مولد النور

الأديب الكبير الأستاذ: علي أحمد باكثير

(1)

(في بيت آمنة بنت وهب. آمنة وجاريتها بركة (أم أيمن))

بركه: كلا يا مولاتي . . . لن أدعك تباشرين اليوم أي عمل .

آمنة: ويحك يا بركة دعيني أساعدك قليلا في عملك فإني بخير .

بركه: كلا كلا لا حاجة بي إلى مساعدتك. عليك أن تستريحي فهذا آخر شهرك التاسع .

آمنة: لكني لا أجد أي ثقل و لا ألم ، بل إني لأجدني اليوم أنشط مني في أي يوم مضى .

بركه: أما أن أمرك يا مولاتي لعجيب. أما زلت تسمعين صوت ذلك الهاتف ؟

آمنة: كل ليلة يا بركة .

بركه: ماذا سمعته البارحة يقول ؟

آمنة: سمعته يقول : يا آمنة بنت وهب إنك حملت سيد هذه الأمة ، فإذا وقع إلى الأرض فقولي :  أعيذه بالواحد من شر كل حاسد .

بركه: ألا أدعوا لك قتيلة بنت نوفل لعلها تستطيع أن تفسر لك هذا الأمر بما عندها من علم أخيها ورقة بن نوفل ؟

آمنة: كلا . . . ما بي إلى علمها ولا إلى علم أخيها حاجة .

بركه: إنها يا مولاتي حفية في السؤال عنك ، لا تراني ألا سألتني عنك و عن حملك فماذا يضيرك لو دعوتها إليك ؟

آمنة: ألم تعلمي يا بركة أنها صاحبة عبد الله ، وأنها تنفس هذا الحمل على وترى أني سلبها إياه . أنسيت قولها عني :

لله ما زهرية سلبت   ثوبيَّ ما سلبت ولا تدري ؟

بركه: لكنها تحبك اليوم ولا تنفس عليك. إن سؤالها عنك لسؤال المحبة المخلصة.

آمنة: } تنهد { أيا ما يكن حالها فقد انقضى الذي بيننا منذ ذهب عبد الله إلى غير المعاد !

بركه: واحسرتاه على مولاي عبد الله ! ويحه ما كان يخلص من محنة التضحية حتى غوضر في شبابه قبل أن يهنأ بشيء .

آمنة: ياليته عاش حتى يرى وليده هذا ولو سحابة يوم ! آه يا بركة لولا هذا الصوت الذي يبشرني دائما و يعزيني ، ولولا أني حريصة على أن يبقى لعبد الله عقب مني لكنت هلكت حزنا عليه .

بركه: أجل يا مولاتي إن مصابك به لفوق كل مصاب.

آمنة: ولكن نساء قريش يلمنني على ما يرين من تجلدي و صبري، و يعددن ذلك سلوانا مني عن ذلك الذي يقلن عنه إنه أجمل هاشمي درج على أرض البطحاء، وإن أية واحدة منهن لو فجعت به ما عاشت بعده يوماً. الله لهن ! إنهن لا يعلمن ما في قلبي ولا يدرين أمر هذه الهواتف التي درجت تبشرني في كل ليلة. ولو أني قلت لهن شيئا من ذلك لرمينني بالمس أو بالاخلاق .

بركه:} في اهتمام مفاجئ { مولاتي مولاتي . . هذه قتيلة مقبلة !

آمنة: قتيلة !

بركه: نعم

آمنة: مرحباً بها . . أكرمي مقدمها يا بركة.

قتيلة:} تدخل { عمى صباحا يا آمنة !

آمنة: مرحبا بك يا قتيلة. لطالما بلغتني بركة جميل سؤالك عني. لا عدمتك !

قتيلة: رعاك الله يا بنت وهب. ما وسعني اليوم إلا أن أجيء بنفسي لأراك و أرى غلامك السعيد الميمون.

آمنة: ويحك يا بنت نوفل إنه مازال في غيب الله.

قتيلة: ستضعينه اليوم يا آمنه. لقد حدثني أخي ورقة أنه رأى البارحة ذلك النجم الأحمر الذي يظهر ليلة مولد ذلك النبي المنتظر و قد بعثني لأستطلع.  

آمنة: أو قد حدثك بذلك ؟

قتيلة:إي و الله وقد ظننت أنني سأجدك قد ولدته.

بركه: لكن مولاتي لا تشكوا اليوم شيئا و لا ندري متى يأتيها الطلق.

