عَدِيُّ بن حاتم الطائي

عبد الله الطنطاوي

عَدِيُّ بن حاتم الطائي

عبد الله الطنطاوي

[email protected] 

المؤثرات: موسيقى.

فوزي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم.. صدق رسول الله.

مؤثرات: تغريد بلبل.

فوزي: هذا رجل طويل النِّجاد، رفيع العماد، كثير الرماد، هذا سيد وابن سيد.. هذا هو الصحابي المجاهد عديّ بن حاتم الطائي أجود العرب.

مؤثرات: موسيقى.

فوزية: من ضيفنا لهذا اليوم يا أخي؟

فوزي: ألم تعرفيه يا فوزية؟.. إنه سيد من سادات العرب في الجاهلية والإسلام..

مؤثرات: وقع خطوات..

عدي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجميع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

فوزي: أهلاً بالحسيب النسيب، أهلاً بالجواد ابن الجواد.. أهلاً بصاحب رسول الله.

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

فوزية: أهلاً بك يا جدي المجاهد..

عدي: مرحباً بكم يا أحباء رسول الله.

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

فوزية: ألا تقدم للإخوة المستمعين نفسك يا جدي؟

عدي: أنا عدي بن حاتم.

فوزية: ابن حاتم الطائي؟

عدي: أجل يا ابنتي.

فوزية: وأخو سفّانة بنت حاتم؟ يا مرحباً بصاحب الحسب والنسب، بمن كان أبوه يحبّ مكارم الأخلاق، حتى ذاع صيته في العرب والعجم، وسارت بأحاديثه الركبان.

فوزي: عفواً جدي المجاهد.. أنا لم أسمع بسفّانة.

فوزية (مقاطعة): عفواً جدي عدي بن حاتم، أنا أحدثه عن سفّانة إذا سمحت.

عدي (في سرور): تفضلي يا ابنتي تفضلي، ففيك ملامح من سفّانة عندما كانت صغيرة مثلك.. تفضلي.

فوزية (في حماسة): سفّانة بنت حاتم الطائية من ربّات الفصاحة والبلاغة والحسن والجمال والجود والكرم، كان أبوها حاتم يعطيها من إبله فتهبها وتعطيها للناس، فقال لها أبوها ذات يوم:

فوزي: يا بنيّة.. إن الكريمين إذا اجتمعا في المال أتلفاه، فإما أن أعطي أنا وتُمسكي أنت، وإما أن أُمسِك أنا وتعطي أنت، فإنه لا يبقى على هذا شيء.

فوزي: فبماذا أجابت أباها يا فوزية؟

فوزية: فقالت سفّانة: والله لا أُمسِك أنا أبداً.

فوزي: وأبوها؟ ماذا كان موقف أبيها حاتم؟

فوزية: كان موقف حاتم كموقف ابنة حاتم.. قال لها:

فوزي: وأنا والله لا أُمسك أبداً.

فوزي: والعمل؟ ألم يتنازل أحدهما للآخر؟

فوزية: لا.. لم تتنازل سفّانة عن جودها، ولم يتنازل أبوها، فقالت له سفانة: فلا نتجاور.

فوزي: كيف؟ ما معنى فلا نتجاور؟

عدي: يعني قاسمها أبوها ماله، وتباينا.. وصارت تجود بمالها، كما كان أبي يجود بماله.

فوزي: هذه طُرفة بديعة، ما كنتُ لأصدقها لولا أنك يا جدي حاضرٌ عليها.

فوزية (لعدي): واسمح لي يا جدي أن أكمل بعض ما أعرف من أخبار سفّانة.

عدي: تفضلي يا ابنتي، فقد أثرتِ في نفسي شذى الأريحيات الطائية.

فوزية: عندما جيء بسبايا طيء إلى النبي الكريم.

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

فوزي: عفواً جدي.. هل تأخر إسلامكم حتى غزاكم المسلمون؟

عدي: أجل يا بني.. تأخر إسلام طيء أولاً، وسار قسم كبير منها في ركاب طليحة بن خويلد الأسدي عندما ادّعى النبوة ثانياً، وثالثاً كانت قبيلة طيء تؤذي المسلمين وتغير عليهم، وتخطف من تلقاه منهم، ورابعاً، لم تكن بعيدة عن قتل المجاهد البطل والصحابي الجليل عكاشة بن محصّن.

