الأديب المختار الشاوي : الكاتب العربي هو نتاج احباطات متتالية

يعد المختار الشاوي من مواليد مدينة طنجة سنة 1964. وهي المدينة التي ترعرع ودرس فيها إلى حدود الباكالوريا. وقد استكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في تطوان. وبعد حصوله على شهادة الإجازة في الآداب الفرنسي، أكمل الكاتب تكوينه في فرنسا حيث حصل على دبلوم الدراسات المعمقة (1989)، ثم الدكتوراه في الأدب الفرنسي المعاصر (1994). ليعود بعد ذلك إلى المغرب بصفة أستاذ جامعي؛ ومن ثم، وفيما بعد، سيحصل على شهادة دكتوراه الدولة سنة 2000. خلال كل هاته السنوات، أصدر الكاتب العديد من الأعمال الأكاديمية، توزعت ما بين الكتب والكثير من المقالات الأكاديمية.  اهتم الكاتب في نفس الوقت بالكتابة التي استهوته منذ الصغر. فكانت أدراج مكاتبه مليئة بالقصائد والقصص التي بقيت حبيسة الرفوف، لم يجرؤ الكاتب أبدا على نشرها، معتبرا إياها غير لائقة بالنشر. ولعل من أبرز إصدارات المختار الشاوي ديوان شعر تحت عنوان ’’ اغلقوا الليل’’، تلته رواية ’’ لتسمح لي سيدتي بتطليقها’’ سنة 2008، وإصدارات أخرى آخرها رواية ’’ الصمت الأبيض’’ سنة 2014. ويُعتبر المختار الشاوي من أبرز كتاب الرواية المغربية الحديثة المكتوبة باللغة الفرنسية؛ نظرا للمواضيع الجديدة التي يتطرق إليها، إلى جانب أسلوبه في الكتابة الذي يدفع بالمتلقي إلى قراءة أعماله. فرواية المختار الشاوي تمتاز بواقعيتها وقوة نقدها للواقع المعاش خاصة عن طريق الهزل. فقد عرفت رواية ’’ الصمت الأبيض’’ نجاحا كبيرا وأدرجت ضمن لائحة العديد من الجوائز الأدبية المغربية والفرنسية، لتطرقها لمواضيع جديدة وانفرادها بأسلوب جديد في الكتابة يزاوج بين ما هو واقعي ووفني. 

§       هل الكتابة مسؤولية؟

إن الكتابة مسؤولية في حد ذاتها، قبل أن تكون مسؤولية اتجاه القارئ أو المجتمع. يجب على كل من يقرر الكتابة أن يتعامل معها بجدية ومثابرة وصبر. والأهم أن يعرف لماذا يكتب. فمَن يكتب من أجل الشهرة أو لإرضاء نرجسيته، فالأدب منه براء.  

§       يكتب المختار الشاوي بالفرنسية، هل تمنحك هذه اللغة مساحة أكبر أم أن هناك سبب آخر لاعتمادها كلغة للكتابة؟

اللغة الفرنسية بالنسبة لي أداة فقط. كل لغات العالم تمنح مسافات عريضة للكتابة. المهم هو أن يكون الكاتب يلم بتقنياتها. وعلى أية حال، فكتاباتي الأولى كانت بالعربية، إلا أن مصار دراستي وتكويني كان بالفرنسية. وعندما قررت البدء في النشر كان بديهيا أن أستعمل الفرنسية. هذا لا يعني أنني طلقت العربية بالثلاث. فسأعود إليها لا محالة. وأعتقد أن الذين ما زالوا يتحدثون عن الفرنسية كلغة المستعمر، أو لغة الكفار أو ما شابهها من نعوت، عليهم أن يستيقظوا من سباتهم ويتركوا الماضي وراء ظهرهم. فالكاتب بالفرنسية ليس فرنسيا ولا يكتب لمصلحة فرنسا وليس عميلا لفرنسا. علينا الاستعلاء عن هذه الترهات والافكار العقيمة ونعمل من أجل الأدب أيا كانت لغته. 

