الثائر والشبيح

مسرحية في ثلاثة مشاهد

شخصيات المسرحية : طالبان يعيشان في غرفة واحدة

المنظر : غرفة متواضعة - سريران صغيران- منضدة واحدة حولها كرسيان - عدد من الكتب والمراجع

المشهد الأول

تفتح الستارة على (الثائر) محمود، وهو يجد في الدراسة والقراءة، يبدو عليه الإرهاق، يفتح مرجعاً ضخماً فيجد فيه ورقة مطوية، يفتح الورقة ويبدأ بقراءتها يظهر عليه علامات الاستغراب والدهشة - يهز رأسه يمنةً ويسرة..

يقول: بصوت مسموع (وهو يهز الورقة) بحرقة وأسى

وصل بك الأمر يا مسعود إلى هذا الحد؟ حتى الأساتذة لم يسلموا منك؟! تكتب عن كل أحد؟

يهز رأسه و يقطب جبينه: بئس العمل عملك! كنتُ أظنك أكبر من ذلك؟!!

يهم بإعادة الورقة وهو يطويها، يدخل (الشبيح) مسعود، ليفاجأ بأن الورقة في يد محمود .. ينفعل يأخذها بنزق : كيف تسمح لنفسك أن تقرأ أوراقي الخاصة؟

محمود: (بهدوء) لم أقصد ذلك، ولم أفعله من قبل! فتحتُ المرجع ونحن نستعمله معاً، فلفت نظري هذه الورقة.

يتراجع مسعود .... يهدأ ..... كأنما أحس بالذنب، يجلس على طرف السرير، ينظر إلى الأرض

تمضي فترة من الوقت، ومحمود يدق بنقرات على المنضدة بطرف القلم، وهو يجيل النظر في مسعود ..... يتوقف عن النقر...

محمود : هل أنتَ منزعج ... يا مسعود

مسعود : (بحدة) نعم، منزعج، ومنزعج كثيراً

محمود : مِمّن؟

مسعود : من لا أحد (يقف منتفضاً) لا أريد أن يعلم أحد ما في الورقة.

محمود : (ببطء) و لكن هناك مَنْ عَلِم..

يقترب مسعود مستنكراً وقد رفع يديه وبَسَطَهما وقبل أن يتكلم

محمود : ولم أخبره بذلك؟

مسعود : (يبدو عليه الاندهاش والارتباك)

محمود : (ببطء أشد) بل علم قبلي

مسعود : (في لهفة) من زملائنا! كيف؟ هل أعرت المرجع لأحد؟

محمود : بل ربُّك الذي يعلم كل شيء!

مسعود : (يهدأ قليلاً، ثم يتراجع)

محمود : لست قاضياً - يا مسعود - بل أنا صديق لك، ومن بلد واحد، وفي كلية واحدة

اسمح لي أن أسألك سؤالاً واحداً؟

مسعود : (يحدق فيه)

محمود : (يتابع) ماذا فعل لك الأستاذ كي تكتبَ فيه هذا التقرير ... الذي يمكن أن....

(قبل أن يكمل يقاطعه مسعود) قائلاً: ليس هذا تقريراً؟! ولكنه وصف حالة

محمود : (ساخراً .. يمط صوته) وهذه الحالة، قد توجب الإحالة، ومن بعدها الإقالة

مسعود : (بنزق) هو أدرى بحاله، ونحن نقوم بواجبنا تجاه وطننا، وننفذ أوامر الحزب

محمود : حتى لو كانت في ضرر الناس  قطع أرزاقهم

مسعود : (يهز رأسه هزات متتالية، وكأنه غير مبال)

محمود : مسعود! يا صديقي العزيز، يا رفيق طفولتي يا بن بلدتي بل وحارتي..

كأننا نسير في طريقين مختلفين (يهم بالخروج)

 يقف قرب الباب (ملتفتاً إليه): ولكني أحس أننا لن نفترق ... سأدعو لك، لأنني أحبك - يا مسعود-

مسعود: (يطرق رأسه .. ويهم في الاستلقاء على السرير)

تغلق الستارة

المشهد الثاني

الغرفة نفسها لم يتغير فيها شيء ..... يتحرك النور في جنباتها ويتوقف عند لوحة كتب عليها (من أعان ظالماً سلطه الله عليه)

يدخل محمود، وهو يتأوه وقد أمسك يده اليمنى بيده اليسرى التي بدا عليه آثار الدم، يتقدم نحو المنضدة، يبحث عن شيء فلا يستطيع، يتناول مناديل ورقية يتتبع آثار الدم، يجلس وهو منهك:

مجرمون ... من أين جاؤوا بهم، لا يمكن أن يكونوا سوريين .. إنهم يضربون المتظاهرين بالرصاص الحي (يحدق في مكان إصابته):

لقد كانت إصابتي بسيطة (يرفع رأسه وإحدى يديه) الحمد لله ... ولكن لا أستطيع أن أربط على الجرح بنفسي (يحاول الابتسام مخففاً عن نفسه: حالتي سهلة بسيطة (ثم يتأوه): ولكن ماذا فعل الشباب الذي أصيبوا بمواضع قاتلة؟ أين يذهبون (يرفع يده السليمة): يا رب كن معهم .. أعِنْهم يا رب..

