الملك عبد العزيز لم يمت..

الملك عبد العزيز لم يمت.. *

بقلم الأديب الكبير: علي أحمد باكثير

المنظر: مكتب وزير الخارجية الأمريكية

يرى المستر برنار باروخ والمسز اليانور روزفلت في انتظار الوزير

باروخ: ها هو ذا أقبل فلنبدأ التمثيل!

اليانور: هيا بنا!

الاثنان: "يتطوحان يمنة ويسرة وهما يرددان" سرطان سرطان!

باروخ: في حلقي!

الاثنان: سرطان سرطان!

اليانور: في ابطي!

"يدخل المستر دالاس"

الاثنان: سرطان سرطان!

دالاس: "متعجباً" ما هذا؟ ماذا بكما؟

باروخ: في حلقي!

الاثنان: "ماضيين في تطوحهما وترنمهما" سرطان سرطان!

دالاس: ماذا تقصدان؟

اليانور: في ابطي!

دالاس: "في شيء من الحدة" من فضلكما. أنا عندي أعمال كثيرة فإن لم تشرحا لي ماذا تقصدان تركتكما وانصرفت.

باروخ: ألم تفهم ما نقصد؟

دالاس: من أين لي أن أفهم "يقلد ترنمهما كالهازئ" سرطان سرطان في حلقي! سرطان سرطان في ابطي!

باروخ: اشرحي له يا اليانور أنه ثقيل الفهم.

اليانور: أنا مصابة بالسرطان في ابطي.

دالاس: "في ذعر"! أحقاً يا مسز روزفلت؟

باروخ: وأنا مصاب بالسرطان في حلقي!

دالاس: ماذا تقول؟

باروخ: وأنت مصاب بالسرطان أيضاً يا مستر دالاس!

دالاس: كلا إني سليم كالدولار!

باروخ: السرطان في مخك!

دالاس: في مخي. من قال لك ذلك؟

باروخ: هذا واضح غيك.

دالاس: واضح!

اليانور: لأنك لم تفهم قصدنا حتى الآن.

دالاس: "بعد صمت يسير" هيه.. فهمت الآن. تقصدان تذكيري بتصريح الملك سعود في حق إسرائيل!

باروخ: "يضرب المنضدة بيده في عنف" أجل.. ذلك ما نقصد!

دالاس: "يجلس" رفقاً يا مستر باروخ.

اليانور: رفقاً! ماذا تريد أكثر من هذا؟ لقد أعلن في تصريح رسمي أن إسرائيل سرطان؟

باروخ: ويجب استئصالها وقطع شأفتها!

دالاس: وما ذنبي أنا في ذلك؟

باروخ: إنك لم تحتج على هذا التصريح حتى اليوم مع أني نبهتك لذلك يوم صدر.

اليانور: وأنا أيضاً كلمتك في التلفون وشددت عليك أن ترسل احتجاجاً قوياً باسم الحكومة الأمريكية على ذلك التصريح.

دالاس: بأي حق ترسل الحكومة الأمريكية مثل هذا الاحتجاج؟

باروخ: بحق ارتباط مصالحها بمصالح الحكومة السعودية.

دالاس: ذلك أجدر أن يمنعنا من الاحتجاج.

اليانور: بحق صداقة الولايات المتحدة لإسرائيل.

دالاس: لقد تدهور مركزنا في الشرق الأوسط بسبب "محاباتنا الصارخة لإسرائيل أفنسعى لنزيد مركزنا تدهوراً هناك؟

اليانور: وهل تريدون أن تضحوا بإسرائيل في سبيل مصالح الولايات المتحدة؟

دالاس: كلا لم نفعل ذلك ولن نفعل. الجميع يعلمون أننا لن نتخلى عن إسرائيل أبداً وسنبقى في صفها إلى النهاية. ولكن يجب علينا أيضاً ألا تخل بآداب الدبلوماسية.

اليانور: "محتدّة" تسقط آداب الدبلوماسية! أبعدما يصرح ملك عربي مسئول في بلاده بأن إسرائيل سرطان يجب استئصاله يبقى أي مجال لمراعاة آداب الدبلوماسية مع هؤلاء العرب؟

باروخ: المستر دالاس يرى أن سقوط إسرائيل أهون من الإخلال بآداب الدبلوماسية!

دالاس: أسألك بحق صهيون يا مستر باروخ وأستحلفك بنجمة داود وهيكل سليمان هل تعرف عني هذا الذي ذكرت؟

باروخ: موقفك هذا يدل على ذلك.

اليانور: أبلغ دلالة وإلا فكيف تفسر موقفك؟

دالاس: إني شديد الحرص على ألا يظهر تحيزنا لإسرائيل جهد ما نستطيع.

باروخ: خوفاً على مصالح أمريكا؟

دالاس: بل لمصلحة إسرائيل نفسها.

