لهذه الأسباب قد يسقط المتمردون الذين تخلت "السي آي أيه" عنهم في أحضان الجهاديين

كريستيان ساينس مونيتور

إربد، الأردن - التقارير الواردة عن تعليق الرئيس ترامب برنامج السي آي إيه السري لتمويل وتسليح وتدريب المتمردين السوريين يمكن النظر إليه على أنه مؤشر على انتهاء الجهود الأمريكية للضغط على الرئيس السوري بشار الأسد في أرض المعركة.

ولكن قطع علاقات الولايات المتحدة – وغالبا أولئك الحلفاء الذين يزودون المتمردين بالدعم سوف يوقفون ذلك أيضا- يدعو إلى التساؤل عن مصير آلاف المقاتلين المسلحين الذين كانوا يعتمدون على الدعم والتوجيه الأمريكي.

هذا التحرك، الذين انتقده بعض المحللين بوصفه تملقا لروسيا، أكبر داعمي الرئيس الأسد، ترك الآلاف من المتمردين المعتدلين يعانون على أرض المعركة وفجأة انقلب المد ضدهم، دون أي داعم، ودون موجه – وبالنسبة للبعض دون قضية حتى.

من بين خيارات المتمردين، في طريق بحثهم عن طوق للنجاة: الانضمام إلى معركة الولايات المتحدة ضد داعش، أو للمقاتلين الأكثر معارضة للأسد، أو الانضمام إلى صفوف الجهاديين أو الجماعات الإسلامية، التي لا زالت تحافظ على مصادر تمويل وطرق إمداد غامضة.

قال أبو محمد الدواري، وهو اسم حركي لمسئول أمني في الجيش السوري الحر قضى السنوات الأربع الماضية متنقلا ما بين جنوب سوريا والأردن للتفاوض من أجل الحصول على السلاح والدعم:" العديد من المقاتلين والقادة العاطفيين سوف يبدوأون في النظر في التواصل مع القاعدة والميليشيات الإسلامية الأخرى ذات التمويل الجيد".

وأضاف:" لقد خسرنا إخوتنا، وأخواتنا وأطفالنا؛ لقد دخلنا في الجحيم من أجل القضاء على هذا النظام ورؤية نهاية للأسد. وإذا كان القاعدة أو أحرار الشام أو حتى الشيطان نفسه هو من يقاتل الأسد وهو من سوف يساعدنا في هذا القتال، فإننا سوف نقف إلى جانبه".

عندما شرعت السي آي إيه في برنامج التدريب والتسليح السري، المعروف باسم  "خشب الجميز" في بداية 2013، كانت مصممة من أجل الضغط على الأسد في أرض المعركة في حين يتم تنظيم تدفق السلاح والمال الذي كان يتفق من دول الخليج وتركيا.

السي آي إيه إلى جانب حلفاء الولايات المتحدة، فحصوا ودربوا آلاف المتمردين من الجيش السوري الحر والميليشيات التابعة له في قواعد معدة لذلك ابتداء من تركيا إلى شمال الأردن إلى الجنوب.

كل عملية وكل تفصيل جزئي في أرض المعركة كان يتم الإشراف عليه من قبل مركز العمليات العسكري (الموك) في الأردن وتركيا والتي يديرها ضباط استخبارات من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية والإمارات ومسئولون عسكريون.

الولايات المتحدة وحلفاؤها قدموا للمتمردين السلاح الخفيف التي تضمنت المدافع الثقيلة والهاون وبنادق القناصة والعربات. ولكن وبسبب مخاوف واشنطن، فإنهم لم يقدموا مضادات الطائرات التي كان المتمردون بحاجة لها لمواجهة سلاح الجو التابع للنظام وتحويل دفة الأمور على أرض المعركة.

تعليق إدارة أوباما لبرنامج خشب الجميز جاء بعد أشهر من تقليص البرنامج وكان ينظر إلي الأمر من قبل العديد من المراقبين على أنه طلاق حتمي. وقد أشار ترامب على التويتر نهاية هذا الأسبوع إلى قراره "وقف التمويل الكبير والخطير وغير المجدي" للمتمردين.

السعودية والإمارات، الداعمين الرئيسيين للمتمردين، لن يكون في وسعهم أو قدرتهم الوقوف ضد حليفتهم واشنطن والاستمرار في تسليح وتمويل المقاتلين، كما ذكر مصدر عربي أمني مقرب من غرفة الموك في عمان.

كما لن يستمر الأردن في توفير ممر بري لتقديم السلاح لأولئك المتمرين في الجنوب، كما تضغط تركيا على المتمردين المعتدلين في الشمال لخوض معركة بالوكالة ضد الجماعات الكردية، في حين لن تكون  قطر الداعم الرئيس للمتمردين الإسلاميين راغبة  في تقديم دعمها للجيش السوري الحر.

المزاج في مدينة إربد شمال الأردن والتي تبعد 12 ميلا عن الحدود السورية، وحيث يعيش ويعمل قادة الجبهة الجنوبية في الجيش السوري الحر متعب جدا مع دراسة هؤلاء القادة لخياراتهم.

يقول عبدالهادي ساري، وهو ضابط سابق في سلاج الجو السوري يعمل مستشارا للجبهة الجنوبية في الجيش السوري الحر ومحللا سياسيا في الأردن:" لدينا 54 فصيلا في الجنوب دون أي دعم، ودون سلاح ودون رواتب. وعندما تقول الولايات المتحدة لهم توقفوا سوف يتوقفوا".

