شهيد القسطل

شهيد القسطل *

القائد الشهيد عبد القادر الحسيني

بقلم الأديب الكبير: علي أحمد باكثير

- 1 -

في دمشق حيث قدم القائد البطل عبد القادر الحسيني، ليتصل بسماحة عمه مفتي فلسطين الأكبر الحاج أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا,

المفتي: أنا سعيد بأن أراك يا بني، ولكنني لا أرى ما يدعو إلى تركك الميدان في مثل هذا الظرف الدقيق.

عبدالقادر: إننا تنقصنا الذخيرة والأسلحة يا عماه، وقد رأيت أن أحضر بنفسي لاتصل برجالات العرب المسؤولين هنا ليتعجلوا بانجادنا بالأسلحة.

المفتي: كان في إمكانك أن تكتب لي بذلك دون أن تبرح مركز قيادتك.

عبدالقادر: (يبتسم) أجل ولكني اشتقت إلى دمشق.

المفتي: ألا يهزك الشوق إليها إلا في مثل هذه الأيام؟

عبدالقادر: لقد ضاق صدري بالجو الخانق هناك فأحببت أن أتنفس في هذا الجو العربي الحر قبل أن....

المفتي: قبل أن ماذا؟

عبدالقادر: قبل أن يفرغ صبري.

المفتي: إنك يا عبد القادر لتكتمني شيئاً.

عبدالقادر: نعم... حنيني إلى رويتك.

المفتي: بل شيئاً آخر.

عبدالقادر: لاشيء يا عم ألا رؤيا رأيتها البارحة الأولى لعلك تعبرها لي.

المفتي: ماذا رأيت؟

عبدالقادر: كان المرحوم والدي قد ضمني إلى صدره بشوق شديد.

المفتي: لا شك أن هذا دليل رضاه عنك ومباركته لجهادك.

عبدالقادر: يخيل إلى أن لهذه الرؤيا تعبيراً آخر.

المفتي: أخائف أنت؟

عبد القادر: بل مستبشر.

المفتي: تذكر يا والدي أنك أصبحت اليوم ملك الأمة العربية جمعاء فحافظ على نفسك وليكن شعارك تأدية أكبر عمل ممكن بأيسر جهد ممكن.

عبدالقادر: هذا ما نصنعه يا عماه فنحن نقاتل قوات أكثر منا عدداً وعدة فأعاننا الله عليهم واستطعنا أن ندوخهم ونجلب عليهم العار ونكشف للعالم مدى جبنهم وتبجحهم بالباطل واستطعنا فوق ذلك أن نشدد الحصار على يهود القدس.

المفتى: فهذا جدير أن يشيع في نفسك الرضا يا بني حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

عبدالقادر: كيف يرضى عمن يرى في وسعه أن يفعل أكثر مما فعل لو أتيحت له العدة اللازمة؟

المفتي: ستأتي العدة اللازمة وشيكاً إن شاء الله.

عبدالقادر: لكننا اليوم في حريق ولا مجال للانتظار وكل يوم تزداد حاجتنا إلى الأسلحة. هذه القرى العربية العزلاء التي تحيط بها المستعمرات اليهودية لا يجوز أن تبقى هكذا تحت رحمة اليهود. فإنا لا نأمنهم أن ينقضوا عليها واحدة فواحدة فيذبحوا من أهلها الشيوخ والنساء والأطفال. أننا نحارب أنذالاً مجرمين لا يقيمون للشرف ولا لقوانين الحرب وزناً.

المفتي: ماذا عسى أن نصنع؟ ليس في وسعنا اليوم أن نسلح تلك القرى العربية وبحسبنا أن نسلح المجاهدين.

عبدالقادر: حتى المجاهدون في منطقتنا ليس عندهم الأسلحة الكافية ولولا ما يغنمونه من أسلحة العدو أو ينتزعونه من يده لما استطاعوا الاستمرار في القتال.

المفتي: فاستشعر الصبر يا ولدي فإن الله معنا.

عبدالقادر: ولكن الله أمرنا بل أمر من هو خير منا بأعداد العدة إن أردنا أن يكون الله معنا. إن تلك القرى العزلاء لتحاربنا.

المفتي: تعني أنها لا تساعدكم.