قتيلة: إن يكن هو الذي حملت به حقا فسيأتيها الطلق اليوم لا محالة، و إلا كان ذلك في بيت آخر.

بركه: كلا لن يكون ذلك في بيت آخر أبداً. إن مولاتي لتسمع الهواتف كل ليلة تبشرها بذلك.

آمنة: مه يا بركة.

قتيلة: الهواتف ؟ فيم يا آمنة تكتمين ذلك عني ؟ أو تظنين يا أختاه أنني ما زلت أجد عليك لأنك سلبتني هذا الشرف ؟ كلا ورب الكعبة لقد اختارك الله وقضى الأمر. و إنك لأولى بذلك مني فأنت زوج عبد الله و هو بعلك، و ما كنت إلا غريبة دعته إلى استبضاعها لتفوز دونك بالحظ الذي كتبه الله لك. فخبريني يا بنت وهب ماذا تقول لك الهواتف ؟

آمنة: إنه هاتف واحد بذاته يا قتيلة، وقد قال لي أموراً كثيرة وعيت بعضها وعزب عني بعض.

بركه: حدثيها يا مولاتي بما قال لك البارحة.

قتيلة: أجل ماذا قال لك البارحة يا آمنة.

آمنة: قال لي: يا آمنة بنت وهب إنك حملت سيد هذه الأمة، فإذا وقع إلى الأرض فقولي:  أعيذه بالواحد من شر كل حاسد.

قتيلة: فابشري يا آمنة أنه هو لا ريب . . . هو النبي المنتظر. قد علمت أن عيني لم تكذبني ذلك اليوم إذ رأيت تلك الغرة المتوقدة كالكوكب الدري على جبين عبد الله فلما عاد إليّ من عندك التمستها فلم أجدها إذ انتقلت إلى أحشائك يا آمنة إنه هذا الجنين الذي في بطنك و إنه سيخرج اليوم لا محالة.

آمنة: } تتأوه تأوها خفيفا { آه !

بركه: ما خطبك يا مولاتي ؟ أتشكين شيئا ؟

آمنة: لا شيء يا بركة إلا وجعاً يسيرا آنسته يدب في ظهري.

قتيلة: هلم القابلة يا بركة فإني لا أحسن هذا الشأن و ياليتني أحسنه !

بركه: و لا أنا يا أختاه.

قتيلة: انطلقي حالاً . . . انطلقي إلى الشفاء فإنها أكرم قابلة في مكة. أتعرفين دارها ؟ 

بركه: نعم أعرف دارها . . على أن تبقي أنت عند مولاتي ريثما أعود ؟

قتيلة: ويلك لن أريم مكاني هذا حتى أشهد الغلام الميمون .

} تخرج بركة منطلقة {

آمنة: قتيلة !

قتيلة: نعم يا آمنة .

آمنة: جزيت عني خيرًا . . . لقد والله آنستني و سريت عني .

قتيلة: بوركت يا بنت وهب. لئن فاتني أن أكون أمًا ما فاتني أن أكون أول عين تراه !

(2)

( في الحجر عند الكعبة . يرى عبد المطلب جالسًا وحده )

( يدخل المغيرة المخزومي ووائل السهمي )

المغيرة: ذاك عبد المطلب جالسًا وحده . . . هلم يا وائل نجلس إليه .

وائل: ماذا نصنع عنده يا مغيرة إنه لم يزل محزونًا على ابنه عبد الله كأن لم يمت لأحد قبله ولد !

المغيرة: صدقت دعنا ننتح بعيدًا عنه لنتحدث في شؤوننا. انظر: ذاك ابنه أبو طالب قد أقبل إليه !

وائل:دعه يواسي أباه الشيخ ! ( يبتعدان )

أبو طالب: عم صباحًا يا أبي . . أنت هنا حدك ؟

عبد المطلب: أجل يا بني .

أبو طالب: و تدمع عيناك ؟

عبد المطلب: ويلك هل يراني أحد من قريش ؟

أبو طالب: لا يا أبتي إنهم بمعزل عنك. وهبهم رأوك فما شأنهم بك ؟

عبد المطلب: كلا يا بني لا أحب أن يرو جزعي فطالما لاموني في عبد الله. إنهم يا عبد العزى لقساة القلوب.   

أبو طالب: و إنك في الحق لملوم بعض اللوم

عبد المطلب: ويلك يا عبد العزى لا أرينك قاسيًا مثلهم.

