤولة عن مقتل مئات الألوف.

مصالح متقاربة

وفي مقابل كل ذلك، يظهر ما يبدو أنه إجماع دولي جديد يساند قوات الأسد عمليا، متمثلا في الأحداث الجارية حول مدينة منبج الشمالية.

فهذه المدينة انتزعها من أيدي تنظيم الدولة في العام الماضي مقاتلون أكراد تدعمهم ضربات جوية أمريكية. وشكل الأكراد الجانب الأكبر من قوات سوريا الديمقراطية، التي تحظى بدعم من الولايات المتحدة، وتضم وحدات حماية الشعب التي تربطها صلات بحزب العمال الكردستاني.

ودفعت تركيا التي تقاتل حزب العمال منذ أكثر من 30 عاما بقواتها إلى المنطقة في أغسطس/ آب، إلى جانب مقاتلي الجيش السوري الحر الذي دعمته في مواجهة الأسد. وكان هدفها المعلن هو تطهير المنطقة الحدودية من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، ومنع تحقيق وحدات حماية الشعب مكاسب على الأرض، وهو الهدف الأهم بالنسبة لها.

وبدورها، دعمت روسيا القوات السورية في التحرك باتجاه منبج الملاصقة لأراضي وحدات حماية الشعب. غير أن الولايات المتحدة أرسلت وحدة مدرعة صغيرة للفصل بين حلفائها من الأتراك والأكراد، وهو ما يعني في واقع الأمر الإقرار بتحرك القوات السورية صوب منبج.

ويظهر ذلك كيف تنجرّ بعض القوى الدولية الرئيسية في سوريا، مثل روسيا والولايات المتحدة وتركيا عضو حلف شمال الأطلسي، إلى وضع غير مريح تقف فيه صفا واحدا رغم التنافس الشديد فيما بينها، واختلافها على كيفية تسوية الحرب السورية.

ويرى كثيرون أن منبج ستغير قواعد اللعبة بعد ما ظهر من توقعات بتقارب روسي أمريكي في أعقاب انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.

ويقول يوجين روجان، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة أوكسفورد: "الأمريكيون يتعاونون مع الروس بطريقة ستسهم في إتمام انتصار النظام في سوريا".

ويقول مراقبون للوضع في سوريا إن وقف إطلاق النار الحالي غير المستقر، الذي توصلت إليه روسيا وتركيا، قد يتعزز، لكنهم يعتقدون أن الأسد سيتحرك في نهاية الأمر للقضاء على قوات المعارضة، التي دفعت للتمركز في ريف إدلب.

مع ذلك، سيواجه الأسد وحلفاؤه على الدوام قيد القوى البشرية المحدودة، الذي يزيد من إنهاك قواته كلما استعاد أرضا، ويجعلها عرضة لهجمات جماعات المعارضة ومقاتلي الدولة الإسلامية.

ويؤكد ما يقع من هجمات دامية داخل المدن الخاضعة لسيطرة الحكومة، وعلى مقار المخابرات العسكرية في حمص، وعلى الزوار الشيعة القادمين من العراق في دمشق، التهديد الذي يقول خبراء إن رفض الأسد التغيير أو تقديم تنازلات لن يؤدي إلا إلى تضخمه.

يقول تيبلر: "لو أنك إيران وروسيا، وتعلم حدود القوى البشرية لدى الأسد وتصلبه السياسي، فلديك مشكلة. وعليك أن تبرم صفقة؛ حتى لا تضطر إيران وروسيا لزيادة القوات في سوريا، وتلك هي معضلتهما".

ويقول السفير السابق فورد، بعد أن أجرى مناقشات مؤخرا مع خبراء روس مطلعين على سياسة موسكو، إنهم يعتقدون أن الجيش السوري مرهق، وأنه سيكون من الصعب على الأسد استعادة السيطرة على بلاده بأكملها.

ويضيف أنه "لا بد من حدوث تحول عن المركزية، وهذا وارد بالطبع في مقترح الدستور الذي طرحه الروس، حيث إنه لا يمكن للأسد حتى أن يأمل في إدارة سوريا بقبضة السيطرة المركزية الحديدية التي كان يديرها بها في وقت من الأوقات. غير أن الأسد رفض هذا المقترح".

وفي ظل هذا، تصبح النتيجة المرجحة هي استمرار التقسيم الفعلي لسوريا، حتى لو استمر هو في تحقيق مكاسب إضافية.

ويقول فورد: "السبيل الوحيد لتفادي التقسيم دون إبرام اتفاق سلام هو أن تستعيد الحكومة السورية البلاد كلها، وهذا قد يستغرق سنوات".

ورغم أن الحدود غير مستقرة، لكن الأسد سيحتفظ وحلفاؤه على الأرجح بالسيطرة على حلب في الشمال حتى درعا في الجنوب، بما في ذلك المنطقة الساحلية والعاصمة دمشق. ومن غير المرجح أن يعود كثيرون من الملايين الذين فروا من تلك المناطق إليها قريبا.

وتحتفظ تركيا وقوات درع الفرات بجيب في أقصى الشمال، بينما تحتفظ المعارضة المتحالفة معها بجيب كبير في إدلب إلى الغرب من حلب. وتسيطر وحدات حماية الشعب الكردية السورية على إقليمين في الشمال الشرقي وعفرين في الشمال الغربي.

ويزيد من هذا الوضع غير المستقر اعتماد الولايات المتحدة على وحدات حماية الشعب الكردية في الحملة التي بدأت تتكشف فصولها لاستعادة الرقة، المعقل الرئيسي لتنظيم الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا.

ورغم أن إدارة ترامب لم تعلن حتى الآن كيف تعتزم إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية في الرقة وبأي قوات، فإن وحدات حماية الشعب هي التي تواصل تقدمها صوب المدينة، رغم استياء تركيا.

وقال جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما، إن قوى كانت تطالب بإسقاط الأسد تزداد تقبلا لفكرة استمرار حكمه، ولو بشكل ضمني.

غير أن لانديس وآخرين يرون أنه حتى إذا كانت الولايات المتحدة وروسيا وجيران سوريا يقبلون بقاء الأسد في جزء من سوريا، فليس معنى ذلك أنهم سيحتضنونه أو يسددون فاتورة إعمار سوريا.

ويضيف: "العالم الغربي كله يكره الأسد، وسيضغط عليه اقتصاديا… سيصبح مثلما كان العراق في عهد صدام حسين".

وسوم: العدد 712