§       بدأت تكتب الشعر ثم تحولت إلى كتابة الرواية.. لماذا؟

بصراحة، لا أعرف. فأنا أكتب القصائد والقصص. الفرق يكمن في دور النشر التي تحبذ نشر الروايات نظرا لإقبال القارئ عليها. وحتى أكون أكثر صراحة، فأنا لا أعتبر نفسي لا شاعرا ولا كاتبا. فالشعر بالنسبة لي هو قمة الإنتاج الأدبي، وأنا ما زلت مؤلفا مبتدئا. أقول مؤلفا وليس شاعرا أو كاتبا. فالكاتب هو من يعيش للكتابة، صباح مساء، يزهد في الدنيا من أجل الكتابة، يعيش من أجل الكتابة، حياته هي الكتابة والكتابة هي حياته. أما أنا فلا أعدو أن أكون مؤلف قصائد وروايات، والكتابة ليست كل حياتي بل جزء منها فقط. ليس كل من يكتب قصائد شاعر، ولا كل من يكتب روايات كاتب. في الساحة الأدبية، هناك الكثير، الكثير، الكثير من المؤلفين والقليل، القليل، القليل من الشعراء والكتاب. وأنا لم أصل بعد إلى درجة كاتب ولا شاعر. أنا فقط مؤلف.

§       هل يمكن للأدب أن يترجم معاناة المجتمع الحديث؟

الأدب أنواع. منه من يترجم معاناة شخص ومنه من يترجم فئة من المجتمع ومنه من يترجم معاناة أمة. المهم، كما قلت سالفا، هو أن يعرف الكاتب لماذا ولمن يكتب. وفي اعتقادي أن على الكاتب أن يكون ابن بيئته وأن يكتب عن عصره ويترك الماضي للباحثين والمؤرخين.

§       في روايتك ’’ الصمت الأبيض’’، تطرقت لموضوع هام جدا وهو موضوع الطفولة المغتصبة بالمغرب، لماذا هذا الموضوع بالضبط؟

’’ الصمت الأبيض’’ كتبته أصلا من أجل إنقاذ أطفال المغرب المنسي من الموت. فلا يخفى على أحد أنه كلما حل فصل الشتاء ببرده وثلوجه وقساوته، كلما هلك العديد من سكان الجبال والقرى النائية، وخصوصا الأطفال منهم. فالرواية هي صرخة من أجل إيجاد حلول لهذا المشكل القاتل. هذا من جهة. ومن منظور الأدب المحض، فالرواية تعالج أيضا مفهوم الشاعر الفرنسي بودلير، والتي تقوم على أساس أن الكاتب علية أن يبقى طفلا لكي يستمر في الإبداع.

§       كيف يرى الأديب المختار الشاوي المشهد الأدبي المغربي والعربي اليوم، وبماذا يتميز عما مضى؟

المشهد الأدبي المغربي والعربي اليوم له ما له وعليه ما عليه. وإن كان ما عليه أكبر مما له، وذلك راجع للظروف السوسيو-اقتصادية للعالم العربي. فلا يخفى على أحد أن الثقافة عموما والأدب خصوصا هما آخر اهتمامات العرب والمغاربة. من الناحية السياسية هناك انعدام تام لعزيمة ترقى إلى تثقيف الشعب وتعليمه. العكس هو الصحيح. فالشعوب الجاهلة كقطعان بقر تسير حيث يأمرها مولاها. في هذا الجو المشؤوم، يصبح الكاتب كدون كشوط، يحارب المروحيات الهوائية ويقاوم التهميش من السلطات واللامبالاة من الشعب الذي يرى الأدب كمضيعة للوقت. الكاتب المغربي والعربي هو نتاج احباطات متتالية، وذلك ينعكس على كتاباته التي تبقى سجينة التنديد بالوضع المجتمعي والسياسي. وفي هذا التنديد كثير من البكاء والعويل والسخط والتمني وقليل من الأدب. من أعطوا العنان لمتخيلهم ونسوا وضعهم المزري واقترحوا مواضيع عالمية ذات بعد أدبي محظ هم قلائل. 

