نور الإيمان

محمود محمد كلزي - سورية

تمثيلية شعرية قصيرة في فصل واحد

الأشخاص: علي وأبوه وأمه وأخته هند.

المنظر: كوخ متواضع يرفرف عليه البؤس والحرمان، وترقد داخله الأسرة مدثرة بأسمالها.

وصوت المؤذن يجلجل في عنان السماء الصافية التي تسبح فيها النجوم منادياً:

"الصلاة خير من النوم"

"علي يتململ في فراشه ويفتح عينيه":

يا رب.. ما هذا النداء الحلو يطرق مسمعي=ينساب كالنغمات من وتر صدوح مبدع

"ينهض علي من فراشه ويفتح النافذة وينظر إلى السماء قائلاً:

الله.. يا للدراري=كلؤلؤ في البحار

والبدر يرسل منه=أشعة من نضار

هذي الثريا دليل=على إله بار

على إله قدير=مهيمن جبار

آلاؤه ناطقات=في البحر أو في البراري

ألا يحق علينا=إطاعة الغفار

"ثم يقصد فراش أبيه محاولاً إيقاظه بلطف:

أبي قد أذن الفجر=فهيا كي نلبيه

فما في النوم من خير=خمول كل ما فيه

الأب يستفيق وينظر حواليه بدهشة:

عليّ.. لم أفقت؟

علي "بصوت خافت":

..... أذان فجر ألا تمضي إلى الحق الصريح

الأب "يلقي رأسه على مخدته قائلاً":

دعوني في فراشي مستريحاً=فليس ألذ من نوم مريح

دعوني أحي في حلم لذيذ=فما في العمر غير عناء روحي

علي:

أبي لا تنس أن العمر يمضي=وسوف نزجّ في جوف الضريح

وسوف تنال كل يد كتاباً=بما فعلته في العمر الفسيح

كتاب في يمين أو شمال=يشير إلى مليح أو قبيح

فحي على الصلاة وكن تقياً=وللأعمال في نفس طموح

الأم "وقد استيقظت على صوتهما، ثم تنظر فتجد ابنها علياً فتخاطبه":

مالك اليوم.. ألم=تغف إلى هذا الهزيع

أنا لا أهنا إلا=إن توسدت ضلوعي

علي: إنني نمت ولكن

الأم "بتساؤل وتهكم":

قمت من حلم مريع؟

علي: لا.. ولكن كنت أغفو=في سكون وخشوع

الأم: إذن ما دهاك؟

علي:

.... دهاني نداء=تسلل يطرق أسماعيه

نداء إذا داعب السمع يسبي=تموج به النشوة الحانية

ألم تسمعي قوله داعياً=لخير من النوم.. يا غافية

الأم: أجل قد سمعت

علي: ... وآثرت نوماً

الأم "بحسرة": وما العمر إلا رؤى قاسية

علي:

ولكن هناك إله كريم=حبانا من النعم الوافية

فهذي العيون وأنف وأذن=وجسم تكلله العافية

ألا يستحق العبادة منا؟

الأم "بشيء من الهزء واللوعة": وعيشتنا بلقع خاوية

علي:

وهل فاقة العيش تدعو ليأس=ونكران آلائه الضافية

فهذا أبي صامد في الحياة=يصارع أرزاءها العاتية

فلابد لله أن يفرج الهم=عمن تبسم للداهية

فلا تقنطي قط من رحمة الله=واستمتعي بالمنى الزاهية

فإن نابنا اليوم بؤس.. غداً=سنهنأ في عيشة راضية

الأب "وقد أخذه كلام ابنه فنهض وعانقه والدموع تطفر من عينيه":

صح ما قلته يا بنيّا=إنني أشهد السنا في المحيا

هذه موجة من النور فاضت=في فؤادي وعطري جانحيا

وأمحت ظلمة الضلال بقلبي=ووجدت الهدى صراطاً سويا

كن للأجل الإله دعوة حق=واملأ الكون بالصلاح دويا

"ثم يتذكر صلاة الفجر:

أذن الفجر.. والصلاة أقمها=ليت كل الأنام كانوا عليها

"علي يقيم الصلاة والأم تنهض ويغمر وجهها النور"

الأب: أيقظي هند كي نصلي جميعاً

الأم: هند هيا إلى العبادة هيا

"ويستقيمون إلى الصلاة جميعاً.. ويصلون بخشوع.. ثم يجلسون ويبتهلون إلى الله العزيز.. والشمس تنهض من خدرها".

الأب: ربنا اغفر لنا جميع خطايانا

الأم: وهيئ لنا مقاماً سنيّا

علي: ربنا واهدنا إلى البر

هند: والإحسان.. وامدد يديك خيراً نديا

الأب: "يقوم بحيوية ونشاط والكل يودعونه بقلوب متضرعة"

إنني ذاهب إلى الجد فادعوا=لي بمال يأتي حلالاً إليا

الأم: رافعة بصرها إلى السماء:

ربنا ارزقه من شآبيب تهمي=فوقه خيراً كالسحاب سخيا

هند: واجعل الترب في يديه نضاراً

علي: "مبتسماً ومداعباً":

واجعل الزهر في يديه حليّا

"يسدل الستار"