ذكرى من الشرق الأقصى

ذكرى من الشرق الأقصى *

بقلم الأديب الكبير: علي أحمد باكثير

مسرح الحوادث: مدينة سنغافورة

زمانها: قبيل إعلان الحرب العالمية الثانية على اليابان

- 1 -

مكتب الحكمدار بمركز البوليس العام

(تيانهو رئيس عصابة الفدائيين الصينيين أمام الحكمدار).

الحكمدار: أهو أنت يا مستر تيانهو؟

تيانهو: نعم يا صاحب السعادة إن صدق ظني فإنك لا تكره أن تراني!

الحكمدار: فيم امتنعت عن إخبار الجنود باسمك؟

تيانهو: لشدة رغبتي في مقابلتك وهؤلاء غلاظ الرقاب لو أخبرتهم باسمي لقبضوا علي فأخروني عن المقابلة.

الحكمدار: ألا تدري أنك أتعبت الجنود كثيراً وراءك؟

تيانهو: ما للجنود ومالي؟

الحكمدار: كأنك لا تعلم أنهم يبحثون عنك!!

تيانهو: بلى.. أعلم ذلك.

الحكمدار: فلم لم تظهر لهم من قبل؟

تيانهو: ليس ذلك بواجب علي.

الحكمدار: أنت متهم برياسة الإرهابيين الصينيين.

تيانهو: هل تستطيعون إثبات هذه التهمة؟

الحكمدار: لدينا قرائن كثيرة ومن أقواها اختفاؤك عن رجال البوليس.

تيانهو: أترون لزاماً علي أن أمتعهم بالنظر إلى أنفي الأفطس!

الحكمدار: لا تقدر أن تثبت أنك غير مشترك في هذه الحركة الإرهابية.

تيانهو: ولا أنت يا صاحب السعادة، بيد أن الأصل في براءتي وبراءتك حتى يضبطوني أو يضبطوك متلبساً بهذا العمل الذي تعدونه جريمة ويعده الصينيون جميعاً ديناً مفروضاً عليهم لوطنهم وحقاً واجباً على كل محب للحق والحرية من غيرهم.

الحكمدار: قاتلوا اليابانيين في بلادكم إن شئتم خدمتها.

تيانهو: سنقاتل اليابانيين في كل مكان فهم أعداؤنا في الصين وفي سنغافورة وفي كل صقع من أصقاع العالم.

الحكمدار: إن الإرهابيين الذين وقعوا في قبضة البوليس قد اعترفوا جميعاً بأنك رئيسهم.

تيانهو: ليس من الذوق أن أكذب دعواك في وجهك، ولكن ائتني بصيني واحد يقول هذا أمامي.

الحكمدار: قد لا يجرؤ على ذلك خشية أن تنتقموا من أهله وأولاده.

تيانهو: إن كان الخوف مني يحمله على كتمان شهادته فأولى أن يحمله الخوف منكم على أن يقول لكم ما يعلم أنه سيرضيكم.

الحكمدار: (يطرف هنيهة) وما الذي ساقك اليوم إلينا؟

تيانهو: كان عليك أن توجه لي هذا السؤال أول شيء. لقد جئت يا سيدي لأقول لك في صراحة تامة إن من يرى نشاطك في تتبع هؤلاء الصينيين الساعين لإنقاذ وطنهم من براثن الطغيان الياباني لا يسعه إلا أن يشك: هل تقوم بذلك من أجل لندن أو من أجل طوكيو، ولولا أن وجهك يختلف في الشكل واللون والملامح عن وجوه اليابانيين لحسبناك يا يابانياً جيء به خاصة لمطاردة الوطنيين الصينيين وقتل حركتهم المشروعة ضد أعدائهم.

الحكمدار: (في لهجة تنم عن السخرية) أشكرك على اعترافك بأن وجهي ليس بوجه ياباني.

تيانهو: لا مناص إذن من القول بأن البريطانيين يجرون في هذه البلاد على سياسة المناصرة السافرة للعدوان الياباني على الصين، وأن ما يتظاهرون به من العطف على الصين إنما هو نفاق وخداع.

الحكمدار: ليس أبعد من هذا عن المعقول، فالعالم كله يعلم أن عطفنا على الصين عطف صادق تمليه مصلحتنا الإمبراطورية ومصالح الدول التي تحالفنا.

تيانهو: إذن فقد بقي احتمال ثالث لا أرى من الذوق ولا من الكياسة أن أتهمك به.

