إلى اللقاء في الدار البيضاء

إلى اللقاء في الدار البيضاء *

بقلم الأديب الكبير الأستاذ: علي أحمد باكثير

-1-

المنظر: في جزيرة كورسبكا: مكتب حاكم الجزيرة المسيو مارسيل سافرو

سافرو: مرحبا بك يا سيدي الكولونيل.. كيف الأحوال عندكم في باريس؟

الكولونيل: دعنا الآن من باريس.. خبرني عن الحال هنا في الجزيرة.

سافرو: الحال هنا سيئة كما ترى وكما فصلت ذلك في التقرير الأخير الذي مثته

الكولونيل: تقريرك هذا هو الذي دفع الحكومة إلى إرسالي هنا.

سافرو: لكي تنقل السلطان معك؟

الكولونيل: إذا وجدت ما يقتضي ذلك.

سافرو: أليس في تقريري ما فيه الكفاية؟ أنا لا أستطيع أن أتحمل المسئولية كاملة في المحافظة على السلطان ما لم ترسل الحكومة الينا أورطة كاملة كما طلبت ذلك في التقرير.

الحاجب: "يدخل" معذرة يا سيدي الحاكم: الأسقف ميخائيل يريد مقابلتك.

سافرو: الاسقف ميخائيل؟

الحاجب: نعم.

سافرو: لا بد أنه جاء للاحتجاج على. قل له يتفضل.

الحاجب: سمعاً يا سيدي (يخرج)

الكولونيل: يحتج على ماذا؟

سافرو: سترى بعينك.

يدخل الأسقف

سافرو: تفضل يا سيدي الأسقف خيراً...!

الأسقف: أي خير! كيف اجترأ رجالك على تفتيشنا نحن رجال الدين؟

سافرو: معذرة يا سيدي الأسقف. لقد اقتضت الظروف ذلك.

الأسقف: أي ظروف؟ هذا امتهان لكرامة رجال الكنيسة.

سافرو: احلف لك يا بالسيد المسيح ما قصدت امتهانكم وإنما اضطررت إلى ذلك اضطراراً للمحافظة على السلطان الصيادين أيضاً.

الاسقف: فهاهم أولاء قد اضربوا أمس عن الصيد.

سافرو: ليضربوا ما شاءوا فلن يخيغني أضراب أحد. وإن شئتم أنتم أن تضربوا مثلهم فافعلوا..

الأسقف: لن أسكت على هذا سنثير العالم المسيحي كله عليكم! سنبرق إلى البابا!

سافرو: افعلوا ما بدالكم.

الأسقف: حسناً.. سترى!

الكولونيل: رويدك يا سيدي الأسقف لا تعجل. لقد حضرت أنا من باريس لاجد حلا لهذه المشكلة. فأرجوك أن تمهلنا إلى الغد.

الكولونيل: فاخبرك شيء.

سافرو: نعم: قال لي أنه قد يتنكر في زي قسيس أو صياد سمك أو سائح من السواح.

الكولونيل: وكيف تصدق كلامه هذا.؟

سافرو: لم لا أصدقه؟ لو قال لي أنه لن يهرب فإني لن أصدقه ولكن إذا قال له إنه سيهرب فيجب أن أصدقه تمام التصديق.

الكولونيل: لعله كان يسخر منك.

سافرو: يسخر أو لا يسخر. سيان عندي. المهم أني احتاط لنفسي.

الكولونيل: والسواح ماذا فعلت معهم.

سافرو: هؤلاء منعتهم منعاً باتاً من النزول في الجزيرة.

الكولونيل: حقاً إن إجراءاتك هذه قد تدفع أهالي الجزيرة يوماً إلى الثورة .

سافرو: ماذا اصنع؟ إنهم ليسوا خيراً من زوجتي على أي حال.

الكولونيل: ماذا تعني؟

سافرو: إنها هي الأخرى ثائرة على. منذ نزل هذا السلطان عندنا وأنا في صراع وخصام معها.

الكولونيل: لماذا؟

سافرو: لأني كثيراً ما أتركها وحدها وأقضي الليل كله في معتقل السلطان بأعلى الجبل لا تولى بنفسي المحافظة عليه.

الكولونيل: حقاً أنك لتقاسي عناء كبيراً.

سافرو: إنك لم تطلع بعد على كل شيء. أتدري كيف يجري تفتيش هؤلاء المشتبه في أمرهم؟

الكولونيل: كيف؟

سافرو: يعرضون كل يوم على الميزان فيوزنون واحداً واحداً فمن وجد وزنه يتفق مع وزن السلطان يحجز ويحقق معه تحقيقاً دقيقاً ولا يطلق سراحه حتى يعرض على شخصياً وأتأكد أنه ليس هو السلطان محمد بن يوسف. أرأيت احتياطاً أكثر من هذا؟

الكولونيل: هذا احتياط لا مزيد عليه. ولكنك لم تشر إلى شيء من ذلك في تقاريرك.

سافرو: ليس من شيمتي أن أتباهى بما أعمل. أني أفضل العمل في صمت وسكون دون طنطنة ولا ضجيج.

الكولونيل: خبرني الآن عما أوردته في تقريرك. هل حقاً شوهد هنا ذلك المتهرب العالمي أوتو سكورزيني الذي كلفه هتلر فأنقذ موسوليني من سجنه في جراند ساسو؟

سافرو: نعم هذا أمر لا ريب فيه. وحديثه مستفيض هنا في الجزيرة وفي وسعك أن تسأل أي واحد من الأهالي ليؤكد لك ذلك.

