كونوا أمامي هذه المرة

نزار سليم باحميد – اليمن

(مشهد تمثيلي يجسد مأساة الشعب الفلسطيني).

(أب وابنه في غرفة ببيتهما يدور بينهما هذا الحوار).

الابن: أتذكر يا أبي كيف كنا عندما كان إخوتي يعيشون معنا هنا.

كانت لنا قوة، وشوكة؟!

الأب: نعم يا ولدي. واليوم صرنا مطمعاً للطامعين. ولكن لا، (يقف) يجب ألا نخضع ولا نستكين. نحن أقوياء. أقوياء بإيماننا، بإصرارنا على بقائنا في أرضنا، مهما تكن الظروف.

الابن: إلى متى سنظل هكذا يا أبي! إلى متى؟

الأب: سيكون الفرج قريباً بإذن الله، نعم، سيكون الفرج قريباً بإذن الله.

(طرق شديد على الباب، يقترب الابن من أبيه خائفاً)

الأب: لا تخف يا ولدي. من؟

من الخارج: افتح!

الأب: من أنت؟

من الخارج: افتح وستعرف من أنا!

الابن: لا تفتح يا أبي.

الأب: كن شجاعاً يا ولدي (يقترب من الباب وهو يفتح وهو يقول) استر يا رب.

(يقتحم البيت جنود مسلحون)

الأب: من أنتم؟ وماذا تريدون؟

الضابط: ألا تعرف من نحن! نحن أصحاب هذا المنزل.. هيا، هيا اخرجوا.

الأب: (مستغرباً) نخرج! كيف نخرج؟ بل أنتم اخرجوا.

الضابط: (بسخرية) عجيب أمرك. (بحدة) كيف تجرؤ على كلام كهذا؟

الأب: نعم هذا بيتنا، منزلنا، وليس لأحد أن يسكنه غيرنا.

الضابط: قلت لك: اخرج وإلا قتلتك.

الأب: لن تستطيع.

الضابط (يطلق رصاصة في الجو تهديداً).

الابن: (بصوت الخائف) أبي!!

الأب: لا تخف يا ولدي.. (للجنود) يجب عليكم أن تخرجوا من هنا وفي الحال.

الضابط: هه..

الأب: أنتم جبناء.

الضابط: الزم أدبك ولا تتجاوز حدك.

الأب: لماذا لم تأتني بمفردك، كنت لقنتك درساً لن تنساه.

الضابط: (ضاحكاً) أنت.. هه هه. لست أنت ولا أمثالك. كم كررتم مثل هذا الهراء!

الأب: هذا ليس هراء. ولكنها الحقيقة، الحقيقة التي يجب أن تدركوها.

الضابط: كف عن هذا واستعد للرحيل.

الأب: (بقوة) لن أرحل. لن أرحل، وافعلوا ما بدا لكم.

الابن: (مخاطباً نفسه) أين أنتم يا إخوتي. ليتكم تدركون ما يجري لنا.

الضابط: إنهم يعلمون. ولكنهم لن يأتوا!

الابن: أنت كاذب.

الضابط: لقد قمنا بإسكاتهم، واليوم هم في صفنا!

الأب: أنت واهم، إنهم أبنائي. وما يجري في عروقهم دم من دمي. وسترى!

الضابط: وأين هم الآن؟

الأب: إنهم قادمون.

الضابط: هذا حلم.. ولن يتحقق.

الأب: إنهم يتحاورون مع أسيادك.

الضابط: (يضحك بسخرية) هذه مسرحية نحن وزعنا أدوارها.

الأب: سترحلون، سترحلون، إني أشعر بذلك.

الضابط: شعور جميل. ولكنه سيبقى مجرد شعور.

الابن: لا.. لا.. أنت كاذب.. أنت حاقد.. أنت...

الضابط: (مقاطعاً) دعه يسكت، وإلا سأسكته إلى الأبد.

الابن: اخرج اخرج يا محتل.. عن بيتي فوراً ارحل.

الضابط: لقد تجاوز هذا الابن حده. خذ (ويقتله).

الأب: (يصرخ) لا..

(يخرج الضابط ورفاقه ويبقى الأب وحيداً يندب ابنه)

الابن: (وهو يموت) لا تحزن يا أبي. لا تحزن، أخبر إخوتي أني لن أسامحهم، لن أسامحهم حتى يلتفوا حولك، ويمنعوا عنك هذا الظلم وهذا الصلف. لا تستسلم يا أبي فلا معنى للحياة بدون وطن. لا تستسلم ولو كان الثمن هو الحياة.. وداعاً يا أبي وداعاً يا وطني. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله (ويستشهد...)

الأب: بصوت قوي ومدو "ولدي..."

(الأبناء يأتون من أماكن مختلفة).

لبيك يا أبي، لبيك يا أبي، لبيك يا أبي.

الأب: (يقف) يجب أن نثأر لأخوكم قبل كل شيء.

الأكبر: تقدم يا أبي. تقدم ونحن من خلفك.

الأب: لا. ولكن، كونوا أمامي هذه المرة.

(يأخذ الأبناء أخاهم ويخرجون وأبوهم من خلفهم).

(ستار).