الحكمدار: إنني أفهم ما تعني وأعلم أنك تعرف الحقيقة وإنما تتجاهلها نحن هنا مسئولون عن حفظ الأمن في البلاد، وعلينا أن نضرب على أيدي العابثين به مهما تكن جنسيتهم وأن نحمي السكان جميعاً ولو كانوا من رعايا اليابان.

تيانهو: أنا لا أنكر أن حماية السكان حق عليكم ولكن بسلوك الطرق العادية المألوفة في مثل هذه الأحوال أما أن تأخذوا الصينيين بمحض الظن ومجرد الشبهة فهذا غير مطلوب منكم ولا يمكن تفسيره إلا بأنكم حريصون على خدمة اليابانيين بكل ما في وسعكم، وإن لكم غرضاً آخر غير مجرد الرغبة في صيانة الأمن والنظام.

الحكمدار: لا نقدر أن نقف مكتوفي الأيدي وأنتم تنسفون كل يوم بيوت اليابانيين وحوانيتهم، ومؤسساتهم التجارية والمالية في هذا البلد، الذي ليس لكم حق التصرف في شئونه فافعلوا مثل هذا في بلادكم لا في بلاد الآخرين.

تيانهو: فهل يجوز لكم أن تدعوا اليابانيين يحاربوننا في هذه البلاد؟

الحكمدار: كلا.. إنهم لا يحاربونكم هنا بل في بلادكم.

تيانهو: ما كانوا ليقدروا على محاربتنا في بلادنا لولا هذه المنشئات وهذا النشاط الذي يبدونه في هذه البلاد وغيرها. إن كل دولار يربحونه هنا ليحاربوننا به في الصين.

الحكمدار: لكنا إن تركناكم تقومون بهذه الأعمال الإجرامية ضد الرعايا اليابانيين هنا كنا كأننا أعلنا الحرب على اليابان.

تيانهو: ستضطرون إلى إعلان الحرب على اليابان قريباً جداً.. أقرب مما تظنون!

الحكمدار: إلى أن يأتي ذلك اليوم سنبقى مضطلعين بواجبنا نحو رعاياها في هذه البلاد.

تيانهو: قد قلت لكم إننا لا ننكر عليكم اضطلاعكم بواجب المحافظة على الأمن والنظام، وإنما ننكر هذا الغلو والإغراق في مطاردة الصينيين إلى حد التحيز لأعدائهم حتى ليخيل إلى الناظر المحايد أنكم في حرب مع الصين.. هذه مثلاً حادثة نسف محلات كوزيكو اليابانية التي وقعت في الشهر الماضي، كيف جاز لكم أن تقبضوا على الستة والخمسين صينياً لمجرد كونهم يقيمون قريباً من موضع الحادثة دون أن تثبت عليهم أية تهمة؟ فليت شعري لو وقعت الواقعة على محل غير ياباني بل لو وقعت على محل إنكليزي أكنتم تتخذون مثل تلك الإجراءات الصارمة التي تنافي العدالة؟ إلى هذا الحد تحبون اليابانيين أو تخافونهم؟

الحكمدار: لا نحبهم ولا نخافهم ولكن الحكومة لا يسرها أن تدفع التعويضات كل يوم.

تيانهو: أي قانون في العالم يلزم حكومة من الحكومات بتعويض الخسائر التي تنتج عن حوادث الشغب في البلاد ما دامت قائمة بواجبها في حفظ الأمن غير مقصرة فيه؟ وهل تدفع الحكومة اليابانية للأجانب المقيمين في بلادها مثل هذا التعويض؟ فلماذا لا تعاملون اليابانيين في البلاد التي تحكمونها بمثل ما يعاملون الأجانب في بلادهم، أو في المناطق التي يحكمونها من بلادنا؟

الحكمدار: إن معظم التعويضات لا تدفع لليابانيين بل لشركات التأمين التي يؤمن فيها اليابانيون على أملاكهم ومنشآتهم، وهذه الشركات تنتمي إلى دول أجنبية مختلفة لا قبل لنا بإغضابها فهي دول صديقة.

تيانهو: (يصمت لحظة) هل تكفون عن هذه المطاردة الشنيعة لمناضلينا إذا اتبعوا طريقة أخرى في النكاية بأعدائهم لا تلزمكم البتة بدفع التعويضات؟

الحكمدار: ودون أن يخلوا بالأمن العام؟

 تيانهو: ودون أن يخلوا به.

الحكمدار: نعم سنكف..

تيانهو: اتفقنا إذن..

الحكمدار: ألا تحدثني ما هي الطريقة؟

تيانهو: هي رهن التفكير بعد.

الحكمدار: في رأسك؟

تيانهو: في رؤوس الصينيين أجمعين؟

الحكمدار: أنت رئيسهم!

