محاور من تحت السرير

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

مسرحية ساخرة في مشهد واحد

تفتح الستارة على رجل يلبس لباس النوم و يجلس أمام التلفاز يقلب في المحطات ، و ينظر إلى الساعة في يده و هو يتثاءب ، و بجانبه سرير النوم المغطى بقماش إلى أسفل .

يطرق الباب طرقة قوية ، يرتبك ، ينهض لينظر من ثقب بالباب ، يضطرب ، يتحرك بنصف دائرة داخل الغرفة .. تزداد الطرقات ... يعود فينظر! الطرقات تتوالى .. يركض إلى الداخل ،يقف خلف الطاولة ثم ينظر إلى السرير ، فيرفع الغطاء ليدخل تحته عند ذلك يكسر الباب و يدخل عناصر ثلاثة مسلحون فلا يجدون أحداً ..

يشير أحد العناصر إلى التلفاز الذي ما زال يتكلم .. يهز رئيس الدورية رأسه ، فيبدؤون بالبحث عن أحد ما؟ يقترب رئيس الدورية فيرفع غطاء السرير ، فيجد المواطن بثوب النوم .

رئيس الدورية ( متوعداً ) : أمسكتك ، و لا حركة ، تختفي تحت السرير و تفر من مواجهة رجال الأمن (بتوتر)

ينبطح العنصران و يخرجان المواطن ، يقف أمامهم

رئيس الدورية : ماذا تفعل هنا ( و يشير إلى السرير )

المواطن : أشم النسيم ، و أطلع على نمط جديد من الحياة

رئيس الدورية ( بصوت مرتفع ) كذاب : هناك شيء آخر!!

المواطن : فررت من شخير زوجتي ، فأنا لا أحب

الضجيج !

رئيس الدورية : كذاب ! فكل الموظفين من أمثالك يشاركون في المسيرات الرسمية ، و يهتفون حتى تبح أصواتهم ، ثم يعودون قبل انتهاء الدوام .

المواطن ( في ارتباك ) أريد أن أجرب التفكير في مناطق الناس الذين يعيشون تحت ( مشيراً إلى السرير )

رئيس الدورية : ليس مهماً أن تعترف بالحقيقة ، فنحن نسجل ما نريد ، و أنت تقول ما يحلو لك !

( بصوت منخفض )ما رأيك أن تصنع لنا عشاءً ، و نتحاور و نحن على المائدة في جو ديمقراطي ، فنعتبر اللقاء بيننا حواراً لا تحقيقاً .

المواطن ( انفرجت أساريره) : كما تحبون فالعشاء جاهز و كنت على وشك البدء بالطعام .

يكشف غطاء بلاستيكي عن صحون و طعام فوق الطاولة ،يجلس الجميع .

رئيس الدورية ( ملتفتا إلى أحد العناصر ) اكتب الإجابات كما يقول ، و أنا سأتدبر الأمر بعد ذلك ( يلتفت إلى المواطن: ما رأيك بمن يعادون النظام ؟!

المواطن ( بلا انتظار ) خوارج !

رئيس الدورية : و الذين يؤيدونه ؟

المواطن : دواخل

رئيس الدورية : صف لنا الدواخل ، فنحن نعرف الخوارج !

المواطن ( يعتدل في جلسته ، و يتوجه إلى الدورية محاولاً الابتسام ) الدواخل - أعزكم الله - يصدقون ما تقوله الإذاعة و وسائل الإعلام ، و يؤمَّنون على ما تنشره الصحف ، و يحرصون على إقناع الآخرين بذلك !

أحد العناصر : رائع

العنصر الثاني : رائع جداً

المواطن : و يخرجون في المسيرات و يسارعون في إرسال برقيات التأييد .. ( يبلع ريقه بصعوبة )

و يحضرون إلى صناديق الانتخاب ، و هم يعلمون النتيجة مسبقاً .

رئيس الدورية : ممتاز - هائل

المواطن : و فيهم إيثار و محبة للآخرين حتى إنهم لينتخبون عن الغائبين و المسافرين ، و لديهم وفاء للغابرين فيدلون بأصوات التأييد نيابة عن الميتين !

رئيس الدورية ( مسح شاربيه من أثر اللبن ) : أنت مواطن واعٍ يا مواطن !

المواطن ( يهز رأسه )

رئيس الدورية : لا شك أنك تحب الرقم (99)

المواطن : طبعا .. إنه من أحب الأرقام إليّ على الإطلاق و صورته لا تغيب عن ذهني و خاصة عندما يضاف إليه 99. ، و يُعلن بعدها فوز الرئيس المناضل

رئيس الدورية ( بإعجاب و تشجيع ) : و عي - إدراك - وطنية !! ما رأيك في الخامس من حزيران و ما حدث فيه ؟

المواطن ( بلا تردد ) : قيادات واعية على مستوى المسؤولية ، و قواعد متخلفة دون الطموحات الثورية .

رئيس الدورية ( يهز رأسه مبتسما و معجباً ) هل تعتبر ما حدث نكبة أم نكسة ؟

المواطن : أبداً ( نافياً بشدة ) مجرد جولة ، فليس المهم أن نحتفظ بالتراب الوطني ، إنما المهم أن يبقى النظام بيد الطليعة التي تخوض المعركة .