عبدالقادر: بل أعني أنها كل علينا وحمل تقيل على ظهورنا وأصفاد في أيدينا وأرجلنا تعوقنا من أعمال كثيرة لولا هذه القرى لأنجزناها. هذه معركة القسطل مثلاً.. ما جعلها تطول هكذا وجرأ اليهود على اقتحامها إلا خوفنا على قرية دير ياسين وجاراتها العزلاء. ولولا ذلك لأنهينا معركة القسطل في هجمة واحدة.

المفتي: هي الآن في قبضتكم.. أليس كذلك؟

عبدالقادر: نعم ولكن مركزنا فيما ضعيف، وأني أتوقع في كل لحظة أن تسقط في أيدي اليهود مرة أخرى لأن لهم من مستعمراتهم المسلحة حولها نقط ارتكاز قريبة تجعل لهم الامتياز علينا في حين أن القرى العربية التي هناك تحد من حريتنا في الحركة لعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها.

المفتي: ألستم مسيطرين على طرق المستعمرات اليهودية في أسفل الرابية؟

عبدالقادر: بلى ولكن من الصعب في الوقت الحاضر تأمين اتصال قواتنا المرابطة هناك بحامية القسطل في أعلى الرابية.

المفتي: فأنتم تهدفون إلى اكتساح المستعمرات اليهودية التي هناك لتتم لكم السيطرة التامة على رابية القسطل؟

عبدالقادر: أجل يا عم. يجب أن يتحقق لنا ذلك قبل يوم 15 مايو بأي ثمن.

المفتي: هل في طاقتكم القيام بذلك الآن أم تنتظرون قليلاً حتى يتوفر لكم العتاد المطلوب؟

عبدالقادر: لا أستطيع أن أنتظر بعد اليوم.

المفتي: كأنك ترى كفاية ما عندكم من العتاد؟

عبدالقادر: كلا بل ينقصنا الكثير منه ولكني سأشعلها حمراء حامية‍

المفتي: قبل تمام الاستعداد؟ هذه مغامرة.

عبدالقادر: هذا الركود العربي يكاد يقتلني يا عماه وقد عزمت على أن أنسفه بمثل هذه المغامرة.

المفتي: (مبتسماً) هل تعده مثل شارع بن يهوذا ودار الوكالة اليهودية؟

عبدالقادر: بل هو أثقل على قلبي وأحق بالنسف من هذين يجب أن ينتهي العرب من معركة القسطل ويتم لهم السيطرة على طريق القدس –تل أبيب قبل 15 مايو.

المفتي: إن كنت ترى أن هذا هو ما يجب عليك فعله فافعل وليسدد الله خطاك. ولكن إياك أن تعرض العرب لخسارة رجال من أجل كسب معركة تقل عن قيمة أولئك الرجال‍

عبدالقادر: إن قيمة المعركة يا عماه ليست فيما تنجلي عنه من الانتصار العاجل بل فيما يكون لها من الأثر في تأجيج الكفاح نفسه الذي هو روح النصر.

المفتي: (يطرق هنيهة ويمسح –خفية- دمعاً ترقرق في عينيه) متى تلقيت آخر رسالة من مصر؟

عبدالقادر: من أولادي؟

المفتي: نعم.

عبدالقادر: منذ أسبوع تقريباً.

المفتي: كيف هم؟

عبدالقادر: هم جميعاً بخير.. يقبلون يدك.

المفتي: ألا تشتاق أن تراهم؟

عبدالقادر: من لي بذلك يا عماه؟ حمداً لله إذ يسر لي رؤيتهم منذ شهرين ففيها بعض العزاء لي عن فراقهم.

المفتي: لا تبتئس يا ابني فلعلك قريباً تراهم مرة أخرى.

عبدالقادر: يا ليتني أراهم مرة أخرى ثم الـ .. (يغلبه الدمع).

المفتي: عبد القادر.

عبدالقادر: لبيك يا عماه.

المفتي: ما يبكيك يا ولدي؟

عبدالقادر: (يمسح دمعه) لا تخف يا عماه فليس الجزع هو الذي أثار دمعي وإنما هي الرقة التي هاجت عبرتك آنفاً فحاولت أن تكتمها عني.