تيانهو: (يضحك) كلا بل أنا أحدهم.

الحكمدار: أليس من الحزم أن أقبض الساعة عليك؟

تيانهو: (يضحك مقهقهاً) حتى أطفال الصينيين يعرفون أنني الآن عندك. ففي وسعك أن تقبض على هذا الشخص البريء ولكن ثق أنك ستضطر إلى إطلاق سراحه بعد يوم واحد.

- 2 -

في أحد المنازل بالحي الصيني حيث لا يجرؤ رجل البوليس أن يتجول ليلاً أو نهاراً إلا في طابور مدجج بالسلاح – تيانهو في جلسة سرية مع زعماء عصابته.

كيوشانج: لكن..

هوشونج: ممنوع الاعتراض!

كيوشانج: كلا لا نعترض وإنما ندلي بآرائنا والمرجع في النهاية إلى ما يراه الرئيس.

تيانهو: دعه يدلي برأيه يا هوشونج.

كيوشانج: لقد بدأ اليابانيون ينتفضون من حركتنا رعباً فكيف نوقفها؟

سويانجسي: أجل قد صار أحدهم لا يجرؤ أن يخرج من بيته ليلاً إلا بحراسة قوية.

كيوشانج: وضاق بكثير منهم المقام هنا فرحلوا إلى بلادهم.

تيانهو: هذا كله حق ولكنا تكبدنا في هذا السبيل خسائر جمة.

كيوشانج: لابد متن التضحية.

تيانهو: يجب أن يكون للتضحية ما يكافئها من النتائج، ونحن لا نشتبك اليوم مع اليابانيين بل مع الجنود الإنجليز.

كيوشانج: ما داموا يعترضون الطريق فلنشتبك معهم.

سويانجسي: إن لم يخلوا لنا الطريق فلا يلومُنَّ إلا أنفسهم..

تيانهو: أليس خيراً من ذلك أن نقصر قوانا على صراع اليابانيين وحدهم؟

سويانجسي: بلى، ولكن كيف السبيل إلى ذلك وهؤلاء الإنجليز يحمونهم؟

تيانهو: إن الإنجليز لا يحمونهم حباً فيهم.

كيوشانج: بيد أن النتيجة واحدة.

تيانهو: لقد اهتديت إلى طريقة لمحاربة أعدائنا أشد عليهم من اغتيال أفرادهم أو نسف حوانيتهم ومنشآتهم ولا يستطيع الإنجليز أن يحموهم منها.

كيوشانج: ما هي؟

تيانهو: أن نعاقب كل صيني يدخل دكان ياباني أو يتعامل معه أو يرتدي ثوباً أو يستعمل أي متاع أو أداة من صنع اليابان. وسنعد قائمة سوداء لأسماء الذين يخالفون عن هذا الأمر لنوقع بهم العقوبة التي يستحقونها من ضرب أو إهانة في أقرب فرصة تسنح لنا مع تذكيرهم بالخيانة التي ارتكبوها.

كيوشانج: هذه فكرة مدهشة!

شوبانجسي: قد يشكوننا إلى الحكومة؟

تيانهو: كلا لن يجرؤ أحد منهم على الشكوى فيشتهر بيننا بالخيانة وإلا فعقابه بالمرصاد إن تجرأ.

كيوشانج: هل يسري هذا الأمر على غير الصينيين؟

تيانهو: لا بل على الصينيين وحدهم.

كيوشانج: إذن فلن يكون هذا كافياً للقضاء على  التجارة اليابانية في هذه البلاد.

تيانهو: كلا بل سنجعل أثره يمتد إلى غير الصينيين بطريقة غير مباشرة!

شوبانجسي: كيف؟

تيانهو: سنطبق هذه العقوبة على كل صيني يتعامل أي تعامل مع أي أجنبي لا يقاطع اليابانيين هذه المقاطعة إن منا التجار والخياطين والنجارين وصانعي الأقفال وسائقي عربات (البيشع) ومطهري مراحيض البيوت، فمن ذا يجرؤ من الأجانب على تحدينا فتتعطل مصالحه الحيوية؟

كيوشانج: عجباً كيف لم نهتد إلى هذا من قبل؟

- 3 -

في دكان خياط صيني. صاحب الدكان يستقبل عميلاً له من الأهالي قد جاء بأولاده الثلاثة معه فيرحب بهم الصيني ويقدم لهم قوارير الغازوزة.

العميل: لا داعي إلى هذه الكلفة يا سيدي تنغهو.