§       ما هو تقييمك لدور النشر بالمغرب؟ هل ترقى إلى المستوى المطلوب؟

 بطبيعة الحال، دور النشر بالمغرب لا ترقى إلى المستوى المطلوب. ولكن ليست هي المسؤولة على الحالة المزرية للأدب في المغرب. المسؤولية مشتركة بين كل الفاعلين الثقافيين، بما فيهم القراء. فلا يمكن لدار نشر، كيفما كانت عزيمتها، أن تكون فعالة في مجتمع لا يقرأ. عندما نعلم بأن دور النشر عليها الانتظار أكثر من 5 أو 6 سنوات من أجل بيع 1000 نسخة من إصدار أدبي، فهذا لا يشجع البتة أي ناشر على قبول ما يعرض عليه من كتابات. والنتيجة تتجلى في ضآلة الإصدارات الأدبية لدور النشر، في حين هناك اتسونامي إصدارات فردية يكون الشخص هو الكاتب والناشر والناقد والموزع.  

§       خلال السنوات الأخيرة ظهر نتاج أدبي كثير في الشعر والرواية.. ما هو تقييمك لهذا النتاجات؟

  

فعلا. النتاج الأدبي كثير وكثيف خلال السنوات الأخيرة وذلك راجع لتكنولوجيات النشر الجديدة. وإذا تمعنت في الإنتاج، تجد جله على حساب الكاتب، دون المرور بدور النشر ولا بلجن القراءة. وهذه معضلة أخرى.  فالكل أصبح يكتب والكل أصبح ينشر والكل يعتبر نفسه مبدعا، وحذار ثم حذار أن تنتقد ما ينشر. نحن نعيش عصرا، الكتابة فيه أكثر من القراءة. على أية حال، أنا لست ضد هذا الكم الهائل من الانتاجات لأنني واثق بأن الوقت له غربال كبير سيفرز به ما هو أدبي وما هو إنشائي. 

§       ما هو موقفك من النقد الأدبي، ونحن نشهد تراجعاً نقدياً فيما يكتبُ اليوم؟

يمكنني أن أقول إن بالمغرب نقاد كثيرون ولكن ليس هناك نقد أدبي. ما نقرأه هنا وهناك هي قراءات شخصية تنحصر في جل الأحيان على تقديم الكاتب وملخص الكتاب. بل أكثر ما يكتب هو لغاية التعريف والإشهار والبيع. والأفظع من هذا هو أن الكثير من الذين يسمون أنفسهم نقادا أدبيين يكتبون عن كتب لم يقرؤونها، أو قرأوا ملخصا عنها. بل حتى هذا الملخص هو من إنتاج الكاتب نفسه. فكم من مرة اتصل بي صحفيون طالبين مني إيفادهم بمضمون رواياتي لأجد نفس المضمون منشورا كما هو. المشكل الثاني هو استحالة تطوير نقد أدبي مع انعدام جرائد ومجلات وبرامج متخصصة. في اعتقادي أن النقد الأدبي الوحيد الذي يحظى ببعض المصداقية هو ما ينتج من رسائل جامعية. خارج الإطار الأكاديمي، لا وجود لنقد أدبي في المغرب.

§       ما تفسيرك لغياب دور المثقف في المشهد المغربي، خاصة غياب تفاعله مع الأحداث الأخيرة التي عرفها المغرب؟

لا أعتقد أن هناك غياب للمثقف في المشهد المغربي. كل ما هنالك أن صوته غرق بين ملايين الأصوات التي تتكلم. اليوم، الكل أصبح يلعب دور المثقف. الكل يتحدث ويناقش ويحلل ويقترح الحلول... و... و... و. الكل له قناته الخاصة يطل بها على العالم، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويدلو بدلوه فيما يعلم وما لا يعلم. مفهوم المثقف المتداول عليه في القرن الماضي قد ولى. المثقف اليوم هو المجتمع المدني. فلا نحمل المثقف ما لا يتحمله لأن دوره مات مع ولادة العالم الافتراضي.