المفتي: أجل إن ذكرى الأهل والأولاد لتثير الشجن.. هذه قسمتنا يا ابني. لقد كتب علينا الاستعمار ألا ننعم بأهلنا وولدنا كما ينعم غيرنا من البشر في أوطانهم ولكن صبراً صبراً.. إن الفرج إن شاء الله لقريب. فقد كان من لطف الله بنا وبالعرب والمسلمين جميعاً أن اندفع رجال الصهيونية بحماقتهم وجهلهم إلى الخروج على خطة حاضنتهم العظمى التي جلبتهم وحمتهم بحرابها وصنعتهم على عينها، استعجالاً منهم لنتائج المؤامرة التي رسمت خطوطها لهم على أن تتم بالتدريج، فلما استعجلوا انكشفت المؤامرة لكل ذي عنين وأخذت الحاضنة تتنصل من تبعتها ومن مخازي ربيبتها، وصارت قضية فلسطين قضية العرب جميعاً. من كان يتصور هذا عندما لقي الله والدك. لا بل حتى قبيل الحرب الأخيرة بقليل؟ فالحمد لله على هذا النصر الكبير.

عبدالقادر: قد يكون هذا النصر أكبر لو أن العرب أدركوا –فوق اكتمال وعيهم الجديد- أن سرعة الحركة من البركة وأن الزمن لا ينتظر أحداً. إذاً لما صح في الأذهان أن تبقى عشرات من القرى العربية عزلاء إلى اليوم ونحن في حرب الخيانة والموت مع اليهود.

المفتي: سيتم ذلك قريباً إن شاء الله وستقر به عيناك.

عبدالقادر: (يتنهد) عيناي أنا؟

المفتي: نعم ويفرح قلبك.

عبدالقادر: أفتني يا عم في الشهداء هل يشعرون بما يشعر به الأحياء؟

المفتي: إنهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

عبدالقادر: أجل.. ولكن هل يشعرون بما يتجدد من أخبار المعارك التي استشهدوا فيها وما يكون بين أمتهم وعدوهم؟ فأني لا أرى في الآية الكريمة إشارة إلى ذلك.

المفتي: بل فيها الإشارة المطلوبة يا بني وهي في قوله تعالى ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم. إذ لا يتم ذلك إلا إذا كانوا على علم بأحوال هؤلاء الذين من خلفهم.

عبدالقادر: جزاك الله خيراً يا عم ونفع بعلمك.. لقد عن لي أن من المؤلم حقاً أن تنقطع عن الشهيد أخبار أمته التي استشهد في سبيلها ولو كان في أعلى غرفات الجنات.

المفتي: إن الله لأبر بشهدائه الأبرار من أن يحرمهم هذه اللذة الشعورية.

عبدالقادر: فاللهم أمتني شهيداً‍

المفتي: إن الشهادة خير للمجاهد، ولكن نصره وبقاءه أفضل لأمته من استشهاده، فإن استطعت أن تؤثر خير أمتك على خير نفسك في الدعاء فافعل.

عبدالقادر: فاللهم أمتني شهيداً إن كان في استشهادي ما يزيد أمتي حمية في قتال العدو وصدق نية.

المفتي: رعاك الله يا بني وقادك من نصر إلى نصر ومن ظفر إلى ظفر حتى ترى أولادك يوم الخلاص تفرح بهم ويفرحون بك.

عبدالقادر: إنني أضع أولادي في رعاية الله ثم في رعايتك يا عماه فهم أولادك منذ اليوم.. أرجو أن تشرف على تربيتهم بنفسك حتى لا ينقطع الجهاد عن عقبي بل يتسلسل فيهم إلى أن تتحرر أوطان العرب كلها وسائر بلاد المسلمين. وليست هذه أمنيتي وحدي بل هي أمنية أبي رحمه الله، وأنت يا عمي أجدر الناس بتحقيق أمنية أخيك الذي كان يحبك.

المفتي: (ينهمر الدمع من عينيه) شهد الله يا بني ما هاجني أحد قط ما هجتني اليوم وأثرت شجوني قد أودع الله سركاظم العظيم فيك وسيودع الله سرك في أولادك.

عبدالقادر: (يترقرق الدمع في عينيه) بفضل رعايتك إن شاء الله.. إنني أريد موسى وفيصل وغازي أن يكونوا جميعاً مجاهدين مثل جديهم كاظم وأمين...

المفتي: ومثل أبيهم البطل.

