السلاح الكيماوي ليس المشكلة الوحيدة في سوريا

فورين بوليسي

في عام 2012، حذر الرئيس باراك أوباما من أن استخدام الرئيس بشار الأسد للسلاح الكيماوي سوف يكون بمثابة خط أحمر يمكن أن يغير حسابات سياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاه الحرب الأهلية السورية. بعد عام على ذلك، وبمواجهة أدلة على أن الأسد استخدم غاز السارين ضد شعبه، قال أوباما:" استخدام السلام الكيماوي في أي مكان في العالم يشكل إهانة لكرامة الإنسان وتهديدا لأمن الناس في كل مكان". ويبدو أن الرئيس دونالد ترامب متفق مع ذلك، فقد أمر بإطلاق الصواريخ ضد مطار الشعيرات في سوريا في بداية إبريل، وذلك ردا على هجوم كيماوي آخر قام به النظام.

أسلوب أوباما- ترامب المتمثل في أن الولايات المتحدة سوف تفرض قيمة عالمية ضد استخدام السلاح الكيماوي هي عديمة الفائدة من الناحية الاستراتيجية وفارغة أخلاقيا. استراتيجيا، تتطلب هذه القيمة بأن تنفق الولايات المتحدة الكثير من وقتها ومواردها في ضبط هذا النوع من السلاح الذي لا يختلف حقيقة عن أي أسلحة تقليدية أخرى. أخلاقيا، يرقى الأمر إلى إعلان الولايات المتحدة بأنها تهتم أكثر بأسلحة القتل بدلا من ضحايا القتل.

على الرغم من سمعتها السيئة، إلا أن الأسلحة الكيماوية لا تمتلك مزايا قاتلة مختلفة عن الأسلحة التقليدية. استخدمت الأسلحة الكيماوية على نطاق واسع في الحرب العالمية الأولى، أدت إلى قتل عدد قليل من الجنود، ربما قتلت 90000 شخص من أصل 17 مليون شخص قتلوا خلال الحرب. وأدت الأسلحة الكيماوية أيضا إلى إصابة عشرات الآلاف من الأشخاص، معظمهم تعافوا.

ومن هنا، لماذا يجب أن نلقي باللائمة على الأسلحة الكيماوية في المجازر التي وقعت في الحرب العالمية الأولى؟ لقد كانت هذه الأسلحة جديدة ولم تكن معروفة على نطاق واسع. كما كان ينظر إليها على أنها أسلحة غير متكافئة فيها غش وخداع -  وهذا فيه إهانة كبيرة للجنود المحترفين. إن السمعة التي حظيت بها الأسلحة الكيماوية ساعدت في وضع تعليمات صارمة عليها بعد الحرب. ولكن أسلحة الدمار الشامل الحقيقية في الحرب العالمية الأولى كانت المدافع الرشاشة، تليها الأنفلونزا.

استخدم دكتاتور العراق صدام حسين السلاح الكيماوي ضد المدنيين الأكراد في حلبجة عام 1988، في هجوم أدى إلى مقتل حوالي 5000 شخص. ولكن الهجوم تضمن أيضا عشرات الطلعات الجوية التي تم من خلالها إلقاء القنابل لساعات طويلة، تلاها وأعقبها القصف بالأسلحة التقليدية بصورة مكثفة. بالنظر إلى هذا الحجم من القوة النارية والوقت، كان في إمكان صدام قتل هذا العدد الكبير باستخدام القوة النارية التقليدية. لقد اكتشف صدام، كما فعل كثيرون قبله، بأن استخدام الأسلحة الكيماوية أمر صعب لأنها تعتمد على وجود ظروف مناخية مناسبة خارج سيطرة القوة البشرية. ولأن صنع الأسلحة الكيماوية والحفاظ عليها وعلى سلامتها أمر مكلف وليست ذات فائدة كبيرة، فقد كان من السهل على القوى الكبرى أن تمنع استخدامها تماما بعد الحرب الباردة.