اليانور: إن قدرتنا على خدمة إسرائيل تزداد كلما ازدادت ثقة العرب بنا وتقل كلما قلت. وفي اليوم الذي تنعدم هذه الثقة انعداماً تاماً نعجز عن خدمة إسرائيل في هذا الصدد عجزاً تاماً.

باروخ: حسناً.. دعنا الآن من أمور الاحتجاج وحدثنا ماذا أنتم صانعون في مسألة الأسلحة؟

اليانور: الأسلحة التي تنوون بيعها لتك الحكومة التي صدر من ملكها ذلك التصريح.

دالاس: المفاوضات في هذه الصفقة لا تزال جارية.

باروخ: بعد التصريح؟

دالاس: هذه صفقة تجارية سنكسب من ورائها أرباحاً طائلة.

باروخ: الأرباح يا مستر دالاس لا ينبغي أن تكون على حساب إسرائيل.

دالاس: أنسيت يا مستر باروخ أن الاتفاق سيكون قاصراً على إرسال الأسلحة الخفيفة أنت كتبت المذكرة في ذلك بنفسك وقد اعتمدنا ما في مذكرتك.

باروخ: يجب اليوم أن تشترطوا على الحكومة السعودية أن تتعهد لكم بعدم استخدامها ضد إسرائيل.

دالاس: كلا يا مستر باروخ.. إنها لن تقبل هذا الشرط.

اليانور: فيجب حينئذ أن تعدلوا عن إرسال الأسلحة.

دالاس: إنه لم يتقرر إرسالها بعد. حتى يتم الاتفاق أولاً. إننا لم نزل نسعى لعقد هذا الاتفاق ولم يأتنا رد قاطع من الحكومة السعودية بقبوله.

اليانور: يجب أن تقطعوا هذا السعي.

دالاس: عجباً لكما.. أنسيتما أن الشرط الذي تريدانه مكفول لإسرائيل ضمنياً في ذلك الميثاق الثلاثي الذي اتفقت عليه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا؟

باروخ: هذا لا يكفي اليوم.

دالاس: مم تخافون على إسرائيل؟من هذه الأسلحة الخفيفة التي سنبيعها للحكومة السعودية بثمن باهظ ونحن نرسل الأسلحة الثقيلة لإسرائيل مجاناً!

باروخ: كلا إنها ليست مجاناً!

دالاس: أعني بدون مقابل من إسرائيل.

باروخ: هذا غير صحيح. إن الحكومة الأمريكية تشتري بها تأييد اليهودية العالمية لها في المعترك الدولي.

دالاس: قد دفعنا ثمناً لذلك تأييدنا لإسرائيل منذ قيامها حتى الآن.

باروخ: لا تنس أن روسيا أيضاً أيدتنا!!

اليانور: من غير أن تمن هذا المن الثقيل!

دالاس: كلا لا تلصقا بي تهمة أنا بريء منها كل البراءة. أنا لم تخطر ببالي قط فكرة المن وأوكد لكما أنني لا أقل منكما غيرة على إسرائيل.

باروخ: من الغيرة على إسرائيل أن ترسل لأعدائها أسلحة!

دالاس: أسلحة خفيفة لحفظ الأمن في المملكة السعودية.. للدفاع عن النفس.

اليانور: كلا لا ينبغي أن تكون الحكومة السعودية قادرة على الدفاع عن النفس!

دالاس: وأي ضرر في ذلك؟

اليانور: يجب أن تستعيد إسرائيل مستعمراتها في بلاد الحجاز!

دالاس: "متعجباً" ماذا تقولين يا مسز روزفلت؟

باروخ: رويدك يا اليانور.. هذا سابق لأوانه.

دالاس: ما كنت أعلم أن لإسرائيل مستعمرات في بلاد الحجاز!

اليانور: هذا من جهلك بالتاريخ. لو كانت حكومتكم رشيدة لأوجبت تدريس هذا التاريخ المقدس في جميع مدارسها!

دالاس: هيه أتعتقدين أنه مهم إلى هذه الدرجة؟

اليانور: أهم من تاريخ الاستقلال الأمريكي!

دالاس: أهم؟

اليانور: معلوم.. تاريخ مقدس.. شعب الله المختار!

باروخ: أرجوك يا اليانور.. لا تحدثي الناس بما لا يفهمون.

اليانور: يجب أن يفهم الناس كل شيء.

باروخ: كلا يا اليانور مازال أمام إسرائيل مراحل كثيرة يجب أن تقطعها قبل الوصول إلى تلك المرحلة.

دالاس: لكن هذا أمر خطير!

باروخ: اعتبر ما سمعته يا مستر دالاس كأنك لم تسمعه. لا تحاول أن تستدرجنا للخروج من الموضوع الذي كنا فيه.