أبو طالب: كلا ما بي من قسوة، بيد أن عبد الله أخي قد مضى و لن يعود و قد حال الحول على وفاته أو كاد فإلام الحزن و البكاء عليه ؟

عبد المطلب: ويحك يا بني إن حزني عليه ليتجدد في قلبي كل يوم.

أبو طالب: لئن ذهب عبد الله لقد بقي سائر ولدك و كلهم ساعد لك و عضد و لن يقوم لك عبد الله بشيء لا نقوم به نحن لك.

عبد المطلب: آه يا عبد العزى و الله ما معونة عبد الله بالذي افتقدت، و إلا لكان لي فيكم عنه العوض. فما كان عبد الله بأقوى منكم و لا أنهض بالجلّى. و لكن لعبد الله عندي شأنًا ليس من شؤون هذا العيش الذي نغدو فيه و نروح.

أبو طالب: ماذا تعني يا أبي ؟

عبد المطلب: ماذا أشرح لك يا عبد العزى من أمور شهدتها أنت بعينك و كنت جديرًا أن تفقهها بنفسك ؟ ألم تر كيف فدى عبد الله بالإبل المائة ؟ 

أبو طالب: بلى.

عبد المطلب: ألم تر كيف تزوج آمنة بنت وهب و لم يقض إلا قليلا ؟

أبو طالب: بلى.

عبد المطلب:و كيف سافر السفرة التي سافرها فلم يعد منها ؟

أبو طالب: بلى.

عبد المطلب: فلأمر ما فدى عبد الله ليعيش، ثم لأمر ما سافر بعد زواجه وشيكا ليموت ! دع عنك تلك الآية التي شهدناها منذ شهرين كيف رد الله عنا صاحب الفيل فأهلكه وجيشه بتلك الطير الأبابيل !

أبو طالب: صدقت يا أبت إن لهذا كله لشأناً و إنه لحري أن يعزيك عن كل هالك و عسى أن تجيء آمنة بغلام يكون أحب إليك و أفضل لك من أبيه.

عبد المطلب: أي والله إن جاءت بغلام فلأسمينه محمدًا . . محمد بن عبد الله بن عبد المطلب!

أبو طالب: انظر ! هذه بركة يا أبي ..جارية آمنة !

عبد المطلب:بركة ! هلمي يا بركة ! ماذا وراءك ؟

بركة:أبشر يا سيدي. مولاتي آمنة جاءتك بغلام !

عبد المطلب: ( هاتفا ) اللهم لك الحمد يا رب الحمد !

(3)

( في بيت آمنة )

أم العاص: أريني يا شفاء أنظر إليه !

الشفاء: قد رأيته يا أم العاص فحسبك !

أم العاص: أشتهى أن أتملى برؤيته. يا له من غلام جميل لم ترعيني مثله قط !

قتيلة: ( تتمتم ) هذا هو ! هذا هو !

أم العاص: عجبًا لقد خرج نظيفاً كما يخرج السخل ما به من قذر !

قتيلة: هذا هو ! هذا هو !

الشفاء: تنحي عنه قليلا يا أم العاص.

أم العاص: انظري . . إنه مكحول ثم انظري . . أنه مختون !

قتيلة: هذا هو ! هذا هو !

أم العاص: عجباً . . إنه شاخص ببصره إلى السماء .

قتيلة: هذا هو !

أم العاص: هو ماذا يا قتيلة ؟

قتيلة: النبي المنتظر.

المرأتان: النبي المنتظر ؟

قتيلة: نعم ألم تريا ذلك النور الذي خرج معه ؟

الشفاء: بلى لقد كاد يخطف بصري.

أم العاص: و أنا نظرت إلى السماء ساعتئذ فرأيته قد أضاء ما بين المشرق و المغرب.

الشفاء: آمنة ! ما بالك صامتة يا آمنة ؟ ألم تسمعي ما تقول قتيلة ؟

آمنة: بلا قد سمعت.

الشفاء:فما خطبك ؟ هل من وجع ؟

آمنة: كلا لا وجع البته . . . أين بركة ؟

الشفاء: انطلقت لتبشر أباه .

آمنة: ( في شيء من الأسى ) أباه !

الشفاء: أجل . . . أباه عبد المطلب .

آمنة: حقًا إن عبد المطلب لأبوه و نعم الأب الكريم .

أم العاص: هاهو ذا قد أقبل .

عبد المطلب: ( يدخل ) كيف أنت يا آمنة ؟

آمنة: بخير يا عماه. .

