شجاعة أبي الأغر

شجاعة أبي الأغر

زهير كحالة

عروة: (شيخ من العرب) السلام عليكم.

الأمة: وعليكم السلام ورحمة الله ... من؟ سيدي أبو الأغر؟

عروة: نعم يا جارية.. أين الرجال؟

الأمة: خرجوا إلى الضيعة يا مولاي..

عروة: والنساء؟

الأمة: ذهبن إلى المسجد للصلاة..

عروة: ومن في الدار يا أمة الله؟..

الأمة: الإماء فقط يا مولاي..

عروة: لقد جئت لتوي من السفر.. آه.. إنني مجهد..

الأمة: تفضل يا سيدي.. بعد قليل تعود ابنتك من المسجد..

عروة: (يجلس بإعياء) آه.. آه.. سآخذ قسطاً من النوم (يتمدد على الفراش وينام).

الأمة: سأكمل عملي ريثما تعود مولاتي (تخرج).

عروة: (يغط في نومه ويبدأ الشخير).

الأمة: (داخلة بحذر) لكأني سمعت شيئاً.. (حركة من الداخل) رباه.. أيكون ثمة متسلل؟.. نعم.. نعم.. ثمة إنسان يبحث عن مال... إنه لص.. فلأوقظ ضيفنا في الحال، فلا يوجد هنا غيره من الرجال (تميل على أبي الأغر وتهمس في أذنه) مولاي.. مولاي..

عروة: (متثاقلاً من فرط الإعياء وثقل النوم).. ما بالك يا جارية؟

الأمة: أركنا يا سيدي.. لص تسلل إلى الدار..

عروة: ا.. ا... كيف.. كيف عرفت أنه لص؟

الأمة: سمعت الباب يفتح خلسةً ثم يصطفق بحذر..

عروة: (يتبدد النوم من عينيه ويهب واقفاً على قدميه) لا عليك يا جارية.. أنا للص.. هات عصاي.

الأمة: (تناوله العصا وتشير إلى باب الغرفة) ذلك هو الباب الذي دخل منه.

عروة: (وهو يلوح بعصاه نحو الباب ويقول بلهجةٍ مليئة بالتهديد) إيه يا ملأمان.. أما والله إني أعرف أنك من لصوص هذا الحي.. شربت حامضاً خبيثاً حتى إذا دارت القدح في رأسك منّتك الأماني وقلت سأطرق ديار بني عمر، والرجال خلوف، والنساء يصلين في المسجد فأسرقهم وأفلت..

الأمة: (هامسة) إي والله..

عروة: سوءةً لك.. والله ما يفعل هذا ولد الأحرار (يرفع صوته) وأيم الله لتخرجن أو لأهتفن هتفة مشؤومة يجيء بها الرجال بعدد الحصى.. ولئن فعلت لتكونن أشأم مولود.. هيا اخرج.. (صمت).. (بصوت مرتجف) أنت لا تخرج. حسناً.. (بتوسل) اخرج بأبي أنت وأمي.. أنت مستور.. إني والله ما أراك تعرفني.. ولو عرفتني لاقتنعت بقولي واطمأننت إلي.. أنا – فديتك – أبو الأغر النهشلي.. وأنا خال القوم، وجلدة بين أعينهم لا يعصونني في أمر، فاخرج فأنت في ذمتي..

الأمة : (بهمس) إنه لا يريد الخروج.

عروة: (يغير صوته من نبرة التهديد إلى نبرة الإغراء) عندي صرتان فخذ إحداهما فانتبذها حلالاً من الله ورسوله.. هيا الآن فاخرج.. (صوت حركة خفيفة) (يضحك ضحكاً مصطنعاً) هاهاها.. يا ألأم الناس وأوضعهم.. لا أرى إلا أني لك الليلة في واد.. وأنت لي في واد.. أقلب لك السوداء والبيضاء فتصيخ وتطرق.. وإذا سكتّ عنك وثبت تريد المخرج.. (يعاود التهديد) والله لتخرجن أو لألجنّ عليك البيت.. (صوت حركة خفيفة).. (يخفض صوته).. إن اللعين لم يخرج يا جارية.. فبماذا تشيرين علي؟!

الأمة: (هامسة) اقتحم عليه الغرفة يا مولاي..

عروة (يبلع ريقه) ماذا تقولين؟.. أنا أقتحم الغرفة على اللص؟.

الأمة: معك عصاك، فمم تخاف؟.

عروة: (يتنحنح) هم.. أم.. نعم.. معي عصاي.. أنا لا أخاف.. بهذه العصا سأضربه وأجهز عليه..

الأمة: ما لي أرى العصا ترتجف في يدك يا سيد القوم؟

عروة: لا لا.. أنا أبو الأغر عروة بن مرثد النهشلي.. أنا أخيف الناس كلهم ولا أخاف أحداً منهم.. (الباب يفتح بحذر شديد).

الأمة: (بهلع) ويحي.. إن الباب ينفرج قليلاً قليلاً.. سأبتعد لئلا ينالني مكروه (تقف عند طرف المسرح)..

عروة: (بصوت مختنق) ا.. ا.. أأنت خارج إذن؟ (الباب يغلق) (وهو يبلع ريقه) لقد.. لقد.. عاد فدخل.. (يتنفس الصعداء) الحمد لله.. (يستعيد رباطة جأشه) أرأيت يا جارية؟ (يتظاهر بالجرأة) إنه لم يجرؤ على مواجهتي..

الأمة: (متحدية) عليك به إذن يا أبا الأغر.. ادخل وأخرجه.. راغماً أنفه..

عروة: (هالعاً) أدخل؟.. (يتنحنح) أم.. نعم.. نعم.. سأدخل.. (يوحي إلى نفسه بالقوة) أيها المتسلل اللعين.. إني أهددك.. (يراجع نفسه ويخفض صوته) لا لا.. ادخلي أنت أيتها الأمة.. ومتى خرج فسأتلقاه بعصاتي هذه..

الأمة: (باستفزاز لإثارة حميته) أيها الأعرابي المجنون.. والله ما أرى إلا أنك جبان..

عروة: (مستثاراً) أنا جبان؟.. أنا أبو الأغر عروة بن مرثد النهشلي جبان يا ملأمان؟

الأمة: نعم يا سيدي، وسأفتح أنا الباب بنفسي لأرى ما أنت صانع.. (تدنو من الباب لتفتحه).

(الباب يفتح من تلقاء نفسه ويخرج منه كلب بسرعة وهو ينبح).

الأمة: (مولولة من سرعة المفاجأة) ويلاه.. كلب.. كلب..

عروة: (برعب) كلب، كلب.. يا للهول.. (يتعثر فيسقط على قفاه)..

الأمة: (بلهجة ذات مغزى) ما لك انقلبت على قفاك يا أبا الأغر؟

عروة :(متلعثماً).. والله ما رأيت كالليلة قط..

الأمة: (بسخرية) أهذا هو المتسلل الذي أخافك يا مولاي؟

عروة: (يشد أطرافه ويستجمع نفسه) ماذا تقولين أيتها الجاهلة؟.. المتسلل الذي أخافني؟.. عليك اللعنة يا أمة السوء.. إن اللص ما أخافني بل هو الذي خافني فطلب إلى الله أن يمسخه كلباً لئلا يقع بين يدي..