دالاس: "في حيرة وارتباك" أي موضوع؟

اليانور: "في خشونة" موضوع الأسلحة.

دالاس: "في توسل" يا مستر باروخ يا مسز روزفلت قلت لكما إن هذا الاتفاق لم يتم بعد ولا يزال حتى الآن مجرد عرض تقدمنا به إلى الحكومة السعودية ولا ندري هل تقبله أم ترفضه.

اليانور: يجب سحب هذا العرض من الآن!

دالاس: هذا ليس في مصلحة الدولة.

اليانور: "محتدة تفحص الأرض بقدمها" مصلحة الدولة تحت حذائي هذا!

دالاس: "مستدركاً" أقصد دولة إسرائيل!

اليانور: "مستعظمة" دولة إسرائيل!

دالاس: نعم.. أنا أحاول أن أرعاها وأنت تدوسينها بقدمك؟

اليانور: "في حدة وانفعال" اسكت! دون ذلك تقطع رجل اليانور! كيف تجرؤ أن تلبسني هذه التهمة الشنعاء؟!

دالاس: ما ذنبي؟ أنت التي قلت ذلك!

اليانور: "في تشنج عصبي" كلا كلا! إن قلت ذلك فليقرض بالمقراض لسان اليانور! وليشدخ بالفأس رأس اليانور! وليقطع بالسيف عنق اليانور! وليطعن بالرمح صدر اليانور! وليبقر بالخنجر بطن اليانور!

باروخ: "يكم بيده فمها" حسبك حسبك يا اليانور.. ففي عند هذا الحد ولا تزيدي!.

اليانور: "تنحي يده عن فمها" دعني.. دعني.. استمر في لعن جسمي عضواً عضواً ليشهد صهيون صدقي وإخلاصي!

باروخ: كلا.. ينبغي أن تلتزمي الحشمة مع صهيون.

اليانور: "يرتجف جسمها ويتشنج من شدة التأثر" آه آه!

باروخ: لا حق لك يا مستر دالاس أن تسبب لها هذه الصدمة العصبية.

دالاس: آسف جداً. لم أقصد ذلك. سامحيني يا مسز روزفلت إن تسببت في إثارة أعصابك دون قصد.

اليانور: "تهدأ قليلاً" لا عليك يا مسز دالاس.. خبرني الآن هل حقاً كنت تعني مصلحة إسرائيل؟

دالاس: نعم.

اليانور: لكن كيف يمكن أن يكون هذا العرض في مصلحة إسرائيل؟

باروخ: أجل.. وضح قصدك.

دالاس: إذا نجحنا في عقد هذا الاتفاق مع الحكومة السعودية فقد ضمنا بذلك أنها لا تستورد الأسلحة من غيرنا. إنا لن بيع لها غير الأسلحة الخفيفة وبأثمان باهظة. أما غيرنا فقد يبيع لها الأسلحة الثقيلة بأسعار مغرية.

اليانور: صحيح.. يظهر أن المستر دالاس على حق يا برنار.

باروخ: ومن ذا يضمن لنا ألا تشتري الحكومة السعودية بعد ذلك الأسلحة الثقيلة من غير أمريكا فتجمع بين النوعين؟

اليانور: صحيح.. ماذا تقول في هذا يا مستر دالاس؟

دالاس: اطمئنا.. سيكون لنا أسلوبنا الخاص في الحيلولة دون ذلك.

بارزخ: كيف؟

دالاس: لا أدري حتى الآن كيف ولكني قد كونت لجنة خاصة لدراسة خير الوسائل المؤدية إلى ذلك.

اليانور: إذن فأنت متيقظ تماماً في هذا الصدد؟

دالاس: لكل صغيرة وكبيرة. المهم عندي أن تقبل الحكومة السعودية هذا العرض.

"يدخل سكرتير الوزير"

السكرتير: معذرة يا سيدي. هذه برقية من سفيرنا بالمملكة العربية السعودية.

باروخ:

اليانور:

برقية!

دالاس: "في اهتمام" ماذا في البرقية؟

السكرتير: الملك سعود أصدر أمره برفض العرض الأمريكي الخاص بالأسلحة.

دالاس: رفض بعض الشروط .

السكرتير: بل رفض العرض رفضاً كلياً.

باروخ: بغير إبداء الأسباب؟

السكرتير: بغير إبداء الأسباب.

دالاس: هذا ما كنت أخشاه!

اليانور: لكن ما معنى هذا؟

دالاس: معنى هذا أن الملك سعود قد كشف أوراقنا وأدرك اللعبة!

باروخ: أواه.. كنا نظن أن وفاة الملك عبد العزيز ستكون...

دالاس: كلا يا مستر باروخ.. الملك عبد العزيز لم يمت وإنما عاد إلى شبابه!

"ينظر بعضهم إلى بعض واجمين"

(ستار)

              

*مجلة الدعوة في 18 رجب 1373