المهرج والحكيم(6)

عبد الله عيسى السلامة

المهرج والحكيم(6)

حواريات

عبد الله عيسى السلامة

الحصان والطاووس

قال المهرج للحكيم: قل لي يا سيدي الحكيم، ما الفرق بين الحصان والطاووس؟

قال الحكيم مقطباً يفكر: وما الذي دفعك – ويحك - إلى الموازنة بينهما؟

قال المهرج: ما دفعني يا سيدي الحكيم، هو أنني قرأت أن بعض أمثال العرب تقول: "فلان أزهى من حصان" و"فلان أتيه من طاووس"، فظننت أن بينهما تشابهاً داخلياً – أعني نفسياً - مصدره إعجاب كل منهما بنفسه.

قال الحكيم جاداً: صدقت.. إن كلا منهما شديد الإعجاب بنفسه، بيد أن مصدر الإعجاب لدى كل منهما يختلف عن مثيله لدى الآخر. فالطاووس مصدر إعجابه بنفسه ريشه الجميل، والحصان مصدر إعجابه بنفسه سرعته في الجري..

قال المهرج: ولم لا تفترض أن شكل الحصان الجميل، هو مصدر إعجابه بنفسه كذلك؟

قال الحكيم: لو افترضت هذا، لوجب تعميمه على أنواع الخيول كلها، ما كان منها للسباق وما كان منها لجر العربة أو المحراث. والحقيقة هي غير ذلك، فخيول الجر ليس لديها الزهو الموجود لدى خيول السباق.

قال المهرج: فإذا أحس الحصان بالزهو، وهو يجر العربة أو المحراث، فماذا يكون شأنه؟

قال الحكيم باسماً: يكون قد جمع إلى شقاء بدنه فساد مزاجه.

قال المهرج: فماذا تقول يا سيدي الحكيم لو أخبرتك بأني رأيت بعض البغال والحمير ينتابها الزهو أحياناً. وبعضها ينتابه الزهو دائماً، وبعضها مبتلى بعقدة زهو مزمنة!؟

نظر إليه الحكيم متفرساً وقال: أهذه دواب حقيقية يا مهرج؟

قال المهرج باسماً: أجل.. إنها دواب.. أعني أنها تدب على الأرض!

قال الحكيم: ويلك.. أتتذاكى علي؟ قل لي: أهي بهائم عجماء!؟

قال المهرج متضاحكاً: بل هي بهائم ناطقة يا سيدي الحكيم.

قال الحكيم متنهداً: ويلك.. كدت تزعزع بعض قناعاتي الراسخة.

قال المهرج: كيف يا سيدي؟

قال الحكيم: إن مما أعلمه أن للمخلوقات العجماء سنناً لا تحيد عنها، لكل منها سنة وضعها الله في تكوينه، فلا يجاوزها. وحين زعمت لي أنك رأيت بغالاً وحميراً تزهو، وحاولت إيهامي بأنها مخلوقات عجماء حقيقية، انتابي القلق وخامرني الشك في بعض معلوماتي.

قال المهرج باسماً: والآن.. بعد أن عرفت أنها مخلوقات ناطقة ما شعورك؟

قال الحكيم بهدوء: الآن لا عليك.. إنها "شِنْشِنة أعرفها من أخزم". والشنشنة العادة يا عزيزي المهرج.

قال المهرج: ولكن من أخزم هذا؟

قال الحكيم: إنه رجل سيئ كان يعق أباه ويضربه. وحين مات أخزم تولى أبناؤه اضطهاد جدهم وإهانته. وقد ضربوه مرة حتى شجوا رأسه وجلله الدم. فقال مرتجزاً:

إن بَنيّ زمّلوني بالدم       شنشنة أعرِفُها من أخزم

فذهبت مثلاً.

قال المهرج: وهل أخزم هنا في هذا السياق هو الإنسان؟

قال: أجل.. لكنه ليس نوع الإنسان، بل هو الإنسان الذي يخرج على قيود فطرته وسنة الله فيه، فينحدر إلى درك من الحيوانية تأبى الحيوانات العجماء الانحدار إليه.

قال المهرج: الآن فهمت.