أخلاقيا، ليس هناك حاجة لفرض حظر دولي على استخدام السلاح الكيماوي. أنا لا أقول إن علينا أن يجب أن نكون أكثر تساهلا في استخدامها؛ ولكني أقول إن علينا أن نكون أقل تساهلا حيال قتل المدنيين، بغض النظر عن الأسلحة التي استخدمت في ذلك. الأسلوب الذي يتبعه أوباما وترامب يرقى إلى أن يكون إعلان بانه يمكن للطغاة في العالم أن يقتلوا مواطنيهم مع حصانة كاملة من العقاب طالما أنهم لم يقدموا على قتلهم بالأسلحة الكيماوية. وهو ما يشير إلى أن مرتكبي عمليات القتل الجماعي يتمتعون بالحرية داخل بلادهم إذا حافظوا على عمليات القتل النظيفة والمرتبة.

إذا كنت تعتقد أن هناك عمليات قتل مرتبة ونظيفة، ربما تكون شاهدت الكثير من الأفلام السينمائية. كما قال الجنرال ويليان شيرمان مؤخرا:" إنني متعب ومرهق من الحرب. إنها مجد مثل شعاع القمر. فقط أولئك الذين لم يطلقوا النار ولم يسمعوا صراخ الجرحى وعويلهم وهم ينزفون بسبب الدم والثأر والخراب. إن الحرب جحيم". أو كما قال دوايت أينهاور مرة :" إنني أكره الحرب كجندي عاش فيها، وشاهد وحشيتها وعقمها وغباءها".

الحرب دائما همجية وقاتلة، حتى الحرب العادلة. من المعتاد أخلاقيا أن نعتقد أن هناك مثل هذا القتل النظيف أو الإنساني. أنا لست من دعاة السلام؛ ولكنني محارب قديم في أفغانستان وأعتقد أن هناك حالات يكون فيها استخدام القوة مبررا. ولكن ليس لدي أي وهم بأنه ليس هناك قتل نظيف أو مرتب. الادعاء أن هناك طريقة إنسانية لقتل شخص ما أمر سخيف – وهو أمر غير أخلاقي، لأنه يسمح للمدنيين المتضررين بدعم الحرب في ظل ادعاء كاذب بأنه أكثر إنسانية مما عليه الأمر في الواقع. الموت هو الموت، سواء بقنبلة أو برصاصة أو بالمنجل.

إن فرض حظر على استخدام سلاح بعينه يضع ثقلا أخلاقيا على الأمر الخطأ، حيث يتم وضع الحظر على السلاح بدلا من غرض استخدامه. علينا أن نشعر بالغضب من المذابح التي ترتكب بحق المدنيين، بغض النظر عن طريقة القتل. إذا كان الأسد وحشا في استخدام السلاح الكيماوي وقتل عدد من الناس هذا الشهر، فإنه كان وحشا في قتل 500000 شخصا آخرين خلال السنوات الست الماضية بالبراميل المتفجرة والمتفجرات التقليدية. يحتاج الأمر إلى قصر نظر مذهل للشعور بالغضب حيال القتل بنوع معين من السلاح بدلا من حقيقة وقوع القتل في المقام الأول.

إنني أتفهم بأن صور موت الأطفال السوريين القتلى الذين تعرضوا للغاز السام حتى الموت أشعرت الكثير من الناس بالاضطراب، من بينهم الرئيس. الذي قال:" الهجوم الكيماوي المرعب في سوريا ضد الأبرياء، نساء, وأطفال صغار، وحتى أطفال رضع جميلين كان إهانة للإنسانية برمتها. هذه الأعمال المرعبة التي يرتكبها نظام الأسد لا يمكن أن يتم التغاضي عنها".

ولكن إن كنت تريد أن تسند سياستك الخارجية على صور مرعبة، عليك أن تعتمد في استراتيجيتك الكبرى على السي إن إن، أو ما هو أسوأ على التويتر. إن كنت تريد إرساء قيمة وان تحصل على اهتمام أمريكا، فقط تأكد من أن تلتقط صورا للضحايا على عدستك. الأفغان، شعروا مرة وعلى نحو مبرر انقطاع وسائل الإعلام العالمية عن كابول لفترة طويلة، مما مرر حصول الكثير من المجازر دون انتباه لها.

وفي النهاية، عليك أن تدرك بان الصور السورية لم تكن بذلك السوء على نطاق الأحداث العالمية. إذا شعرت بوهج حارق من الغضب على الأسد بعد رؤية هذه الصور، فإنك بحاجة إلى تبحث على غوغل عن الإبادة الجماعية الراوندية، أو عن مجازر سربرنتشا، أو ربما أوشفتز. تأكد أولا من الجلوس، ولا تأكل، وأغلق عملية البحث الآمن.