 العنصر الأول : ما رأيك بالمخبرين ؟

المواطن : أحبائي و أصحابي

العنصر الآخر : رائع

المواطن ( متابعاً ) فيهم غيرة على البلد .

ينظر رئيس الدورية إلى العنصرين بإعجاب و هما يهزان رأسيهما .

المواطن ( متابعا) و أنا في كثير من الأحيان أكاد أبكي من شدة تأثري عندما أرى وجوههم الصفراء ، و عيونهم الزائفة و لهاثهم المتواصل .

رئيس الدورية ( يربت على كتفه معجباً )

المواطن : فهم العين الساهرة ( بلهجة خطابية ) و الأذن السامعة ، و اليد المسجلة ، و الرِّجل الملاحقة (يلتفت إلى رئيس الدوريةتصوَّرْ  - يا حضرة رئيس الدورية - لو أنهم كانوا غير موجودين بيننا ، ماذا كان يفعل آلاف المعتقلين في قطرنا المناضل المستهدف ( و ينقل بصره بين الثلاثة ) و أنتم على كل حال تعرفون فضلهم ، و لا يعرف الفضل لأهله إلا أهله .

رئيس الدورية : أحسنت .. أحسنت ! و ماذا نقول عن السوق السوداء ؟

المواطن ( يبتلع ريقه )

رئيس الدورية ( يتصنع الاحترام له ) بشفافية و موضوعية و دون إكراه .

المواطن : أنا أكره التمييز ! سوق سوداء ، سوق بيضاء ، لا يهم ! المهم أن السلع موجودة .

رئيس الدورية ( بلطف زائد ) و هل تتعامل معها ؟

المواطن : أتعامل معها و مع غيرها ! أليست ضمن حدود القطر ؟! و الكبار الكبار هم الذين يديرونها !

رئيس الدورية : و الطوابير ؟

المواطن : أحسن وسيلة لتعليم الناس النظام ، و ضبط الأعصاب ، و عدم التبذير ، و معرفة قيمة النعمة ، و مقدار الجهود التي يبذلها نظامنا التقدمي لخدمة الجماهير .

رئيس الدورية : مواطن صالح !

يهز العنصران رأسيهما موافقين

رئيس الدورية ( يقف و هو ينظر إلى المواطن ) : أنا معجب بالشفافية و الحس الوطني لديك ، و كنت سأنهي الحوار معك إلى هذا الحد ( يسكت قليلاً ، و المواطن يحدق فيه )

رئيس الدورية  ( متابعاً) لقد وزعنا كل الشتائم و الصفعات خلال جولتنا في هذا الحي

المواطن ( يصطنع الابتسام )

رئيس الدورية : و لم يبق لدينا سوى خمس شتائم و عشر صفعات و لا نستطيع أن نرجع إلى الفرع و هي بحوزتنا !

المواطن ( يبتلع ريقه بصعوبة )  : كما تحبون .

رئيس الدورية ( يضع يده على كتفه ) و نحن سنراعيك بحيث تتلقى الشتائم و الصفعات في آن واحد .. ( يحدق في المواطن ) تقف في منتصف الغرفة و أشتمك ، و العنصران يضربانك معاً.

أحد العناصر ( يهمس ) سيدي ! ليس هو المطلوب ؟!

رئيس الدورية ( ملتفتاً إليه بغضب ) : أتريد أن نعود إلى الفرع و معنا بقية الشتائم و الصفعات ليقال لنا : لم تؤدوا المهمة ؟!!

( تتوالى الصفعات من العنصرين و رئيس الدورية يبدأ بالشتائم ، و المواطن يصيح ! بالروح  بالدم نفديك يا قائد)

يتوقفون و المواطن بينهم

رئيس الدورية ( يبتسم ) بقي شيء واحد

المواطن ( بذلة و انكسار ) : ما هو ؟

رئيس الدورية ( بتراخٍ ) يجب أن تقبل حذاء أحدنا

المواطن ( بحدة ) : لا أفعل حتى أعرف نوع الجلد ، فأنا لا أقبل إلا جلداً مصنوعاً في قطرنا

رئيس الدورية ( يلتفت إلى عنصريه ، ثم إلى المواطن ) لك ما تريد ، ألم أقل لك نحن ديمقراطيون و نحب الحوار ؟

و متسامحون .. ( بتباطؤ ) سنؤجل ذلك إلى جلسة حوار أخرى .

رئيس الدورية ( يمسك بيده ) و يرفع غطاء السرير : عد - يا عزيزي - إلى تحت السرير ، فنحن لا نحب ترويع الآمنين .. و لك مطلق الحرية أن تشم النسيم كما تريد .. فالوطن لك و لكل الشرفاء .

( المواطن ينبطح و يدخل تحت السرير ، و رئيس الدورية و العنصران يخرجون و يغلقون الباب)

المواطن ( يمد رأسه و هو يدفع الغطاء ، و يدير نظره في الغرفة قائلاً : تفو ... تفو ... ثم يضع يده على أذنه صائحاً:

لا تسقني كأس الحياة بذلة       =

                        بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

(يعود و يخفي رأسه و ينسدل غطاء السرير)

تغلق الستارة