فرصة ترامب في الشرق الأوسط

الاتحاد:

لدى دونالد ترامب مخططات كبيرة لجولته الخارجية الأولى المقررة في وقت لاحق من هذا الشهر. فاعتباراً من 19 مايو الجاري، سيسافر إلى كل من الرياض والقدس وروما، حيث يأمل أن يجد لإسرائيل والفلسطينيين طريقاً إلى السلام. ذلك أن ترامب يرى فرصة في أزمة الشرق الأوسط. والواقع أن جانب الأزمة واضح. فالمنطقة بدأت تنهار منذ أن بدأ سلفه ولايته الثانية في 2013، حيث أنشأ تنظيم «داعش» ما يسميها «دولة خلافة»، وكثّفت إيران دعمها المتشددين العنيفين عبر المنطقة. وفي هذه الأثناء، تتسبب الحرب الأهلية في سوريا في تدفق ملايين اللاجئين على تركيا والأردن ولبنان وأوروبا، والصراع مستمر في اليمن، والدولة الليبية في حاجة إلى استعادة الاستقرار.

وفي المقابل، فإن جانب الفرصة يبدو أقل وضوحاً. ذلك أن «الأصوليين» السنة مثل «القاعدة» و«داعش» والشيعة المدعومين من طرف إيران، يهددون البلدان العربية. ويهددون أيضاً إسرائيل، الخصم التاريخي لهذه البلدان. واليوم ربما بات إيجاد أرضية مشتركة ممكناً، ومن ثم الاتفاق على حل دولتين لإسرائيل والفلسطينيين.

هذه هي الفكرة على الأقل، وفق مسؤولي البيت الأبيض الذين قدموا إيجازات للصحافيين يوم الخميس الماضي حول جولة ترامب الخارجية المقبلة، حيث قال أحدهم: إن ترامب والزعماء العرب تجمعهم أهداف مشتركة، وإن على الإدارة الأميركية الحالية أن تسعى لحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني الذي دخل عامه السبعين الآن.

وقد عبّر مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي «إتش. آر. ماكماستر» عن فكرة مماثلة مساء يوم الثلاثاء الماضي في فعالية بالسفارة الإسرائيلية احتفاء بذكرى تأسيس إسرائيل، حيث قال إن الظروف الحالية في المنطقة «قد تسمح لنا بحل ما يعتبره البعض مشكلات عويصة من قبيل النزاعات بين إسرائيل والفلسطينيين».

ولدى ترامب أيضاً امتياز آخر بهذا الشأن. ذلك أنه خلافاً لأوباما، ليس ملتزماً نجاح الاتفاق النووي مع إيران. ويذكر هنا أن جهود أوباما الرامية لمغازلة الإيرانيين أضعفت السياسة الأميركية في المنطقة. فقد سبق له أن قال في حوار مع مجلة «ذي أتلانتيك» ذات مرة: إنه يجدر بإيران والسعودية أن تتعلما تقاسم الشرق الأوسط. والواقع أن ترامب يعتقد أنه يستطيع رعاية اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على الرغم من أن كل الرؤساء الأميركيين منذ جورج بوش الأب حاولوا ذلك وفشلوا. ونعتقد أن من المهم هنا إلقاء نظرة على السياق والظروف.

فأولًا، ينبغي الإشارة إلى أنه لا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديه هامش سياسي يسمح بتقديم تنازلات في الوقت الراهن. فعباس يبلغ 82 عاماً، وليست لديه أي سيطرة سياسية على غزة، التي تديرها «حماس». ويوم الأربعاء في البيت الأبيض، قال: إن الفلسطينيين يدعمون «ثقافة سلام». ولكن هذا يعترض عليه المتشددون في إسرائيل. ذلك أن عباس نفسه، حسب زعم الإسرائيليين، يشيد بالفلسطينيين الذين قُتلوا واعتُقلوا في موجة هجمات الطعن الأخيرة. ثم إنه حتى إذا كان عباس يرغب في اتفاق سلام، فإنه ليس في وضع يسهل عليه إقناع شعبه بقبوله.

وفي المقابل، يرأس نتانياهو أكثر حكومة يمينية وتطرفاً في تاريخ إسرائيل. ومنافسوه السياسيون الرئيسيون يؤيدون التخلي عن حل الدولتين جملة وتفصيلًا. هذا في حين يريد منه أنصاره توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، ما يعني الاستيلاء على مزيد من الأراضي التي يؤكد الفلسطينيون أنه ينبغي الإبقاء عليها من أجل دولتهم المستقلة.

ثم هناك أيضاً مشكلة أخرى تتمثل في أن مطالب الجانبين ليست متطابقة في الحقيقة. ذلك أن عباس يدعم مثلاً عودة كل اللاجئين الذين هجرتهم إسرائيل منذ حرب 1948، الأمر الذي سيجعل من اليهود في إسرائيل أقلية في حال تطبيقه. كما أن الإسرائيليين يريدون القدس عاصمة لهم، في حين يريد الفلسطينيون المدينة أيضاً باعتباره عاصمة دولتهم المقبلة. وعلاوة على ذلك، فإن الإسرائيليين يطالبون بوجود عسكري شبه دائم في الضفة الغربية، ولكن الفلسطينيين يعارضون ذلك بشدة.

ولا شك في أن ترامب وصهره «جارد كوشنر» سيكتشفان هذه العراقيل بنفسيهما في نهاية المطاف. ولكن في غضون ذلك، يستطيع ترامب استغلال فرص أكثر تواضعاً في أزمة الشرق الأوسط الحالية، حيث يستطيع البناء على العمل الدبلوماسي الأخير لإقناع الإسرائيليين بالالتزام بالاتفاق الذي توصلوا إليه مع إدارة بوش الابن بشأن البناء فقط داخل الكتل الاستيطانية الكبيرة في القدس وحولها. كما يستطيع ترامب الضغط على الزعماء العرب للضغط على السلطة الفلسطينية. ويستطيع تشجيع مزيد من التعاون بين إسرائيل والدول الإقليمية ضد إيران ومجموعات إرهابية أخرى. وأخيراً، يستطيع ترامب المضي قدماً في تنفيذ مخططه لتخفيف الضغط على اقتصاد الضفة الغربية ومحاولة العودة إلى أجندة إصلاح المؤسسات الحكومية غير الفعالة التابعة للسلطة الفلسطينية.

صحيح أن لا شيء من هذا يرقى إلى أهمية عقد اتفاق سلام، ولكن امتيازه يكمن في أنه ممكن في الوقت الراهن. ومن يدري؟ فربما تظهر فرصة سلام حقيقي من الأزمة الحالية في حال نجاح هذه الخطوات الأكثر تواضعاً.

* محلل سياسي أميركي

وسوم: العدد 719