صوت جلبة .. يدخل مسعود وهو مرهق و بيده عصا غليظة، وعلى ثوبه (القميص) بقع من دم

يفاجأ بمنظر محمود .. يقف محمود وينظر إليه بدهشة

مسعود : (متعجباً) ما ها... ما هذا الذي أرى

يشير بأصبعه إلى يد محمود) )

محمود : (متجلداً) بل رأيتَ أفظع منه، وأنتَ

(يشير إلى بقع الدم على قميص مسعود) ما هذا؟

مسعود : (يتلعثم) حا .. حاولت أن أنقذ جريحاً من زملائنا في كلية العلوم كان مع المتظاهرين فتلوث قميصي بالدم!!

محمود : (بهدوء وبصوت مرتفع) وجاؤوا على قميصه بدم كذب، بل كنت تضرب المتظاهرين وتشارك في تفريقهم بالقوة؟!

(ترتفع نبرة صوته) مسعود، أرجو أن تكون آخر خطاياك وأن ترد العصا لمن أمرك أن تضرب بها..

مسعود : (يرد بعصبية) وأنت أرجو أن تكون مشاركتك اليوم آخر أخطائك، فإن المستشفيات لا تستقبل أحداً..

محمود : (يهم بالخروج) ولكن بيوت المواطنين، وقلوبهم المتعاطفة أكبر من المستشفى وأثمن من الدواء (يخرج .. يلحق به مسعود - يقفان عند الباب)

مسعود : انتظر، لأضع لك الضماد، لا يمكن أن أتركك هكذا!

محمود :(رقَّ له) هبْ أنك - يا صديقي ، ضمدت جرح يدي، فمتى تضمد جرح قلبي الذي يحبك

              تغلق الستارة

     المشهد الثالث

يبدو مسعود، وهو يضع رأسه بين يديه، ومحمود يتحسس جرحه من فوق الضماد..

يرن جوال مسعود، يقوم من طرف السرير، يتجه إلى قميصه المعلق، يخرج الجوال: نعم، يا أبي .. الحمد لله .. أنا بخير، كيف حالكم، وأخي أحمد وأمي وخطيبتي سعاد (يتوقف) نعم (مستفهماً) أحمد قُتل (باستغراب) قُتِل كيف؟ ولكنه مجند يقضي خدمته في درعا وليس في القنيطرة ..قتلوه (يرفع صوته مستنكراً) رفض أن يصوب النار إلى المتظاهرين .. (بغضب) الضابط هو الذي فعل ذلك؟! متأكدون؟ (بانفعال) وسعاد؟

.. ماذا تقول : خُطفت .. مَنْ .. الشبيحة، وهي عائدة من المدرسة! ...أبي .. أبي (يلتفت إلى محمود الذي بدا منفعلاً ومتأثراً ومتعاطفاً)

مسعود : انقطع الخط .. انقطع الخط .. هم يراقبون كل شيء .. أعرف ذلك

(يدور مسعود في الغرفة) (يحاول محمود تهدئته)

مسعود : (يصرخ) مجرمون، قتلة، زبالة، جراثيم، قتلوا أخي (يبكي) قتلوا أحمد، خطفوا سعاد .. عصابات .. زبالات .. أوساخ.

ثم يقف  أمام اللوحة : (مَن أعان ظالماً سلطه الله عليه) يلتفت إلى محمود : لا .. لا يا محمود لن أعينهم، لن أكون معهم .. (يهدأ قليلاً):

هيا - يا محمود - لنخرج، لنكون في أول المتظاهرين.. (يخرج مسدساً من سترته) سأقتلهم بالمسدس الذي سلحوني به (يصرخ) سأقتلهم ... قتلوا أخي!!

محمود : (يحاول تهدئته من جديد) لا يا مسعود، بل نمنع القتل .. اترك سلاحك معك، لا تقتل به أحداً كما قتلوا أخاك، بل دافِع عن المتظاهرين، وقِف خلفهم حامياً لهم، وسأكون أنا في المقدمة، فكلانا يا مسعود له دور في الثورة..

 (يخرجان) تغلق الستارة مع بداية أنشودة

أخي أنتَ لي دفقة من حنانِ       أخي أنت لي نسمة من أمانِ

انتهت

وسوم: العدد 741