§       كيف ترى مستقبل الثقافة في المغرب؟ وما هي قراءتك للمشهد الثقافي المغربي؟

 الثقافة ستبقى على حالها ما لم نصلح التعليم، ما لم نسمو إلى نظام ديموقراطي. عند الكاتب التشيكي الأصل، ميلان كونديرا، مقولة عميقة وجميلة في كتابه "فن الرواية"، يتحدث من خلالها عن وضع الأدب في عهد التشيكوسلوفاكيا الاشتراكية، مغزاها: أنه لا يمكن للثقافة ولا للأدب أن يتطورا تحت نظام ديكتاتوري.

 الخلاصة : ستبقى دار لقمان على حالتها.

§       يلاحظ أنك تجدد دائما الموضوعات التي تشتغل عليها في رواياتك، هل هذا التجديد راجع إلى أسباب معينة خاصة بالمختار الشاوي، أم أن الكتابة الروائية تستدعي التجديد والبحث عن آفاق أخرى للكتابة ؟

التجديد أصله رفضي للتكرار. أمقت تكرار المواضيع وطريقة سردها. أعتبر أن الكتابة هي قبل كل شيء مختبر للأفكار والحكي وكل تقنيات الكتابة. لهذا لا رواية لي تشبه الأخرى، مع أنني أحرص دائما على أن تكون نقط تواصل بين كل ما أكتب عبر شخصيات أو مواقف أو أحداث. أعتقد أن التكرار هو من معضلات الكتابة المعاصرة، خصوصا عند الكتاب المغاربة.

§       ما موقفك من المشهد السياسي المغربي كروائي ومثقف ؟

المشهد السياسي المغربي كارثي بكل المقاييس. أخطر شيء وقع في المغرب خلال ل 15 سنة الفارطة هو قتل الأمل. أي مجتمع يمكنه تحمل الفقر والحاجة، لكن لا يمكنه العيش مع فقدان الأمل. وللأسف، القائمون على الشأن المغربي قتلوا الأمل. فلا نفاجأ عندما نقرأ بأن أكثر من 90 بالمئة من المغاربة يسعون إلى الخروج من بلدهم. على النظام أن يعي هذا قبل فوات الأوان. العالم تغير والمغاربة كذلك، ولكن أسلوب المخزن في الحكم والتعامل مع المواطنين لم يتغير منذ قرون.

§       كيف تفسر الإقصاء الممنهج للرواية المغربية المكتوبة بالفرنسية في جائزة المغرب للكتاب، بحيث يلاحظ أن الرواية المكتوبة بالعربية هي المسيطرة دائما على هذه الجائزة؟

هذه من معضلات الثقافة في المغرب. الحساسيات والحروب المعلنة وغير المعلنة داخل اتحاد كتاب المغرب معروفة ولا داعي للخوض فيها. كلمة اتحاد في حد ذاتها "عبثية" ومضحكة داخل كيان تسوده المحاباة والنبذ.  وأصدقك القول، كلما تمعنت فيما يقع داخل اتحاد كتاب المغرب كلما استحضرتني مقولة فيكتور هوغو: " أكبر وأمقت كراهية هي التي توجد بين الكتاب".

 مسألة الجوائز الأدبية في المغرب هي في حد ذاتها أضحوكة لأن غاية الجائزة الأدبية هي إعطاء شحنة للأدب. في حين، نرى أن الفوز بالجائزة في المغرب لا يسمن ولا يغني من جوع، اللهم بعض المقالات في بعض الجرائد التي لا يقرأها أحد.

§       ككاتب هل هناك نصائح تقدمها للكتاب المغاربة الشباب؟

نصيحتان لا ثالث لهما.

القراءة والقراءة ثم القراءة قبل الكتابة. التأني في النشر. السرعة لا تقتل فقط في الطريق بل تقتل الأدب أيضا. §       هل هناك أعمال جديدة تشتغل عليها حاليا ؟

حاليا هناك رواية عند الناشر تنتظر موعد إصدارها. وهي تتمة للصوت الأبيض. لكن هذه المرة ستكون مليئة بالأصوات الملونة.

أتمنى أن تكون عند مستوى القراء.

وسوم: العدد 784