الأم والولد

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

المشهد الأول :

السيدة فريدة في غرفتها يبدو عليها آثار السعادة والفرح

السيدة وداد زوجة عادل ابن السيدة فريدة في المطبخ تعد طعام العشاء لزوجها وهي تدندن بأغنية غير مفهومه

السيدة فريدة : الحمد لله الآن قد اطمأن قلبي وهدأ   لقد تزوج عادل وأرجو أن أفرح بتربية أولاده الذين سوف يملأون هذه الدار بهجة وسرورا بإذن الله

عادل : مساء الخير يا أمي أنا عدت  كيف حالك , كيف كان يومك ؟  أمي أصدقيني الخبر هل أنت سعيدة مع هذه العروس ؟

السيدة فريدة : بارك الله لك فيها يا بني إنها ابنة أصل  , تسعى دائما لأرضائي , وتحرص على سعادتي , ولا ترد لي طلبا   الله يرضى عليك وعليها

عادل : أنا كل همي سعادتك وراحتك يا أمي ,فليس عندي في الدنيا أغلى منك   ولن أحصل على ما يدانيك يا أمي يا ست الحبايب

الزوجة وداد : عادل هل أعّد لك العشاء ؟

عادل : لي ولأمي ولك .. لنا جميعا

وداد : أشارت بأصبعها إلى عينيها وهي تضحك بغنج ودلال ولما انتهت من إعداد الطعام نادت:

عمتي ... عادل .. هيا إلى الطعام

عادل : مدّ يده يريد أن يتناول لقمة يتذوقها

وداد : ضربته على يده وهي تقول :اصبر .. عمتي أولا .. لا يجب أن تبدأ الطعام قبل عمتي ( أمك)

عادل : نعم .. نعم .. كل الحق معك .. أنا آسف

السيدة فريدة :بسم الله الرحمن الرحيم ,, هيا ابدؤا

عادل :يتناول  لقمة ها ها ها ه إنها لذيذة  نعم هكذا الطعام وإلا (بلا)

السيدة فريدة : صحتين وعافية  هذا طبخ وداد  إنها فنانة بالطبخ   الشهادة لله ,,

وداد : لاتصدق هذا الكلام إنها توجيهات الوالدة وتعليماتها وأنا لم أفعل سوى تنفيذ الأوامر والتعليمات  فالفضل كله للوالدة سلمها الله

السيدة فريدة : الله يرضى عليك ويمدك بالقوة والعافية   .. يا عادل عندك درة ثمينة وجوهرة غالية  شعلة من النشاط وقمة في الأدب والذوق

عادل : مشغول بالأكل لا صوت ولا كلمة فقط يهز رأسه موافقا دون أن يتوقف عن المضغ وازدراد اللقم . ( مضت الأيام والشهور غلى هذه الحالة  سعادة وهناءة وحب يجمع الثلاثة في دوحة غناء من الرضا والشكر . وفي مساء أحد الأيام يدخل عادل على أمه ..)

عادل : أمي .. ما بك ؟ أرى مسحة من الهم والحزن على وجهك  !! هل ضايقتك وداد في شيء ؟ هل حدث بينكما شيء؟

السيدة فريدة : لا.. لا.. لا يا بني وداد .. وداد لو كانت لي بنت من لحمي ودمي لما عاملتني مثل ما تعاملني وداد  الله يرضى عليها ويقويها

عادل : ولكن ما بك يا أمي  أنا ابنك صارحيني , لا تتركيني هكذا نهبا للوساوس والأفكار السيئة

( وبعد الحاح وطول ترجي بدأت الأم تفصح لابنها عن سر حزنها وقلقها ..)

السيدة فريدة : قبل أن تتزوج يا بني كنت أستيقظ باكرا من الفجر أصلي وأتلو وردي ثم أبادر بهمة ونشاط لأنجز أعمال البيت وأسقي أصص الأزهار و و و .. 

عادل : والآن ما الذي تغير يا أمي هل منعتك وداد من فعل شيء  لا زلت أنت سيدة البيت وصاحبة الأمر والنهي فيه ويا ويل من يخالفك أو يزعجك

( ينادي على وداد ليسألها ويحذرهامن إزعاج أمه ) عادل : وداد .. وداد ...

السيدة فريدة : لا.. لا.. يا بني لم تفعل لي شيء أرجوك وداد : نعم  ماذا تريد يا عادل ؟

عادل : لا شيء إذا لم تكوني مشغولة أعدي لنا فنجانين من القهوة

وداد : على عيني ثلاثة فناجين .. حالا

السيدة فريدة : أنا يا بني بحاجة إلى الحركة .. بحاجة للعمل .. بحاجة لملأ وقت الفراغ بعمل مفيد

عادل : وما الذي يمنعك يا أمي البيت ومن فيه طوع أمرك وتحت تصرفك

السيدة فريدة : ما شاء الله على وداد تنهض من الفجر الباكر تصلي وتقرأشيئا من القرآن وتدعو بما تشاء ثم تباشر عملها ترتيب غرف النوم , كنس الدار كلها وتنظيفها سقابة أصص الأزهار , غسيل , أقوم لأساعدها أجدها قد انتهت ..