القتال ضد، ومع الجهاديين.

وفقا لقادة من المتمردين مقربين من غرفة الموك في عمان، فإن المتمردين كانوا يتفاوضون مع السعودية والإمارات من أجل الاستمرار في تقديم الرواتب للمقاتلين من أجل منعهم من ترك صفوف الجيش السوري الحر والانضمام إلى الجماعات الجهادية. وقد سجلت 50 حالة انشقاق من هذا النوع هذا الشهر لوحده.

كما أن وقف برنامج السي آي إيه في هذه الأثناء ربما يدعم الجهود الرامية إلى بناء قوة قتالية لإخراج داعش من سوريا، وفقا لمحللين سياسيين ومتمردين، وهي الطريقة الوحيدة التي سوف تمكن المتمردين المعتدلين من تأمين دعم أمريكا وحلفاؤها.

وفقا لقادة من المتمردين قريين من العمليات، فإن الولايات المتحدة تعيد توجيه المتمردين الذين فحصتهم إلى قواعد تم إنشاؤها قرب قاعدة التنف في المثلث الحدودي عند الحدود الجنوبية الشرقية لسوريا، وغرب العراق وشمال الأردن من أجل الحصول على التدريب والقتال ضد داعش في الرقة ودير الزور.

كتب فيصل عيطاني، وهو خبير في الشأن السوري وزميل في مركز رفيق الحريري في المجلس الأطلنطي، عبر الإيميل:" كان برنامج السي أي إيه موجها ضد الأسد، في حين كان برنامج وزارة الدفاع موجها ضد داعش. إنهاء الوضع السابق، سوف يعني الضغط على المقاتلين للانضمام إلى البرنامج الأخير من أجل الحصول على المال وتلقي الحماية الأمريكية".

مع تراجع فعالية برنامج السي آي إيه خلال الأشهر القليلة السابقة، توجه 200 مقاتل من المتمردين السوريين إلى قاعدة التنف للانضمام إلى جيش مغاوير الثورة الذي أسسته الولايات المتحدة من أجل الحصول على التدريب وفقا لقادة المتمردين السوريين. مئات آخرين يقال أنهم يدرسون هذا العرض، ولكن السفر من جنوب غرب وشمال غرب سوريا إلى الجنوب الشرقي خطير جدا بالنظر إلى أن مساحات شاسعة من الأراضي تقع تحت سيطرة ميليشيات تابعة للنظام أو لداعش.

يقول السيد ساري، الضابط السابق في سلاح الجو السوري:" التوجه إلى التنف يعد بالنسبة للكثيرين عملية انتحار. ولكن إن كنت تعاني من الجوع ومرهقا من 4 سنوات من الحرب، فإن العديد سوف يخاطرون".

قوات شرطة؟

أحد المقترحات التي تدعمها روسيا والولايات المتحدة كما يقال، والتي كانت جزء من المحادثات الثلاثية الروسية الأمريكية الأردنية في عمان التي تم التوصل فيها إلى وقف لإطلاق النار في جنوب سوريا، هو تحويل الجيش السوري الحر والمتمردين المعتدلين من ميليشيات إلى "قوات شرطة".

وفقا لهذا المقترح، الذي وفقا للمقربين من المحادثات الثلاثية حصل على دعم الأردن، فإن المتمردين سوف يغيرون مهمتهم من إسقاط الأسد إلى حفظ السلام في جنوب سوريا وريف دمشق الذي أعلن فيهم عن وقف إطلاق النار.

كجزء من التحول، كما يتصوره الغرب، فإن المتمردين سوف يتلقون تدريبا شرطيا في جنوب سوريا إضافة إلى الرواتب ومنع الجماعات المتطرفة من ملأ الفراغ. إذا ثبتت نجاعة ذلك، فإن هذا النموذج يمكن أن يكرر في وسط وشمال سوريا، مع وجود شرطة غير تابعة للنظام لتسهيل عودة اللاجئين السوريين من الأردن وتركيا، وفقا لمصادر مقربة من المحادثات.

قادة المتمرين منقسمون حيال المبادرة؛ بعضهم يقول إنهم سوف يقاتلون إلى آخر رصاصة ولن يتخلوا عن قضيتهم.

يقول أبو كمال، وهو الاسم الحركي لقائد من الجيش السوري الحر في ريف دمشق، وقف مقاتلوه في طريق مسدود بسبب قطع التمويل الشهر الماضي بسبب قرار ترامب:" العديد سوف يفضلون الموت شهداء على أن يعيشوا كشرطة".

ولكن في حين أن المهمة سوف تكون بعيدة كل البعد عن إسقاط النظام الذي ارتكب الفظائع، يقول المتمردون بأن العديد من المقاتلين أرهقتهم الوعود غير المنفذة والقتال الطائفي المتزايد، وربما يقبلون العرض.

يقول ساري:" عندما خرجنا للتظاهر من أجل الحرية، لم نكن نعلم أننا سوف نواجه الجهاديين، والميليشيات الشيعية من جميع أنحاء العالم وروسيا والحرب الأهلية والحرب الطائفية. حاليا، إذا كانت هذه المبادرة سوف تقدم لنا الأمن والسلام في وطننا، فإن كثيرا من الناس سوف يقبلون بذلك".  

وسوم: العدد 731