فوزي: وأين كنت أنت وعقلك الكبير يا جدي؟

عدي: كنت على دين الركوسية.

فوزي: لم أسمع بهذا الدين.

عدي: هذا الدين كان وسطاً بين النصرانية والصابئية.

فوزية: عفواً يا سادة.. لم أكمل حديثي عن سفّانة، عن جدتي الحبيبة سفّانة.

عدي: تفضلي يا ابنتي تفضلي..

فوزي: وأرجو ألا تطيلي يا فوزية.

فوزية: كما تحب يا أخي فوزي.

مؤثرات: موسيقى ناعمة مصاحبة.

فوزية: عندما جيء بسبايا طيء إلى الرسول القائد، كانت سفّانة من بين السبايا، فتعرّضت للنبي الكريم وقالت له:

يا محمد، هلك الوالد وغاب الرافد، فإن رأيتَ أن تخلّي عني ولا تُشْمِتْ بي أحياء العرب، فإن أبي سيد قومه، كان يفك العاني، ويحمي الذمار، ويفرّج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يطلب إليه طالب قط حاجة فردّه، أنا ابنة حاتم الطائي.

فوزي: ما أبلغ هذا الكلام، وما أفصح قائله.. فماذا تصرّف معها الرسول القائد يا فوزية؟

فوزية: فقال لها النبي الكريم:

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

فوزية (متابعة): يا جارية، هذه صفة المؤمن.. لو كان أبوك إسلامياً لترحّمنا عليه.. خلّوا عنها، فإنّ أباها كان يحب مكارم الأخلاق.

فوزي: ثم ماذا يا فوزية؟ لا فُضَّ فوكِ، ولا عاش حاسدوكِ.

فوزية: وأكرمها النبي الكريم ووصَلَها، فغادرت المدينة المنورة، وأتت أخاها عدياً.. (لعدي): عفواً سيدي عدي، سأترك لك الحديث.

عدي: طبعاً كانت أختي سفّانة أسلمت وحسن إسلامها، وجاءتني معجبة بأريحية رسول الله

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

عدي (متابعاً): وكرم أخلاقه ويده، فحسّنتْ لي الإسلام، ودعتني إلى مقابلة الرسول الكريم

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

فوزي: أين كنت يا جدي عدي عندما زارتك سفّانة؟

عدي: سأروي لكم حكاية إسلامي، فلعل فيها موعظة لمن هم في مثل حالي في الجاهلية.

فوزي: تفضل يا جدي.

مؤثرات: موسيقى ناعمة مصاحبة..

عدي: لما بُعث النبي

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

عدي (متابعاً): كرهتُه كراهية شديدة، فانطلقتُ حتى كنت في أقصى الأرض مما يلي الروم، فكرهتُ مكاني أشد من كراهته، فقلت: لو أتيتُه، فإن كان كاذباً لم يَخفَ عليّ، وإن كان صادقاً أتبعه. فأقبلت، فلما قدمت المدينة، استشرفني الناس فقالوا: عدي بن حاتم، عدي بن حاتم.

فوزية: إذن.. كنت معروفاً لدى العرب.

عدي: فأتيت النبي الكريم

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

عدي: فقال لي: يا عدي، أسلمْ تسلم، يا عدي أسلم تسلم، يا عدي أسلم تسلم.

فوزية: فماذا أجبته؟

عدي: قلت: إن لي ديناً.

فوزية: فماذا قال لك يا جدي؟

عدي: قال: أنا أعلم بدينك منك.

فوزي: فماذا أجبت يا جدي؟

عدي: قلت: أنت أعلم بديني مني؟

فوزية: فماذا أجابك يا جدي عدي؟

عدي: قال: نعم.. نعم.. ثم قال: ألستَ ترأس قومَك؟ قلت: بلى، قال: ألستَ تأكل المرباع؟

فوزية: عفواً سيدي.. ما معنى المرباع؟

عدي: المرباع: ربع الغنيمة التي يغنمها المقاتلون في الحرب، كان يأخذها أمير القوم لنفسه.

فوزي: نعم يا جدي.

عدي: قال: ألستَ تأكل المرباع؟ قلت: بلى. قال: فإن ذلك لا يحل لك في دينك.

