أنا الموت

مسرحية من فصل واحد

علي محمد الغريب

-1-

المنظر:" غرفة نوم رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون"

الوقت:"في الثلث الأخير من الليل.. شارون نائم وحده في فراشه يتقلب يميناً وشمالاً.  الجو ساكن سكوناً موحشاً.. يدفع شخص ما نافذة الغرفة فتصفق مصارعها بقوة..  شارون يهب من فراشه مفزوعاً ويطلق أعيرة نارية من مسدسه في عشوائية".

شارون: (مرعوباً) من؟! من؟!.. يا حراس.. يا حراس  (يتجول في الغرفة بحذر.. يتوجه  نحو  النافذة ويجذب الستارة بيد والأخرى متحفزة لإطلاق الرصاص) لا أحد!! (يلتفت فجأة ثم يجذب ستارة أخرى، فينتفض في وجهه شاب في العشرين من عمره .. شارون يلقي بنفسه على السرير ويطلق الرصاص في ذعر) من أنت؟! من أنت؟!

الشابفي طريقة آلية) أنا الموووت.

شارون:الموت لا يرى ولا يتمثل بالبشر!

الشاب: سترونه في أرضنا.. في كل مكان وتحت كل حجر.

شارونيضحك في عصبية ليبدد خوفه) آه .. عرفتك أيها الموت.. أنت منهم (يطلق الرصاص على الشاب) خذ أيها الموت.. خذ.. خذ (يستمر في ضحكه وعصبيته).

الشاب يمشي بظهره باتجاه النافذة التي دخل منها، والدماء تسيل من كل مكان في جسده.. يصل إلى النافذة فيلقي بنفسه إلى الخارج).

شارونيصيح كالمجنون) أيها الجنود.. يا حراس.. أيها النائمون.. أيها الخونة (يدخل جماعة من الحراس بمسدساتهم).

حارس1:أوامرك يا سيدي القائد.

شارونيصوب مسدسه تجاههم ويهم بإطلاق الرصاص، لكنه يتراجع) لولا حاجتي إليكم لقضيت عليكم من فوري (في ثورة) ما فائدة وجودكم هنا؟.. تأكلون وتمرحون وتقبضون الرواتب نهاية كل شهر!! ألم تسمعوا طلقات الرصاص منذ قليل؟!

حارس2: سمعنا يا سيدي.. سمعناك وأنت تهدر في غضب!

شارون: يالك من وقح متبجح! تقولها هكذا؟! إذن أنت معترف بتقصيرك وهؤلاء الخونة في أداء واجبكم؟

حارس3: سيدي الرئيس، أنت تعلم أننا من أخلص حراسك ومن العاملين لمجد إسرائيل.

شارون: دعك من هذه الشعارات..أنا أعرفكم وأعرف أغراضكم.. لو أنكم تعملون لمجد إسرائيل لما توانيتم لحظة فور سماعكم إياي وأنا أستغيث وأطلق الرصاص!

حارس1: نحن تعودنا سماع صوت الرصاص والصياح، وكم مرة هرعنا إليك، فوبختنا واتهمتنا بالتجسس عليك وزوجتك.

شارون : أيها الخبيث.. صياحي على زوجتي لم يعدُ العتب البسيط، ولم أطلق عليها الرصاص، وإن فعلت فتهويشاً..أما هذه الليلة فالوضع مختلف.. لقد اقتحم أحد العرب غرفتي وهم بقتلي، لكنني عالجته بمسدسي.

حارس2: وكيف نستطيع أن نميز بين الرصاص الحقيقي ورصاص التهويش؟!

شارون: ألا تفهمون؟ ألم تسمعوا تتابع الطلقات.

حارس3: حسبناك تتعاتب وزوجتك!

شارون: لا تستغفلني أيها الروسي، وأخلص لإسرائيل واعمل لمجدها كما تدعي، بدلاً أن تبحث عن مبررات فارغة!

حارس3: سيدي.. سبق وأن دخلت غرفتك على إثر طلقات سمعتها، فوجدتك وزوجك... (ينظر لرفاقه ثم يبتسم في خبث) فنهرتني وحذرتني من تكرارها.

شارون: لكنك تعلم أني أنام لوحدي منذ تصاعد الأحداث، تحسباً لما حدث الليلة.

حارس1: لم نتلق أية تعليمات جديدة بالاقتحام.

شارون: إليكم تعليماتي من الآن.. لا تترددوا في الدخول عليّ إذا سمعتم ما يريبكم .. أريدكم إلى جواري دائماً.

حارس2: نحن رهن إشارتك سيدي القائد.