عبد المطلب: ( في فرح )ابني! هذا ابني ! يا بشراي بمحمد !

آمنة: محمد ؟

عبد المطلب: أجل قد سميته محمدًا يا آمنه.

آمنة: لكني أمرت أن أسميه أحمد.

عبد المطلب: الهاتف أمر بذلك.

آمنة: نعم.

عبد المطلب: فهو أحمد و محمد: أحمد عند الله و محمد في الناس. هل لي أن أحمله يا شفاء ؟

الشفاء: افعل يا أبا الحارث على أن ترفق به.

عبد المطلب: ( يحمله ) انظري يا آمنه إنه يحبني و يتعلق بي ! و الله لأحملنه الساعة إلى الكعبة فلأدعون له الله أن يجعله مباركًا

الشفاء: أرفق به يا عبد المطلب .

عبد المطلب: ويحك يا شفاء إنه ابني و حبيبي و إنه لصاحب الشأن، لن تراعي يا آمنه . . . سأعود به وشيكًا ( يخرج ) . 

قتيلة: عجبًا . . . إن عبد المطلب ليعلم أمره. لأنطلقن الساعة إلى أخي ورقة فليفرحن بالبشارة.

(4)

} في الحجر عند الكعبة {

} ورقة بن نوفل يسعى خلف عبد المطلب {

ورقة: مهلاً يا أبا الحارث يا عبد المطلب .

عبد المطلب: من ؟ ( يلتفت ) ورقة بن نوفل . . هلم هنئني يا ورقة .

ورقة: ( يدنو منه ) أهنئك وحدك ؟ إني أهنئ جميع أهل الأرض !

عبد المطلب: بأي شيء يا ورقة ؟

ورقة: بهذا الغلام الذي تحمله .

عبد المطلب: إنه ابني يا ورقة . . ابن عبد الله . . ابن آمنة بنت وهب .

ورقة: أجل . . . أرني يا أبا الحارث أنظر إليه .

عبد المطلب: انظر . . ما أجمله ! ما أروعه ! ما أودعه !

ورقة: أجل إنه هو . . . و الله ليكونن لابنك هذا شأن . إلى أين تمضي به يا أبا الحارث ؟

عبد المطلب: إلى جوف الكعبة. . اسبقنا يا عبد العزى فافتح لنا باب الكعبة .

أبو طالب: حبًا يا أبت و كرامة ( ينطلق نحو باب الكعبة ) .

ورقة: كلا يا أبا الحارث لا تفعل .

عبد المطلب: ويلك يا ابن نوفل أتربأ بالكعبة عن ابني ؟

ورقة: كلا يا عبد المطلب بل أربأ بابنك هذا عما في جوفها من الأوثان.     

عبد المطلب: دعني من هذا أيها الصابئ عن دين آبائك. و الله لأدخلن به الكعبة فلأدعون الله له في جوفها .

ورقة: ادع الله له هنا في ظاهرها يا أبا الحارث .

عبد المطلب: والله لا أدعو له إلا في جوفها ! مابالك يا عبد العزى ؟ ما خطبك ؟

أبو طالب: أمر مهول يا أبت .

عبد المطلب: ماذا حدث ؟

أبو طالب: الأرباب يا أبت . . الأرباب .

عبد المطلب: ما بالها ؟

أبو طالب: جاثية على وجوهها جميعًا في الأرض.

عبد المطلب: حتى هبل ؟

أبو طالب: حتى هبل !

عبد المطلب: وي ما سمعت كاليوم عجبًا !

أبو طالب: لا تعجب يا عبد المطلب. فهذا الذي تحمله هو عدوها جميعًا.

عبد المطلب: دعني من أساطيرك يا ابن نوفل. (لأبي طالب) اعدلها يا بني أو اعدل هبل وحده قبل أن ندخل .

أبو طالب: سأفعل يا أبي .

ورقة: يا ابن هاشم اسمع نصحي . . لا ينبغي لك أن تدخل بهذا الغلام إلى حيث الأوثان .

عبد المطلب: مهلاً يا ورقة دعني و شأني .

أبو طالب: (يظهر على باب الكعبة) قد عدلته يا أبت . . عدلت هبل وحده .

عبد المطلب: أحسنت (يدنو من الباب) باسمك اللهم (يدخل جوف الكعبة).

(يسمع صياح الغلام)

أبو طالب: (على الباب) إنه يا أبت يضطرب و يصيح.