الخياط: من أجل الأولاد فقط يا حاج عمر، إني أعتبرهم كأولادي.. لقد شهدت كل واحد منهم وهو طفل يحبو، وهاهم قد أوشكوا أن يكونوا رجالاً!

العميل: أجل إنهم يتعبونك كثيراً إذ تضطر في كل مرة أن تقيس على أبدانهم من جديد.

الخياط: لا والله أني ليسرني أن أراهم ينمون عاماً بعد عام.

العميل: ونحن الكبار آخذون في النقصان!

الخياط: هكذا الحياة يا حاج عمر، جيل يأتي وجيل يذهب!

العميل: (يقدم ربطة الأقمشة) هاهي ذي القطع يا سيد تنغو.. لعلها تعجبك.

الخياط: (يفتح الربطة فيتغير وجهه) ألم تجد في السوق غير أقمشة أعدائنا يا حاج عمر؟

العميل: أؤكد لك يا صديقي إني ما اشتريتها من دكان ياباني.

الخياط: ولكنها من صنع اليابان على كل حال.

العميل: الحق إني ما اشتريتها لأنها يابانية.

الخياط: لأنها أرخص؟

العميل: أي والله يا صديقي. إنك لتعلم الظروف الحرجة التي نحن فيها، النفقات تكثر والدخل يقل!

الخياط: يؤسفني يا حاج عمر إنني لا أستطيع خدمتك هذه المرة.

العميل: أترفض تفصيلها لأولادك؟

الخياط: بل هم أعز علي من أولادي، ولكني لا أستطيع، لا بأس أن تفصلها عند غيري هذه المرة.

العميل: لم يبق دون العيد غير يومين فلن أجد أحداً غيرك يرضى أن ينجزها قبله، هذه عادتي دائماً معك، آتيك في اللحظة الأخيرة فتقبل خدمتي ولا ترفضها.. إنني مستعد أن أزيدك في الأجر.

الخياط: (يتغير وجهه) أبعد صداقة خمسة عشر عاماً تتهمني بالطمع فيك يا حاج عمر؟

العميل: معذرة يا سيد تنغو.. ما قصدت إغضابك ولكن ماذا أصنع وليس في وسعي الآن أن أشتري غير هذه القطع؟ فصلها لي هذه المرة ولن أعود لمثلها أبداً.

الخياط: هل يرضيك أن يصيبني إخواني الفدائيون بسوء؟

العميل: أنى لهم أن يدروا؟

الخياط: هؤلاء لا تخفي عليهم خافية، فما يفتهم اليوم فلن يفوتهم غدا.

العميل: هل يرضيك يا صديقي أن تشرق شمس العيد على أولادك هؤلاء دون أن يفرحوا بملابس جديدة؟

الخياط: اختر لهم ما تشاء من هذه الأقمشة التي عندي إن شئت.

العميل: والثمن؟

الخياط: تدفعه حينما يتيسر لك..

العميل: قد يطول بك الانتظار!

الخياط: لا بأس.

العميل: إذن فهلموا يا أولادي اختاروا لكم من هذه الأقمشة.

- 4 -

في مكتب أحد معاوني البوليس – يدخل أحد الضباط فيقف أمام الحاجز الحديدي.

الضابط: شكاوي جديدة من الصينيين يا حضرة المعاون.

المعاون: أوه.. هذا شيء لا يطاق.. يظهر أننا لن ننتهي من هذه الشكاوى أبداً. دعهم يتقدموا.

الضابط: سمعاً يا سيدي (يخرج).

(يظهر تاجر هندي وسائق صيني فيمثلان أمام الحاجز)

المعاون: (للهندي) ماذا وراءك؟

الهندي: هذا السائق الصيني امتنع عن حملي في عربته بدون عذر.

المعاون: نفس الشكوى تتكرر! (للصيني) ماذا تقول يا هذا؟

الصيني: لا أستطيع القيام بخدمته وهو يرتدي هذا الثوب الياباني؟

المعاون: ألا تدري أنك ملزم بالخدمة ما دمت تسوق عربتك في الطريق العام، وهي خالية من الركاب؟

الصيني: هذا حق يا سيدي ولكني لن أجازف بمستقبلي من أجل شلن أو شلنين يدفعهما لي!

المعاون: تعني عصابة الإرهابيين؟

الصيني: جماعة الصينيين الأحرار يا سيدي.

المعاون: (للهندي) ماذا ترانا نستطيع أن نصنع لك؟

الهندي: يجب معاقبة أمثاله يا سيدي وإلا تعطلت مصالح الناس.

المعاون: هل يهمك يا سيدي ألا تتعطل مصالحك؟

الهندي: بالطبع.