فوزي: لقد أحرجك يا جدي عدي.. فماذا أجبت؟

عدي: فنَضَنَضْتُ.. أي حركتُ لساني في فمي.. ولم أجب.. فقال لي النبي الكريم:

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

عدي: قد أظن أنه إنما يمنعك (من الإسلام) غضاضة تراها ممن حولي، وأنك ترى الناس علينا إلباً واحداً.

فوزي: يعني متألبين علينا، مجتمعين على قتالنا وعدائنا.

فوزية: ثم ماذا يا سيدي عدي؟

عدي: ثم قال: هل أتيتَ الحيرة؟

قلت: لم آتِها، وقد علمتُ مكانها.

قال: يوشك أن تخرج الظعينة.

فوزي: يعني المرأة.

عدي (متابعاً): من الحيرة بغير جِوارٍ حتى تطوف بالبيت، ولتُفتَحنَّ علينا كنوز كسرى بن هرمز، فقلت: كسرى بن هرمز؟ قال: نعم.. ولَيَفيضَنَّ المالُ حتى يُهِمّ الرجلَ مَنْ يَقبلُ صَدَقَتَهُ.

الشقيقان: الله أكبر..

فوزية: وهل تحقق شيء من هذا في حياتك يا جدي؟

عدي: أجل.. فقد رأيت اثنتين: الظعينة.. لقد خرجت الظعينة من الحيرة، وطافت بالبيت في غير جِوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز.

فوزية: والثالثة؟

عدي: والذي نفسي بيده، لتكوننّ الثالثة، لأن رسول الله

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

عدي (متابعاً): قد قالها.

فوزي: هنيئاً لك إسلامك وصحبتك للرسول القائد يا جدي.

عدي (هامساً): صلى الله عليه وسلم.

فوزية: هل من ذكرى معينة في إسلامك أي وقت إسلامك يا جدي؟

عدي: عندما أتيتُ النبي

الجميع: صلى الله عليه وسلم

عدي (متابعاً): في المسجد، أتيتُه بغير أمان، ولا كتاب، وكان قبل ذلك قال: إني لأرجو الله أن يجعل يده في يدي، فقام فأخذ بيدي، فلقيَتْه امرأة وصبي معها، فقالا: إن لنا إليك حاجة، فقام معهما حتى قضى حاجتهما، فعرفت أنه ليس مُلك كسرى ولا قيصر.

فوزي: وبدأ الإيمان بالنبي الكريم يتغلغل في قلبك.

عدي: وعاتبني النبي الكريم على فراري إلى أرض الروم فقال: يا عدي بن حاتم.. ما أفرّك؟ أفرَّكَ أن يقال: لا إله إلا الله؟ فهل من إله إلا الله؟

ما أفرّك؟ أفرّك أن يقال: الله أكبر؟ فهل شيء هو أكبر من الله عز وجل؟

فوزية: فماذا أجبت يا جدي؟

فوزي: إني أرى الإسلام يتغلغل إلى عقلك يا جدي.

عدي: فأسلمت، فرأيت وجهه الشريف قد استبشر.

فوزية: في أيّ سنة كان إسلامك يا جدي عدي؟

عدي: في شهر شعبان، سنة تسع للهجرة.

فوزي: ألا نأتي إلى حديث الجهاد يا سيدي عدي؟

عدي: وهل أطيبُ من الجهاد وحديث الجهاد يا أولادي؟

فوزي: هل تذكر لنا شيئاً عن دورك يا جدي في حروب الردة؟

عدي: كانت ردة بعض القبائل العربية عن الإسلام فتنة امتحن الله بها إيمان المسلمين، وكان موقف الخليفة أبي بكر أعظم موقف في الإسلام، فلولا وقفته الشجاعة في وجوه المرتدين، لكان ما الله وحده به أعلم.

فوزية: مع من قاتلتَ المرتدين يا جدي؟

عدي: قاتلتُ تحت لواء سيف الله خالد بن الوليد.

الجميع: رضي الله عنه.

عدي: كانت قبيلتي طيء من جملة القبائل التي ارتدت عن الإسلام.. استطاع طليحة بن خويلد أن يتلاعب بعواطفها وعقولها، فانحازت إليه، فخرج خالد لقتالها.

فوزي: وأنت معه؟

عدي: وأنا معه، ولكنني كنت أطمع في إعادة قبيلتي إلى الإسلام بلا قتال.