حارس3: أين جثة هذا المجرم، لنعرف هويته ومن أي الفصائل هو؟

شارون: ابحثوا عنه في الحديقة ستجدونه ميتاً.. ألقى بنفسه من النافذة بعد أن أفرغت مسدسي في صدره.

حارس1: طاب مساؤك سيدي الرئيس.. نعدك بأننا سننكل بكل الذين يثبت تورطهم في هذا الجرم الآثم، فالذي حدث الليلة نعتبره اعتداء على أمن إسرائيل واليهود في كل مكان (يشير لرفاقه بالانصراف، وينحني محيياً شارون.. يخرجون).

-2-

"نافورة في وسط حديقة منزل شارون..الوقت في الصباح الباكر..الحراس الثلاثة يبحثون ما حدث للرئيس قبل ساعات قليلة"

حارس3: قلت لكم من قبل إن هذا الرجل يرى أشياءً غير حقيقية.. لم يعد لدي صبر على البقاء هنا.. سأعود من حيث أتيت.

حارس1: لكننا سمعنا صياحه وطلقات مسدسه!

حارس3: أين من قتله؟.. لقد فتشنا الحديقة شبراً شبراً ولم نجد له أثراً .. الرجل يتوهم أنه يضرب ويقتل، وهذا غير صحيح .. شارون يخرف!

حارس2: خفض صوتك!

حارس3: ليس لدي ما أخاف عليه (يزفر في غيظ) عندما كنت في روسيا كان يعمل تحت إمرتي لواء حربي من ستمئة ضابط وجندي.. كنت مرشحاً لقيادة وزارة الدفاع هناك؛ فتركت كل هذا وأتيت إلى هنا لأحرس رجلاً حياته كلها خيالات وأشباح!

حارس1: لكنك أتيت إلى هنا باختيارك.

حارس3: هذا صحيح؛ فلم أكن أعلم أنني سأعاني هذا التوتر والاضطراب .. الرجل يخرف يا جماعة، فهو يصيح كل ليلة ويطلق الرصاص في الهواء!

حارس2: الوضع الليلة مختلف.

حارس3: (يضحك في سخرية) صدقت.. ففي الليالي السابقة كنا نسمع الصياح وصوت الرصاص فقط، أما هذه الليلة فقد استدعانا ووبخنا واتهمنا بالتقصير والخيانة!

حارس1: الرئيس يقول إنه قتل أحد الفلسطينيين.

حارس3: (في حدة) أين هذا القتيل؟

حارس2: ربما هرب؛ فالعرب كالقطط بسبعة أرواح.

حارس3: لو كان له أرواح قطط العرب مجتمعة، وأفرغ صاحبكم مسدسه في صدره كما يزعم لعثرنا على آثار دمائه على الأقل!

حارس1: ماذا تقصد بالضبط؟

حارس3: أقصد أن الرجل يعاني حالة نفسية سيئة، بعد أن قادنا جميعاً إلى لجج لن نخرج منها، فهو يخيل إليه أنه ملاحق دائماً، وأن المؤامرات لا تهدأ من حوله، برغم وجوده في حراسة ثلاثة من أكفأ الضباط في إسرائيل.

حارس1: (يتمطى فارداً ذراعيه إلى الوراء) دعنا الآن من الكفاءة، وادع لنا إحدى جندياتك لتعد لنا الإفطار، فقد أرهقنا هذه الليلة. 

-3-

"غرفة نوم شارون بعد شهرين من أحداث المشهد الأول.. شارون نائم في فراشه.. الوقت في الثلث الأخير من الليل.. النافذة تصفق في قوة ثم يدخل منها شاب قريب الشبه بالشاب السابق وشبحان لرجلين في أزياء ليست من عصرنا".

الشاب: (يقفز إلى فراش شارون واضعاً مسدسه فوق أنفه بينما انتحى الشبحان ركناً في الغرفة) تأخرت عليك؟

شارون: (يحُبس صوته من هول المفاجأة ولا يستطيع الصراخ فيتكلم بصوت مخنوق) من أنت؟ من هذان؟ ماذا تريدون؟!!

الشاب: سرعان ما نسيتني.. أنا الموووت.. وعدتك بالزيارة ووفيت.

شارون: (عيناه مثبتتان على المسدس الذي أثر في أنفه) كيف استطعت أن تخترق الحراس؟

الشاب: كما اخترقتهم في المرة السابقة.

شارون: هل أتيت إلى هنا من قبل؟!

الشاب: أنسيت الشاب الذي أفرغت مسدسك في صدره؟

شارون: لست هو.. الآخر أنحف منك وأقصر.

الشاب : أنا نفس الشاب الذي توهمت أنك قتلته  في المرة السابقة.. سآتيك في صور كثيرة.. رجل، شاب، شيخ وامرأة وطفل.. أنا الموووت.

