الحريري لـ"عربي21": الأسد يمثل دور المنتصر بمسرحية الانتخابات

رفضت المعارضة السورية إجراء النظام لانتخابات مجلس الشعب مؤكدة أنها غير شرعية- جيتي

 النظام يريد أن يتابع حالة الانفصال عن الواقع بمعزل عما يحصل على الأرض

"الانتخابات" تفتقر إلى أي مقوم من المقومات الضرورية لعملية انتخابية نزيهة أوحقيقية

 

لا تأثير مباشرا للانتخابات على المسارات السياسية لكنها تكشف طبيعة نوايا النظام السوري

 

منذ انقلاب البعث على السلطة لم تعد توجد مساحة لأي موقف معارض أو مختلف بسوريا

 

إطار الانتخابات الوحيد المقبول يجب أن يكون ضمن ديناميكيات قرار مجلس الأمن الدولي 2254

تحدث الرئيس الجديد للائتلاف السوري المعارض، نصر الحريري، في مقابلة خاصة لـ"عربي21"، الخميس، عن انتخابات برلمان النظام السوري الأخيرة، متناولا دوافعها وشرعيتها وأثرها على المسار السياسي. 

والحريري شخصية حظيت بمناصب قيادية كبيرة في المعارضة السورية، وانتخب حديثا لرئاسة الائتلاف السوري، وكان يشغل رئيسا لهيئة التفاوض، ويعد مطلعا على المسار السياسي في سوريا ومفاوضا بارزا للحل السياسي منذ إعلان الائتلاف السوري الذي كان أمينه العام قبل سنوات.

وتاليا نص المقابلة الكاملة للحريري مع "عربي21":

ما رأيكم في إصرار النظام السوري على إجراء انتخابات مجلس الشعب ولماذا لا ترونها شرعية؟

بداية هذه ليست انتخابات، هذا إجراء مخابراتي أمني مخصص للاستهلاك الإعلامي على وسائل ترويج الأكاذيب التي تديرها الأفرع الأمنية للنظام.

النظام يريد أن يتابع حالة الانفصال عن الواقع بمعزل عما يحصل على الأرض، وأن يمثل دور المنتصر، وكأن الأوضاع في سوريا استقرت وعادت كما كانت عليه.

وفي ذهنية النظام، هناك رفض مطلق للعملية السياسية، وكل ما يتعلق بها، ومن خلال إصراره على متابعة إجراءات من هذا النوع، فإنه يوهم نفسه ونفسه ويحاول أن يوهم الآخرين بأن النظام على ما يرام. هذه العملية الانتخابية بالذات تعني إنكارا لأي التزام بالعملية السياسية والحل السياسي. 

النظام من جانب آخر، يحتاج إلى تمرير الوقت، ريثما يقع تغيير ما، أو يقوم بافتعال كارثة جديدة، أو تقع أزمة تشغل الناس. وهذا النوع من الإجراءات يأتي لملء الفراغ، لذلك فهو بحاجتها ويستفيد منها داخليا.

على العموم، هذه "الانتخابات" تفتقر إلى أي مقوم من المقومات الضرورية لعملية انتخابية نزيهة أوحقيقية.

لم يكن لهذا النظام وحزبه أي فرصة في الوصول إلى السلطة أو إلى مقاعد البرلمان السوري في الستينيات؛ من خلال صناديق الاقتراع. هذا النظام نظام انقلابي غير شرعي، ولا يؤمن بأي نوع من الاحتكام إلى رأي الشارع.

الإجراءات الحالية غير شرعية على إطلاق، ونتائجها تخرج من أفرع المخابرات جملة وتفصيلا ولا علاقة لها بأي شكل من أشكال بإرادة الشارع السوري ولا برغباته.

هل يؤثر إجراء النظام السوري للانتخابات على مسار أستانا وعمل اللجنة الدستورية؟

لا يوجد تأثير مباشر لهذه الانتخابات على المسارات السياسية، لكن هذه الإجراءات تكشف عن طبيعة نوايا النظام السوري، وأنه غير جاد تجاه العملية السياسية، وأنها لا تعني بالنسبة له شيئا، فعلى العكس، هو يستخدمها لإضاعة الوقت، ريثما يتمكن من إلغاء أي قيمة للعملية السياسية.

حلفاء النظام يساعدونه على ذلك. روسيا عطلت المؤسسات الدولية طوال عشر سنوات، وصارت الدول دائمة العضوية تستجدي النظام وحلفائه من أجل مجرد الموافقة على قرار لتمديد إدخال المساعدات للشعب السوري.

هذا الواقع يجب أن يتغير، المجتمع الدولي مسؤول بشكل فعلي عن خياراته في الملف السوري، وكيف أدت تلك الخيارات والعجز عن مواجهة الجرائم إلى زيادتها، وتصاعد العنف، وتفاقم الأزمة بشكل غير مسبوق. بما في ذلك تجرؤ النظام على إجراء مثل هذه المسرحيات، التي تشير إلى عدم اكتراثه بجميع القرارات الدولية، وبكل ما يتعلق بالحل السياسي.