عبدالقادر: أريدهم أن يجاهدوا أينما دعاهم داعي الجهاد في سبيل العروبة والإسلام والحق من مشارك الأرض ومغاربها وأن يربوا أبناءهم وأبناء أبنائهم على ذلك.

المفتي: أسأل الله أن يحقق أمانيك يا عبد القادر وأنت في عافية وخير حتى ترى أشبالك وهم يجاهدون معك.

عبدالقادر: وأنا أسأل الله أن يحفظك يا عماه حتى ترى أولادي يجاهدون من حولك.

- 2 -

في مكان ما بالقدس

(عبد القادر الحسيني والدكتور حسين الخالدي)

عبدالقادر: هذا كل ما كلفني سماحته أن أبلغه لك.

(ينهض لينصرف)

الخالدي: ألا تستريح قليلاً من وعثاء السفر؟

عبدالقادر: أستريح ومعركة القسطل دائرة؟ لا راحة لي إلا إذا رفعت العلم العربي على رأس الرابية‍

الخالدي: أهذا قرارك؟

عبدالقادر: نعم.

الخالدي: فليرزقك الله السلامة.

عبدالقادر: هذا دعاء قلته بحكم العادة... هلا قلت: النصر والشهادة؟

الخالدي: الشهادة‍!

عبدالقادر: (يضحك) نعم.. أستودعك الله (يمشي).

الخالدي: (يستوقف) يا عبد القادر..حذار يا أخي أن تغامر بنفسك فنحن في حاجة إليك!

عبدالقادر: (ضاحكاً) أتريد أن أبقى حتى تستغنوا عني؟

الخالدي: دعني من هذا المزاح فإني أعني الجد.

عبدالقادر: وأنا أعني الجد أيضاً أيها الأخ الكريم.. والله لا تغرب شمس اليوم حتى أسترجع القسطل أو أموت!

الخالدي: جعلني الله فداءك يا عبد القادر!

عبدالقادر: عش يا دكتور حسين واذكرني بخير.

- 3 -

في منطقة القسطل – عبد القادر الحسيني بين أركان حربه ورجاله المجاهدين.

عبدالقادر: (يكلمهم كأنه يخطبهم) هذه هي اللحظة التي اتفقت آراؤنا عليها، فلينفذ كل امرئ منكم واجبه فيها بكل شجاعة. أيها المجاهدون إن الدول التي تتلاعب بها أيدي الصهيونيين طفقت تفكر في هدنة يخدعوننا بها لمصلحة أعدائنا المجرمين فعلينا اليوم أن نقوم بعمل يدوي صداه ويصبح التفكير في الهدنة بعده أسخف من الصهيونية ذاتها ومؤيديها.. إن الاستيلاء على هذا الموقع الفريد لخير ما تظهرون به بطولتكم وأفضل ما تستشهدون فيه لمن يكرمه الله بالشهادة.. هذه الرابية يجب أن نسيطر عليها سيطرة تامة قبل 15 مايو... وهذه المستعمرات اليهودية التي حولها يجب اكتساحها والقضاء عليها من خلال هذه الأيام القلائل. وكان بودنا أن ننتظر مزيد الأسلحة بيد أن الوقت لا يساعدنا على الانتظار فلنبدأ هجمتنا الكبرى اليوم فأما أن ننهي معركة القسطل أو ينهيها بعدنا أخوان لنا مجاهدون!.

- 4 -

في قرية القسطل بأعلى الرابية وقد اندحرت قوات الهاجناة التي كانت تحتلها وتفرقت بدداً وقتل منها عشرات –العلم العربي يرفرف على أحد الأبنية. عبد القادر الحسيني وثلة من رجاله ينظرون إلى بعض المباني التي لا تزال قائمة في القرية.

عبدالقادر: إني لا أريد أن تبقى هذه الديار قائمة.

أحدهم: أليس علينا أن نحتلها؟

عبدالقادر: علينا أن ننسفها أولاً حتى لا يحتلها اليهود مرة أخرى ريثما يتم لنا اكتساح مستعمراتهم المجاورة وحينئذ نبني حصونها من جديد.

أحدهم: ألا ننتظر حتى يلحق بنا أخواننا ويأتونا بالذخيرة؟

عبدالقادر: لن يصعد إخواننا إلينا فهم مكلفون بحراسة طرق المستعمرات اليهودية ليمنعوا وصل النجدات منها.