عبد المطلب: (يسمع صوته) عجبًا قد كان هادئًا وديعًا فما الذي أبكاه هنا.

أبو طالب: لعل الآلهة لا تريده فهي تعتريه بسوء!

عبد المطلب: (صوته) لا تكن يا بني كورقة . . إن الآلهة لا تريد غيره . . هو البركة و هو الآية و هو صاحب شأن.

أبو طالب: فاخرج به من هنا فإن كف عن بكائه علمنا أن الآلهة هي السبب .

عبد المطلب: (صوته) صدقت (يظهر خارجًا من جوف الكعبة) عجبًا لقد كف عن البكاء!

أبو طالب: انظر يا أبت . . . إنه يضحك و الدمع في عينيه!

ورقة: ألم أقل لك يا أبا الحارث؟

عبد المطلب: ويلك أتظن أن الآلهة كانت تؤذيه؟

ورقة: كلا إنها لا تقدر أن تؤذي أحدًا و لا جناح بعوضة، و لكنه هو الذي يكرهها و لا يطيق الوجود بينها ، و والله يا عبد المطلب ، ورب هذه البنية ليبلغن أشده فليحطمن هذه الأصنام و ليطهرن من رجسها الكعبة.

عبد المطلب: لكني أريد أن أدعو له الله في جوفها.

ورقة: نح هذه الأوثان إذًا قبل أن تدخل.

عبد المطلب: ويلك ماذا تقول إذًا قريش عني؟ صبأ عبد المطلب كما صبأ ورقة بن نوفل؟

ورقة: إذن فادع له الله هنا خارجها إذا شئت.

 عبد المطلب: أجل . . سأفعل }في حنان و ابتهال{

  الحمد لله الذي أعطاني               هذا الغلام الطيب الأردان

  أعيذه بالبيت ذي الأركان                من كل حاسد و شاني  

أبو طالب: انظر يا أبي إلى الغلام. إنه يبتسم متهللاً كأنه بدر! إنه يبتهل كأنما يدعو معك!

عبد المطلب: أجل ما أجمله و ما أروعه! بأبي و أمي يا بنيّ الحبيب!

ورقة: قد آن لكما أن تعيداه إلى حجر أمه.

عبد المطلب: أجل . . . لعلها مشفقة عليه ، ولعله يريد أن يرضع. هيّا يا عبد العزى لتسلم على آمنة.

أبو طالب: اسبقني يا أبت وأنا آت على الأثر.

عبد المطلب: فيم يا بني؟

أبو طالب: ينبغي أن أنصب هذه الآلهة أولاً و أقيمها في أماكنها لئلا يراها أحد هكذا فيظن بنا الظنون.

عبد المطلب: أصبت يا بني. اسمع يا عبد العزى و أنت يا ابن نوفل إياكما أن تحدثا قريشًا بما وقع لهبل و الآلهة الأخرى فلن تصدق قريش ذلك إلا أن تظن أننا نحن الذين فعلنا بها ذلك.

ورقة: أجل يا عبد المطلب علينا أن نكتم هذا السر من أجل سلامة الغلام.

عبد المطلب: جزيت خيرًا يا ابن نوفل!

ورقة: عما قريب ترى قريش ما ترى ، وتسمع قريش ما تسمع ؛ فطوبى يومئذ لمن آمن به ، و ويل يومئذ لمن عاند و كفر.

عبد المطلب: ويحك يا ورقة أو يكون لابني كل هذا الشأن.

ورقة: أجل كأني به يخرجه قومه من هذا البلد فلا يزداد أمره إلا علوًا و انتشارًا.

عبد المطلب: بأبي هو و أمي أو مخرجوه هم يا ورقة؟    

ورقة: إي والله مثلما أنطق الساعة يا عبد المطلب، فلئن عشت حتى يدركني يومه لأنصره نصرًا مؤزرًا.

عبد المطلب: بوركت يا ورقه لقد والله زدتني مسرّة على مسرّة بيد أنك جعلتني أشفق عليه من قريش.

ورقة: إنه ابن إسماعيل و دعوة إبراهيم و إن رب إبراهيم و إسماعيل لكالئه و حافظه.

عبد المطلب: و قريش يا ورقه؟

ورقة: دعك من قريش! سيأتي على الناس يوم يا عبد المطلب تذهب فيه قريش ولا يبقى لها من ذكر إلا إنها كانت يومًا ما عشيرة هذا الغلام.

ستار