شارون: (يشير برأسه في صعوبة تجاه الرجلين) وهذان؟

الشاب: ألم تعرفهما؟ يا لك من بليد الفهم ضعيف الذاكرة (يشير للأول) هذا سيدي السلطان صلاح الدين الأيوبي، والآخر الملك ريتشارد قلب الأسد.. عرفتهما؟

شارون: (مبهوتاً) ما هذا الكابوس الثقيل (ينادي) يا حرا....(يعاجله الشاب بلكمة في صدغه)..

شارون: دعني أشد شعر رأسي من العجب.. كيف يجتمع ريتشارد وصلاح الدين؛ العدوان اللدودان؟!

الشاب: ريتشارد أتى معاتباً مولانا السلطان لتفريطه في القدس وتسليمها لكم. فصحبه السلطان وقدما ينكران علينا هذا العار!!

شارون: أتريد أن تقنعني أن هذين ريتشارد وصلاح الدين، وأنك نفس الشاب الذي قتلته من قبل!! محال.. محال.. يبدو أنني محموم.. نعم أنا محموم.. أنا أخرف!

الشاب: (يجذبه من قفاه ويلقيه في أرض الغرفة) انهض وارفع يديك لأعلى.. لأعلى.

شارون: (يرفع يديه لأعلى) أيها العربي الطيب.. دعني وسترى مني كل الخير.

الشاب: ها.. هل عاد إليك صوابك؟ صدقت أن هذين مولانا السلطان والملك ريتشارد (يصوب مسدسه تجاه شارون ويهم بإطلاق الرصاص عليه).

شارون: (يبكي في ذلة) أيها العربي الطيب لا تقتلني.. أرجوك. سنجلو عن أرضكم.. دعني وسأسلمها للسلطة في الصباح.. سيكون قرار الجلاء عن أرضكم أول ورقة أوقعها في يومي.

الشاب: (ساخراً) أحقاً ستجلون عن أرضنا؟

شارون: أقسم لك بشرفي.

الشاب: أقسم بشيء آخر.

شارون: أعاهدك أمام هذين.. سآمر قواتي بالانسحاب فوراً.

الشاب: إلى أين؟

شارون: إلى أرضنا.. أرض 48.

الشاب: (يضحك ويقهقه غير عابئ بالليل والحراس ثم يقول في سخرية) كل هذا الكرم؟ ستعودون إلى أرض 48.. أرض48؟!!

شارون: ألا يرضيك هذا؟

الشاب: لا.

شارون :  ماذا تريد إذاً؟ أتريد تشريدنا؟

الشاب: ولا هذا أيضاً.. سنمنحكم مساحة في أرض 48 كما تريد.. لكن في باطنها!

شارون: كيف؟

الشاب: سأقول لك كيف.. في الزيارة القادمة (يهم بالانصراف) يديك لأعلى .. لأعلى (يخرج من النافذة ومعه صلاح الدين وريتشارد).

شارون: (ينادي بصوت خفيض لا يسمعه إلا هو ويداه مرفوعتان لأعلى كالممسوس) يا حراااس.. أنقذوووني.. صلاح الدين وريتشارد والعربي الوقح يتآمرون عليّ.. يا حراااس(لا أحد يجيبه.. يتلفت يميناً وشمالا ليتأكد من خلو المكان.. يتوجه ناحية فراشه ويديه لأعلى.. يسحب مسدسه ثم يطلق الرصاص في غزارة وهو يصرخ وينادي الحراس في هيستيريا) يا حرااس.. يا خونة (يدخل الحراس على إثر صوت الأعيرة النارية) يا خونة.. أيها النائمون.. هكذا أنتم لا تأتون إلا بعد فرار القتلة. أتدرون من كان عندي الليلة؟ (يخفض صوته ويوسع عينيه) كان عندي صلاح الدين الأيوبي وريتشارد قلب الأسد والعربي الذي قتلته!!

الحراس: (ينظر بعضهم إلى بعض)

شارون: لستم مصدقي؟ يا للأسف.. أغبياء!!

الحارس1يخرج هاتفه الجوال ثم يطلب رقماً) آلو.. مرحباً.. مستشفى الصحة النفسية؟ نعم.. أحدثكم من منزل رئيس الوزراء.. سيدي الرئيس يعاني اضطراباً نفسياً وهياجاً شديداً.. أنقذونا.

شارون: (يطلق الرصاص في عشوائية)

الحراس: (يكتفونه لئلا يؤذي نفسه ويؤذيهم)

شارون: لست مجنوناً.. أنتم المجانين.. لست مجنوناً.. لست مجنوناً.

ستار