فوزية: وهل تمكنت من ذلك يا جدي؟

عدي: استمهلت خالداً بضعة أيام، ذهبت فيها إلى قبيلتي طيء، وتمكنت من إقناع وجوه القبيلة بالعودة إلى الإسلام، فعادت القبيلة كلها إلى الإسلام، وجَبيتُ الزكاة منها، وعدتُ بها إلى الخليفة أبي بكر.

الجميع: رضي الله عنه.

عدي: وفرح أبو بكر، وفرح خالد، وفرح المسلمون بعودة طيء إلى الإسلام، وانضم رجال القبيلة إلى جيش خالد، يقاتلون المرتدين.

فوزي: كم رجلاً التحق بخالد من طيء يا جدي؟

عدي: خمس مئة فارس من الغوث.

فوزي: لم أفهم..

عدي: لا بأس يا بني.. قبيلة طيء قسمان: الأول اسمه غوث، والثاني جَديلة.

فوزي: إذن.. كان الذين أسلموا من غوث؟

عدي: أجل.. أما جديلة فكانت ما تزال على الردّة، فقال لي خالد:

فوزي: يا أبا طريف.. ألا نسير إلى جديلة؟

فوزية: إذن أنت أبو طريف يا جدي؟

عدي: نعم.. كنيتي أبو طريف.

فوزي: بماذا أجبت خالداً يا جدي؟

عدي: قلت له: يا أبا سليمان لا تفعل.. فسألني:

فوزي: لماذا يا أبا طريف؟

عدي: فقلت له: أأقاتل معك بيدين أَحَبُّ إليك أم بيد واحدة؟ فقال خالد:

فوزي: بل بيدين.

عدي: فقلت: فإن جديلة إحدى يديّ.

فوزية: وهل استجاب خالد لك يا جدي؟

عدي: أجل استجاب، وكفَّ عنهم، فأتيتُهم فدعوتُهم إلى الإسلام واستطعت إقناعهم، فأسلموا، فحمدتُ الله تعالى على إسلامهم، وسرتُ بهم إلى خالد وهم في أهبة الحرب.

فوزي: ففرح بهم خالد.

عدي: بل رآهم خالد في عدتهم الحربية، ظن أنهم جاؤوا لقتاله، فنادى في جيشه:

فوزي: يا خيلَ الله اركبي.

عدي: فقالوا له: هذه جديلة، جاءت تقاتل معك، ففرح بهم خالد وسألهم:

فوزي: هل أنتم مستعدون؟

عدي: فأجابوه بصوت واحد: نحن لك حيث أحببت.. فضمّهم خالد إلى جيشه، وعقد لي لواء طيء: غوثِها وجديلتِها.

فوزي: وكم رجلاً كان هؤلاء الفرسان يا جدي؟

عدي: كانوا ألف فارس، لحقوا بركب المسلمين، بعد أن أوشكوا أن يكونوا عليهم.

فوزية: وكنتَ بهذا أبركَ رجل على قومه.

عدي: وقد حفظها لي أمير المؤمنين عمر.

فوزي: وكيف كان ذلك يا جدي؟

مؤثرات: موسيقى ناعمة ترافق الحوار التالي:

عدي: قدمتُ على أمير المؤمنين عمر

الجميع: رضي الله عنه.

عدي (متابعاً): فلما دخلتُ عليه ظننتُ فيه جفاء وانصرافاً عني، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما أظنك تعرفني. فقال أمير المؤمنين عمر: كيف لا أعرفك، أكرمك الله بأحسن المعرفة؟ وأول صدقة بيّضت وجه أصحاب رسول الله صدقة طي؟ أعرفك والله.. آمنتَ إذ كفروا، وأقبلتَ إذ أدبروا، ووفيتَ إذ غدروا.

فوزي: هذه شهادة قيمة من أمير المؤمنين عمر يا جدي.

فوزية: فهل أجبتَه على هذا الكلام الجميل النبيل يا جدي عدي؟

عدي: قلت له: حسبي يا أمير المؤمنين حسبي.

فوزية: هل استفدتم شيئاً من حروب الردة، غير إعادة المرتدين إلى الإسلام يا جدي؟

عدي: وهل هذه قليلة يا ابنتي؟.. ومع ذلك كانت حروب الردة ميداناً عملياً تدرب وتخرّج في مدرسته آلاف الأبطال، وعشرات القادة الأفذاذ.