الكولونيل: لعلها إشاعة كاذبة.

سافرو: كلا يا سيدي فالمثل يقول......

الكولونيل: هل شوهدت هذه فعلاً؟

سافرو: أنا شاهدتها بعيني!

الكولونيل: وتكتها تمر؟

سافرو: بأ أمرت بضربها بالمدافع وكنها اختفت في لمحة عني.

الكولونيل: هل تعتقد أن هناك محاولة جدية لتهريب السلطان؟

سافرو: من غير شك.

الكولونيل: من الجامعة العربية؟

سافرو: من الجامعة العربية بالاشتراك مع أسبانيا.

الكولونيل: بالاشتراك مع أسبانيا؟

سافرو: نعم هذا واضح كالشمس بع حوادث تطوان الأخيرة. أن إسبانيا تريد أن تتقرب إلى العرب على حسابنا نحن الفرنسيين.

الكولونيل: أجل. لا مناص من نقل السلطان أذن. أنه أن نجح في الهرب إلى مراكش الآن فستكون الطامة الكبرى هناك.

سافرو: هل أستطيع الآن أن اطمئن إلى أن نقله قد صار أمراً مقرراً؟

الكولونيل: نعم.. سأقوم بنقله الليلة.

سافور: الليلة؟!

الكولونيل: نعم.. ما خطبك؟

سافرو: لا شيء. وإنما أنا لا أكاد أصدق ذلك من فرط الفرح!

الكولونل: أقتصد في فرحك فإن المسئولين في باريس يظنون إنك تؤثر السلامة وتتهرب من حمل المسئوليات.

سافرو: أبداً هذا غير صحيح. إنما انظر في ذلك إلى مصلحة فرنسا لا إلى مصلحتي.

الكولونيل: هكذا سمعتهم يقولون.

سافرو: إن شاءوا فلينقلوا الينا السلطان الجديد محمد بن عرفة.

الكولونيل: محمد بن عرفة!

سافرو: نعم.. ألم تقرأ الصحف؟ إنه يحاول الفرار من مراكش خوفا على حياته هناك. حتى قيل أنه أصبح لا يذوق النوم.. فلينقلوه هنا لأثبت لهم إنني لا أتهرب من حمل المسئوليات كما يزعمون.

الكولونيل: على كل حال استعد الليلة لتوديعنا في المطار.

سافرو: أجل.. يجب أن أودع السلطان محمد بن عرفة فقد صار صديقي.

الكولونيل: صديقك؟

سافرو: أقصد. إني قد الفته وألفني من طول ملازمتي له وسهري الليالي الطوال عليه.

-2-

" في مطار الجزيرة "

سافرو: أين هو السلطان؟

الكولونيل: ها هو ذا أمامك!

السلطان: أما عرفتني يا مسيو سافرو؟

سافرو: لولا صوتك يا صاحب الجلالة لحسبت الكولونيل يسخر بي. لم تنكر "ينتحي بالسلطان جانباً"

الكولونيل: إلى أين؟

سافرو: لا تخف.. لن يهب منا الآن..

السلطان: أهنئك يا مسيو سافرو بنجاح تدبيرك.

سافرو: بفضلك يا مولاي فأنت الذي أشرت بذلك على.

السلطان "ممازحاً" – سأخبرهم أنك أنت الذي دبرت كل ذلك؟

سافرو: أياك يا مولاء! حذار يا مولاي! ليس هذا مجال تسلية أو مزاح. تذكر مستقبلي ومستقبل زوجتي وأولادي!

السلطان" اطمئن يا مسيو سافرو!

سافرو: شكراً لك يا مولاي. شكراً.

السلطان: لكن على شرط.

سافرو: اشترط ما تشاء. سأفعل ما تريد ولو أمرتني بأن ألقي بنفسي في البحر.

السلطان: "يضحك" ويحك لمن تترك إذن زوجتك وأولادك؟

سافرو: لمعاشي! سيقبضون حينئذ معاشي وحسبهم ذلك!

السلطان: "يضحك" لا لا لا داعي إلى ذلك.. إن شرطي أهون من ذلك يا مسيو سافرو.

الكولونيل: "يتقدم نحو السلطان" هيا يا صاحب الجلالة!

سافرو: دعني أكمل حديثي معه..

الكولونيل: آسف يا مسيو سافرو. قد حان الوقت.

سافرو: كلمة واحدة!

الكولونيل: ولا كلمة واحدة!

السلطان: وداعاً يا مسيو سافرو.. إلى اللقاء!

سافرو: أين؟

السلطان: في الدار البيضاء!

"يمتطي السلطان الطائرة وكذلك الكولونيل"

سافور: "يتمتم" لكنه لم يخبرني بعد بالشرط. يجب أن أعرف الشرط.

"يقترب من الطائرة محاولا ً أن يكلم السلطان"

سافرو: مولاي! مولاي!

السلطان: "يشرف من كوة الطائرة وقد بدأت تئز لتتحرك" ماذا تريد يا مسيو سافرو؟

سافور: الشرط.. أريد أن أعرف الشرط!

السلطان: قد قلته لك آنقا

سافرو: ما هو؟

السلطان: أن تنزل يوماً ضيفاً عندي!

سافرو: أين؟

السلطان: في الدار البيضاء!

"تتحرك الطائرة"

"ستار"

              

* نشرت في مجلة الدعوة (المصرية) في 28 جمادى الأولى 1373