أحدهم: نخشى أن يكون جمع كبير من العدو مختبئين في تلك الأوكار فيفاجئونا بالرصاص عند تقدمنا إليها فلا يكون عندنا من الذخيرة ما يكفينا للرد عليهم.

عبدالقادر: لدينا من القنابل ما يكفي لنسف هذه الأوكار سأتولى أنا ومحمود نسف هذا الوكر الأمامي أولاً وأنتم ترابطون هنا وتحمونا بمدافعكم الرشاشة إن برز أحد وتصدى لضربنا من أعالي الأوكار.

الجميع: بل تبقى أنت هنا واختر أياً منا لنسف الوكر.

عبدالقادر: بارك الله فيكم. لا تستأثروا دائماً بالشرف من دوني دعوا لي نصيباً منه ولو قليلاً.. هل أنت مستعد يا محمود؟

محمود: (خادمه الأمين) نعم يا سيدي.

كامل: (أحد أركان حربه) لا يا أخي لا ينبغي أن تذهب أنت، فهذا عمل يجزئ فيه أي واحد منا غيرك، فإن أمرت قمت به أنا ومحمود.

عبدالقادر: لن يرضى محمود أن يذهب مع غيري!

كامل: فليذهب غيره معي أو فلأذهب أنا وحدي.

عبدالقادر: بارك الله فيك يا كامل. قد قررت أن أتولى هذا العمل بنفسي. وإني قائدكم فأطيعوا أمري.. هيا يا محمود استعد..

- 5 -

عند مدخل الوكر الأمامي

(همساً)

عبدالقادر: احترس يا محمود.. ضع القنبلة جانباً عنك حتى لا تنفجر في يدك إن مستها رصاصة..

محمود: (همساً كذلك) يظهر يا سيدي إلا أحد هنا.

عبد القادر: ابق مرابطاً هنا وكن متيقظاً.

(يتقدم قليلاً وإذا رصاص ينطلق من شق باب في أحد الأركان).

عبدالقادر: واقفاً يستتر بجانب الحائط) محمود.. خذ حذرك.

محمود: سيدي إنك أصبت هلم ننطلق ليسعفوك.

عبد القادر: كلا يا محمود لابد من إنجاز عملنا.

محمود: هل أشعل فتيل القنبلة؟

عبدالقادر: لا ليس الآن.. حتى أصفي حسابي مع هؤلاء الجبناء المختبئين!.

(يثب من مكمنه – والدم ينزف من صدره –ناحية الركن الذي انطلق منه الرصاص فإذا هو أمام خمسة من رجال الهاجناه فتبادل معهم إطلاق الرصاص فسقط على الأرض بعد أن قتل ثلاثة منهم. وأراد الباقيان أن يجهزا عليه فاعترضهما محمود وتمكن من قتل أحدهما، ولكن الآخر أصاب محموداً بطلقتين في جنبه فسقط محمود. وأراد اليهودي الفرار فأوقعه عبد القادر برجله ثم أطبق يديه المخضبتين بالدم على رقبة الصهيوني حتى أخمد أنفاسه، وعبد القادر يردد الشهادتين ومحمود يرددهما معه وهما يجودان بأنفاسهما الأخيرة.

عبد القادر: (بصوت متقطع) محمود! محمود!

محمود: لبيك يا سيدي..

عبدالقادر: سامحني إذ دفعتك إلى هذا..

محمود: نفسي فداؤك يا سيدي.. يا ليتك تبقى وأنا أموت!

عبدالقادر: بل سنموت معاً شهيدين يا محمود!

محمود: حسبي فخراً أن أموت معك!

عبد القادر: إن أدرك أخوتنا وأنت حي بعدي فقل لهم أنني سأذكرهم عند ربي فليذكروني بخير..

محمود:......!

عبد القادر: محمود.. محمود!.. لقد. لقي الله قبلي.. لا إله إلا الله.. محمد رسول الله.. فلسطين.. فلسطين.. يا موسى.. يا فيصل.. يا غازي.. كونوا مجاهدين.. المجد.. للعرب!

(ستار)

         

* جريدة (الإخوان المسلمون) المصرية بتاريخ : 25 / 4 / 1948