هل كانت لديكم كمعارضة خلال السنوات الماضية منذ بدء الثورة السورية فكرة عمل برلمان مواز أم إن لديكم رأيا بذلك جعلكم لا تجرون انتخابات تشريعية، ففي الحالة الليبية مثلا هناك برلمان طبرق وبرلمان في طرابلس؟

المؤسسة الرسمية لقوى الثورة والمعارضة السورية والممثلة للشعب السوري هي مؤسسة الائتلاف، وهذه المؤسسة مؤسسة ثورية، والهدف من ورائها هو تحقيق تطلعات الثورة السورية، الائتلاف ليس هدف الثورة، بل هو مؤسسة سياسية لتمثيل الثورة السورية إلى حين انتصارها.

هناك محاولات مستمرة لتطوير عمل الائتلاف، وتعزيز دوره ومكانته على الساحة السورية قبل أي ساحة أخرى كممثل لتطلعات الشعب السوري وآماله.

الظروف في ليبيا مختلفة كليا.. بالنسبة لنا، فإن إطار الانتخابات الوحيد المقبول يجب أن يكون ضمن ديناميكيات قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

وهذا يعني ضرورة توفير بيئة آمنة سياسيا وقانونيا وأمنيا، مع تطبيق البنود الإنسانية، مع إطلاق سراح المعتقلين، والتوقف عن ملاحقة الناشطين، وإعلان الحريات العامة في البلاد، وتأسيس هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات.

بعد ذلك واستنادا إلى عمل اللجنة الدستورية لإنتاج دستور جديد، يتم الإشراف على انتخابات برلمانية ورئاسية، تراقبها منظمات دولية ومنظمات المجتمع المدني، ويشارك فيها كل السوريين بمن فيهم المهجرين.

كيف تنظرون إلى اهتمام النظام السوري في إعلامه بإظهار الاقتراع في مناطق في الشمال السوري لا سيما بإدلب وحلب وحماة، التي سلبها من المعارضة مؤخرا؟

هذه مشاهد ضمن نفس المسرحية، وهي في حقيقتها محاولة لاستعراض استبداد النظام وعنجهيته أمام الشعب السوري.

لا يمكن أن نتوقع أي سلوك آخر من نظام كهذا. نظام قتل مئات الآلاف من أبناء الشعب بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والصواريخ البالستية، وباع البلد للمحتلين الروس والإيرانيين، وهجر نصف الشعب السوري، ونفذ عمليات تعذيب وإعدام وتجويع في سجونه على مستويات أفظع من الهولوكوست.

لا يوجد حدود منطقية لما يمكن لهذا النظام أن يقدم عليه، وقد استخدم المدنيين بكل الوسائل الممكنة سواء كدروع بشرية، أو عبر حصارهم وتجويعهم، إضافة إلى استخدامهم للعرض على شاشاته.

منذ انقلاب البعث على السلطة، لم تعد توجد أي مساحة لأي موقف معارض أو حتى مختلف في سوريا. المدنيون مهددون بالاعتقال، وليس هناك أي شيء يضمن لهم الحماية أوالأمن في حال عبروا عن معارضتهم أو عن آرائهم بحرية.

هذه مقابلات عادة ما تكون مسجلة، وقد تم تلقين المشاركين فيها بكل كلمة. هذه مسألة معروفة، مثل سائر المسيرات "العفوية" التي ينظمها النظام من خلال إلزام الطلاب والموظفين وتخويف المدنيين بكل وسيلة ممكنة في حال لم يشاركوا.

كثير من السوريين عاشوا مثل هذه المعاناة ويعرفون بالضبط ما يعنيه الإعلان عن أي موقف معارض في ظل النظام.

حتى المغتربون والمهجرون في بلاد الاغتراب يشعرون بالقلق عندما يطلب منهم التعبير عن مواقفهم السياسية، خوفا على أقربائهم الذين لا يزالون في الداخل.

ما رأيكم بالإقبال الضعيف على الانتخابات، على ماذا يؤشر؟

المسرحية بكاملها كانت محضرة بشكل رئيس للعرض على الإعلام، وليس لها قيمة قانونية أو شرعية أو مؤسسية.

النظام اليوم لا يملك الإمكانات اللازمة لتنفيذ مسرحية انتخابية كاملة، وفرضها على الجميع، وإلزامهم بالمشاركة، لذلك وحيثما تمكن السوريون من تجنب المشاركة والبقاء في منازلهم أو متابعة أعمالهم فقد فعلوا ذلك.

يشار إلى أن حزب الأسد "البعث" فاز بغالبية المقاعد في مجلس الشعب، إذ يسيطر عليه منذ عقود. 

وكان يعد فوز حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، محسوما، الذي خاض الانتخابات ضمن ما يعرف بقوائم "الوحدة الوطنية"، التي تضم مرشحين تختارهم قيادات الأحزاب التي تشكل "الجبهة الوطنية التقدمية" مع "البعث".

وأصر النظام السوري على إجراء انتخابات مجلس الشعب، الأحد الماضي، معتبرا ذلك "استحقاقا دستوريا" كما نص دستور 2012.

وأتت الانتخابات في ظل رفض المعارضة السورية والمجتمع الدولي لها، إلى جانب تهجير ملايين السوريين خارج سوريا.

يذكر أن هذه المرة الثالثة التي يقوم فيها النظام السوري بإجراء انتخابات برلمانية منذ اندلاع الأزمة في 2011، حيث أقام الانتخابات في عامي 2012 و2016.

وسوم: العدد887