المعاون: فاخلع عنك هذا الثوب الياباني وارتد ثوباً آخر وخلاك ذم!

الهندي: لكن..

المعاون: ما عندنا لك غير هذا فانصرف إلى عملك.

الصيني: شكراً لك يا سيدي على عطفك!

المعاون: دع جماعتك الإرهابيين يعطفوا عليك ويعوضوك!

الصيني: لا أريد منهم شيئاً يا سيدي فحسبي أنهم يخدمون الوطن!

(يخرج الهندي والصيني)

(يتقدم أحد الأهالي الماليزيين)

المعاون: وأنت ماذا عنك؟

الماليزي: أدركني يا سيدي المعاون أن مرحاض منزلي لم يُطَهّرْ منذ ثلاثة أيام.

المعاون: أين الصيني المكلف بذلك؟

الماليزي: امتنع عن أداء واجبه.

المعاون: لماذا؟

الماليزي: لأنه لمح على حبل الغسيل في منزلنا ثياباً من الأقمشة اليابانية!

المعاون: فاسترض صاحبك الصيني وجاره على هواه..

الماليزي: أهذا يا سيدي كل ما..

المعاون: لا تحاورني.. لا نستطيع أن نصنع لك شيئاً.

الماليزي: لكن كيف أسترضيه يا سيدي؟..

المعاون: هل طهر هذا الصيني مرحاض جارك؟..

الماليزي: نعم..

المعاون: فسل جارك ماذا صنع معه فافعل مثله، إياك أن تشغلنا مرة أخرى بمثل هذه الشكاوى التافهة.

- 5 -

في مكتب الحكمدار: القنصل الياباني عند الحكمدار.

القنصل: إني باسم حكومة الميكادو أطالب الحكومة المحلية بالضرب على أيدي هؤلاء الصينيين المشاغبين!

الحكمدار: لقد كنا نضرب على أيديهم حين كانوا يعبثون بالأمن العام وينسفون مخازنكم ومنشآتكم أما الآن وقد كفوا عن هذه الأعمال الإجرامية فأي سبيل لنا عليهم؟..

القنصل: أصبحوا يكرهون الناس على مقاطعة بضائعنا بالقوة.

الحكمدار: إن أحداً لم يتقدم بالشكوى من وقوع هذا الإكراه عليه.

القنصل: لا يجرؤ أحد من الصينيين المسالمين على تقديم الشكوى خيفة من هذا الإرهاب المنظم.

الحكمدار: ماذا عسانا أن نصنع؟..

القنصل: يجب على الحكومة أن تهاجم أوكار الإرهابيين في الحي الصيني فتطهره منهم.

الحكمدار: ألا تعلم يا سيدي القنصل أن الحي الصيني عالم مستقل بذاته تنطمس فيه المعالم على غير أهله ويستحيل التفريق فيه بين الإرهابيين منهم والمسالمين؟..

القنصل:هذا لا يعفي الحكومة من القيام بواجبها، فعليها أن تتذرع بوسائلها الخاصة لصيانة مصالح السكان من مختلف الجنسيات.

الحكمدار: هذا ما تضطلع به الحكومة دائماً على أتم وجه.

القنصل: لكنها لم تصنع شيئاً لحماية مصالح الرعايا اليابانيين، ونحن نسجل عليها هذا التقصير المعيب ونحتفظ بكامل حقنا في الاحتجاج عليه.

الحكمدار: أن الحكومة تعرف واجبها ولا تقبل اتهامها بأي تقصير.

القنصل: أن إغفاءها عن أعمال هؤلاء الجناة ليدل على أنها متواطئة معهم على تدبير هذه الشاملة لتجارتنا وبضائعنا.

الحكمدار: لا مصلحة للحكومة في هذه المقاطعة فإنها بذلك تخسر مبالغ عظيمة من رسوم البضائع اليابانية.

القنصل: لا نستطيع أن نفهم غرضها من هذه التضحية إلا أن تقصد مجاهرتنا بالعداء .

الحكمدار: هذه الدعوى لا برهان لك عليها، ويكفي لدحضها أن تذكر أن غاندي قد شهر علينا هذا السلاح في الهند فما وجدنا إلى اتقائه سبيلا.

القنصل: ذلك أن الهنود على حق في مطالبتكم بالخروج من الهند!

الحكمدار: "باسماً" وهؤلاء أيضاً على حق يا سيدي في مقاومة اعتدائكم على الصين.

"ستار"

       

* جريدة (الإخوان المسلمون)  المصرية  بتاريخ :  22 / 8 / 1948