فوزي: وماذا عن دورك في الفتوحات العربية الإسلامية يا جدي؟

عدي: قاتلتُ في العراق تحت لواء القائد العظيم المثنى بن حارثة الشيباني..وكنت على رأس الفرسان من قبيلة طيء.

فوزية: كم مجاهداً كان تحت إمرتك يا جدي؟

عدي: كانوا ألف فارس بطل، قاتلت فيهم قتالاً يرضى عنه الله ورسوله

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

عدي (متابعاً): والمؤمنون.

فوزي: وهل قاتلت تحت لواء خالد في حرب الفتوح يا جدي عدي؟

عدي: في مسيرنا من النباج إلى الحيرة، جعلني خالد قائداً للميسرة، وكانت ميسرة جيش خالد من طيء.

فوزي: ثم ماذا يا جدي؟

عدي: وكنت في معركة (المذار) قائداً للميسرة، وفي هذه المعركة الكبيرة قتلت قائد ميمنة القوات الفارسية، واسمه قُباذ.

فوزي: وهل شاركت في معركة كانت شديدة الوطء على المسلمين يا جدي؟

عدي: أجل شاركت. إنها معركة ذات السلاسل.

فوزي: هل تحدثنا بشيء عن هذه المعركة الهائلة يا جدي؟

عدي: كان أمير الأُبُلّة من قِبَل فارس رجلاً خبيثاً اسمه هُرمز، وكان من أسوأ أمرائها جواراً للعرب، فكل العرب يكرهونه، حتى ضربوا به المثل في الكفر والخبث، فكانوا يقولون: أخبثُ من هرمز، وأكفر من هرمز، وكان يحارب العرب في البر، والهند في البحر.

فوزية: أمة فيها مثل هذا القائد، جديرة بالهزيمة.

عدي: جعلني خالد على ميسرة الجيش أيضاً، وانتصرنا في هذه المعركة انتصاراً هائلاً، فرح له سائر الذين كان هرمز يحتقرهم من العرب والعجم.

فوزية: ولماذا سُميت هذه المعركة بذات السلاسل يا جدي؟

فوزي: أنا أجيبها يا جدي.. لأن جنود الفرس قيدوا أنفسهم بالسلاسل حتى لا يهربوا من المعركة.

فوزية: فقُتلوا جميعاً.

عدي: وكنت قائد الميسرة في معركة المصَّيخ أيضاً، وفي معركة أُلَّيس.

فوزي: وهل قاتلت تحت لواء خالد في الشام يا جدي؟

عدي: عدت مع خالد إلى الشام، وقاتلت معه في الطريق، ووجهني بعدها خالد بالأخماس إلى الخليفة أبي بكر.

فوزية: وإذا تركنا القتال، فهل من حديث آخر في مثل جماله وروعته عندك يا جدي؟

عدي: أولاً وأخيراً، ليس أروع من حديث الجهاد، ومع ذلك، سوف أحدثكم عن الصلاة التي هي عمود الدين وعِماده، فأنا منذ أسلمتُ إلى أن مت، ما أقيمت الصلاة إلا وأنا على وضوء.

فوزية: هنيئاً لك يا جدي، فالوضوء سلاح المؤمن.

عدي: وما دخلَ وقت صلاة حتى أشتاق إليها.

فوزي: ويحدثنا التاريخ يا جدي، أن الأشعث بن قيس أرسل إليك يستعير منك قدور أبيك حاتم، فملأتها طعاماً، وأمرت رجالك بحملها إليه، فأرسل إليك الأشعث قائلاً:

فوزي: إنما أردناها فارغة.

فوزي: فأرسلتَ إلى الأشعث قائلاً:

عدي: إنّا لا نُعيرها فارغة.

فوزية: ويحدثنا التاريخ، أنك يا جدي كنت تَفُتُّ الخبز للنمل وتقول:

عدي: إنهنّ جارات، ولهنّ علينا حق الجوار.

فوزي: رحم الله عدي بن حاتم، فقد كان شريفاً سيداً في قومه، وكان خطيباً حاضرَ البديهة، حاضر الجواب، وكان فاضلاً كريماً، وكان معظّماً عند قومه، معظّماً عند العرب.

مؤثرات: موسيقى الختام.