عادل : والله يا أمي إنها تريد راحتك  وتريد سعادتك وتقول لي دائما : إن أمك قد تعبت كثيرا , واشتغلت كثيرا وآن لها أن ترتاح , ومع ذلك سوف أكلمها بهدوء ,وأطلب منها أن لاتعمل عملا إلا بمشاركتك   هل أنت مرتاحة ؟ وداد: تدخل عليهما وهي تحمل صينية فيها ثلاثة فناجين تفوح منها رائحة البن المنعشة .. هل تأخرت عليكما   أنا آسفه   تتقدم من السيدة فريدة : تفضلي يا أحلى أم في العالم

السيدة فريدة : شكرا لك يا ابنتي   الله يرضى عليك . تفضل يا أحلى عادل وأغلى زوج .. تذوق هذه القهوة وقل لي رأيك فيها

عادل : دون أن أتذوقها أعرفها مصنوعة بأنامل ملائكية وبطريقة سحرية لامجال للإنتقاد أبدا سلمت وسلمت يداك

وداد: تجلس بجانب حماتها وتسألها : هل أعجبتك القهوة يا أمي ؟

السيدة فريدة : أوووه  لا يعلى عليها .. لا يعلى عليها

عادل : كنا نتحدث أنا وأمي عنك يا وداد .. كانت تقول لي : وداد هدية من رب العالمين لي , أكرمني الله بها , ماذا تفعلين معها في غيابي حتى أحبتك كل هذا الحب !!؟ وداد : إنها أمي الثانية يا عادل  بل أحب إلي من أمي هل تعلم لماذا ؟

عادل: لماذا : لماذا ؟ وداد : لأني أعيش معها ليلا ونهارا ولسانها لا يكف عن الدعاء لي هذه واحدة  والثانية أنها أهدتني زوجا مثلك لم أكن أحلم بمثله .. الحمد لله رب العالمين

السيدة فريدة : الطيبون للطيبات .. وأنت تستحقين أكثر أدام الله المحبة والوداد بينكما ومدّ في عمركما

وداد: ومدّ في عمرك يا أمي  ولكن ما بك إلى أين تريدين الذهاب , هل تحتاجين شيء ؟

السيدة فريدة :لا..لا.. استمتعا بوقتكما  أما أنا فقد شعرت بالنعاس إني ذاهبة لأنام   تركتكما بخير وتصبحان على خير وداد : وأنت بخير دائما يا أمي

عادل : وأنت تصبحين على خير ثم ينهض ويمسك بيدها ويقبلها ويطلب منها الرضا والدعاء . ثم يلتفت إلى زوجته بعد ذهاب أمه ويقول لها :إنها كانت تشتكي منك يا وداد !

وداد : مني أنا .. خير .. مم تشتكي ؟

غادل : إن أمي يا وداد بدأت تشعر بالملل بعد أن استلمت أنت منها كل أعمال المنزل , إنها لا تجد ما تتسلى به وتفعله  , صارت حياتها مملة ورتيبة , لو أنك أفسحت لها مجالا لمشاركتك والتحرك معك والعمل حتى تقتل فراغها

وداد : لا بأس .. غدا سترى أترك الأمر لي .  

المشهد الثاني :

في الصباح الباكر وعندما أحست وداد بحركة حماتها تصنعت حركة وأسقطت نفسها على الأرض وصاحت آه..آه.. ثم رمقت بطرف خقي حركة حماتها

السيدة فريدة : يا ويلي .. وداد .. ما بك يا وداد ؟

وداد: لا تخافي يا أمي لا تخافي  لا شيء  لاشيء شعرت بقليل من الدوار  ولم أتمالك نفسي فهويت إلى الأرض

السيدة فريدة : هل أصابك مكروه ؟ انهضي  انهضي  ( حضنتها من تحت ابطها وسحبتها إلى عرفتها  )استريحي ..استريحي النهار كله

وداد: تمددت على فراشها وهي تضحك في سرها

السيدة فريدة : هاهاه يا ماكرة( فعلتيها ) ولم تخبريني على كل حال هذا شيء لا يخفى ولا بدّ أن يظهر

وداد: ماذا تقصدين يا أمي ؟

السيدة فريدة : الحمدلله الحمد لله ,, والله أعلم أنك حامل  وهذه علامة واضحة   اسنريحي ولا تتعبي نفسك بعد الآن  أنا سأهتم بشؤون البيت

وداد: ولكن يا أمي ..

السيدة فريدة : لا (لكن) ولا ما يحزنون  استريحي يعني استريحي أنا سأفعل كل شيء ليس من أجلك هذه المرة   مع أنك غالية   ولكن من أجل عيون ( البيبي ) القادم .. اللهم احفظها وتمم عليها بخير يا رب ..

وداد : وهل أنت متأكدة يا أمي .. الله يسمع منك .. كم سيفرح عادل بهذا الخبر

وسارت عجلة الحياة بحب وسعادة واخذتا تتقاسمان العمل وتتشاركان الاهتمام بشؤون البيت  وعادت البسمة لترتسم عريضة على محيا السيدة فريدة وشاءت الأقدار أن تشعر وداد بعد عدة أيام بعوارض الحمل  حمل حقيقي هذه المرة فزفت الخبر لزوجها عادل الذي لم تسعه الفرحة فعما قريب سيصبح أبا

وداد: أرجوك يا أمي أن تتفرغي منذ الآن لتجهيز حاجيات الطفل(البيبي)ولوازمه واتركي أمر البيت ومشاغله لي .. أرجوك

السيدة فريدة : أتفرغ  ولما لا أتفرغ فهل أغلى من الولد إلا ولد الولد..

انتهى

وسوم: العدد 625