حوار مع (المعري)

clip_image001_41241.jpg

- طابت أوقاتك بكل خير يا أبا العﻻء وشيخ الحكماء وفيلسوف الشعراء ..

- أنا ﻻأستحق لقب أبي العﻻء .. ألم تسمعوا بقولي :

( دعيت أبا العﻻء وذاك مين 

ولكن الصحيح أبو النزول ) 

- هذا تواضع منك .. وهانحن نراك بيننا بعد ألف عام وأنت ملء سمعنا وبصرنا وبصيرتنا . . . ونحن نعلم سيرة حياتك الرصينة .. ولكن ..ألم يعرف الحب طريقه إليك ؟!

- تلك أيام الصبا .. ليس منها غير الذكريات .. ومن شعري في الصبا : 

( منك الصدود ومني بالصدود رضى

منذا علي بهذا في هواك قضى )

- ونحن نعلم أنك في شبابك كنت تتفاخر ؛ ولكنك تمزج هذا التفاخر بحكمتك المبكرة . ما الذي تذكره من عمر الشباب ؟ 

- ( أﻻ في سبيل المجد ما أنا فاعل

     عفاف وإقدام وحزم ونائل

    وإني وإن كنت اﻷخير زمانه

    ﻵت بما لم تستطعه اﻷوائل ) 

- فقدت بصرك طفﻻ .. ولكن بصيرتك ظلت متوقدة .. وهاأنت تبرح المعرة يافعا إلى حلب حيث أهل أمك "بنو سبيكة " الذين تقول فيهم :

( كأن بني سبيكة فوق طير

  يجوبون العزائز والوهادا )

ثم نراك تتنقل بين أنطاكية والﻻذقية وطرابلس الشام ، إلى أن تقصد بغداد ثم تغادرها مهموما مكتئبا .. وتلزم بيتك في المعرة رهين محبسيك . 

    يأخذ عليك كثيرون أنك كنت كثير الشك مما جعلهم يتحاملون عليك ويتهمونك في صدق إيمانك .. فهل لك رد عليهم ؟ 

- إن الذين يرمونني بذلك ﻻ يذكرون قولي المشهور :

( أثبت لي خالقا حكيما 

ولست من معشر نفاة)

وقولي : 

( يا خالق البدر وشمس الضحى

  معولي في كل شيء عليك  )

وقولي : 

( رددت إلى مليك الخلق أمري

  فلم أسأل متى يقع الكسوف)

- هذا صحيح يا شيخ الحكماء .. ولكنهم يرمونك بالشك وضعف اليقين ويزعمون أن ذلك وارد في شعرك .

- إنني أتعجب من الذين يتقولون على شعري .. أنا أدعو إلى تحكيم العقل والتفكير .. وهل في ذلك مخالفة لما ورد في كتاب الله : يعقلون . يفكرون . يتفكرون . يعلمون .

وهل يعيب شعري قولي :

( خذوا في سبيل العقل تهدوا بهديه

   وﻻ يرجون غير المهيمن راج )

وقولي : 

( وإنك إن تستعمل العقل لم يزل

  مبيتك في ليل بعقلك مشمسا )

- ولكنك متهم بنقدك الحاد لبعض مظاهر عصرك ، وعدم رضاك عنها في أحوال اجتماعية واقتصادية وسياسية ، ومﻻحظاتك في "رسالة الغفران" 

- نعم لقد فعلت ذلك . وما قلته يصلح لكل زمان ومكان .. وهل الدعوة إلى العدل والمساواة أمر بغيض ؟!! 

   لقد انتقدت الملوك فقلت : 

( تسمى رجال بالملوك جهالة

  وﻻ ملك إﻻ الذي خلق الملكا)

وقلت : 

( الناس للناس من بدو وحاضرة

بعض لبعض ، وإن لم يشعروا ، خدم )

   فهل في قولي هذا ما يعيبني ؟!

- هذا ﻻ يعيبك بل إنه يشرفك .. وهل انتقدت أحواﻻ اجتماعية أخرى ؟

- نعم .. دعوت إلى اﻹنصاف والمساواة 

( لقد جاءنا هذا الشتاء وتحته

   فقير ضعيف أو أمير متوج )

  ودعوت الى السﻻم والهدوء فقلت :

( فإن ترشدوا ﻻتخضبوا السيف من دم

   وﻻ تلزموا اﻷميال سبر الجرائح )

  وقلت : 

( وأصفح عن ذنب الصديق وغيره

  لسكناي بيت الحق بين الصفائح )

- ولكنك كنت كثير التشاؤم .. أتذكر قولك ( أولو الفضل في أوطانهم غرباء

   تشذ وتنأى عنهم القرباء  )

ويؤخذ عليك أنك أخذت المعنى من أستاذك المتنبي أبي المحسد في قوله :

( أفاضل الناس أغراض لذا الزمن 

  يخلو من الهم أخﻻهم من الفطن)

ويضحك أبو العﻻء مسرورا ويقول : ألم يقل المتنبي : 

( أنا الذي نظر اﻷعمى إلى أدبي ) 

والمتنبي كان يقصدني .. فأنا هو اﻷعمى الذي نظر إلى أدبه !!

وسوم: العدد 665